پیوست شماره ٧: نیت در کلام فقهاء(تا مرحوم علامه حلی)

نکته:این فحص،کامل نیست و در مواردی که ذکر همه اقوال اصحاب طولانی می شد به بیان برخی از کتب یا برخی از ابواب مثل وضو و صلاه اکتفا شده است.

ابن ابی عقیل

الوضوء

البيان (صفحة 24)" و قال ابن أبي عقيل لا تغمز مفاصله، ثم يوضأ من غير مضمضة و لا استنشاق، ثم تغسل يداه ثلاثا. ثم تجب النية، و غسله ثلاث مرات بماء السدر، ثم الكافور، ثم القراح، مرتبا كغسل الجنابة، و يكفي في السدر و الكافور مسماه، و لو خرج به عن الإطلاق فالأحوط المنع. و أوجب أبو الصلاح الوضوء، و اجتزأ سلار بالقراح[1].

الصلاه

المهذب البارع (مجلد 1 صفحة 357)" قسم الحسن بن أبي عقيل أفعال الصلاة إلى فرض، و هو ما إذا أخل به عمدا و سهوا بطلت صلاته، و إلى سنة، و هو ما إذا أخل به عمدا بطلت، لا سهوا، و إلى فضيلة، و هو ما لا تبطل بتركه مطلقا، و جعل الأول، و هو الذي سميناه ركنا الصلاة بعد دخوله الوقت و استقبال القبلة و تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود. و لعله نظر إلى كون الاستقبال شرطا، فكان الركن عنده خمسة، و أهمل القيام و النية، و هو ضعيف لاشتماله على خروج النية و القيام على الركنية، و لأن الاستقبال شرط اختياري، و قد تصح صلاة من ترك الاستقبال و صلى إلى يمين القبلة أو يسارها ظانا و قد خرج الوقت، أو مستدبرا على قول السيد"[2].

في النية

مسألة

- المشهور انّ أركان الصلاة خمسة، القيام، و النّية، و تكبيرة الافتتاح، و الركوع، و السجدتان معا، فلو أخلّ بشي‌ء من هذه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته، و هو الذي اختاره في المبسوط، و قال ابن حمزة: انّها ستّة، و أضاف إليها استقبال القبلة مختارا.

و قسّم ابن أبى عقيل أفعال الصلاة الى فرض، و هو ما إذا أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته، و الى سنة، و هو ما إذا أخلّ به عمدا بطلت صلاته لا سهوا، و الى فضيلة، و هو ما لا تبطل الصلاة بالإخلال به مطلقا، و جعل الأوّل، و هو الذي سمّيناه نحن ركنا للصلاة بعد دخول الوقت و استقبال القبلة و تكبيرة الإحرام، و الركوع و السجود.[النیه لیست من الارکان فی کلامه]

الصوم

نية الصوم

مختلف الشيعة (مجلد 1 صفحة 211)" و قال ابن عقيل: يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول عليهم السلام أن يقدم النية، في اعتقاد صومه ذلك من الليل

(و صفحة 212)" مسألة: لو نسي النية من الليل، جددها إلى قبل الزوال فإن زالت الشمس، و لم يجددها وجب عليه الإمساك، و عليه القضاء، و لا يكون صوما مشروعا، و يظهر من كلام ابن أبي عقيل أن الناسي كالعامد في رمضان، و أنه لو أخل بالنية من الليل، لم يصح صومه، لأنه قال: و يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول عليهم السلام أن يقدم النية في اعتقاد صومه ذلك من الليل، و من كان صومه تطوعا أو قضاء رمضان فأخطأ أن ينوي من الليل، فنواه بالنهار قبل الزوال أجزأه، و إن نوى بعد الزوال لم يجزه، و المشهور ما اخترناه[3].

مسألة

- إذا أصبح يوم الشك بنيّة الإفطار ثم بان انّه من رمضان لقيام بيّنة عليه قبل الزوال جدّد النيّة و صام و قد أجزأه، و ان كان بعد الزوال أمسك بقيّة النهار و كان عليه القضاء و نحوه قال ابن أبى عقيل[4].

ابن جنید

مسألة ۳:

قال ابن الجنيد: يستحبّ أن لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره بأن يوضّئه أو يعينه عليه، و أن يعتقد عند إرادة الطهارة أنّه يؤدّي فرض اللّه منها لصلاته و لو غيّرت النيّة عنه قبل ابتداء الطهارة ثمّ اعتقد ذلك و هو في عملها أجزأه ذلك[5].

مسألة ۲:

ظاهر كلام ابن الجنيد يقتضي تسويغ الإتيان بالنيّة بعد الزوال في الفرض مع الذكر أو النسيان، لانّه قال:

و يستحبّ للصائم فرضا و غير فرض أن يبيّت الصيام من الليل لما يريد به و جائز أن يبتدئ بالنية و قد بقي بعض النهار و يحتسب به من واجب إذا لم يكن قد أحدث ما ينقض الصيام، و لو جعله تطوّعا كان أحوط (الى ان قال)

احتجّ ابن الجنيد: بأنّه يجوز النية قبل الزوال و ان فات بعض النهار فكذا يجوز بعده[6].

مسألة ۳:

قال الشيخ: إذا أصبح يوم الشك بنيّة الإفطار ثمّ بان أنّه من رمضان لقيام بيّنة عليه قبل الزوال جدّد النيّة و صام و قد أجزأه و إن كان بعد الزوال أمسك بقيّة النهار و كان عليه القضاء و نحوه قال ابن أبي عقيل.

و أطلق ابن الجنيد و قال: إن أصبح يوم الشكّ غير معتقد لصيام فعلم فيه انّه من رمضان فصامه معتقدا لذلك أجزأه عنه و بناه على أصله من جواز تجديد النيّة بعد الزوال. الى آخره. (المختلف: ج 3 ص 379)[7].

شیخ صدوق

و لا يجب على الإنسان أن يجدد لكل عمل يعمله  نية ، و كل عمل من الطاعات إذا عمله العبد (لم يرد)  به إلا الله عز و جل فهو عمل بنية ، و كل عمل عمله العبد من الطاعات يريد به غير الله فهو عمل بغير نية، و هو غير مقبول[8] 


[1] حياة ابن أبي عقيل و فقهه؛ ص: ۱۱۳

[2] حياة ابن أبي عقيل و فقهه؛ ص: ۱۸۴

[3] حیاه ابن ابی عقیل و فقه، ص ۲۷۱

[4] مجموعة فتاوى ابن أبي عقيل؛ ص: ۶۸

[5]  مجموعه فتاوی ابن جنید، ص ۳۰

[6] مجموعة فتاوى ابن جنيد؛ ص: ۱۰۷-۱۰۸

[7] مجموعة فتاوى ابن جنيد؛ ص: ۱۰۸

[8] الهداية في الأصول و الفروع؛ ص: ۶۳-۶۴

شیخ مفید

وضو

فصل و قال تعالى في الطهارة التي فعلها مفتاح الصلاة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فرتب الله الطهارة في كتابه و أدى ذلك رسول الله ص بتعليم أصحابه الطهارة فبدا بغسل وجهه و يده اليمنى ثم اليسرى و مسح برأسه و رجليه و قال هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلا به.

فرد النعمان ذلك و ناقضه و قال من توضأ فبدا بغسل رجليه و ثنى بمسح رأسه ثم غسل يديه ثم ختم بغسل وجهه فخالف بذلك ترتيب الله إذ قدم المؤخر من هذه الأعضاء و خلط في الترتيب و غير بعضه أو جميعه فقد أدى ما وجب عليه و امتثل أمر الله له فيه و وافق سنة النبي ص ؛ فعاند بذلك في المقال و رد صريح القرآن و خالف السنة بلا ارتياب.

فصل ثم زعم بعد الذي ذكرناه أنه من كان محدثا ما يوجب الطهارة بالوضوء أو الغسل فاغتسل عن طريق التبرد أو اللعب و لم يقصد بذلك الطهارة و لا نوى‌ به القربى أو غسل وجهه على طريق الحكاية أو اللعب و غسل يديه لذلك و مسح رأسه و غسل رجليه أو جعل ذلك علامة بينه و بين امرأة في الاجتماع معه للفجور أو أمارة على قتل مؤمن أو استهزاء به فإن ذلك على جميع ما ذكرناه مجز له عن الطهارة  التي جعلها الله قربة إليه و فرض على العبد أن يعبده و يخلص له النية فيها بقوله جل اسمه وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ فخالف القرآن نصا و رد على‌ النبي ص في قوله إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى‌ و خالف بذلك العلماء و شذ عن الإجماع[1].

و الوضوء قربة إلى الله تعالى فينبغي للعبد أن يخلص النية فيه و يجعله لوجه الله عز و جل و كل ما فعل فيه فضلا و أصاب به سنة كان أكمل له و أعظم لأجره فيه و أقرب إلى قبوله منه إن شاء الله[2].

صوم

فأول ليلة منه [رمضان]يجب فيها النية للصيام[3]

و يجب على المكلف الاحتياط لفرض الصيام بأن يرقب الهلال و يطلبه في آخر نهار يوم التاسع و العشرين من شعبان فإن أصابه على اليقين بيت النية لمفروض الصيام فإن لم يصبه يقينا عزم على الصيام معتقدا أنه صائم يوما من شعبان فإن ظهر له بعد ذلك أنه من شهر رمضان فقد وفق لإصابة الحق عينا و أجزأ عنه الصيام و إن لم يظهر له ذلك كان له فضل صيام يوم من شعبان و حصل له ثواب الاهتمام بدينه و الاحتياط.قال الله عز و جل وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. [4]


[1] المسائل الصاغانية؛ ص: ۱۱۷-۱۱۸

[2] المقنعة (للشيخ المفيد)؛ ص: ۴۶

[3] مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة؛ ص: ۲۱

[4] المقنعة (للشيخ المفيد)؛ ص: ۲۹۸

سید مرتضی

الانتصار

و مما ظن انفراد الإمامية به: القول بأن صوم التطوع يجزئ عنه نيته بعد الزوال، لأن الثوري يوافق في ذلك، و يذهب إلى أن صوم التطوع إذا نواه في آخر النهار أجزأه، و هو أحد قولي الشافعي أيضا .

و باقي الفقهاء يمنعون من ذلك و يقولون: إذا نوى التطوع بعد الزوال لم يجزئه

دليلنا: الإجماع الذي تقدم، و قوله تعالى «وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» ، و كل ظاهر لقرآن أو سنة يقتضي الأمر بالصوم و الترغيب فيه لا اختصاص له بزمان دون غيره فهو يتناول ما بعد الزوال و قبله. و لا يلزم على ذلك صوم الفرض لأنه لا يجزئ عندنا إلا بنية قبل الزوال، لأنا أخرجناه بدليل و لا دليل فيما عداه.

و أقوى ما تعلقوا به أن ما مضى من النهار قبل النية لا يكون فيه صائما، فكيف يتغير باستئناف النية؟

و الجواب عن ذلك أن ما مضى يلحق في الحكم بما يأتي، كما يقولون كلهم فيمن نوى التطوع قبل الزوال.

فإن فرقوا بين الأمرين بعد الزوال و قبله بأن قبل الزوال مضى أقل العبادة و بعده مضى أكثرها، و الأصول تفرق بين القليل و الكثير في هذا الحكم، كمن أدرك الإمام بعد الركوع و قبله.

قلنا: إذا كانت العبادة قد مضى جزء منها و هو خال من هذه النية و أثرت النية المستأنفة حكما في الماضي، فلا فرق بين القلة و الكثرة في هذا المعنى، لأن القليل كالكثير في أنه وقع خاليا. و ألحقناه من طريق الحكم بالباقي، لأن تبعيض الصوم غير ممكن، و إذا أثرت النية فيما صاحبته من الزمان و ما يأتي بعده فلا بد من الحكم بتأثيرها في الماضي، لأنه يوم واحد لا يلحقه تبعيض.

