در آثار شیخ بهایی:

کشکول

الأوصاف الستة التي نصفه بها جل و علا إنما هي على قدر عقولنا القاصرة و أوهامنا الحاصرة، و مجرى عاداتنا من وصف من نمجده بما هو عندنا و في معتقدنا كمال أعني أشرف طرفي النقيض لدينا.

و إلى هذا النمط أشار الباقر محمد بن عليّ عليهما السلام مخاطبا لبعض أصحابه: و هل سمي عالما قادرا الا أنه وهب العلم للعلماء و القدرة للقادرين، فكل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم، مردود إليكم، و لعلّ النمل‏ الصغار تتوهم أنّ للّه تعالى زبانتين كمالها، فإنها تتصور أنّ عدمها نقص لمن لا يكونان له، و على هذا الكلام عبقة نبوية تعطر مشام أرواح أرباب القلوب كما لا يخفى.

و قد حام حوله من قال من أهل الكمال:

آنچه پيش تو غير از آن ره نيست‏

غاية فهم تست اللّه نيست‏

و إليه أيضا ينعطف قول بعض العارفين في ارجوزة له:

الحمد للّه بقدر اللّه‏

لا قدر وسع العبد ذي التناهي‏


الحمد للّه الذي من أنكره‏

فإنّما أنكر ما تصوره‏

 و للّه در الفاضل أفضل الدين الكاشي حيث يقول:

گفتم همه ملك حسن سرمايه تست‏

خورشيد فلك چو ذره در سايه تست‏

گفتا غلطى زمانشان نتوان يافت‏

از ما تو هرآنچه ديده پايه تست‏

 و الحاصل أنّ جميع محامدنا له جل ثناؤه و عظمت آلاؤه، اذا نظر إليها بعين البصيرة و الاعتبار، كانت منتظمة مع أقاويل ذلك الراعي، الذي مر به موسى «ع» في سلك،

و منخرطة، مع الماء الذي أهداه ذلك الأعرابي إلى الخليفة في عقد، فنسأل اللّه تعالى قبول بضاعتنا المزجاة، بجوده و امتنانه، و عفوه و إحسانه إنه جواد كريم رءوف رحيم.

فيك يا اغلوطة الفكر

تاه عقلي و انقضى عمري‏

سافرت فيك العقول فما

ربحت الا أذى السّفر

رجعت حسرى و ما اطلعت‏

لا على عين و لا أثر[1]

قال المحقق الطوسي في شرح رسالة العلم، ما صورته: نعم ما قال عالم من أهل بيت النبوة، يعني محمد بن علي الباقر عليه السلام: هل تسمي عالما قادرا الا لأنه وهب العلم للعلماء و القدرة للقادرين، و كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه، مخلوق‏

مصنوع مثلكم مردود إليكم؛ و الباري تعالى واهب الحياة. و مقدر الموت، و لعل النمل‏ الصغار تتوهم أن للّه زبانيتين، كمالها و يتصوران عدمهما نقصان لمن لا يكونان له هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به و اليه المفزع.[2]


[1] الكشكول ؛ ج‏۲ ؛ ص۲۷۵-۲۷۶

[2] الكشكول ؛ ج‏۳ ؛ ص۲۸۱-۲۸۲

العروه الوثقی

و قد عرفت فيما سبق انّ هذه السّورة الكريمة مقولة عن السنة العباد و لا ريب ان حمدهم جار على طبق ما يعتقدونه ثناء و يعدّونه مدحا و تمجيدا بحسب ما أدّت اليه ما لو فاتهم و استقرّت عليه متعارفاتهم و هذا يؤذن بتوسيع دائرة الثّناء و عدم تضيّقها بالقصر على ما هو كذلك بحسب نفس الأمر فإنّ ما يثنى به عليه سبحانه ربّما كان بمراحل عن سرادقات كماله و بمعزل عن ان يليق بكبرياء جلاله لكنّه جلّ شانه رخص لنا في ذلك و قبل منّا هذه البضاعة المزجاة لكمال كرمه و إحسانه بل اثابنا عليها بوفور لطفه و امتنانه كما انه سبحانه لم يوجب علينا ان نصفه الّا بمثل الصّفات التي ألفناها و شاهدناها و كانت بحسب حالنا مزيّة و بالنّسبة إلينا كما لا كالكلام و الحيوة و الإرادة و السّمع و البصر و غيرها ممّا أحاطت به مداركنا و انتهت إليه طليعة أوهامنا دون ما لم تصل إليه أيدي عقولنا و لا تتخطى الى عزّ ساحة اقدام أفهامنا و ناهيك في هذا الباب بكلام الامام ابى جعفر محمّد بن على الباقر عليه السّلم فقد روى عنه انه قال لأصحابه كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم و لعلّ النّمل‏ الصّغار تتوهّم ان للّه زبانتين فانّ ذلك كمالها و يعتقد انّ عدمهما نقصان لمن لا يتّصف بهما و هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به و الى اللّه المقرع و من تأمّل هذا الكلام الشّريف بعين البصيرة فاحت عليه من أزهاره نفحة قدسيّة تعطّر مشامّ الأرواح و لاحت لديه من أنواره شعشعة إنسيّة تحيي رميم الاشباح هذا و انّما لم يعامل الحمد هنا معاملة سائر أخويه من المصادر المنصوبة على المفعوليّة المطلقة بعامل مقدّر لا يكاد يذكر نحو شكرا و عجبا و جعل متحلّية بحلية الرّفع بالابتداء إيثارا للدّوام و الثّبات على التّجدّد و الحدوث و اشعارا بأنّه حاصل له تعالى شانه من دون ملاحظة إثبات مثبت[1]


