پیوست شماره ٢:ارتکاز در کلام فقهاء(از ابتدا تا شیخ انصاری)
- محقق سبزواری
- علامه مجلسی
- صاحب حدائق
- محقق بهبهانی
- حاشیه بر مدارک الاحکام
- مصابیح الظلام
- صاحب جواهر
- صاحب عناوین
محقق سبزواری
قلت: صحّة المراجعة إلى أرباب الصناعات البارعين في فنّهم في ما اختصّ بصنائعهم ممّا اتّفق عليه العقلاء في كلّ عصر و زمان فإنّ أهل كلّ صنعة يسعون في تصحيح مصنوعاتهم و صيانتها و حفظها عن مواضع الفساد و يسدّون مجاري الخلل بحسب كدّهم و طاقتهم و مقدار معرفتهم بصنعتهم، لئلّا يسقط محلّهم عندهم و لا يشتهروا بقلّة الوقوف و المعرفة في أمرهم و إن كان فاسقا ظالما في بعض الأفعال و هذا أمر محسوس في العادات مجرّب مرتكز في النفوس و الطبائع المختلفة[1].
[1] رسالة في تحريم الغناء (للمحقق السبزواري)؛ ص: ۳۲-۳۳
علامه مجلسی
كَانَ بِمِصْرَ زِنْدِيقٌ تَبْلُغُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَشْيَاءُ فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُنَاظِرَهُ فَلَمْ يُصَادِفْهُ بِهَا وَ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ خَارِجٌ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وَ نَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَصَادَفَنَا وَ نَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الطَّوَافِ وَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَا اسْمُكَ فَقَالَ اسْمِي عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ فَمَا كُنْيَتُكَ قَالَ كُنْيَتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَمَنْ هَذَا الْمَلِكُ الَّذِي أَنْتَ عَبْدُهُ أَ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ أَمْ مِنْ مُلُوكِ
قوله عليه السلام فمن هذا الملك: لعله عليه السلام سلك في الاحتجاج عليه أولا مسلك الجدال، لكسر سورة إنكاره، ثم نزله عن الإنكار إلى الشك، ثم أقام البرهان له عملا بما أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه و آله و سلم في قوله:" وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" فهذا هو الجدال لابتنائه على ما هو المشهور عند الناس من أن الاسم مطابق للمسمى، و يحتمل أن يكون على سبيل المطايبة و المزاح لبيان عجزه عن فهم الواضحات، و قصوره عن رد أو هن الشبهات، و يمكن أن يكون منبها على ما ارتكز في العقول من الإذعان بوجود الصانع و إن أنكروه ظاهرا للمعاندة و الأغراض الفاسدة[1]،
[1] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول؛ ج1، ص: ۲۳۶-۲۳۷
صاحب حدائق
ما ورد من أن معصية الفرقة الناجية مغفورة
و أما ثانيا، فلاستفاضة أخبار أهل البيت عليهم السّلام بذلك، بل و أخبار أهل السنّة أيضا. و لا بأس بسرد جملة منها ليتبين ما في كلام هذا الفاضل و أمثاله من الانحراف عن جادة الانصاف و الارتكاز لطريق الضلالة و الاعتساف[1].
[1] الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية؛ ج1، ص: ۳۹۷
محقق بهبهانی
الرسائل الاصولیه
و بالجملة؛ كون الحكم الشرعيّ إذا ثبت فالظاهر بقاؤه إلى أن يظهر خلافه، لعلّه ليس محلّا لتأمّل المتشرّعة[1] إلّا أن يكون الحكم مؤقّتا بوقت، أو مختصّا بحال، أو فوريّا،- على الخلاف في الفوري- إنّما تأمّلهم في ظهور خلاف الحكم الأوّل بمجرد التغيّرات المذكورة، و أمّا مثل الحكم المؤقّت فهو خارج عن محلّ نزاعهم.
...و بالجملة؛ إذا ثبت حكم فيكون ارتفاعه و ثبوت خلافه شرعا محتاجا إلى دليل شرعيّ، بحيث لو لم يكن الدليل لكان باقيا على حاله، راسخا في قلوب المتشرّعة، بحيث يصعب عليهم تجويز خلاف ذلك، بل و يتعجّبون من التجويز.
و أمّا فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم فلا يزالون يتمسّكون بالاستصحاب في كتبهم الفقهيّة من دون تأمّل، محتجّين في كتبهم الاستدلالية لإثبات الأحكام من دون توقّف و تزلزل.
نعم، نرى[2] بعض المتأخرين في بعض المقامات يتأمّلون، و إلّا ففي الغالب يتمسّكون، و ربّما يقولون: ليس هذا باستصحاب بل إطلاق الدليل الدال على الحكم[3] مع أنّا ربّما لا نجد من دلالة الإطلاق أثرا سوى أنّه رسخ في ذهنه الاستصحاب، فيفهم على وفقه و يظنّ أنّه إطلاق؛ مثلا يقول: ما دلّ على نجاسة الكرّ المتغيّر شامل لما إذا زال تغيّره، و كذا القليل .. و أمثال ذلك. و لو لا ذلك الرسوخ لأشكل فهم هذا الإطلاق و العموم و جعلهما مستندا للحكم الشرعيّ، أ لا ترى! أنّه لو بدّل الحكم الشرعيّ و أتى مكانه بالحكم العرفيّ أو حكم الطبيب .. أو
غيرهما لم يفهم، مثل[4] أن يقول: لا تأكل إذا كان حامضا أو مالحا، و لا تشرب إذا تعفّن أو برد؛ فلا يفهم شموله لما إذا زال الحموضة بالمرّة، و كذا العفونة و الملوحة و البرودة، فإما يفهمون عدم المنع أو يتأمّلون في الشمول، فتتبّع موارد استعمالاتهم، و تأمّل جدا.
على أنّهم كثيرا ما يتمسّكون بأصالة العدم، و أصالة البقاء من دون إطلاق خبركما أشرنا.
ثمّ اعلم! أنّ هذا الرسوخ و الفهم و الانس من تتبّع تضاعيف أحكام الشرع و استقرائها، كما فهموا حجيّة شهادة العدلين على الإطلاق منه إلّا فيما ثبت خلافه.[5]
[1] ( 1) في ب، ج: ( محل تأمّل للمتشرّعة)، في د: ( محل التأمّل للمتشرّعة).
[2] ( 6) في الف، د: ( ترى).
[3] ( 7) الحدائق الناضرة: ۱/ ۳۴۵.
[4] ( 1) في د: ( مثلا).
[5] الرسائل الأصولية ؛ متن ؛ ص ۴۲۷-۴۲۹
حاشیه بر مدارک الاحکام
الف)قوله: فإن كل ما ثبت. (1: 46).
قيل: إنّ غالبه يدوم، و الظن يلحق بالأغلب، و كل ظن للمجتهد حجة إلا ما ثبت المنع منه بخصوصه، كالقياس
و منع بعضهم هذه الغلبة بأن الدوام مختص بالقار الذات، و هو غير غالب. سلمنا، لكن كون الحكم الشرعي منه ممنوع. مع أن كل دوام ليس على حد واحد، بل يتفاوت بتفاوت عادة اللّه تعالى، فلا يمكن الحكم به إلىان يثبت خلافه.
و منع بعضهم حجّيّة مثل هذا الظن مع تسليم تحققه و لا يبعد تحققه، بملاحظة أنّ الأحكام الشرعية غالبها يدوم حتى يثبت خلافها.