و قد جوزوا كلهم أن يفتتح الرجل الصلاة منفردا ثم يأتم به بعد ذلك مؤتم فيكون جماعة، و لم يفرقوا بين أن يمضي الأكثر أو الأقل، و جوز الشافعي و أبو حنيفة و أكثر الفقهاء أن يفتتح الصلاة منفردا ثم ينقلها إلى الجماعة فيصير لها حكم الجماعة، و لم يفرقوا بين مضي الأكثر أو الأقل.

و لا يلزم على ما قلناه أن تكون النية في آخر جزء من اليوم، لأن محل النية يجب أن يكون بحيث يصح وقوع الصوم بعده بلا فصل، و ذلك غير متأت في آخر جزء.

و لا يعترض ما ذهبنا إليه روايتهم عن النبي (عليه السلام) قوله: لا صيام لمن‌

لم يبيت الصيام من الليل

لأنه أولا خبر واحد، و قد بينا أن أخبار الآحاد لا يعمل بها في الشريعة.

و لأنا نحمله على الفضل و الكمال، كما قال (عليه السلام): لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، و لا صدقة و ذو رحم محتاج

و قد قيل: إنه محمول على الصوم الذي يثبت في الذمة، مثل قضاء شهر رمضان و صوم النذور و الكفارات[1].

مسألة [79] [كفاية نية واحدة لشهر رمضان]

و مما ظن انفراد الإمامية به: القول بأن نية واحدة في أول شهر رمضان تكفي للشهر كله و لا يجب تجديد النية لكل يوم. و مالك  يوافق على هذا المذهب، و إن خالف باقي الفقهاء فيه .

و الحجة في ذلك: إجماع الطائفة، و أيضا فإن النية تؤثر في الشهر كله لأن حرمته حرمة واحدة، كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه[2].

رسائل الشریف المرتضی

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

أما بعد:فاني وقفت على المسائل التي ضمنها الشريف (أدام اللّٰه عزه) كتابه، و سررت شهد اللّٰه تعالى بما دلتني عليه هذه المسائل من كثرة تدبر، و جودة تبحر، و أنس ببواطن هذه العلوم و مآربها و كوامنها.

و أنا أجيب عن المسائل على ضيق زماني، و قلة فراغي، و كثرة قواطعي، و من اللّٰه جلت عظمته استمد التوفيق، مستمطرا اغمامه و مسند مرآته؟ فهو تعالى ولي ذلك و القادر عليه، المفزوع فيه اليه[3].

...فصل فيه ست مسائل تتعلق بالنيات في العبادات

مسألة:

إذا كان صحة العبادة تفتقر إلى نية التعيين و الى إيقاعها للوجه الذي شرعت له من وجوب أو ندب على جهة القربة بها الى اللّٰه تعالى و الإخلاص له في حال ابتدائها.

و اتفق العلماء بالشرع على وجوب المضي فيما له هذه الصفة من العبادات بعد الدخول فيها، و قبح إعادتها إذا وقعت مجزية، لكون ذلك ابتداء عبادة لا دليل عليها.

فما الوجه فيما اتفقت الطائفة الإمامية على الفتوى به من نقل نية من ابتدأ بصلاة حاضرة في أول وقتها إلى الفائتة حين الذكر لها و ان كان قد صلى بعض الحاضرة و فيه نقض ما حصل الاتفاق عليه من وجوب المضي في الصلاة بعد الدخول فيها بالنية لها و عقدها بتكبيرة الإحرام، و خلاف لوجوب تعيين جملة العبادة بالنية، و مقتضى لكون صلاة ركعتين من فريضة الظهر الحاضرة المعينة بالنية لها، مجزية عن صلاة الغداة الفائتة من غير تقدم نية لها، و هذا عظيم جدا.

مسألة:

و ما الوجه فيما اتفقوا عليه من جواز تكرير الصلاة الواحدة في آخر‌ الوقت رغبة في فضل الجماعة بعد فعلها في أوله، و فيه أمارة فعل الظهر مرتين، لان فعل الثانية لا بد أن يكون لوجه الوجوب أو الندب.

فان كان للوجوب فذلك باطل، لأنه بري‌ء الذمة من الظهر بفعل الاولى، و لا وجه لوجوب الثانية، و هو مقتض لكون الخمس صلوات عشرا، و هذا عظيم أيضا.

و ان كان للندب و هو مخالف لظاهر الفتيا الرواية عنهم عليهم السلام:

صل لنفسك و صل معهم، فان قبلت الاولى و الا قبلت الثانية و كيف ينوي بها الندب و هو امام لقوم يقتدون به، و صلاة المأموم معلقة بصلاة الامام، و هل عزمه على صلاة جماعتهم و فرضهم بأنها مندوبة إلا كفر به على إفسادها في نفسه.

مسألة:

و ما الوجه فيما اتفقوا عليه من الفتيا بصلاة من عليه صلاة واحدة فائتة غير متعينة عدة صلوات غير مميزات ثلاثا و أربعا و اثنتين. و أن الثلاث قضاء للمغرب ان كانت، و الأربع قضاء للظهر أو العصر أو عشاء الآخرة، و الركعتان للغداة.

أو ليس هذا يناقض الاتفاق على وجوب تعيين النية؟ و وجوب بقاء صلاة الظهر في ذمة من صلى أربعا، لم ينو بها ظهرا، بل ينوى بها مندوبة، أو مباحة غير معينة، أو معينة بالعصر، أو العشاء، أو القضاء، أو النذر، و لانه لا بد أن ينوي بالرباعية المفعولة على جهة القضاء الفائت صلاة معينة، أو الثلاث المتغايرات، أو لا ينوي بها شيئا.

فإن نوى صلاة معينة لم يجز عن غيرها. و ان نوى بها الثلاث المتغايرات، فتلك نية بلا فائدة، لأن صلاة واحدة لا تكون ثلاث، و لا قضاء الثلاث، و نية‌ واحدة في الشريعة لا يتبادر ثلاث عبادات متغايرات، من حيث كان أحد شروطها تعلقها بما هي نية له على جهة تعيين، و ان لم ينو بها شيئا لم يكن قضاء لشي‌ء، و ما الفرق بين الفائت المتعين و المبهم في وجوب تعيين النية لقضاء المتعين دون المبهم على تقدير هذه الفتيا الإبهام مختص بتعذر انحصار العدد دون تغايره.

و إذا كان لو فاته ظهر متعين، لوجب أن يقضي ظهرا باتفاق.

فكيف يجب إذا علم أن عليه صلوات منها ظهر و منها عصر و منها عشاء و مغرب و غداة، أن تصلى ظهرا و عصرا و مغربا و عشاء و غداة، و يكرر ذلك حتى يغلب في ظنه براءة ذمته، كما يفعل في قضاء ما يعين بالعدد. و هذا خلاف الفتيا المقررة.

مسألة:

و ما الوجه في الفتيا بمضي صلاة من فعلها قبل الوقت مع الجهل به أو السهو عنه، مع دخول الوقت و هو في شي‌ء منها. و الأمة متفقة على أن من فعل من الركعات قبل الزوال و الغروب و طلوع الفجر، فليس بظهر و لا مغرب و لا غداة.

و إذا ثبت هذا بغير تنازع، فكيف يكون ما فعل قبل تعلق وجوبه بالذمة مجزيا عما يتعلق بها في المستقبل؟ و كيف يكون صلاته ظهرا يجزيه، و بعضها واجب لو سلم، و بعضها غير واجب؟ و كيف يكون ما لو قصد اليه لكان قبيحا يستحق به العقاب من فعلها قبل الوقت مجزيا عما لو قصد اليه، لكان واجبا يستحق به الثواب من فعلها بالوقت.

مسألة:

و ما الوجه في الفتيا باجزاء صوم يوم الشك مع تقدم العزم على صومه من شعبان على جهة الندب عن يوم من شهر رمضان إذا اتفق كونه منه، وهب نية التعيين‌

لا يفتقر إليها في أيام شهر رمضان، لكون يوم شهر رمضان لا يمكن أن يكون من غيره، كيف يكون ما وقع من الفعل بنية التطوع نائبا مناب ما يجب اتباعه لوجه الوجوب.

و هل هذا الا مخالف للأصول الشرعية من افتقار صحة العبادة إلى إيقاعها على الوجه الذي له شرعت، و أن إيقاعها لغيره مخرج لها من جهة التعبد و مخل باستحقاق الثواب، و على هذا التقدير من الحكم يجب أن يكون إيقاع العبادة لوجه التطوع لا ينوب مناب إيقاعها لوجه الوجوب على حال.

مسألة:

و ما الوجه في الفتيا بأن عزم المكلف على صوم جميع شهر رمضان قبل فجر أول يوم منه، يغني عن تكرار النية لكل يوم بعينه؟ مع علمنا بأن العبادة الواحدة تفتقر إلى نية التعيين في حال ابتدائها، دون ما تقدمها أو تراخى عنها و أن الصوم الشرعي العزم على أن يفعل مكلفة أمورا مخصوصة في زمان مخصوص، لوجوب ذلك على جهة القربة به، و الإخلاص كسائر العبادات المفتقرة صحتها الى الوجوه التي بها شرعت، و اتفاقنا على أن اختلال شرط من هذه يخرج المكلف عن كونه صائما في الشريعة.

فكيف يمنع مع هذا أن تكون النية المعقودة على هذا الوجه في أول يوم من الشهر ثابتة  عن نية كل يوم مستقبل منه، و هل ذلك الا مقتضى لصحة صوم من تقدمت منه هذه النية، مع كونه غير عازم في كل يوم مستقبل على أن يفعل ما يجب عليه اجتنابه في زمان الصوم و لا فعله للوجه الذي له شرع الصوم و لا‌ القربة. و هذا ما يجوز المصير اليه، و اتفاقنا على وجوب هذه الأمور في كل يوم، و الا لم يكن المرضي مما يمنع من الفتيا التي حكيناها مع حصول الإجماع عليها، أو يكون لها وجه ممن يذكره.

الجواب:

اعلم النيات غير مؤثرة في العبادات الشرعيات صفات يحصل عنها، كما نقوله في الإرادة أنها مؤثرة، و كون الخبر خبرا، أو كون المريد مريدا. و هو الصحيح على ما بيناه في كتبنا، لان قولنا «خبر» يقتضي تعلقا بين الخطاب و بين ما هو خبر عنه، و ذلك المتعلق لا بد من كونه مستندا الى صفة يقتضيه اقتضاء العلل.

و قد دللنا على ما أغفل المتكلمون إيراده في كتبهم و تحقيقه من الدلالة، على أن كون الخبر يقتضي تعلقا بالمخبر عنه، و أن المرجع بذلك لا يجوز أن يكون الى مجرد و كون المريد مريدا لكونه خبرا، بل لا بد من تعلق مخصوص في مسألة مفردة أمليناها تختص هذا الوجه.

و دللنا فيها على ذلك، بأن الخبر لو لم يكن متعلقا على الحقيقة بالمخبر عنه، و على صفة اقتضت هذا التعلق لم يكن في الاخبار صدق و لا كذب، لان كونه صدقا يفيد تعلقا مخصوصا يقتضي ذلك التعلق، فلو لم يكن هناك تعلق حقيقي لما انقسم الخبر الى الصدق و الكذب، و قد علمنا انقسامه إليها

و ليس في العبادات الشرعية كلها ما يحصل بالنية أحكام هذه العبادات، و يسقط بها عن الذمة ما كان غير ساقط، و يجري ما كان لولاها لا يجرى. و هذه‌

اشارة منا إلى أحكام مخصوصة لا الى صفات العبادات، فإنها تشير الى هذه الاحكام التي ذكرناها، لأنك لو استفسرته على مراده لما فسر الا بذكر هذه الاحكام.

و الذي يبين ما ذكرناه أن النية لو أثرت في العبادات صفة مقتضاها غيرها، لوجب أن يؤثر ذلك قبل العبادة بهذه الشرعيات، لأن المؤثر في نفسه لا يتغير تأثيره. و قد علمنا أن مصاحبة هذه النية للعبادة قبل الشرعيات لا حكم لها، فلا تأثير، فصح ما نبهنا عليه.