[1] العروة الوثقي في تفسير سورة الحمد ؛ ص۳۹۸

الاربعون حدیثاً

تبصرة [معرفة اللّه‏]

المراد بمعرفة اللّه تعالى الاطّلاع على نعوته و صفاته الجلالية و الجمالية بقدر الطاقة البشرية. و أمّا الاطّلاع على حقيقة الذات المقدّسة فممّا لا مطمح فيه للملائكة المقرّبين و الأنبياء المرسلين فضلا عن غيرهم، و كفى في ذلك قول سيّد البشر: «ما عرفناك حقّ معرفتك»[1] و في الحديث: «إنّ اللّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، و أنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم»[2] فلا تلتفت الى من يزعم أنّه قد وصل الى كنه الحقيقة المقدّسة، بل احث التراب في فيه، فقد ضلّ و غوى، و كذب و افترى، فإنّ الأمر أرفع و أطهر أن يتلوّث بخواطر البشر، و كلّ ما تصوّره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ، و أقصى ما وصل إليه الفكر العميق فهو غاية مبلغه من التدقيق، و ما أحسن ما قال:

آنچه پيش تو، غير از آن ره نيست‏

غايت فهم توست، اللّه نيست‏

 بل الصفات التي نثبتها له سبحانه و تعالى إنّما هي على حسب أو هامنا و قدر أفهامنا، فانّا نعتقد اتصافه سبحانه بأشرف طرفي النقيض بالنظر الى عقولنا القاصرة، و هو تعالى أرفع و أجلّ من جميع ما نصفه به.

و في كلام الإمام أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر عليه السّلام إشارة الى هذا المعنى حيث قال: «كلّ ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم، مردود إليكم. و لعلّ النمل‏ الصغار تتوهّم أنّ للّه تعالى زبانيتين فإنّ ذلك كمالها. و تتوهّم أنّ عدمهما نقصان لمن لا يتصف بهما. و هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به». انتهى كلامه صلوات اللّه عليه و آله.

قال بعض المحقّقين: هذا كلام دقيق رشيق أنيق صدر من مصدر التحقيق و مورد التدقيق، و السرّ في ذلك أنّ التكليف إنّما يتوقّف على معرفة اللّه تعالى بحسب الوسع و الطاقة، و إنّما كلّفوا أن يعرفوه بالصفات التي ألفوها و شاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إليهم.

و لمّا كان الإنسان واجبا بغيره عالما قادرا مريدا حيّا متكلّما سميعا بصيرا كلّف بأن يعتقد تلك الصفات في حقّه تعالى مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها الى الإنسان بأن يعتقد أنّه تعالى واجب لذاته لا بغيره، عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، و هكذا في سائر الصفات، و لم يكلّف باعتقاد صفة له تعالى لا يوجد فيه مثالها و مناسبها بوجه. و لو كلّف به لما أمكن تعلّقه بالحقيقة. و هذا أحد معاني قوله عليه السّلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» إنتهى كلامه.

و اعلم انّ تلك المعرفة التي يمكن أن يصل اليها أفهام البشر لها مراتب متخالفة و درج متفاوتة. قال المحقّق الطوسي طاب ثراه في بعض مصنّفاته: إنّ مراتبها مثل مراتب معرفة النار مثلا فإنّ أدناها من سمع أنّ في الوجود شيئا يعدم كلّ شي‏ء يلاقيه، و يظهر أثره في كلّ شي‏ء يحاذيه، و أي شي‏ء اخذ منه لم ينقص منه شي‏ء و يسمّى ذلك الموجود نارا. و نظير هذه‏

المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة المقلّدين الذين صدّقوا بالدين من غير وقوف على الحجّة.

و أعلى منها مرتبة من وصل إليه دخان النار و علم أنّه لا بدّله من مؤثّر فحكم بذات لها أثر و هو الدخان. و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة أهل النظر و الاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع.

و أعلى منها مرتبة من أحسّ بحرارة النار بسبب مجاورتها و شاهد الموجودات بنورها و انتفع بذلك الأثر. و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه سبحانه و تعالى معرفة المؤمنين الخلّص الذين اطمأنت قلوبهم باللّه و تيقّنوا أنّ‏ اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏[3] كما وصف به نفسه.

و أعلى منها درجة مرتبة من احترق بالنار بكليته و تلاشى فيها بجملته. و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة أهل الشهود و الفناء في اللّه، و هي الدرجة العليا و المرتبة القصوى، رزقنا اللّه الوصول إليها و الوقوف عليها بمنّه و كرمه. إنتهى كلامه أعلى اللّه مقامه.

و لا يخفى أنّ المعرفة التي تضمّنها صدر هذا الحديث هي المرتبة الثالثة و الرابعة من هذه المراتب، و اللّه أعلم.[4]


[1] ( ۲) عوالي اللئالي: ج ۴ ص ۱۳۲ح ۲۲۷.

[2] ( ۳) تحف العقول: ص 245 ضمن خطبة الإمام الحسين عليه السّلام في التوحيد.

[3] ( ۱) النور: ۳۵.

[4] الأربعون حديثا ؛ ص۸۰-۸۲