و استدل أيضا بما في غير واحد من الأخبار من أنه لا ينقض اليقين بالشك أبدا بناء على أن المراد كل يقين و كل شك بعده. و منع الدلالة بعضهم بأن الظاهر وروده في موضع ثبت دوامه إلى حد معين، و حصل الشك في تحقق الحد حتى يتأتى أن يقال: اليقين نقض بالشك، و إلا فالشك اللاحق لا يجامع اليقين السابق ، و فيه نظر، إذ الشك في الحد يوجب رفع اليقين من الحين، فالعبرة بالسابق.
و قال بعضهم بثبوت الاستصحاب في موضوع الحكم الشرعي لا نفسه ، يعني ثبت منه بقاء الموضوع و عدمه لا بقاء الحكم السابق إلى أن يثبت حكم شرعي لشيء. مثلا إذا لم يعلم أن الشيء الذي تحقق هل هو ناقض للوضوء أم لا؟ لا يمكن إثبات عدم كونه حدثا بهذا الحديث، بل القدر الذي يثبت إثبات عدم تحقق الحدث المعلوم حكمه شرعا، أي حكم الشارع بأنه يبني على عدم حدوثه. و ادعى ظهور ما ذكره بتتبع موارد الأحاديث.
و ربما منع بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل و لا يخلو عن قرب. نعم استصحاب الموضوع أظهر أفراده.
و يؤيد ما ذكرناه ما أشرنا إليه من غلبة الأحكام الفقهية في البقاء، و طريقة الفقهاء أنهم إذا ثبت حكم شرعي يحتاجون في حكمهم بخلاف ذلك إلى دليل شرعي، و أمرهم مقصور على ذلك، و لا يقولون في موضع بعد تحقق حكمه أن هذا الآن حكمه كذا فقط، و بعد ذلك الأصل عدمه، فليلاحظ كتبهم الاستدلالية و الفقهية، بل البقاء رسخ في أذهان المتشرعة بحيث يصعب عليهم فهم خلافه.
نعم عند تغير الموضوع بتغير العلة أو الوصف المشعر بالعلية يتأملون في البقاء حينئذ، مع أن ظاهر أكثرهم البقاء حينئذ أيضا، فتأمّل.
و ممّا ذكرنا لعله يظهر التأمّل في فهم العموم من الأدلة الدالة على النجاسة بالتغير من حيث دلالة اللفظ، فإن قوله عليه السلام: «فإذا تغير الماء فلا تتوضأ» يحتمل أن يراد منه ما دام متغيرا. و رجوع الإطلاق إلى العموم الذي ليس ممّا وضع اللفظ له أزيد مما ذكر لعله يحتاج إلى إثبات، إذ لو قال: إذا فقدت الماء فتيمم وصل بذاك التيمم، لا يفهم منه أن بعد وجود الماء بعد ذلك التيمم يجوز الصلاة به أيضا، فتأمّل.
و بالجملة: لا بدّ من ملاحظة الأمثلة الشرعية و العرفية و غيرها و التأمّل فيها.
نعم ربما أمكن الفرق بين زوال العلة المؤثرة، و ما هو شرط في تأثير العلة، كالقلة في الانفعال بالملاقاة، فإن زواله لا يوجب انتفاء المعلول، لأنه ليس علة بل هو شرط لحصول التأثير، و قد حصل فهو متأثر مطلقا، فتأمّل[1].
ب)قوله: و يشهد لهذا القول أيضا. (1: 361).
لا يخفى أن المتداول بين الفقهاء و غيرهم التعبير بلفظ خصوص الغسل، مثل: أن تغتسل للحيض و الاستحاضة و النفاس، و: يجب في مس الميت الغسل، و: يجب غسل الميت، و: هل يجوز جماع الحائض قبل الغسل أم لا. إلى غير ذلك من أوّل الكتاب إلى آخره.
و كذا لو سألت عنا في المقامات نقول لها: اغتسلي، من غير تعرض لذكر الوضوء في مقام من المقامات.
و كذا الحال في الأغسال المستحبة فنقول: غسل الجمعة سنة، أو:
اغتسل للجمعة، و هكذا في سائر الأغسال، من غير إشارة إلى الوضوء.
و كذا الفقهاء في كتبهم من غير تعرض لذكر الوضوء أصلا، مع أنّه لا شبهة عندنا أنّا نريد الوضوء مع الغسل، و كذا الحال في سائر الأغسال.
فالمقام ليس مقام ذكر الوضوء حتى يقال: مع عدم ذكره ظاهر في عدم
وجوبه، لأنّا يقينا نريد الوضوء و نعتبره كالفقهاء جزما و لا نشير أبدا. مع أنّ رفع الحدث لعله كان مركوزا في طباع السائلين و الرواة، فلذا لم ينبهوا، فتأمّل، و قد بسطنا الكلام في تحقيق المقام في صدر الكتاب، فلاحظ و تأمّل[2].
ج)قوله: و يجب الغسل على من مسّ ميتا. (2: 277).
أمّا كون وجوب هذا الغسل لنفسه أو لغيره فقد مرّ الكلام فيه في أوّل الكتاب و يدل على كون المسّ حدثا و هذا الغسل طهارة له عبارة الفقه الرضوي: و إنّ من صلّى قبل هذا الغسل عليه إعادة الصلاة بعد هذا الغسل و في بحث أنّ كل غسل قبله وضوء إلّا الغسل من الجنابة التصريح أيضا بأنّ من صلّى و نسي هذا الوضوء أنّ عليه إعادة تلك الصلاة بعد ما توضّأ
و يدلّ عليه أيضا: وفاق الأصحاب على الظاهر، لأنّ منهم من صرّح و الباقي يقسّمون الغسل إلى واجب و مندوب، ثم يقولون:
فالواجب من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة- أي الصلاة و الطواف و مسّ كتابة القرآن- ثم يذكرون أمورا، ثم في ذكر الواجب من الغسل يقسّمونه إلى ستّة و يذكرون هذا الغسل منها.
و غسل [الميت] يخرج من القرينة، أو أنّه أيضا شرط للصلاة على الميت، فتأمّل جدّا.
و ممّا يدل أيضا: أنّ صيغة الأمر في الأحداث و الأخبار يتبادر [منها] الوجوب للغير مثل الصلاة أو غيرها، بلا تأمّل من أحد من الإشارة إلى وجهها، و ليس في جميع ما هو مسلّم عند الشارح و من وافقه (في المناقشة) في المقام ما يدلّ على كون الوجوب لأجل الصلاة. و أمّا ما ورد في بعضه ممّا يدل عليه لا ينفع بالنسبة إلى ما لم يرد، على تقدير صحة هذه المناقشة. و مع ذلك في المقام الذي ورد ربما لا يستجمع شرائط الحجّية عند مثل الشارح، و مع ذلك لا يتوقّف فهم الوجوب على ملاحظته، بل يتبادر كون الوجوب لمثل الصلاة لا لنفسه، و إن لم يدر ورود ما يدل على ذلك، مع أنّ ما يدل ظنّي و التبادر قطعي.
و ممّا يدل على ذلك أيضا: ما ورد: من أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام اغتسل حين غسّل الرسول لجريان السنّة، و إلّا فالرسول طاهر مطهّر ، هذا مضمون الحديث، و ليس متنه ببالي.