و إذا صحت هذه الجملة التي عقدناها، زال التعجب من نقل النية عن أداء الصلاة الى غير وقتها الى قضاء الفائتة، لأن ما صلاه بنية الأداء على صفة لا يجوز انقلابه عنها ..

و انما قيل له: إذا دخلت من صلاة  حضر وقتها، فانو أداءها و استمر على ذلك الى آخرها، ما لم تذكر أن عليك فائتة، فان ذكرت فائتة فانقل نيتك الى قضاء الفائتة، إذا كان في بقية من صلاته يمكنه الاستدراك، لأن الصلاة انما يثبت حكمها بالفراغ من جميعها، لان بعضها معقود ببعض، فهو إذا نقل نيته الى قضاء الفائتة صارت الصلاة كلها قضاء للفائتة لا أداء الحاضرة، لأن هذه أحكام شرعية يجب إثباتها بحسب أدلة الشرع.

و إذا كان ما رتبناه هو المشروع الذي أجمعت الفرقة المحقة عليه، وجب العمل و اطراح ما سواه[4]...

و قد بينا في صدر كلامنا أن دخول النية في العبادة و تعينها و إجمالها و مقارنتها و انفعالها، انما هو أحكام شرعية يجب الرجوع فيها إلى أدلة الشرع، فمهما دلت عليه اشتباه  و اعتمدنا.

و لو كانت نية الصوم الواجب يعتبر فيها تعيين النية على كل حال، لما أجمعت الإمامية على أجزاء صوم يوم الشك بنية التطوع، إذا ظهر أنه من شهر رمضان.

و كذلك أجمعوا على أنه ان صام شهرا بنية التطوع على أنه شعبان و كان مأسورا أو محبوسا يجب أن لا يعلم أحوال الشهر، لكان ذلك الصوم يجزيه عن شهر رمضان.

و انما تفتقر العبادة إلى نية إيقاعها على الوجه المعين في الموضع الذي يتمكن المكلف للعلم بالتعيين، و في يوم الشك لا يمكنه أن يعلم أنه من شهر رمضان في الحال، فلا يجوز أن يصومه إلا بنية التطوع، لان التعيين لا سبيل له إليه في هذا اليوم. و غير ممتنع أن يقوم الدليل على أنه ان صامه بهذه النية و ظهر أنه من شهر رمضان أجزأ عن فرضه.

و أبو حنيفة يوافقنا في هذه المسألة، يذهب إلى أنه ان صام يوما بنية التطوع و ظهر أنه من شهر رمضان أجزأه ذلك عن فرضه، و لم يجب عليه الإعادة.

و يعول في الاستدلال على صحة قوله على أشياء:

منها: قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ  فأمر بصوم شرعي، و لا خلاف في أن الصوم بنية التطوع صوم شرعي، فإنه لو صام في غير شهر‌ رمضان يوما بنية التطوع يوصف في الشرع بأنه صوم مطلق، فعموم الآية يقتضي فعل ما هو صوم في الشريعة.

و منها: أن صوم شهر رمضان مستحق العين على المقيم، فعلى أي وجه فعله وقع على المستحق، كطواف الزيارة و رد العارية و الوديعة و الغصب.

و منها: أن نية التعيين يحتاج إليها للتمييز بين الفرض و غيره، و التمييز انما يحتاج إليه في الوقت الذي يصح  في وقوع الشي‌ء و خلافه فيه. فأما إذا لم يصح منه في الحال الى  الفرض لم يحتج إلى نية التعيين، و لما لم تكن الوديعة و العارية بهذه الصفة لم يفتقر إلى نية التعيين.

فإذا قيل: لعل ما لا جزت صومه هذا الزمان المعين بغير نية أصلا، كما جاز رد الوديعة بغير نية، كما لقوله فروقا بين الأمرين، بأن يقول: كونه مستحق العين انما يكون علة في سقوط نية التعيين، لانه لو طاف بنية التطوع أجزأه عن فرضه، و لا يسقط فيه النية على الجملة.

و أجود مما ذكره أبو حنيفة أن يقول: ان الصوم في الشريعة لا بد من كونه قربة و عبادة بلا خلاف بين المسلمين، فإذا تعين في زمان بعينه سقط وجوب نية التعيين، و نية القربة و العبادة لا بد منها، و الا فلا يكون صوما شرعيا، و ليس كذلك رد الوديعة و العارية.

و أما المسألة الثانية:

حكم نية العبادة المشتملة على أفعال كثيرة فإن كل عبادة اشتملت على أفعال كثيرة، و ان كان لها اسم يتعرف به جملتها كالطهارة و الصلاة و الحج، فلا بد في كل مكلف لها من أن يكون له طريق إلى معرفة وجوب ما هو واجب منها بالتمييز بينه و بين ما هو ندب و نفل.

فإذا نوى في ابتداء الدخول في هذه العبادة التي لها أبعاض كثيرة أن يفعلها و نوع  إيقاع ما هو واجب، منها على جهة الوجوب و إيقاع الواجب منها واجبا و الندب ندبا، لم يحتج الى تجديد النية عند كل فعل من أفعالها، كالركوع و السجود و غيرهما، و هذه

الجملة مقنعة[5].

المسألة الثانية: جواز تجديد نية الصوم بعد مضى شطر النهار

ما الجواب فيما يفتي به الطائفة و غيرها من الفقهاء من جواز تجديد النية للصوم الواجب و المندوب بعد مضي شطر النهار، مع حصول العلم بأن ما مضى من الزمان عريا من النية ليس بصوم، و ما بقي لا يجوز إذا كان ما مضى ليس بصوم أن يكون صوما من حيث كان بعض زمان الصوم المشروع.

الجواب:

اعلم أن هذه المسألة يوافق الإمامية فيها الفقهاء، لأن أبا حنيفة يجيز صوم الفرض و التطوع بنية متجددة قبل الزوال. و الشافعي يجيز ذلك في التطوع و لا‌يجيزه في الفرض.

و الوجه في صحة ذلك ما قد ذكره في جواب هذه المسائل: من أن النية انما تؤثر في أحكام شرعية، و ليس تكون الصلاة بها على صلاة موجبة عنها، كما نقوله في العلل العقلية. و غير ممتنع أن تكون مقارنة نية القيام بجزء من أجزاء النهار في كون جميع النهار صوما، لأن تأثير العلل التي تجب مصاحبتها لما يؤثر فيه هاهنا مفقود.

و انما يثبت أحكام شرعية بمقارنة هذه النية، فغير ممتنع أن يجعل الشرع مقارنتها لبعض العبادة كمقارنتها لجميعها. ألا ترى أن تقدم النية في أول الليل أو قبل فجره مؤثرة بلا خلاف في صوم اليوم كله، و ان كانت غير مقارنة لشي‌ء من أجزائه، و هذا مما قد تقدم في جواب هذه المسائل.

و لا خلاف أيضا في أن من أدرك مع الامام بعض الركوع، يكون مدركا لتلك الركعة كلها و محتسبا له بها، و قد تقدم شطرها، فكيف أثر دخوله في بعض الركوع فيما تقدم، فصار كأنه أدركه كله لو لا صحة ما نبهنا عليه[6].

مسألة، قال رضي اللّٰه عنه:

كنت أمليت قديما مسألة أنظر منهما  أن من عزم في نهار شهر رمضان على أكل و شرب أو جماع يفسد بهذا العزم صومه، و نظرت ذلك بغاية الممكن و قويته، ثم رجعت عنه في كتاب الصوم من المصباح و أفتيت فيه بأن العازم على شي‌ء مما ذكرناه في نهار شهر رمضان بعد تقدم نيته و انعقاد صومه لا يفطر به، و هو الظاهر الذي تقتضيه الأصول، و هو مذهب جميع الفقهاء.

و الذي يدل عليه: أن الصوم بعد انعقاده بحصول النية في ابتدائه، و انما يفسد بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو جماع، و لا منافاة بين الصوم و بين عزيمة‌ الأكل و الشرب.

فإذا قيل: عزيمة الأكل و ان لم تناف الصوم فمتى تنافي نية الصوم التي لا بد للصوم منها و لا يكون صوما الا بها، لأن نية الصوم إذا كانت عند الفقهاء كلهم هي العزيمة على الكف عن هذه المفطرات و على ما حددتموه في المصباح هي العزيمة على توطين النفس على الكف إذا صادفت هذه العزيمة نية الصوم التي لا بد للصوم منها أفسدت الصوم.

قلنا: عزيمة الأكل لا شبهة في أنها تنافي عزيمة الكف عنها، لكنها لا تنافي حكم عزيمة الصوم و نيته و حكم النية نفسها، لأن النية إذا وقعت في ابتداء الصوم استمر حكمها في باقي اليوم و ان لم تكن مقارنة لجميع أجزائه و أثرت فيه بطوله.

و عندنا ان هذه النية- زيادة على تلك- مؤثرة في كون جميع أيام الشهر صوما و ان لم تكن مقارنة للجميع.

و قد قلنا كلنا ان استمرار حكم النية في جميع زمان الصوم ثابت و ان لم تكن مقارنة لجميع أجزائه، و لهذا جوزنا و جوز جميع الفقهاء أن يعزب عن النية و لا يجددها و يكون صائما مع النوم و الإغماء. و نحن نعلم أن منافاة عزيمة الأكل لعزيمة الكف و كذلك منافاة النوم و الإغماء لها.

أ لا ترى أنه لا يجوز أن تكون النية عارية عنه في ابتداء الصوم و يكون مع ذلك صائما، و كذلك لا يجوز أن يكون في ابتداء الدخول في الصوم نائما أو مغمى عليه، و لم يجب أن ينقطع استمرار حكم النية بتجدد عزوب النية و لا يتجدد نوم أو إغماء مع منافاة ذلك لنية الصوم لو تقدم و قاربها. كذلك لا يجب إذا تقدم منه‌الصوم بالنية الواقعة في ابتدائه ثم عزم في خلال النهار على أكل أو غيره من المفطرات لا يجب أن يكون مفسدا لصومه، لأن حكم الصوم مستمر.

و هذه العزيمة لا تضاد بينها و بين استمرار حكم الصوم و ان كانت لو وقعت في الابتداء لخرجت عن الانعقاد. و انما كان في هذا المذهب شبهة على الصائم تجديد النية في جميع أيام الصوم و أجزاء الصوم، و إذا كانت لا خلاف بين الفقهاء و أن تجديد هذه النية غير واجب لم يبق شهرة في أن العزيمة عن الأكل في خلال النهار مع انعقاد الصوم لا يؤثر في فساد الصوم، إذ لا منافاة بين هذه العزيمة و بين الصوم و استمرار حكمه، و انما يفسد الصوم بعد ثبوته و استمرار حكمه لما نافاه من أكل أو شرب أو جماع أو غير ذلك مما اختلف الناس فيه.

و على هذا الذي قررناه لا يكون من أحرم إحراما صحيحا بنية و حصلت في ابتداء إحرامه عزم في خلال إحرامه على ما ينافي الإحرام من جماع أو غيره مفسدا لإحرامه، بل حكم إحرامه مستمر لا يفسده الا فعل ما نافى الإحرام دون العزم على ذلك. و هذا لا خلاف فيه.

و كذلك من أحرم بالصلاة ثم عزم على شي‌ء أو التفات أو على شي‌ء من نواقض الصلاة لم يفسدها للعلة التي ذكرناها.

و كيف يكون العزم مفسدا كما يفسده الفعل المعزوم عليه الشرعي، و قد علمنا أنه ليس في الشريعة عزم له مثل حكم المعزوم عليه الشرعي البتة.

أ لا ترى [أن] من عزم على الصلاة لا يجوز أن يكون له حكم  مثل حكم فعل الصلاة الشرعي، و كذلك من عزم على الوضوء.

و انما اشترطنا الحكم الشرعي، لأن العزم في الثواب و استحقاق المدح حكم المعزوم عليه، و كذلك العزم على القبيح مستحق عليه الذم كما يستحق على الفعل القبيح، و ان وقع اختلاف في تساويه أو قصور العزم في ذلك عن المعزوم عليه.