و في العلل- في باب غسل الميت و الغسل من مسّه- بسنده عن الباقر عليه السّلام: «علّة غسل الميت لأنّه جنب، و لتلاقيه الملائكة و هو طاهر، و كذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين» و في حديث آخر: «الميت إذا خرج الروح عنه بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر له و يطهر»
هذا مع اتفاق المتشرّعة على كونه طهارة، لأنّ الطهارة عندهم عن الحدث الأصغر و هو الوضوء، أو الأكبر و هو الغسل، و يجعلونه ستّة:
الجنابة، و الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و الموت، و مسّ الميت، من دون فرق منهم بين الأمور المذكورة في نصوص عباراتهم و ظواهرها، و لا يطلقون لفظ الطهارة على وضوء الحائض، كما لا يطلق عليه في الأخبار أيضا، مثل ما رواه ابن مسلم عن [الصادق] عليه السّلام أنّه قال له: الحائض تتطهّر يوم الجمعة و تذكر اللّه تعالى؟ فقال عليه السّلام: «أمّا الطهر فلا، و لكن تتوضّأ وقت كلّ صلاة، و تستقبل القبلة و تذكر اللّه تعالى» و ذكر بعض الفقهاء مثله في مبحث الطهارات استطراد و تقريب. (و أمّا الطهارات المستحبة قبل دخول وقت الصلاة و الواجبة بعد دخوله فكلها واجبة لغيرها قطعا، بل عند المشهور أنّ جميع الطهارات كذلك)
و إنّما قلنا بشمول الكل لغسل المسّ أيضا، لما عرفت من الأخبار أنّه طهارة، و كذا من اتفاق المتشرّعة. و معلوم أنّه إذا كان في الحديث قرينة صارفة عن إرادة المعنى اللغوي، يكون المراد هو المعنى الذي عند المتشرّعة حقيقة، كما هو مسلّم و محقّق، فبعد ثبوت كونه طهارة من الأخبار و غيرها، يكون هذا الغسل أيضا داخلا في العمومات مثل قولهم:
«لا صلاة إلّا بطهور» إذ ليس فيه تخصيص بطهور دون طهور[3].
د)قوله: و يتوجّه على الأوّل. (3: 456).
المتبادر ممّا دل على اشتراطها به كونها من أوّلها إلى آخرها على الطهارة على سبيل الاتصال و الاستمرار، و المتبادر من الصحيح المتضمّن لكون فرض الصلاة الوقت و الطهور أنّه مثل الوقت من فرائضها، فتأمّل.
و يؤيّده جريان العادة في الأخبار و كلام الأصحاب بأنّ منافيات الصلاة تقطع الصلاة بخلاف الوضوء و غيره، فإنّه لا يقال: يقطع الوضوء فتأمّل.
هذا.
على أنّه من أين ظهر كون هذه الصلاة شرعية و عبادة؟ مع كونها توقيفية موقوفة على الثبوت من الشرع، هذا إن قلنا إنّ ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة، كما هو أحد القولين، و لعله أقربهما بالنظر إلى الدليل، كما حقّقناه في محلّه.
و أمّا على القول الآخر فإنّه لمّا ثبت من الشرع جزما أنّها لا تصح بغير الظهور و حصل الشك في أنّ الطهور على سبيل الدوام شرط أم على سبيل التوزيع يكفي، فقد قلنا: إنّ الظاهر من الأدلة هو الأوّل، و يعضده عدم جواز التوزيع عمدا، و عدم الصحة حينئذ يقينا و إن كان جهلا.
و حمل الأدلة على سبيل الدوام في حال العمد و الجهل، و على سبيل التوزيع في حال النسيان، فيه ما فيه.
و القول بأنّ الظاهر منه على سبيل التوزيع خاصّة و ثبوت الدوام فيه في غير حال النسيان من دليل آخر أيضا بعيد لعله لا يرضى به المنصف بعد ملاحظة الأدلة و ما أشرنا إليه، و لذا لو لم تكن الأخبار الصحيحة لما كان القائل بالصحة يقول بها بلا شبهة، و لا يبني على كون المراد حال التوزيع البتّة، كما لا يخفى على المتأمّل، سيّما مع ملاحظة تحقّق أفعال كثيرة (كلّ
واحد منها فعل كثير) (فباجتماع) الكلّ يمحو عند المتشرعة صورة الصلاة المتلقّاة من الشرع، المنقولة عنه، و على و تقدير تسليم عدم الظهور الذي ذكرناه فلا أقلّ من الشكّ، و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، فتأمّل جدّا.
على أنّه سيجيء من السيد رحمه اللّه أنّه حكم ببطلان الصلاة بمجرّد وضع اليمين على الشمال محتجّا بأنّه فعل كثير خارج من الصلاة ، فما ظنّك بأفعال كثيرة خارجة عنه[4]؟
ه)قوله: فإن كل ما ثبت. (1: 46).
قيل: إنّ غالبه يدوم، و الظن يلحق بالأغلب، و كل ظن للمجتهد حجة إلا ما ثبت المنع منه بخصوصه، كالقياس
و منع بعضهم هذه الغلبة بأن الدوام مختص بالقار الذات، و هو غير غالب. سلمنا، لكن كون الحكم الشرعي منه ممنوع. مع أن كل دوام ليس على حد واحد، بل يتفاوت بتفاوت عادة اللّه تعالى، فلا يمكن الحكم به إلىأن يثبت خلافه
و منع بعضهم حجّيّة مثل هذا الظن مع تسليم تحققه ، و لا يبعد تحققه، بملاحظة أنّ الأحكام الشرعية غالبها يدوم حتى يثبت خلافها.
و استدل أيضا بما في غير واحد من الأخبار من أنه لا ينقض اليقين بالشك أبدا بناء على أن المراد كل يقين و كل شك بعده و منع الدلالة بعضهم بأن الظاهر وروده في موضع ثبت دوامه إلى حد معين، و حصل الشك في تحقق الحد حتى يتأتى أن يقال: اليقين نقض بالشك، و إلا فالشك اللاحق لا يجامع اليقين السابق ، و فيه نظر، إذ الشك في الحد يوجب رفع اليقين من الحين، فالعبرة بالسابق.
و قال بعضهم بثبوت الاستصحاب في موضوع الحكم الشرعي لا نفسه ، يعني ثبت منه بقاء الموضوع و عدمه لا بقاء الحكم السابق إلى أن يثبت حكم شرعي لشيء. مثلا إذا لم يعلم أن الشيء الذي تحقق هل هو ناقض للوضوء أم لا؟ لا يمكن إثبات عدم كونه حدثا بهذا الحديث، بل القدر الذي يثبت إثبات عدم تحقق الحدث المعلوم حكمه شرعا، أي حكم الشارع بأنه يبني على عدم حدوثه. و ادعى ظهور ما ذكره بتتبع موارد الأحاديث.
و ربما منع بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل و لا يخلو عن
قرب. نعم استصحاب الموضوع أظهر أفراده.
و يؤيد ما ذكرناه ما أشرنا إليه من غلبة الأحكام الفقهية في البقاء، و طريقة الفقهاء أنهم إذا ثبت حكم شرعي يحتاجون في حكمهم بخلاف ذلك إلى دليل شرعي، و أمرهم مقصور على ذلك، و لا يقولون في موضع بعد تحقق حكمه أن هذا الآن حكمه كذا فقط، و بعد ذلك الأصل عدمه، فليلاحظ كتبهم الاستدلالية و الفقهية، بل البقاء رسخ في أذهان المتشرعة بحيث يصعب عليهم فهم خلافه.