و مما يدل على صحة ما اخترناه أنه لو كان عزيمة الأكل و ما أشبهه من المفطرات يفسد الصوم لوجب أن يذكرها أصحابنا في جملة ما عددوه من المفطرات المفسدات للصوم التي رووها عن أئمتهم عليهم السلام و أجمعوا عليها بتوقيفهم حتى ميزوا ما يفطر و يوجب الكفارة و بين ما يوجب القضاء من غير كفارة، و لم يذكر أحد منهم على اختلاف تصانيفهم و رواياتهم أن العزم على بعض هذه المفطرات يفسد الصوم، و لا أوجبوا فيه قضاء و لا كفارة، لو كان العزم على الجماع جاريا مجرى الجماع لوجب أن يذكروه في جملة المفطرات و يوجبوا فيه إذا كان متعمدا القضاء و الكفارة كما أوجبوا متناوله من ذلك.

فان قيل: فما قولكم في من نوى عند ابتداء طهارته بالماء ازالة الحدث ثم أراد أن يطهر رأسه أو رجليه غير هذه النية فنوى بما يفعل النظافة و ما يجري مجراها مما يخالف ازالة الحدث.

قلنا: إذا كانت نية الطهارة لا يجب إذا وقعت النية في ابتدائها أن تجدد حتى يقارن جميع أجزائها، بل كان وقوعها في الابتداء يقتضي كون الغسل و المسح طهارة، فالواجب أن نقول: متى غير النية لم يؤثر هذا التغيير في استمرار حكم النية الأولى. كما أنه لو عزم أن يحدث حدثا ينقض الوضوء و لم يفعله لا يجب أن يكون ناقضا لحكم الطهارة و لم يجر العزم على الحدث في الطهارة مجرى المعزوم نفسه.

و هذا الذي شبه مسألة الصوم و انا فرضنا من عزم على الفطر في خلال النهار و قلنا انه بهذا العزم لا يفسد صومه.

و أيضا فإنه يمكن أن يفصل بين الوضوء و بين الصوم: بأن الصوم لا يتبعض و لا يكون بعض النهار صوما و بعضه غير صوم و ما أفسد شيئا منه أفسد جميعه.

و كذلك القول في الإحرام بالحج و الدخول في الصلاة و الوضوء يمكن فيه التبعيض و أن يكون بعضه صحيحا و بعضه فاسدا.

فلو قلنا انه إذا نوى ازالة الحدث و غسل وجهه ثم بدا له فنوى النظافة بما يفعله من غسل يديه أو غسل بدنه تكون هذه النية للنظافة لا لإزالة الحدث و لا تعمل فيه النية الأولى لجاز، و لكنا نقول له أعد غسل يديك ناويا للطهارة و ازالة الحدث و لا نأمره بإعادة تطهير وجهه بل البناء عليه. و هذا لا يمكن مثله في الصوم و لا في الإحرام و لا في الصلاة[7].

الناصریات

«النية شرط في صحة الوضوء»

و عندنا: أن الطهارة تفتقر إلى نية، وضوء كانت، أو تيمما، أو غسلا من جنابة، أو حيض، و هو مذهب مالك، و الشافعي، و ربيعة ، و أبي ثور ، و إسحاق بن‌ راهويه ، و داود، و ابن حنبل

و قال الثوري، و أبو حنيفة، و أصحابه: إن الطهارة بالماء لا تفتقر إلى النية

و قالوا جميعا إلا زفر: ان التيمم لا بد فيه من نية

و قال الحسن بن حي: يجزي الوضوء و التيمم جميعا بغير نية

دليلنا بعد الإجماع المقدم ذكره، قوله تعالى يٰا أَيُّهَا  الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ  الآية.

و تقدير الكلام: فاغسلوا للصلاة، و انما حذف ذكر الصلاة اختصارا.

و هكذا مذهب العرب، لأنهم إذا قالوا: إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك،

و إذا أردت لقاء العدو فخذ سلاحك، و تقدير الكلام: فالبس ثيابك للقاء الأمير، و خذ سلاحك للقاء العدو.

و الغسل لا يكون للصلاة إلا بالنية، لأن بالنية يتوجه الفعل إلى جهة دون غيرها.

و أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم من قوله: «الأعمال بالنيات، و إنما لامرئ ما نوى»و قد علمنا أن الأعمال قد توجد أجناسها من غير نية، فوضح أن المراد بالخبر أنها لا تكون قربة شرعية مجزئة إلا بالنيات.

و قوله عليه السلام: «إنما لا لامرئ ما نوى» يدل على أنه ليس له ما لم ينو.

هذا حكم اللغة العربية، ألا ترى أن القائل إذا قال: «إنما لك درهم» فقد نفى أن يكون له أكثر من درهم.

و الذي يدل على صحة ما ذكرناه في لفظه (إنما) أن ابن عباس  كان يذهب الى جواز بيع الدرهم بالدرهمين نقدا و يأبى نسية .

و خالفه في ذلك وجوه الصحابة، و احتجوا عليه بنهي النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة

فعارضهم بقوله عليه السلام: «إنما الربا في النسيئة»

فجعل هذا الخبر دليلا على أنه لا ربا إلا في النسيئة. و قول ابن عباس حجة فيما طريقه اللغة، و بعد فإن المخالفين له في هذه المسألة لم يمنعوه عن قوله من طريق اللغة، بل من جهة غيرها، فدل ذلك على ما ذكرناه.

و قد استقصينا هذه المسائل غاية الاستقصاء، و انتهينا فيها إلى أبعد الغايات في (مسائل الخلاف)[8].

المسألة الثانية و الثمانون [تكبيرة الافتتاح من الصلاة و كذا التسليم]

«تكبيرة الافتتاح من الصلاة و التسليم ليس منها ».

لم أجد لأصحابنا الى هذه الغاية نصا في هاتين المسألتين، و يقوى في نفسي أن‌

تكبيرة الافتتاح من الصلاة، و أن التسليم أيضا من جملة الصلاة، و هو ركن من أركانها، و هو مذهب الشافعي

و وجدت بعض أصحابنا يقول في كتاب له: إن السلام سنة: غير مفروض و من تركه متعمدا لا شي‌ء عليه

و قال أبو حنيفة: تكبيرة الافتتاح ليس من الصلاة، و التسليم ليس بواجب و لا هو من الصلاة، و إذا قعد قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام و الكلام و غيرهما .

دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه من أن تكبيرة الافتتاح من الصلاة: أنه لا خلاف في أن نية الصلاة إما تتقدم عليه بلا فصل أو تقاربه، على الاختلاف بين الفقهاء في ذلك، و نية الصلاة لا تجب مقارنتها إلا لما  هو من الصلاة لتؤثر فيه، و ما ليس من الصلاة فلا يجب أن تتقدم عليه و لا تقارنه، و في وجوب مقارنة النية أو التقديم التكبيرة الافتتاح دليل على أنها من جملة الصلاة[9].

سلار دیلمی

ذكر: كيفية الطهارة الصغرى اعلم، ان كيفية الطهارة الصغرى يشتمل على واجب و ندب.

فالواجب منه: النية، و غسل الوجه: من قصاص الشعر إلى محادر شعر الذقن طولا، و ما دارت عليه الوسطى و الإبهام عرضا، و غسل اليدين[10]

ذكر: كيفية الصلاة

كيفية الصلاة تشتمل على واجب و ندب.

فالواجب: النية للقربة و التعيين، و أداؤها في وقتها[11]

ذكر: أحكام صوم شهر رمضان

أحكامه على ضربين: واجب و ندب. فالواجب معرفة ما يعرف به دخول شهر رمضان، و ما يعرف به تصرمه و هي: رؤية الأهلة، أو شهد بها في أوله واحد عدل، و في آخره اثنان عدلان. و إن تعذرت رؤية الأهلة، فالعدد. و النية، نية القربة. و نية واحدة كافية في صيام الشهر كله، و الكف عن كل ما يفسد الصيام[12]

مراسم الحج جملة:

و هي على ضربين: فعل، و كف.

فالفعل: النية، و الدعاء المرسوم عند الخروج من المنزل[13]

و هذه الأفعال على ضربين: واجب و ندب.

فالواجب: النية، و المسير، و الإحرام، و لبس ثيابه، و الطواف، و السعي، و التلبية، و سياق الهدى للقارن و المتمتع، و لتم الحجر، و استلام الركن اليماني، و الوقوف بالموقفين، و نزول المزدلفة، و الذبح، و الحلق، و الرجوع الى منى، و رمي الجمار[14].


[1] الانتصار في انفرادات الإمامية؛ ص: 182-184

[2] الانتصار فی انفرادات الامامیه، ص 182

[3] رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌2، ص: 315

[4] رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌2، ص: 341-346

[5] رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌2، ص: 356-359

[6] رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌2، ص: 384-385

[7] رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌4، ص: 322-326

[8] المسائل الناصريات؛ ص: 108-110

[9] المسائل الناصريات؛ ص: 208-209

[10] المراسم العلوية و الأحكام النبوية؛ ص: 37

[11] المراسم العلوية و الأحكام النبوية؛ ص: 69

[12] المراسم العلوية و الأحكام النبوية؛ ص: 96

[13] المراسم العلوية و الأحكام النبوية؛ ص: 104

[14] المراسم العلوية و الأحكام النبوية؛ ص: 105

شیخ طوسی

الاقتصاد الهادی

و النية في الطهارة فرض إذا أراد الشروع في غسل الأعضاء، و هي بالقلب ينوي القربة الى اللّه و استباحة الصلاة[1].

و النية لا بد منها، ينوي بالغسل استباحة الصلاة أو استباحة مالا يجوز للجنب من دخول المساجد و قراءة العزائم و مس كتابة المصحف و غير ذلك[2].

و الترتيب واجب فيه أيضا، و كذلك النية، غير أنه لا ينوي رفع الحدث فان الحدث باق و انما ينوي استباحة الدخول في الصلاة.[3]

أول ما يجب من أفعال الصلاة المقارنة لها النية، و وقتها حين يريد استفتاح الصلاة. و كيفيتها أن ينوي الصلاة التي يريد أن يصليها- فرضا كان أو نفلا- و يعين الفرض أيضا فرض الوقت أو القضاء. مثاله: أن يريد صلاة الظهر فينبغي أن ينوي صلاة الظهر على وجه الأداء دون القضاء متقربا بها الى اللّه، و كذلك باقي الصلوات. و ينبغي ان يستديم حكم هذه النية إلى وقت الفراغ من الصلاة، و لا يعقد في خلال الصلاة نية تخالفها فإنه يفسد ذلك صلاته[4].

الصوم في اللغة عبارة عن الإمساك و الوقوف ، و في الشريعة عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص على وجه مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة.

و لا ينعقد إلا بالنية.

و الصوم على ضربين: شهر رمضان، و غيره.

فصوم شهر رمضان لا بد فيه من نية القربة، و ان ضم إليها نية التعيين كان أفضل.

و وقت النية ليلة الصوم من أولها إلى طلوع الفجر، فأي وقت نوى الصوم فقد انعقد صومه، و متى لم ينو متعمدا مع العلم بأنه شهر رمضان حتى يصبح فقد فسد صومه و عليه القضاء، و ان لم يعلم أنه شهر رمضان- لعدم رؤيته أو لشبهة- ثم علم بعد أن أصبح جاز له أن يجدد النية إلى الزوال و صح صومه‌ و لا اعادة عليه، و ان فاتت الى بعد الزوال أمسك بقية النهار و كان عليه القضاء و ان صام عند الشبهة أو الشك منه للتطوع ثم انكشف أنه كان من شهر رمضان فقد أجزأ عنه و لا قضاء عليه. و يكفي الشهر كله نية واحدة، و ان جدد النية كل ليلة كان أفضل.

و أما صوم غير شهر رمضان فلا بد فيه من نية التعيين و نية القربة معا، سواء كان فرضا كالنذر و القضاء و غير ذلك من أنواع الواجبات أو نفلا كصوم التطوع على اختلاف أنواعه.

و متى فاتت النية جاز تجديدها الى عند الزوال، فاذا زالت الشمس فقد فاتت النية[5].

تهذیب الاحکام

قَالَ الشَّيْخُ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ فِيهِ وَ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى- يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ قَوْلُهُ فَاغْسِلُوا أَيْ فَاغْسِلُوا لِلصَّلَاةِ وَ إِنَّمَا حُذِفَ ذِكْرُ الصَّلَاةِ اخْتِصَاراً وَ مَذْهَبُ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا إِذَا أَرَدْتَ لِقَاءَ الْأَمِيرِ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ وَ إِذَا أَرَدْتَ لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَخُذْ سِلَاحَكَ فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَالْبَسْ ثِيَابَكَ لِلِقَاءِ الْأَمِيرِ وَ خُذْ سِلَاحَكَ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَ إِذَا أُمِرْنَا بِالْغَسْلِ لِلصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ لِأَنَّ بِالنِّيَّةِ يَتَوَجَّهُ الْفِعْلُ إِلَى الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا وَ يَدُلُّ أَيْضاً عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ.

218- 67- الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ص إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَ إِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى الْخَبَرَ.

فَلَمَّا وَجَدْنَا الْأَعْمَالَ قَدْ تُوجَدُ أَجْنَاسُهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبَرِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ قُرْبَةً وَ شَرْعِيَّةً مُجْزِيَةً إِلَّا بِالنِّيَّاتِ وَ قَوْلُهُ وَ إِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِ وَ هَذَا حُكْمُ لَفْظَةِ إِنَّمَا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ أَ لَا تَرَى أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ إِنَّمَا لَكَ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَ إِنَّمَا أَكَلْتُ رَغِيفاً دَلَّ عَلَى نَفْيِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَ أَكْلِ أَكْثَرَ مِنْ رَغِيفٍ وَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ إِنَّمَا مَوْضُوعَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْداً وَ نَاظَرَهُ عَلَى ذَلِكَ وُجُوهُ الصَّحَابَةِ وَ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِنَهْيِ النَّبِيِّ ص عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فَعَارَضَهُمْ.

219- 68- بِقَوْلِهِ ع إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ.

فَرَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْخَبَرَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ وَ يَدُلُّ أَيْضاً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ إِنَّمَا تُفِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا تَنَازَعَتْ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ مُوجِباً لِلْغُسْلِ.

220- 69- بِقَوْلِهِ ع: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ.

قَالَ الْآخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ هَذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ فَلَوْ لَا أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ رَأَوْا هَذِهِ اللَّفْظَةَ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ لَمَا احْتَجَّ بِالْخَبَرِ نَافُو وُجُوبِ الْغُسْلِ وَ لَا ادَّعَى نَسْخَهُ الْبَاقُونَ‌[6]

الجمل و العقود

و اما الكيفيات فعلى ضربين: واجب، و ندب.

فالواجب عشرة:

1 و 2- مقارنة النية لحال الوضوء، و استدامة  حكمها.

الى عند الفراغ[7].

فإذا أراد الغسل وجب عليه أفعال و هيآت، و يستحب له أفعال.

فالواجب  من الأفعال ثلاثة:

1- الاستبراء بالبول على الرجال أو الاجتهاد.

2- و النية.

و الهيآت ثلاثة:

1 و 2- مقارنة النية لحال  الغسل، و الاستمرار عليها حكما[8].

9- فصل في ذكر ما يقارن حال الصلاة

الصلاة تشتمل على ثلاثة أجناس: أفعال، و كيفيات، و تروك.

و كل واحد منها على ضربين: مفروض و مسنون.

فالمفروض من الأفعال [في أول ركعة ص س] ثلاثة عشر شيئا:

1- القيام مع القدرة أو ما يقوم مقامه مع العجر عنه.

2 و 3- و النية، و تكبيرة الإحرام.

و المفروض من الكيفيات في هذه الركعة ثمانية عشر كيفية:

1 و 2- مقارنة النية لحال  تكبيرة الإحرام، و استدامة حكمها الى عند الفراغ[9].

كتاب الصيام

الصوم عبارة في الشرع عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

و من شرط  صحته النية:

فإن كان الصوم متعينا بزمان مخصوص على كل حال مثل شهر رمضان فيكفي فيه  نية القربة دون نية التعيين.

و ان لم يكن متعينا أو كان يجوز ذلك فيه احتاج الى نية التعيين و ذلك كل صوم عدا شهر رمضان نفلا كان أو واجبا.

و نية القربة يجوز ان تكون متقدمة.

و نية التعيين لا بد من ان تكون مقارنة.

فإن فاتت الى ان يصبح جاز تجديدها الى زوال الشمس، فان زالت [الشمس س] فقد فات وقتها.

فان كان صوم شهر رمضان صام ذلك اليوم و قضى يوما بدله، و كذالك النذر.

هذا إذا أصبح بنية الإفطار.

فاما إذا أصبح صائما بنية التطوع و لم يجدد نية الفرض بان لا يعلمه فإنه يجزيه نية القربة على كل حال[10].

مسألة 18 [وجوب النية في الطهارة]

عندنا أن كل طهارة عن حدث، سواء كانت صغرى، أو كبرى بالماء كانت، أو بالتراب، فإن النية واجبة فيها. و به قال الشافعي، و مالك، و الليث بن سعد، و ابن حنبل

و قال الأوزاعي: الطهارة لا تحتاج إلى نية ، و قال أبو حنيفة: الطهارة‌

بالماء لا تفتقر إلى نية، و التيمم يفتقر إلى النية

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا قوله تعالى «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ»  الاية. فكأن تقدير الآية. فاغسلوا وجوهكم و أيديكم للصلاة، و لا يكون الإنسان غاسلا لهذه الأبعاض للصلاة إلا بالنية.

و أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال: «الأعمال بالنيات، و انما لكل امرء ما نوى» . فبين أن ما لا يكون بنية، لا يكون للإنسان، فوجبت النية.

و أيضا فإذا نوى فلا خلاف أن طهارته صحيحة، و إذا لم ينو فليس على صحتها دليل[11].

الخلاف

كتاب كيفية الصلاة في مسائل النية‌

مسألة 54 [لو صلى بنية النفل و نذر الإتمام في الأثناء]

من دخل في الصلاة بنية النفل، ثم نذر في خلالها إتمامها فإنه يجب عليه إتمامها.

و قال أصحاب الشافعي: تبطل صلاته لان النذر لا ينعقد الا بالقول، و القول الذي ينعقد به النذر يبطل الصلاة، لأنه ليس بتسبيح و لا تكبير و لا تحميد لله تعالى، و الذي قالوه صحيح في القول الذي هو نذر، الا أن عندنا ان النذر ينعقد بالقلب كما ينعقد بالقول، و لو نوى بقلبه ذلك لزمه، و أن نذره بلسانه بطلت صلاته على ما قالوه.

مسألة 55 [من نوى في أثناء الصلاة خروجه منها]

إذا دخل في صلاته ثم نوى أنه خارج منها، أو نوى أنه سيخرج منها قبل إتمامها أو شك هل يخرج عنها أو يتمها فان صلاته لا تبطل، و به قال أبو حنيفة .

و قال الشافعي في الأم و نص عليه: أنه تبطل صلاته ، و يقتضيه مذهب مالك .

دليلنا: أن صلاته قد انعقدت صحيحة بلا خلاف، و ابطالها يحتاج الى‌

دليل، و ليس في الشرع ما يدل عليه و أيضا فقد روى نواقض الصلاة و قواطعها، و لم ينقل في جملة ذلك شي‌ء مما حكيناه، و يقوى في نفسي أيضا أنها تبطل لان من شرط الصلاة استدامة حكم النية، و هذا ما استدامها.

و أيضا قوله عليه السلام «الأعمال بالنيات» و قول الرضا عليه السلام لا عمل إلا بالنية  يدل عليه، و هذا عمل بغير نية، و لأنه يبعد أن تكون الصلاة صحيحة إذا نوى الدخول فيها ثم نوى فيما بعد في حال القيام و الركوع و السجود الى آخر التسليم انه يفعل هذه الأفعال لا للصلاة فتكون صلاته صحيحة، فهذا المذهب أولى و أقوى و أحوط.

مسألة 56: محل النية القلب دون اللسان،

و لا يستحب الجمع بينهما.

و قال أكثر أصحاب الشافعي: أن محلها القلب، و يستحب أن يضاف الى ذلك اللفظ

و قال بعض أصحابه: يجب التلفظ بها  و خطأه أكثر أصحابه.

دليلنا: هو أن النية هي الإرادة التي تؤثر في وقوع الفعل على وجه دون وجه، و بها يقع الفعل عبادة و واقعا موقع الوجوب أو الندب، و انما سميت نية لمقارنتها للفعل و حلولها في القلب، و لأجل ذلك لا تسمى ارادة الله نية لأنها‌ لا تحل في القلب، و إذا ثبت ما قلناه فمن أوجب التلفظ بها، أو استحب ذلك فعليه الدليل، و الشرع خال من ذلك.

مسألة 57 [وجوب تعين الصلاة]

يجب أن ينوي بصلاة الظهر مثلا كونها ظهرا فريضة مؤداة على طريق الابتداء أو القضاء.

و قال أبو إسحاق المروزي: يجب أن ينوي بها ظهرا فريضة

و قال أبو علي بن أبي هريرة: يكفي أن ينوي صلاة الظهر، لأن صلاة الظهر لا تكون الا فرضا

و قال بعض أصحاب الشافعي: يجب أن ينويها حاضرة مع ما تقدم من الأوصاف دون الفائتة مثل ما قلناه.

دليلنا: على ما قلناه هو أنه إذا نوى جميع ما قلناه لا خلاف أن صلاته صحيحة و برءت ذمته و إن أخل بشي‌ء من ذلك لم يدل دليل على براءة ذمته، و أيضا فإنا اعتبرنا أن ينوي الصلاة ليتميز بذلك مما ليس بصلاة، و اعتبرنا كونها ظهرا ليتميز مما ليس بظهر، و اعتبرنا كونها فريضة لأن الظهر قد يكون نفلا.

ألا ترى أن من صلى الظهر وحده ثم حضر جماعة استحب له أن يصليها معهم، و يكون ظهرا و هو مندوب اليه، و انما اعتبرنا كونها حاضرة لأنه يجوز أن يكون عليه ظهر فائتة فلا تتميز الحاضرة من الفائتة إلا بالنية و القصد فعلم بذلك صحة جميع ما اعتبرناه.

مسألة 58: من فاتته صلاة من الخمس، و لا تتميز له‌

وجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية الظهر و العصر و العشاء الآخرة، و ثلاث ركعات بنية المغرب،

و ركعتين بنية الصبح.

و قال المزني: يكفيه أن يصلي أربع ركعات، و يجلس في الثانية و الثالثة و الرابعة.

و قال باقي أصحاب الشافعي و الفقهاء: أنه يجب عليه أن يصلي خمس صلوات

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا روى علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة، و لا يدري أي صلاة هي صلى ركعتين و ثلاثا و أربعا .

مسألة 59 [حكم الذاكر في الصلاة باشتغال ذمته لصلاة فاتته]

من دخل في صلاة بنية الأداء ثم ذكر ان عليه صلاة فائتة و هو في أول الوقت أو قبل تضيق وقت الحاضرة عدل بنيته إلى الفائتة ثم استأنف الحاضرة، فإن تضيق وقت الحاضرة تمم الحاضرة ثم قضى الفائتة.

و قال أصحاب الشافعي: من دخل في صلاة بنية ثم صرف نيته إلى صلاة غيرها، أو صرف بنيته الى الخروج منها و ان لم يخرج فسدت صلاته

و قال أبو حنيفة: لا تبطل صلاته

دليلنا: على جواز نقل النية من الحاضرة إلى الفائتة. إجماع الفرقة، و قد‌

بينا أن إجماعها حجة.

و أيضا روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا ذكرت انك لم تصل الاولى، و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين، فصل الركعتين الباقيتين، و قم فصل العصر و إن كنت ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت صلاة المغرب، و لا تخاف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب و ذكر الحديث الى آخره في سائر الصلوات.