[1] الحاشية على مدارك الأحكام؛ ج1، ص: ۹۰-۹۲
[2] الحاشية على مدارك الأحكام؛ ج1، ص: ۴۰۰-۴۰۱
[3] الحاشية على مدارك الأحكام؛ ج2، ص: ۱۷۸-۱۸۲
[4] الحاشية على مدارك الأحكام؛ ج3، ص: ۱۲۲-۱۲۳
مصابیح الظلام
الف)و يحتمل أن يكون قوله: فأتممت الصلاة، مثل قول أبي ولّاد: فأتمّ الصلاة، بعد قوله: نويت حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرا
و يحتمل أن يكون نوى المقام مطلقا من دون تقييد بعشرة أيّام، أو الدوام، أو غير ذلك، كما هو منطوق الخبر.
و تبادر إقامة العشرة في أمثال زماننا، إنّما هو بسبب الفتاوى و اشتهارها عند المتشرّعة، فلا يلزم أن يكون ذلك الزمان أيضا كذلك، سيّما عند كلّ أحد- حتّى عند هذا الراوي أيضا- حتّى يلزم الإشكال، سيّما أنّ الأصل عدم التقدير، و عدم الزيادة[1].
ب)قوله: (إذا أحدث في أثنائه بالأصغر). إلى آخره.
إذا أحدث بالأكبر، فلا شكّ في وجوب إعادة الغسل من رأسه، و لا إشكال بعد اتّحاد حكم الأوّل و الحادث بتماثلهما، إلّا في الاستحاضة بالنهج الذي مرّ في مبحثها.
و أمّا مع الاختلاف، مثل ما إذا مسّ الميّت في أثناء غسل الجنابة- و نقول:
إنّ مسّ الميّت ليس بحدث مانع من الصلاة- أو حدث، أو طرأ الاستحاضة، و هي لا تمنع عن دخول المساجد و المكث فيها، أو طرأ الحيض في حال الجنابة. و قد عرفت رفع الجنابة مع أنّها حائض إن اغتسلت للجنابة. إلى غير ذلك، فلا يخلو عن إشكال، لعدم ثبوت اتّحاد موجب للغسل مع ناقضه، بل ظهور عدم الاتّحاد في الجملة، إذ لم يثبت من الأخبار سوى أنّ حدوث أمر كذا يوجب الغسل.
و أمّا أنّه يخرب الغسل فلم يثبت، بل الإشكال في حدثيّة المسّ يقتضي الإشكال في إفساده الغسل بطريق أولى، و يزيد أصل الإشكال بناء على أنّ غسل غير الجنابة لا يكفي من غسل الجنابة.
مع أنّ غسل غير الجنابة لا بدّ فيه من الوضوء، و أنّ الحدث الأكبر ليس معنى واحدا، كما مرّ، مثلا لو اغتسلت امرأة من الجنابة، و لم يبق من جسدها إلّا قدر لمعة، فحاضت أو استحاضت أو مسّت الميّت، فهل انتقض غسلها بالمرّة و زالت الطهارات الحاصلة لما سوى اللمعة، فصار حالها حال من صدر منه الجنابة موضع الأحداث المذكورة، أو حدثت قبل الغسل؟ أم لم ينتقض غسلها، بل الطهارات الحاصلة باقية على حالها، مستصحبة حتّى يثبت زوالها؟ و لم يثبت.
فلو مسّت الأعضاء الطاهرة كتابة القرآن لم يكن حراما، على القول به في غير المقام
و أيضا لا يكون رفع الجنابة متوقّفا على الإعادة، بل يكفي غسل اللمعة و بعد غسلها- بقصد تتمّة غسل الجنابة- لم يكن جنبا، و إن كانت مستحاضة- مثلا- يجوز لها دخول المساجد، و إن كانت ماسّة الميّت يجوز لها الصلاة أيضا قبل غسل المسّ، على القول بعدم حدثيّة المسّ. إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر.
على أنّه كيف يكفي إعادة الغسل من دون وضوء، مع كون جميع أعضائه طاهرة عن حدث الجنابة ما عدا اللمعة؟
و أيضا كيف يكفي قصد رفع الجنابة للأعضاء الطاهرة عنها، سيّما مع اجتماع الأحداث التي ليست بجنابة فيها؟ و كلّ واحد منها يقتضي الوضوء، فكيف يغتسل للجنابة من دون وضوء؟
و كيف يكفي قصد رفع الحيض- مثلا- لتلك اللمعة، سيّما مع القول بقهريّة التداخل؟ مع أنّ غسل الحيض لا بدّ فيه من الوضوء، و الجنابة يحرم معه الوضوء.
إلى غير ذلك من الإشكالات.
و الظاهر أنّ مع الإعادة من رأس يقصد مجموع الغسلين و الوضوء قبلها، ليرتفع الإشكال و لا يبقى معهما إشكال مع التنزّه عن مثل مسّ خطّ القرآن قبلهما، كما سيجيء التحقيق، فتأمّل جدّا! و أمّا إذا أحدث بالأصغر، فاختلف الأصحاب فيه، قال ابن إدريس: يتمّ الغسل و لا شيء عليه، و اختاره ابن البرّاج و المحقّق الشيخ علي و بعض المحقّقين
و قال المرتضى: يتمّه و يتوضّأ ، و اختاره المحقّق و المقدّس الأردبيلي و صاحب «المدارك» و المصنّف.
و قال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» بوجوب الإعادة من رأس ، و هو مذهب ابني بابويه و العلّامة و جماعة منهم الشهيد.
و هو الظاهر من كلام ابن فهد ، بل الظاهر أنّه مذهب المشهور، كما ادّعاه المحقّق الشيخ علي في شرحه على «الألفيّة».
و يدلّ على وجوب الإعادة توقيفيّة العبادة، و مقتضى شغل الذمّة اليقيني، و كون العبادة اسما للصحيحة، و كون الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط، و الاستصحاب، و قولهم عليهم السّلام: «لا تنقض اليقين إلّا بيقين»
و أيضا لا شكّ في وجوب الإطاعة بالآية و الأخبار المتواترة ، و كذا مقتضى الأوامر الواردة بالغسل، و الإطاعة يرجع فيها إلى العرف، و هي الامتثال لما طلب منه و الإتيان به.
و هذا المكلّف قبل كمال الغسل يكون في عهدته الإتيان بما طلب منه، و رفع الجنابة اليقينيّة، فكذا بعد إتمام هذا الغسل الذي وقع في أثنائه الحدث الأصغر، استصحابا للحالة السابقة، و عدم دليل على خروجه عن العهدة، لعدم العلم و لا الظنّ بأنّه هو الذي طلب منه، لو لم نقل بحصول الظن بخلافه، للاستصحاب و غيره، ممّا ذكر و سنذكر.
سيّما أن يكون الباقي من جسده بعد الحدث مقدار رأس إبرة و أقلّ منه، و وقع منه أحداث كثيرة غير عديدة، فيكون اكتفى لرفع الجميع بغسل ذلك المقدار القليل غاية القلّة، و هو أمر مستبعد عند المتشرّعة بحيث يتحاشون عنه، إلّا أن يعاد الغسل أو يتوضّأ مع ذلك.
لكن بعد ملاحظة الأخبار و الفتاوى في منع الوضوء مع غسل الجنابة، و أنّه لا أثر له معه أصلا، لم يثبت كون الوضوء في المقام نافعا و مؤثّرا بانضمامه مع الباقي، إذ لا بدّ من ثبوت الرافع و المؤثّر من الشرع، بل ربّما يكون الظاهر منهما خلاف ذلك، حتّى أنّه لو تمكّن من رفع الأصغر بالوضوء دون الأكبر ورد النهي عن الوضوء و الأمر بالتيمم خاصّة. و علّل ذلك بأنّ اللّه جعل عليه نصف الوضوء[2].