مسألة 60 [في صرف النية من صلاة إلى أخرى]

إذا دخل في الظهر بنية الظهر، ثم نقل نيته الى العصر، فان كان الى عصر فائت كان ذلك جائزا على ما قلناه في المسألة الاولى

و ان كان الى العصر الذي بعده لم يصح، و ان صرف النية عن الفرض الى التطوع لم يجزه عن واحد منهما.

و قال الشافعي في صرف النية من الظهر الى العصر: لا يصح على كل حال، فتبطل الصلاتان معا، الاولى تبطل لنقل النية عنها، و الثانية تبطل لأنه لم يستفتحها بنية  و في نقلها عن الفريضة إلى التطوع قولان.

أحدهما: أن التطوع لا يصح و لا الفرض.

و الثاني: يصح النفل دون الفرض

دليلنا: على صحة نقلها إلى الفائتة ما قلناه في المسألة الاولى و أما فساد نقلها الى العصر الذي بعده فلأنه لم يحضر وقته فلا تصح نية أدائه، و انما قلنا لم يحضر وقته لأنه مترتب على الظهر على كل حال سواء كان في أول الوقت أو في آخره الى أن يتضيق وقت العصر، و إذا ثبت ذلك فلا يصح أداء العصر قبل دخول وقتها.

فأما نقل النية إلى النافلة فإنما قلنا لا يجزى لأن الصلاة إنما تصح على ما استفتحت عليه أولا، و انما يخرج من ذلك ما تقدم بدليل و الا فالأصل ما قلناه.

و روى ذلك يونس عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فظن أنها نافلة أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه

مسألة 61 [وقت النية]

وقت النية مع تكبيرة الافتتاح لا يجوز تأخيرها و لا تقديمها عليها، فان قدمها و لم يستدمها لم يجزه، و ان قدمها و استدامها كان ذلك جائز، و به قال الشافعي

و قال أبو حنيفة: إذا قدمها على الإحرام بزمان يسير، و لم يقطع بينهما بفعل أجزأته هكذا ذكر أبو بكر الرازي

و ذكر الطحاوي أن مذهب أبي حنيفة كمذهب الشافعي

و قال داود: يجب أن ينوي قبل التكبير و يحرم عقيبه .

دليلنا: ان النية انما يحتاج إليها ليقع الفعل بها على وجه دون وجه، و الفعل في حال وقوعه يصح ذلك فيه فيجب أن يصاحبه ما يؤثر فيه حتى يصح تأثيره‌

فيه لأنها كالعلة في إيجاب معلولها، كما أن العلة لا تتقدم على المعلول فكذلك ما قلناه، و أيضا فإذا قارنت صحت الصلاة بلا خلاف، و إذا تقدمت لم يقم دليل على صحتها[12].

المبسوط

فصل: في ذكر وجوب النية في الطهارة‌

النية واجبة عند كل طهارة وضوء كانت أو غسلا أو تيمما و هي المفعولة بالقلب دون القول، و كيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة فعل من الأفعال التي لا يصح فعلها إلا بطهارة مثل الصلاة و الطواف فإذا نوى استباحة شي‌ء من ذلك أجزأه لأنه لا يصح شي‌ء من هذه الأفعال إلا بعد الطهارة، و متى ينوي استباحة فعل من الأفعال التي ليس من شرطه الطهارة لكنها مستحبة مثل قراءة القرآن طاهرا و دخول المسجد و غير ذلك. فإذا نوى استباحة شي‌ء من هذا لم يرتفع حدثه لأن فعله ليس من شرطه الطهارة، و حكم الجنب في هذا الباب حكم المحدث سواء إلا أن في حق الجنب في بعض أفعاله بشرط الطهارة مثل دخول المسجد فإنه ممنوع منه و لا يجوز منه إلا بعد الغسل و ليس كذلك المحدث فإذا نوى الجنب استباحة دخول المسجد و الجلوس فيه ارتفع حدثه، و أما الاختيار فيه فحكم الجنب و حكم المحدث فيه سواء، و إذا اجتمعت أغسال من جملتها غسل الجنابة فإذا نوى بالغسل الجنابة أو رفع الحدث أجزأه، و إن نوى به غسل الجمعة لم يجزئه لأن غسل الجمعة لا يقصد به رفع الحدث بل المقصود به التنظيف فأما وقت النية فالمستحب أن يفعل إذا ابتدأ في غسل اليدين، و يتعين وجوبها إذا ابتدأ بغسل الوجه في الوضوء أو الرأس في غسل الجنابة، و لا يجزى ما يتقدم على ذلك و لا يلزم استدامتها إلى آخر الغسل و الوضوء بل يلزمه استمراره على حكم النية، و معنى ذلك ألا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها فإن انتقل إلى نية تخالفها و قد غسل بعض أعضاء الطهارة ثم تمم لم يرتفع الحدث فيما غسل بعد نقل النية و نقضها. فإن رجع إلى النية الأولى نظرت فإن كانت الأعضاء التي وضأها ندية بعد بنى عليها، و إن كانت قد نشفت استأنف الوضوء كمن قطع الموالاة، فأما في غسل الجنابة فإنه يبنى على كل حال لأن الموالاة ليست شرطا فيها، و متى نوى بطهارته رفع الحدث و التبرد كان جائزا لأنه فعل الواجب و زيادة لا تنافيها، و إذا نوى استباحة صلاة بعينها جاز له أن يستبيح سائر الصلوات نفلا كانت أو فرضا، و التسمية عند الوضوء مستحبة غير واجبة‌ و الكافر لا تصح منه طهارة تحتاج إلى نية لأنه ليس من أهل النية[13].

فصل: في ذكر النية و بيان أحكامها

النية واجبة في الصلاة، و لا بد فيها من نية التعيين، و من صلى بلا نية أصلا فلا صلاة له، و النية تكون بالقلب و لا اعتبار بها باللسان بل لا يحتاج إلى تكلفها لفظا أصلا و كيفيتها أن ينوي صلاة الظهر مثلا فريضة على جهة الأداء لا على جهة القضاء لأنه لو نواها فريضة فقط لم يتخصص بظهر دون غيرها، و إن نواها ظهرا فقط انتقض بمن صلى الظهر ثم أعاد ما في صلاة الجماعة فإن الثانية ظهر و هو مستحب غير واجب. فلا بد من نية الأداء لأنه لو كان عليه قضاء ظهر آخر لم يتخصص هذه الصلاة بظهر الوقت دون الظهر الفائت، و لا بد من جميع ما قلناه.

و وقت النية هو أن يقارن أول جزء من حال الصلاة، و أما ما يتقدمها فلا اعتبار بها لأنها تكون عزما و من كان عليه الظهر و العصر و نوى بالصلاة أداهما لم يجز عن واحدة منهما لأنهما لا يتداخلان، و لم ينو منهما واحدة بعينها. من فاتته صلاة لا يدرى أيها هي صلى أربعا و ثلاثا و اثنتين، و ينوى بالأربع إما ظهرا أو عصرا أو العشاء الآخرة و ينوى بالثلاث المغرب، و بالثنتين صلاة الصبح. من دخل في صلاة حاضرة. ثم نقل نيته‌

إلى غيرها فائتة كان ذلك صحيحا ما لم يتضيق وقت الحاضرة، فإن تضيق لم يصح ذلك و بطلت الصلاتان معا، و كذلك إن دخل في الفريضة، ثم نقلها إلى النفل أو دخل في النافلة. ثم جعلها فريضة لم يصح ذلك و لم يجزه عن واحدة منهما، و استدامة حكم النية واجبة و استدامتها معناه أن لا ينقض نيته و لا يعزم على الخروج من الصلاة قبل إتمامها و لا على فعل ينافي الصلاة فمتى فعل العزم على ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام أو فعل خارج عنها و لم يفعل شيئا من ذلك فقد أثم و لم تبطل صلوته لأنه لا دليل على ذلك، و إن نوى بالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود غير الصلاة بطلت صلوته لقوله عليه السلام: الأعمال بالنيات، و هذا عمل بغير نية أو بنية لا تطابقها[14].

ابوالصلاح حلبی

فصل في تعيين شروط الصلاة

شروط الصلاة التي تصح بتكاملها و تبطل بالإخلال بواحدها عشر:

الإسلام، و رفع الأحداث، و تأديتها في الوقت، و التوجه إلى القبلة، و النية، و ستر العورة، و طهارة الجسم، و طهارة اللباس، و اعتبار محل القيام، و اعتبار محل السجود[15].

فالمفروض منه

[منها ظ] سبعة أشياء:

النية و حقيقتها العزم عليه بصفاته المشروعة لرفع الحدث و استباحة الصلاة لوجوبه قربة الى مكلفة سبحانه، و موضعها في ابتدائه، فإن أخل بها المتوضي أو بشي‌ء من صفاتها فوضوءه باطل[16].

و من السنة من مريد شي‌ء من هذه الأغسال أن يفتتحه بالوضوء و النية ثم ترتبه ترتيب غسل الجنابة. و النية أن يعزم على فعله لصفته المشروعة لكونه لطفا له في المندوب اليه مخلصا به لمكلفه سبحانه. و لا يجوز له فعله و هو محدث حتى يرفع حدثه بطهارته المختصة به، إذ بها تستباح الصلاة دون الغسل[17] 

الشرط الخامس: النية‌

شرط في صحة الصلاة إذ بها يتميز كونها عبادة، و حقيقتها العزم على أفعال الصلاة لكونها مصلحة، على جهة الإخلاص بها له سبحانه و لكن [ليكن. ظ] في حال صلاته مجتنبا لتروكها. و موضع النية تكبيرة الإحرام، فمن أخل بها أو بشرط منها بطلت صلاته و من حق المصلي أن يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع، متكاملة الأحكام و الشروط و الكيفيات، عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمة سبحانه خاضعا له. و يستحب ان يرجو بفعلها مزيد الثواب و النجاة من العقاب و ليقتدى به و يرغم الضالون[18].

و يجزيه أن ينوي ليلة الشهر قبل طلوع الفجر صيامه، و تجريد النية لكل يوم قبل طلوع فجره أفضل.

و النية هي العزم على كراهية الأمور المذكورة للوجوه المبينة. فأما اجتناب هذه الأمور فواجب في كل حال[19].

ابن حمزه طوسی

الوضوء يشتمل على أمور واجبة و مندوبة.

فالواجبة فعل و كيفية و ترك.

فالفعل سبعة أشياء

النية و غسل الوجه مرة واحدة و غسل كل واحدة من اليدين و مسح الرأس و مسح كل واحدة من الرجلين كذلك.

و الكيفية ثلاثة عشر شيئا

مقارنة النية لحال الوضوء و الاستمرار على حكمها[20]

و الكيفية ستة عشر شيئا

مقارنة النية للتحريمة و استدامة حكمها إلى عند الفراغ و التلفظ بالله أكبر و التسمية في أول الفاتحة و في أول كل سورة يقرأ معها و وضع الحروف مواضعها مع الإمكان في القراءة و الجهر بالقراءة فيما يجهر[21]

و هو ضربان متعين بزمان مخصوص و غير متعين

فالمتعين ضربان إما تعين من جهة الله تعالى أو من المكلف نفسه. فالأول صوم شهر رمضان و الثاني صوم النذر المعين بيوم أو أيام و صوم شهر رمضان يصح بنية القربة و نية التعيين أفضل و يجوز أن تكون نية القربة متقدمة.

و صوم غير رمضان لا يصح إلا بنية التعيين و المقارنة

و إذا أصبح صائما في شهر رمضان لم يخل من أربعة أوجه إما نوى بالليل أو ترك النية عمدا على نية الإفطار أو نسيانا أو نوى صوم غير رمضان سهوا على اختلافه.

فالأول يصح صومه. و الثاني يجدد النية و يصوم و يقضي يوما بدله فإن أفطر ذاكرا لزمه القضاء و الكفارة و إن أفطر ناسيا لزمه القضاء وحده. و الثالث يجدد النية إلى زوال الشمس فإن جدد صح صومه و إن لم يجدد حتى تزول الشمس صام يومه و قضى يوما بدله. و الرابع يجزئ صومه عن شهر رمضان[22].