ج)فيه، أنّ النجاسة الاصطلاحيّة الآن بين المتشرّعة معناها معهود معروف بينهم، ذو أحكام كثيرة شرعيّة متلازمة، أعلاها و أجلاها وجوب غسل الملاقي، بل عدم جواز الصلاة، و الأكل و الشرب مع كونهما العمدة و الأصل في النجاسة لم يجعلا نجاسة البتّة، إذ لم يقل أحد بنجاسة الحرير و الذهب و السمور، و فضلاته و فضلات أمثاله ممّا لا يؤكل لحمه، و هو طاهر على اليقين، و كذا نجاسة مثل التراب و غيره ممّا حرم أكله مع طهارته.
و من هذا اعترض المصنّف على المستدلّ بالحسن السابق على نجاسة الميّت بعدم الدلالة، لإمكان أن يكون المراد إزالة ما أصاب الثوب، ممّا على الميّت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه، مع أنّك عرفت أنّ المراد ليس إلّا ما ذكره، و لا يحتمل ظاهر الحديث إلّا ذلك، و هو جعل إمكان إرادته مانعا عن الدلالة على النجاسة.
مع أنّه لو كان طاهرا، فأيّ معنى لوجوب غسل ما تعدى إلى الثوب من رطوباته؟
مع أنّ الرطوبة ربّما تكون من الخارج، و كلمة (ما) من أداة العموم لغة، و على فرض الانحصار في كونها من الميّت، فالمناقشة في دلالة وجوب غسلها على النجاسة يستلزم المناقشة في جميع دلالات الأحاديث على النجاسة في جميع النجاسات.
مع أنّ المصنّف رحمه اللّه يستدلّ بالأحاديث في الكلّ، مع عدم دلالة واحد منها على النجاسة الشرعيّة، إذ غاية ما يستفاد منها وجوب الغسل و إعادة الصلاة، أو حرمة الأكل و الشرب، و أمثال ذلك، و قد عرفت الحال.[3]
د) قوله: (و خالف). إلى آخره.
أقول: الشيخ و كثير من المتقدّمين- مثل الصدوق و غيره- ذهبوا إلى طهارة اللبن الخارج من ضرع الميتة
بل و نقل في «الخلاف»- على ما حكي عنه- الإجماع على ذلك ، و كذا ابن زهرة نقل الإجماع أيضا على ما حكي عنه .
لكن ابن إدريس قال في سرائره ما نقلناه آنفا، حتّى أنّه نسب إلى الشيخ أنّه في نهايته روى الرواية الشاذّة و وافقه الفاضلان و جماعة من الأصحاب .
حجّة الأوّلين صحيحة زرارة، و صحيحة حريز السابقتان
و موثّقة الحسين بن زرارة قال: كنت عند الصادق عليه السّلام و أبي يسأله عن السنّ من الميتة، و الإنفحة من الميتة، و اللبن من الميتة، و البيض من الميتة، قال: «كلّ هذا ذكيّ»
و قال في «الفقيه»: قال الصادق عليه السّلام: «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة: القرن، و الحافر، و العظم، و السنّ، و الإنفحة، و اللبن، و الشعر، و الصوف، و الريش،و البيض»
و حجّة الآخرين ما ذكره ابن إدريس من أنّه مائع لاقى نجس العين، و كلّ ما هو كذلك فهو نجس، و لذا لو لاقى هذا اللبن جزء من الميتة من الخارج يكون نجسا عند الأوّلين أيضا، فإنّهم يقولون بانفعال كلّ مائع نجس العين، و يقولون بأنّ الميتة تنجّس الماء القليل، بل و البئر و الكثير أيضا إذا غيّر أحد أوصافه، و يقولون بانفعال اللبن من ملاقاة أيّ نجاسة تكون.
و لو لا ما ورد من الأحاديث المذكورة، لكان حال هذا اللبن الخارج من ضرع الميتة حال اللبن الذي وقع فيه فأرة أو ميتة، أو مات فيه فأرة مثلا، بلا تأمّل منهم و لا تزلزل أصلا، و عدم التأمّل و التزلزل لا بدّ أن يكون ناشئا من دليل شرعي.
و الدليل الشرعي هو الموجود في كلّ مائع و كلّ رطب لاقى نجاسة من النجاسات، و إن كانت متنجّسة من نجاسة خارجة، فضلا عن ملاقاة نفس نجس العين، و حكمهم بذلك على سبيل الجزم و اليقين بلا تأمّل.
بل لو تأمّل أحد الآن في انفعال اللبن بموت فأرة فيه يعدّ خارجا من المذهب.
كما لو تأمّل في انفعال مائع آخر غير اللبن، و إن كان هو السمن الذي جزء اللبن و خارج عنه.
فإذا كان الحكم بهذه المثابة، فكيف يعارضه و يقاومه أخبار آحاد، مع أنّها لا تفيد سوى الظن؟ فكيف يكون حجّة مقاوما لما هو قطعي؟
ألا ترى أنّ الآن لو شرب أحد لبنا وقع فيه بول الآدمي أو عذرته، لم يكن عند المتشرّعة فرق بين هذا اللبن و الذي ماتت فيه الفأرة، أو السمن الذي ماتت فيه؟
و اعتمادهم على نجاسة هذا اللبن الذي وقع فيه بول الآدمي أو الكلب أو الخنزير أو عذرتها إن كان على الحديث، فمن المعلوم عدم تحقّق حديث يدلّ على ذلك. و إن كان من الإجماع فاعتمادهم عليه في هذا و في اللبن الذي ماتت فيه فأرة، أو وقع فيه قطعة من الكلب أو الخنزير، أو غير ذلك على حدّ سواء، من غير أن يكون في موضع موضع إجماع على حدة على حدة، مع عدم حصر المواضع الخاصّة[4].
ه)قوله: (كلّ شيء). إلى آخره.
لا يخفى أنّ من الاصول المسلّمة عند الفقهاء أصالة طهارة كلّ شيء حتّى تعلم نجاسته، لأنّ النجاسة الشرعيّة لا معنى لها سوى وجوب الاجتناب في الصلاة، أو الأكل و الشرب، أو غيرهما، و الاجتناب عن ملاقيه و ملاقي ملاقيه، و هكذا ..
على ما هو المعروف عند المتشرّعة، و كلّ ذلك تكاليف شرعيّة، و الأصل عدمها حتّى يثبت.
و أيضا الأصل بقاء طهارة الأشياء الملاقية له على طهارتها الثابتة حتّى تعلم نجاستها.
و يعضدهما العمومات و المطلقات، مضافا إلى أنّ المسألة إجماعيّة بحسب الظاهر من الفقهاء[5].
و)نعم، المتشرعة ربّما يفهمون العموم من جهة رسوخ استصحاب بقاء الأحكام إلى أن يثبت خلافها في أذهانهم، بحيث يصعب عليهم فهم خلافه، و يقولون: إنّه ماء محكوم بالنجاسة عرفا، فالحكم بخلافها شرعا لا يجوز إلّا من دليل شرعي، إلى غير ذلك[6].