ابن زهره

الفصل الرابع: في كيفية الطهارة

و أما الوضوء فتقف صحته على فروض عشرة:

أولها: النية‌

بالإجماع و قوله تعالى: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.) الآية، لأن التقدير اغسلوا وجوهكم للصلاة، و إنما حذف ذكر الصلاة اختصارا، كقولهم: إذا لقيت الأمير فالبس ثيابك، و إذا لقيت العدو فخذ سلاحك، و تقدير الكلام افعل ذلك للقاء. و إذا أمر الله تعالى بهذه الأفعال للصلاة، فلا بد من النية، لأن بها يتوجه إلى الصلاة دون غيرها.

و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) و الإخلاص له لا يحصل إلا بالنية، و الوضوء من الدين، لأنه عبادة، بدليل الإجماع.

و يحتج على المخالف بما رووه من قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «الوضوء شطر الإيمان»  و يحتج عليه في وجوب النية بما رووه أيضا من قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «الأعمال بالنيات و إنما لامرئ ما نوى»، لأن أجناس الأعمال إذا كانت توجد من غير نية، ثبت أن المراد أنها لا تكون قربة و شرعية و مجزئة إلا بالنية، و لأن قوله: «و إنما لامرئ ما نوى» يدل على أنه ليس له ما لم ينو، لأن هذا حكم لفظة «إنما» في اللسان العربي على ما بيناه فيما مضى من الكتاب.

و النية هي أن يريد المكلف الوضوء لرفع الحدث و استباحة ما يريد استباحته به من صلاة أو غيرها مما يفتقر إلى طهارة طاعة لله و قربة إليه.

اعتبرنا تعلق الإرادة برفع الحدث، لأن حصوله مانع من الدخول فيما ذكرناه من العبادة.

و اعتبرنا تعلقها باستباحة العبادة، لأن ذلك هو الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث، فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للفعل على الوجه الذي أمر به لأجله.

و اعتبرنا تعلقها بالطاعة لله تعالى، لأن بذلك يكون الفعل عبادة.

و اعتبرنا القربة إليه سبحانه- و المراد بذلك طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه، لا قرب المسافة، على ما بيناه فيما مضى من الأصول- لأن ذلك هو الغرض المطلوب بطاعته، الذي عرضنا سبحانه بالتكليف له.

و اعتبار القربة في النية عبادة في نفسه، أمر الله تعالى به، و مدح على فعلها، و وعد سبحانه عليه الثواب.

و دليل الأمر بها قوله تعالى (وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ) ، و قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)  لأن المعنى إما أن يكون افعلوا ذلك على رجائكم الفلاح به، و إما أن يكون افعلوه لكي تفلحوا.

و دليل مدحه سبحانه على ذلك و وعده الثواب عليه قوله (وَ مِنَ الْأَعْرٰابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ قُرُبٰاتٍ عِنْدَ اللّٰهِ وَ صَلَوٰاتِ الرَّسُولِ أَلٰا إِنَّهٰا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّٰهُ فِي رَحْمَتِهِ)  فأخبر سبحانه عن باطنهم و ما نووه من التقرب بالطاعة إليه، و مدحهم على ذلك، و وعدهم الثواب عليه.

فإن كان الوضوء واجبا، بأن يكون وصلة إلى استباحة واجب تعين، نوى وجوبه على الجملة، أو الوجه الذي له وجب، و كذا إن كان ندبا، ليميز الواجب من الندب، و يوقعه على الوجه الذي كلف إيقاعه عليه.

و يجوز أن يؤدى بالوضوء المندوب الفرض من الصلاة، بالإجماع المذكور، و من خالف في ذلك من أصحابنا  غير معتد بخلافه.

و الفرض الثاني: الذي يقف صحة الوضوء عليه، مقارنة آخر جزء من النية لأول جزء منه

، حتى يصح تأثيرها بتقدم جملتها على جملة العبادة، لأن مقارنتها على غير هذا الوجه، بأن يكون زمان فعل الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها، متعذر لا يصح تكليفه، أو فيه حرج يبطله ما علمناه من نفي الحرج في الدين، لأن ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة، و يقدم وجوده على وجود جملة النية عن كونه عبادة، من حيث وقع عاريا من جملة النية، لأن ذلك هو المؤثر في كون الفعل عبادة لا بعضه.

و الفرض الثالث: استمرار حكم هذه النية إلى حين الفراغ من العبادة

، و ذلك بأن يكون ذاكرا لها، غير فاعل لنية تخالفها، بالإجماع، و إذا كانت المضمضة و الاستنشاق أول ما يفعل من الوضوء، فينبغي مقارنة النية لابتدائهما، لأنهما و إن كانا مسنونين فهما من جملة العبادة و مما يستحق به الثواب و لا يكونان كذلك إلا بالنية على ما بيناه[23].

الفصل الثالث: في النية‌

أما نية الصلاة فواجبة بلا خلاف، و كيفيتها: أن يريد فعل الصلاة المعينة لوجوبها، أو لكونها ندبا على الجملة، أو للوجه الذي له كانت كذلك على التفصيل إن عرفه، طاعة لله و قربة إليه، و يجب مقارنة آخر جزء منها لأول جزء من تكبيرة الإحرام، و استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، كما قلناه في نية الوضوء سواء[24]

و نية الصوم يجب أن تتعلق بكراهة المفطرات التي نذكرها من حيث كانت إرادة، و الإرادة لا تتعلق إلا بحدوث الفعل، و لا تتعلق بأن لا يفعل الشي‌ء على ما دل عليه في غير موضع، و كان المرجع بالإمساك عن المفطرات إلى أن لا يفعل، فلا بد من فعل تتعلق النية به، و ليس إلا الكراهة على ما قلناه.

و وقت النية من أول الليل إلى طلوع الفجر، بدليل الإجماع الماضي ذكره، و إنما سقط وجوب المقارنة ها هنا رفعا للحرج، و يجوز لمن فاتته ليلا تجديدها إلى قبل الزوال، بدليل الإجماع المتردد و قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ و لم يذكر مقارنة النية[25].


[1] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد (للشيخ الطوسي)؛ ص: 243

[2] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد (للشيخ الطوسي)؛ ص: 245

[3] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد (للشيخ الطوسي)؛ ص: 251

[4] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد (للشيخ الطوسي)؛ ص: 260

[5] الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد (للشيخ الطوسي)؛ ص: 286

[6] تهذيب الأحكام؛ ج‌1، ص: 83-84

[7] الجمل و العقود في العبادات؛ ص: 39

[8] الجمل و العقود فی العبادات، ص ۴٣

[9] الجمل و العقود في العبادات؛ ص: 67-68

[10] الجمل و العقود في العبادات؛ ص: 109-110

[11] الخلاف؛ ج‌1، ص: 71

[12] الخلاف؛ ج‌1، ص: 307-313

[13] المبسوط في فقه الإمامية، ج‌1، ص: 19-20

[14] المبسوط في فقه الإمامية؛ ج‌1، ص: 101-102

[15] الكافي في الفقه؛ ص: 126

[16] الكافي في الفقه؛ ص: 132

[17] الكافي في الفقه؛ ص: 135

[18] الكافي في الفقه؛ ص: 139

[19] الكافي في الفقه؛ ص: 181

[20] الوسيلة إلى نيل الفضيلة؛ ص: 50

[21] الوسيلة إلى نيل الفضيلة؛ ص: 93

[22] الوسيلة إلى نيل الفضيلة؛ ص: 139-140

[23] غنية النزوع إلى علمي الأصول و الفروع؛ ص: 52-5۴

[24] غنية النزوع إلى علمي الأصول و الفروع، ص: 68‌

[25] غنية النزوع إلى علمي الأصول و الفروع؛ ص: 136

ابن ادریس

 اجوبه مسائل و رسائل

[134] مسألة في نيّة غسل الأموات

مسألة: ما تقول في غسل الأموات ينوي الغاسل في كلّ غسلة من الثلاث غسلات؟ أم النيّة في الغسلة الأولى تجزي؟

الجواب و باللّه التوفيق: لا خلاف بين المحقّقين من أصحابنا و المصنّفين الذين يعتدّ بتصنيفهم، أنّه لا يحتاج في كلّ غسلة إلى نيّة، بل الواجب النيّة في الغسلة الأوّلة فحسب، لأنّ هذه عبادة ذات أبعاض يتعلّق النيّة بأوّل أفعالها و يستمرّ عليها و ذلك كاف[1].

 [139] مسألة في كيفيّة نيّة الوضوء المتقدّم على الأغسال غير الجنابة و كيفية نيّة الوضوء قبل دخول الوقت

مسألة: ما تقول في كيفيّة نيّة الوضوء المتقدّم على الأغسال ما خلا غسل الجنابة، و ما كيفية الغسل الّذي ألزم فيه تقديم الوضوء؟ و ما كيفيّة غسل الجنابة قبل وقت الفريضة؟ و كيفيّة نيّة الوضوء قبل دخول الوقت لمن ليس عليه قضاء صلاة فريضة؟ و عند دخول الفريضة؟ و كيفيّة النيّة في صلاة الفريضة و النافلة من نوافل الليل و النّهار؟ و المرغّبات في يوم الجمعة و غيرها من صلاة الاستخارة و صلاة الشكر و صلاة الحاجة؟

الجواب و باللّه التوفيق: أمّا كيفيّة النيّة في الوضوء المقدّم على الأغسال الواجبات ما عدا غسل الجنابة، فإنّه يتوضّأ متقرّبا به إلى القديم سبحانه، مستبيحا به الصلاة غير رافع به الحدث، لأنّه لا يلزمه و لا يجب عليه أن يقول:

أتوضّأ لرفع الحدث، لأنّ حدثه الأكبر باق، و انّما وضوءه لاستباحة الصّلاة، لأنّ بمجموع الوضوء و الغسل يصحّ له الدّخول في الصّلاة، و لا يصحّ له الدّخول في الصّلاة بانفراد أحدهما عن الآخر، هذا على الصّحيح من المذهب، و قد مضى‌ في المسطور ما يدلّ على ذلك و صحّته.

و أمّا كيفيّة غسل الجنابة فإنّه يقول: اغتسل لرفع الحدث، و اغتسل لاستباحة الصّلاة، و يستبيح بالغسل شيئا لم يكن مباحا له قبل الغسل ليرتفع حدثه، فإن كان عليه فريضة ذكر واجبا قربة إلى اللّه تعالى، و إن كان في غير وقت الفريضة لا يكون عليه قضاء فريضة، ذكر مندوبا قربة إلى اللّه تعالى.

فأمّا كيفيّة الوضوء قبل دخول الوقت لمن ليس عليه صلاة فريضة قضاء، كيفيّة وضوءه: أتوضّأ لرفع الحدث مندوبا قربة إلى اللّه تعالى، و إن كان عليه فريضة أو قد دخل وقت فريضة قال: أتوضّأ لرفع الحدث واجبا قربة إلى اللّه تعالى.

فأمّا كيفيّة النيّة في صلاة الفريضة، فإن تذكّر مثلا أصلّي الظّهر فريضة أداء قربة إلى اللّه تعالى، ذكر الظهر احترازا من العصر، قال: فريضة، احترازا من الظّهر التي إذا صلّى الإنسان الظّهر الفريضة و خرج، فيلحق جماعة يصلّون الظّهر فإنّه يستحب أن يصلّي معهم ظهرا مندوبة، قال أداء، احترازا من القضاء، قال: قربة، احترازا من الرياء

فأمّا ما ذكره من النّوافل  اللّيل و النّهار، و صلاة الحاجة، و الاستخارة،و الزّيارة، و غيرها من الصّلوات المندوبات، فإنّه يتقرّب بالنيّة إلى اللّه سبحانه بالنّدبية، و تذكر الصّلاة المندوبة المشروع بها، و يضيفها إلى اسمها أو سببها، إمّا تحيّة مسجد، أو زيارة، أو صلاة استخارة، أو نافلة زوال و غير ذلك[2].