[1] مصابيح الظلام؛ ج۲، ص: ۲۷۴
[2] مصابيح الظلام؛ ج۴، ص: ۱۷۳-۱۷۶
[3] مصابيح الظلام، ج۴، ص: ۴۵۶-۴۵۷
[4] مصابيح الظلام؛ ج۴، ص: ۴۶۶ - ۴۶۸
[5] مصابيح الظلام؛ ج۵، ص: ۲۲۳
[6] مصابيح الظلام؛ ج۵، ص: ۳۴۴
صاحب جواهر
الف)و أما الاستدلال بقاعدة الإطلاق و التقييد في المندوبات ففيه أنه بعد تسليمها حتى في مثل المقام الذي هو من بيان الكيفية و لم يعلم استحباب المطلق فيه و إن لم يكن بعنوان الخصوصية يجب الخروج عنها هنا بما عرفته مما هو موافق لفتاوى الأصحاب عدا النادر، و خبر المسائل مع احتماله السهو و عدم الجابر له لا يستلزم جواز الترك ابتداء قطعا و من ذلك كله ظهر لك وجه النظر في الأدلة المزبورة، كما انه ظهر لك شدة ضعف القول بالندب، خصوصا مع ملاحظة المعلوم من حال المتشرعة من شدة الإنكار على الصلاة الى غير القبلة مع الاختيار و الاستقرار، بل هو الفارق عندهم بين الإسلام و الكفر نعم قد يستثنى من ذلك النافلة حيث تجوز راكبا و ماشيا، فلا يشترط فيها الاستقبال حتى في تكبيرة الإحرام منها من غير فرق بين السفر و الحضر، لإطلاق النصوص المستفيضة في الأول، سيما مع غلبة عدم التمكن من الاستقبال حال الصلاة عليها[1]
ب)و لعله بذلك ينكشف لك الفرق بين هذا الاشتراك و الاشتراك الدلالي بأن البحث في المقام يرجع إلى تنقيح موضوع سورة، و أنه لا يعتبر فيه قصد البسملة بخلافه هناك، فإن الأمر فيه عقلي، و يزيده وضوحا أنه لو صرح الواضع بأن السورة عبارة عن القطعة من الكلام المفتتح بالبسملة مثلا و إن لم يقصد أنها منه ما كنا لنمنعه عليه، و ليس هكذا المشترك الدلالي، و ربما يومي إلى ذلك كله أو بعضه تصفح بعض كلمات المنكرين، خصوصا ما حكي من شرح الوافية للسيد الصدر حيث جعل سند المنع ذلك محتجا عليه بصدق اسم السورة على الواقعة ممن لا قصد له أصلا، ثم قال: و لو سلم مدخليته أي القصد فلا مانع من قيام غيره مقامه في التشخيص، و هو الاتباع بالمتعين و يؤيد ذلك كله خلو كتب الأساطين من قدماء الأصحاب عنه، و جهل أكثر المتشرعة به، و غلبة عدم خطوره في البال للمتنبهين منهم مع عدم الإعادة للسورة و إن كان قبل الركوع، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المعراج كالمروي عن العلل منها في ذلك، و ظهور النصوص الواردة في العدول بسبب ترك الاستفصال فيها و غيره فيه أيضا كما ستسمعها في المسألة التاسعة، بل ربما ادعي ظهور بعضها في المقصود خلافه فضلا عن غيره كالذاهل و الغافل بحيث جرى على لسانه بسملة و سورة من غير قصد، إذ هو كالمقطوع به منها[2].
ج)اللهم إلا أن يقال: إنه يكفي فيه بعد الإجماع بقسميه كما عرفت عليه، بل لعله كالضروري بين المتشرعة بحيث استغنى بضروريته عن النصوص بالخصوص، بل من شدة معروفية منافاة الصلاة للفعل الكثير في أثنائها كثر السؤال عن خصوص بعض الأفعال في أثنائها مخافة أنها تكون من المبطل و أغفل ذكر البطلان بالكثير، ففي الحقيقة هذه النصوص عند التأمل دلالتها على البطلان به أبلغ من دلالتها على العدم به.
على أن في بعضها نوع إيماء زيادة على ذلك، ك خبر اشتراط قتل الحية بأن يكون بينك و بينها خطوة بناء على إرادة الكناية بذلك عن الكثير، و
صحيح حريز أو مرسله عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع و اتبع الغلام و اقتل الحية و خذ الغريم»
و
موثق سماعة «عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه قال: يقطع صلاته و يحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنفا فقال: لا بأس أن يقطع صلاته» و عن الفقيه زيادة «و يتحرز و يعود في صلاته»
و في خبر سلمة بن عطا أنه سأل الصادق (عليه السلام) «أي شيء يقطع الصلاة؟ فقال: عبث الرجل بلحيته»
و
قال أيضا لأبي هارون المكفوف : «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تومئ بيدك»
بناء على أن الأمر بالقطع فيهما و لو بالإطلاق من حيث الفعل الكثير لا من حيث خصوص استلزام المفسد من الكلام و الاستدبار و نحوهما، و إلا لأمر بفعل ذلك ثم البناء، على الصلاة.
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على البطلان بصدور الأفعال في الأثناء، منها الأخبار الدالة على أن من قام من موضعه عليه إعادة الصلاة إذا سها فترك ركعة أو أزيد، و في
صحيحة ابن يقطين عن الكاظم (عليه السلام) «أن الحجامة و الرعاف و القيء لا تنقض الوضوء بل تنقض الصلاة»
و غير ذلك، و إن كان الإنصاف أن الجميعغير صالح لإثبات ذلك سندا أو دلالة مع فرض قطع النظر عن الإجماع المزبور[3].
فحينئذ لو فعل فعلا كثيرا بحيث لا ينافي التشاغل بأفعال الصلاة من حركة أصابع لعد ركعات و استغفار و تسبيح في صلاة التسبيح و غيرها لم يقدح في الصلاة، لعدم فوات الموالاة، و عدم ثبوت مقتضي البطلان، مع أن الأصل الصحة، بل هي ظاهر أكثر النصوص السابقة، و لعل منه حمل أمامة و إرضاع الصبي و لبس الرداء كما تسمعه في خبر علي بن الحسين (عليهما السلام) بل يومي إلى ذلك أيضا ما ستسمعه من إطلاقهم كراهة العبث و الفرقعة، كإطلاق بعض النصوص نفي البأس عن العبث بالذكر، أما إذا فعل ما ينافي ذلك كالمشي و نحوه مما لا يمكن معه التشاغل في أفعال الصلاة لفوات الطمأنينة و نحوها فالمتجه فيها البطلان إذا وصل إلى حد يحكم المتشرعة فيه بعدم حصول الموالاة المعتبرة، و مع الشك فقد يتجه ذلك أيضا بناء على الأعمية فضلا عن القول بالصحيحة إن كان الشك المفروض قدح مثله شكا في تناول الأمر و الإطلاقات للفرد المزبور.
كما أنه لا يخفى عليك عدم منافاة ذلك لكون الصلاة من محدثات الشرع و مخترعاته التي لا مجال للعرف في معرفتها بدون التوقيف و معرفة الفعل الكثير فيها و القليل و المنافي و غير المنافي، ضرورة أنك قد عرفت كون المراد حفظ الصورة عند المتشرعة المأمورين بها المتشاغلين في أدائها الذين وصلت إليهم أيضا بالتوقيف، و لعل كثيرا من المبطلات مستفاد من ذلك كرفع الصوت فيها زائدا على المتعارف، و إطالة الذكر في أثنائها، أو السكوت أو نحو ذلك، و منه أيضا بعض الأفعال القليلة الماحية للصورة بمعنى أن المتشرعة يحكمون بمنافاة مثلها للصلاة كالصفق لعبا أو الوثبة الفاحشة أو نحو ذلك مما أدخلوه تحت الفعل الكثير، لوضوح البطلان به و عدم ذكر عنوان خاص له عند الأصحاب، فالتجأوا إلى ذلك، و قد عرفت ما فيه، و أن كثيرا من الأمور لم يذكروها اعتمادا على معلومية وجوب المحافظة على الصورة المحفوظة عند المتشرعة المعلوم من هذه الجهة ما ينافيها و ما لا ينافيها عندهم، فاكتفوا بذلك عن ذكرها بالخصوص.[4]
د)و على كل حال فالقول به بالنسبة إلى بعض أفراد القارين و بعض أفراد الفقهاء لا يخلو من قوة، كما أن القول بالأول بالنسبة إلى البعض الآخر كذلك، بل قد يدعى وضوح الترجيح عند عامة المتشرعة الممارسين لطريقة الشرع السابرين (السامعين خ ل) لأخبارهم (ع)، و كان ذلك مأخوذا لهم يدا عن يد إلى أئمتهم (ع)، بل لعل في اختلاف الأخبار إشعارا بذلك، ضرورة أنه لا يكاد يخفى على أطفال المتشرعة ترجيح العالم المجتهد الفاضل المراقب المرتاض على قارئ مقلد لا يعرف معنى ما يقرأه كبعض الأعاجم، إذ لا خير في قراءة لا تدبر فيها.
كما أنه لا يخفى ترجيح القاري الذي هو جيد القراءة جدا و عارف بجملة ما يحتاج إليه في الصلاة على وجه الاجتهاد أو التقليد على من كان أزيد منه فقها في الجملة على وجه الاجتهاد أو التقليد إلا أن قراءته في أدنى مراتب الاجزاء، فالميزان غير مختل الوزن، و مع فرض تعادل الكفتين يفزع إلى الأخبار لا أنه يرجع إليها على كل حال، ضرورة عدم وفاء ما اشتمل منها على ذكر المرجحات بتمام الأمور المتصورة المستفادة أيضا من عموم أخبار أخر و خصوصها، بل لا تعرض فيها لتمام ما يتصور في مضامينها نفسها كاجتماع المتعدد منها في مقابلة المتحد، و إن كان قضية إطلاق ترتيبها ترجيحه و إن كان واحد على المتعدد، و اللّٰه أعلم بحقيقة الحال[5].
ه)إذ من الواضح إرادة الواقف من الوقف تأبيد حبس العين و إطلاق المنفعة، و بذلك كان من الصدقة الجارية، التي ورد الحث عليها و انها من التي لا ينقطع عمل ابن آدم منها بعد موته، بل الظاهر أن التأبيد المزبور من مقتضيات الوقف و مقوماته، كما أن نفي المعاوضات على الأعيان مأخوذ فيه ابتدأ، خصوصا بعد ملاحظة تعلق حق الأعقاب به، بل يمكن دعوى ضرورية ذلك من أعوام المتشرعة، فضلا عن علمائهم[6]،
و مع الإغضاء عن ذلك كله يمكن الإكتفاء بظهور اتفاق الأصحاب على اعتبار القرعة في القسمة شرعا مؤيدا بتعارف ذلك بين عوام المتشرعة، فضلا عن خواصهم بل قد عرفت اعتبار الرضا بعد القرعة من بعضهم في الجملة، و لا أقل من أن تكون القرعة كالعقد في اللزوم، و فاقدها كالمعاطاة، نحو ما سمعته من الأردبيلي، و أما احتمال عدم اعتبارها أصلا و أن التراضي كاف في الانتقال و اللزوم، فلا ينبغي الإصغاء إليه بوجه من الوجوه، هذا كله بناء على ما حكاه عنهم، و إلا فقد يقال: إن مراد الأصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي لأنها العدل بينهما[7]؟
و) و قد تقدم في كتاب الخمس كثير من الفروع المتعلقة في المقام بالنسبة إلى ترتب الملاك و تعددهم و اتفاقهم و اختلافهم، فلا حظ و تأمل.
نعم بقي شيء: و هو إن ظاهر عبارة المتن و غيره فرض موضوع المسألة في المدفون، بل في الروضة التصريح بأنه «لو وجده في المملوكة غير مدفون كان لقطة إلا أنه يجب تعريف المالك فان ادعاه فهو له و إلا عرفه» و ربما يؤيده ما تسمعه من الخبر المشتمل على الحكم بكون ما يجده صاحب الدار في داره مما هو ليس له و يدخلها غيره لقطة يجب تعريفها.
لكن في الرياض مازجا عبارة النافع قال: «و لو وجده في أرض لها مالك أو بائع و لو كان ما وجد فيها مدفونا عرفه المالك أو البائع، فإن عرفه و إلا فهو للواجد».
و مقتضاه عدم الفرق في الحكم المزبور بين كونه مدفونا أو ظاهرا بل أولوية الثاني من الأول بذلك، و لا ينافي ذلك تصريحه في أثناء المسألة بكونه ليس من اللقطة، لأن مراده باعتبار كونه محكوما بأنه لواجده لا أنه ليس من موضوعها.
و هو كما ترى في غاية الإشكال، بل لعله من المنكرات بين المتشرعة و إن كان قد يشهد له أن الحكم في ما نحن فيه بأنه للواجد إنما جاء من صحيح الدابة الذي لا ريب في كون موضوعه مندرجا تحت موضوع اللقطة بعد إنكار البائع له و كون المال من أهل هذا الزمن.
إلا أن الانصاف عدم الجرأة على الحكم المزبور بمثل ذلك، خصوصا بعد الصحيح الآتي في الدار و الصندوق المؤيد بأصالة احترام مال المسلم[8].
ز) و تعمد الأكل و الشرب و إن لم يكثرا على قول ظاهر من إطلاق المبسوط و القواعد و اللمعة و معقد إجماع الخلاف، بل لعل المراد منه القليل خاصة، للاستغناء بذكر الكثير سابقا عن كثيرهما، فعطفهما حينئذ عليه من المصنف و غيره لولا احتمال التخصيص للاستثناء كالصريح في ذلك، خصوصا مع إمكان دعوى أن الغالب في الشرب بل و الأكل القلة، ضرورة خروج المقدمات عن مسماهما، و من ذلك يعلم غرابة ما في التذكرة حيث علل البطلان بمطلق الأكل و الشرب بأنهما فعل كثير، قال:
«لأن تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال متعددة و كذا المشروب» و هو كما ترى إلا أنه موافق لمن عرفت في البطلان بهما مطلقا كما هو المحكي عن الأستاذ الأكبر لكن صرح غير واحد من المتأخرين و متأخريهم بأنه لا دليل يختصان به حتى يكونا قاطعين للصلاة مطلقا، قلت: لأن قبول إجماع الشيخ مشكل كما في المنتهى، إذ لا نعلم أي إجماع أشار اليه، و نحوه في المعتبر، بل في المنتهى أيضا «لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب و ابتلعه لم تبطل صلاته عندنا، و عند الجمهور تفسد، لأنه يسمى أكلا، أما لو بقي بين أسنانه من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تبطل صلاته قولا واحدا، لأنه لا يمكن التحرز عنه، و كذا لو كان في فيه لقمة و لم يبتلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل» و في التذكرة «و لو كان مغلوبا بأن نزلت النخامة و لم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعا» قال في كشف اللثام: يعني و إن كثر للعذر كالمرتعد، اللهم إلا أن يقال: إن ابتلاع النخامة و ما بين الأسنان و سوغ السكرة مع الربق لا يسميان في العرف أكلا، فلا ينافي حينئذ إجماع الشيخ المزبور، أو أن ذلك خرج بالدليل كما يومي اليه ما في المبسوط حيث أنه بعد أن أطلق الفساد بالأكل و الشرب قال:
«و روي جواز شرب الماء في صلاة النافلة، و ما لا يمكن التحرز عنه مثل ما يخرج من الأسنان فإنه لا يفسد الصلاة ازدراده»
إذ هو كالتقييد لإطلاقه الأول، و عدم علم المصنف بالإجماع المشار اليه كاشكال الفاضل فيه لا يقدح في حجية الإجماع المنقول.
و يؤيده مضافا إلى ذلك فحوى سياق الخبر الآتي في الرخصة في شرب الماء في الوتر المشعر بمعلومية منافاة الشرب للصلاة و محو اسم الصلاة بحصول المتعارف من كل منهما لا ما تقدم و نحوه، أو علم المتشرعة منافاتهما للصلاة المرادة كما أوضحناه في الفعل الكثير، و لعل ذلك و نحوه مأخذ إجماع الشيخ، إذ لا ريب في حصول البطلان بمحو الاسم، و لا ريب في حصوله بهما و إن لم يكثرا كما هو الغالب فيهما، إذ أطفال المتشرعة يعلمون أن الصلاة لا يجتمع معها الأكل و الشرب كما هو واضح بأدنى التفات، فتوقف كثير من الأصحاب في هذا الحكم- حتى أن المصنف منهم رد على الشيخ إجماعه و تبعه غيره، و جعلوا المدار في البطلان بهما على الكثرة تبعا للمحكي عن السرائر- في غير محله، نعم في الدروس «يبطلان إذا كثرا أو آذنا بالاعراض» و في المحكي عن الموجز و شرحه «إن آذنا بالإعراض أو نافيا الخشوع» بل عن الجعفرية و حاشية الإرشاد و إرشاد الجعفرية «الاقتصار على الإيذان بالاعراض» و عن الجواهر المضيئة «يبطلان لمنافاتهما الخشوع» كالمحكي عن المهذب البارع من «أن الأقوال في ذلك ثلاثة:
الإبطال بالمسمى، و هو ما يبطل الصوم، و الإبطال بالكثرة فلا يبطل باللقمة الصغيرة، و الإبطال بمنافاة الخشوع و لقمة صغيرة- ثم قال-: و هو ما اخترناه».
لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم ثبوت البطلان بالايذان بالإعراض أو بمنافاة الخشوع إن لم يرجعا إلى ما ذكره من المحو أو معلومية المنافاة عند المتشرعة، و لعله لذا قال في جامع المقاصد: «و اختار شيخنا في بعض كتبه الإبطال بالأكل و الشرب المؤذنين بالإعراض عن الصلاة، و هو حسن، إلا أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة» و إن كان فيه نظر أيضا، و كان القول الأول الذي حكاه في المهذب هو الذي حكاه في جامع المقاصد، حيث قال: «و أغرب بعض المتأخرين فحكم بإبطال مطلق الأكل حتى لو ابتلع ذوب سكرة، و هو بعيد» و ربما بتوهم أيضا من إطلاق بعضهم البطلان بالأكل و الشرب، لكن قد عرفت إجماع المنتهى و غيره الصريح في أن الصلاة ليست كالصوم تبطل بمطلق المسمى بل يمكن تحصيل الإجماع عليه في الجملة فضلا عن الإجماع المنقول كما هو واضح بأدنى التفات إلى سيرة أهل الشرع، و عدم مبالغتهم في زوال ما يبقى في الفم عند الصلاة، فلا ريب في وضوح الفرق بين الأكل المنافي للصوم و المنافي للصلاة، و ليس هذا قول منا بأن القليل من الأكل و الشرب غير مبطل للصلاة، فيكونان حينئذ كسائر الأفعال التي يبطل كثيرها دون قليلها، بل المراد بيان أنه و إن قلنا بأن الأكل و الشرب مطلقا مبطلان للصلاة لحصول اسم المحو أو لثبوت المنافاة في أذهان المتشرعة أو لإجماع الشيخ أو لغير ذلك فليس المراد أنه يقدح في الصلاة ما يقدح منه في الصوم إذ المدار ما عرفت، و هو لا يقضي بذلك قطعا كما هو واضح.
هذا كله في العمد، أما السهو فالبحث فيه نحو ما سمعته في الفعل الكثير، و قد صرح غير واحد هنا بأنهما لا يبطلان، بل في المنتهى «لو أكل أو شرب في الفريضة ناسيا لم تبطل صلاته عندنا قولا واحدا» و عن كشف الرموز «الإجماع عليه» و في فوائد الشرائع أطبقوا على ذلك، لكن قال: «إنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يمح الاسم» كما في جامع المقاصد، و يجري فيه ما عرفته هناك، و يزيد بأنه مع تقييده بعدم المحو لا يبطل عمدا عنده و عند غيره ممن عرفت، و الله أعلم.[9]
[1] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۸، ص: ۸
[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۱۰، ص: ۵۴
[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۱۱، ص: ۶۰
[4] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۱۱، ص: ۶۴-۶۵
[5] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۱۳، ص: ۳۶۱
[6] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج۲۲، ص:۳۵۸
[7] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۲۶، ص: ۳۱۲-۳۱۳
[8] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۳۸، ص: ۳۲۵
[9] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۱۱، ص: ۷۷-۸۰
صاحب عناوین
الف)و هنا كلام آخر، و هو: أن العقد الجائز ما أمكن فسخه، و اللازم ما لا يمكن فسخه شرعا، و قد اتفق كلمة الأصحاب ظاهرا على أن الفسخ موجب لرجوع كل عوض إلى مالكه لو كان معاوضة، و بطلان الأثر المترتب عليه لو لم يكن كذلك، كالرجعة التي هي فسخ الطلاق، و الفئة التي هي إبطال للإيلاء، و الرجوع الذي هو إبطال للعارية و الوديعة، و نحو ذلك. و بالجملة: معنى الفسخ رفع الأثر، و لازم ذلك رجوع العوضين في المعاوضة على ما كانا قبل المعاوضة، فإن بقي عيناهما فبعينيهما، و إلا فعلى ما نبينه في عناوين الأحكام من كيفية الضمان، و لكنهم حكموا في باب القرض بأن العقد جائز ليس بلازم، و للمقرض المطالبة متى شاء، و ذكروا أن المقترض يملك بالقرض و له رد المثل و القيمة مع مطالبة المقرض و إن بقي العين و هما مما يتناقضان. و هذا مما قد استشكل على جماعة من فحول المتأخرين و المعاصرين، فلذلك ذهبوا إلى أن القرض عقد لازم، و خالفوا ظاهر كلمة الفقهاء في ذلك،
و زعموا أن الحكمين يتنافيان، و لازم الجواز رجوع العوض بعينه، مع أنه ليس كذلك في القرض، و أنت خبير بأن القول بلزوم القرض مما تشمئز منه النفس، فإن القرض الذي للمقرض مطالبته و للمقترض أداؤه متى شاء كيف يعقل كونه عقدا لازما؟ و هذا مما هو مركوز في أذهان المتشرعة ركوزا ظاهرا[1].
ب)العنوان العشرون في بيان أصالة الطهارة...
و هنا مقامان:
أحدهما: في الشبهات الخبثية
و فيه أبحاث:
الأول: في شبهاتها الحكمية
بصورها الست. و الذي يقضي بأصالة الطهارة فيها بصورها أمور[2]:...
التاسع: سيرة الناس بأجمعهم
، فإنهم لا يزالون يباشرون المشكوكات في الطهارة و النجاسة و لا يحتاطون عنها، و ليس ذلك إلا لارتكاز أن الأصل الطهارة حتى يعلم النجاسة[3].
[1] العناوين الفقهية؛ ج2، ص: ۴۴-۴۵
[2] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: ۴۸۱-۴۸۵
[3] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: ۴۹۱