سرائر

فإما كيفية الوضوء:

فالنية واجبة

في كلّ طهارة، سواء كانت وضوء أو غسلا أو تيمما، من جنابة كانت الطهارة، أو من غيرها، فإن كانت الطهارة واجبة بأن تكون وصلة إلى استباحة واجب تعيّن، نوى وجوبه على الجملة، أو الوجه الذي له وجب، و كذا إن كان ندبا، ليتميز الواجب من الندب، و لوقوعه على الوجه الذي كلف إيقاعه، و يجوز أن يؤدي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة، بدليل الإجماع من أصحابنا.

و الفرض الثاني

الذي تقف صحّة الطهارة عليه، مقارنة النية لها، و ذكر بعض أصحابنا في كتاب له، هي مقارنة آخر جزء من النيّة لأول جزء منها، حتى يصحّ تأثيرها بتقدّم جملتها على جملة العبادة، لأنّ مقارنتها على غير هذا الوجه بأن يكون زمان فعل الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها متعذر، لا يصح تكليفه، أو فيه حرج يبطله ما علمناه من نفي الحرج في الدين، و لأنّ ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة. و تقدّم وجوده على وجود جملة النيّة عن كونه عبادة من حيث وقع عاريا عن جملة النية، لأنّ ذلك هو المؤثر في كون الفعل عبادة، لا بعضه.

و الفرض الثالث استمرار حكم هذه النيّة‌

إلى حين الفراغ من العبادة، و ذلك بأن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها.

و يستحب أن ينوي المتطهر عند غسل يديه في الطهارة الكبرى، و إن كانت صغرى عند المضمضة و الاستنشاق، إذ كانت المضمضة و الاستنشاق أول ما يفعل من الوضوء، فينبغي مقارنة النيّة لابتدائهما، لأنّهما و إن كانا مسنونين، فهما من جملة العبادة، و مما يستحق بهما الثواب، و لا يكونان كذلك إلا بالنية على ما قال تعالى‌

وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ. إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ [3]


[1] أجوبة مسائل و رسائل في مختلف فنون المعرفة؛ ص: 331

[2] أجوبة مسائل و رسائل في مختلف فنون المعرفة؛ ص: 337-339

[3] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى؛ ج‌1، ص: 98-99

محقق حلی

شرائع

الثالث في كيفية الوضوء

و فروضه خمسة

الأول النية

و هي إرادة تفعل بالقلب.

و كيفيتها أن ينوي الوجوب أو الندب و القربة و هل يجب نية رفع الحدث أو استباحة شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة الأظهر أنه لا يجب و لا تعتبر النية في طهارة الثياب و لا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث و لو ضم إلى نية التقرب إرادة التبرد أو غير ذلك كانت طهارته مجزية.

و وقت النية عند غسل الكفين و تتضيق عند غسل الوجه و يجب استدامة حكمها إلى الفراغ[1].

فالواجبات ثمانية

الأول النية‌

و هي ركن في الصلاة و لو أخل بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد صلاته و حقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن و القصد بها إلى أمور أربعة الوجوب أو الندب و القربة و التعيين و كونها أداء أو قضاء و لا عبرة باللفظ و وقتها عند أول جزء من التكبير و يجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة و هو أن لا ينقص النية الأولى‌

و لو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر و كذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها فإن فعله بطلت و كذا لو نوى بشي‌ء من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة.

و يجوز نقل النية في موارد كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة و قرأ غيرها و كنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقة عليها مع سعة الوقت[2]

الأول الصوم

و هو الكف عن المفطرات مع النية فهي إما ركن فيه و إما شرط في صحته و هي بالشرط أشبه و يكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله تعالى و هل يكفي ذلك في النذر المعين قيل نعم و قيل لا و هو الأشبه و لا بد فيما عداهما من نية التعيين و هو القصد إلى الصوم المخصوص فلو اقتصر على نية القربة و ذهل عن تعيينه لم يصح الصوم و لا بد من حضورها عند أول جزء من الصوم أو تبييتها مستمرا على حكمها.

و لو نسيها ليلا جددها نهارا ما بينه و بين الزوال فلو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم أو ندبا و قيل يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة و الأول أشهر و قيل يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه و لو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية و كذا قيل يجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

و لا يقع في رمضان صوم غيره و لو نوى غيره واجبا كان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون ما نواه و لا يجوز أن يردد نيته بين الواجب و الندب بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا و لو نوى الوجوب آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما و لو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنه منه و لو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا و إلا كان مندوبا قيل يجزي و قيل لا يجزي و عليه الإعادة و هو الأشبه و لو أصبح بنية الإفطار ثم بان أنه من الشهر جدد النية و اجتزأ به فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك و عليه القضاء[3].

المعتبر

الثالث: في كيفية الوضوء:

مسئلة: «النية» شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما،

و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ابن الجنيد، و لم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين و أنكره أبو حنيفة في الطهارة المائية محتجا بقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ  و لم يذكر النية، و لان الماء مطهر مطلقا فاذا استعمل في موضعه وقع موقعه، بخلاف التيمم فان التراب انما يصير مطهرا إذا قصد به أداء الصلاة.

لنا ما رووه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إنما الأعمال بالبينات» و قد روى ذلك جماعة‌

من أصحابنا مرسلا، و ما رواه الأصحاب، عن الرضا عليه السّلام قال: «لا قول الا بعمل و لا عمل إلا بنية، و لا نية إلا بإصابة السنة» و لا حجة لأبي حنيفة في الآية، لأنها تقتضي القصد إلى الصلاة، إذ هذا هو المفهوم من قولك: إذا لقيت الأمر فالبس أهبتك معناه للقائه، و كذا قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا أي للصلاة، و قوله عليه السّلام: «الماء مطهر مطلقا»

قلنا هو: موضع المنع، أما في «إزالة الخبث» فمسلّم و اما في «رفع الحدث» فممنوع، و محلها القلب لأنها ارادة، و محل الإرادة القلب، و يشترط استحضار نية التقرب، لقوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ  و لا يتحقق الإخلاص إلا مع نية التقرب، و نية استباحة الصلاة أو رفع الحدث، و معناهما واحد و هو ازالة المانع أو استباحة فعل لا يصح الا بالطهارة كالطواف لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا أي اغسلوا للصلاة، و لا فرق بين أن ينوي استباحة الصلاة بعينها أو الصلاة مطلقا، و في اشتراط نية الوجوب أو الندب تردد، أشبهه عدم الاشتراط، إذا القصد الاستباحة و التقرب و ان تقع مقارنة لغسل الوجه، لأنه بذاته الطهارة فلو تراخت وقع غير منوي، و استدامة حكمها و هو أن لا ينتقل إلى نية تنافي الاولى، و انما اقتصر على الحكم لأن استدامة النية مما يعسر بل يتعذر في الأكثر فاقتصر على استدامة الحكم مراعاة لليسر.

الرابع: لو نوى قطع النية فيما فعله أو لا صحيح،

و ما فعله مع قطعها فاسد و لو جددها و أعاد ذلك القدر منضما إلى الأول صحت طهارته ما لم يطل الفصل فيخل بالموالاة، فإن اتفق ذلك بطل ما طهره و أعاد، أما في غسل الجنابة فيصح البناء مع تجديد النية و إكماله طال الفصل أو قصر لأن الموالاة لا تشترط فيه.

الخامس: لو شك في النية و هو في أثناء الطهارة استأنف

لأنها عبادة مشروطة بالنية و لم يتحقق.

السادس: ابتداء النية عند غسل اليدين للوضوء أمام غسل الوجه،

و يتضيّق إذا ابتدأ بغسل الوجه للوضوء، لان غسل اليدين للوضوء من أفعال الصلاة فجاز إيقاع النية عنده.

السابع: إذا نوى بطهارته رفع الحدث و التبرد صح،

لأنه فعل الواجب زيادة غير منافية[4].

الأول: النية، واجبة في الصلاة‌

لقوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و لا يتحقق الإخلاص من دون النيّة، و لأنها يمكن أن تقع على وجه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلا بالنية، و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله «إنما الأعمال بالنيات»  و ما روي عن الرضا عليه السّلام انه قال: «لا عمل إلا بالنية»

و الإخلاص هو نية التقرب، و محلها القلب، و لا اعتبار فيها باللسان، و لا يحتاج الى تكلفها لفظا أصلا، كذا ذكره الشيخ في المبسوط و الخلاف و قال بعض الشافعية: يستحب أن يضاف اللفظ، و قال آخرون منهم: يجب.

و قول الشيخ حسن، لأن الأفعال يفتقر في وقوعها على وجوهها إلى الإرادة و هي من فعل القلوب و لا أثر للفظ في اختصاص الفعل بوجه دون وجه فيسقط اعتباره عملا بالأصل، و هل هي جزء من الصلاة؟ أو شرط في صحتها؟ الأقرب انها شرط، لان الشرط هو ما يقف عليه تأثير المؤثر، أو ما يقف عليه صحة الفعل، و لأن أول الصلاة التكبير و النية مقارنة أو سابقة فلا يكون جزء.

و يشترط في نية الصلاة تعيين الفريضة و كونها فرضا أداء، كذا قال الشيخ (ره)، و قال ابن أبي هريرة، يكفي نية الظهر لان الظهر لا يكون الا فرضا، و قال المروزي: ينوي ظهرا فريضة.

لنا- جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنية، كل ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية فينوي الظهر ليتميز عن بقية‌

الصلوات، و الفرض ليتميز من إيقاعه ندبا كمن صلى منفردا ثمَّ أدرك الجماعة و كونها أداء ليتميز عن القضاء[5].

مسئلة: و يتعين استحضار النية مع التكبير

ناويا تكبير الصلاة، و قال أبو حنيفة: يجوز أن تتقدم على التكبير بالزمان اليسير و ليس بوجه، لأنه جزء من الصلاة و عبادة، و وقوع الفعل على ذلك الوجه موقوف على النية، و يستدام ليقع الافعال بعدها منوية، و يقتصر على استدامة حكمها لصعوبة استدامة النية نفسها، لما يعرض للإنسان من العوارض الصارفة عن استدامة النية دفعا للحرج[6].

فروع

الأول: قال في الخلاف: إذا دخل في صلاته ثمَّ نوى انه خارج منها

، أو سيخرج، أو تردد هل يخرج أم لا؟ لم تبطل صلاته، و به قال أبو حنيفة: و قال الشافعي: تبطل ثمَّ قال الشيخ: و يقوى في نفسي انها تبطل لأنه عمل بغير نية[7].


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌1، ص: 12

[2] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌1، ص: 68-69

[3] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌1، ص: 168-169

[4] المعتبر في شرح المختصر؛ ج‌1، ص: 138-140

[5] المعتبر في شرح المختصر؛ ج‌2، ص: 149-150

[6] المعتبر في شرح المختصر؛ ج‌2، ص: 150

[7] المعتبر في شرح المختصر؛ ج‌2، ص: 150

علامه حلی

اجوبه المسائل المنهائیه

مسألة (43) [نية الإفطار مع عدم الإتيان بالمفطر]

ما يقول سيدنا فيمن نوى الصوم واجبا أو ندبا ثم نوى الإفطار و عزم عليه و لم يفطر، هل يحتاج الى تجديد نية الصوم أم النية الأولى كافية و لا تأثير لنية الفطر و العزم عليه، و هل في ذلك فرق بين أن يكون قبل الزوال أو بعده أم لا فرق.

الجواب

اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم لا يبطل الصوم بنية الإفطار و العزم عليه، و قال آخرون انه يبطل. و هو المعتمد عندي، لأن الأفعال انما تقع على وجهها باعتبار النية و قد مضى جزء من النهار و هو غير صائم فيه، و قد بينت الخلاف في ذلك في كتاب مختلف الشيعة[1].

مسألة (96) [مكان نية الصلاة]

ما يقول سيدنا في نية الصلاة، هل يجب مقارنتها لتكبيرة الحرام حتى يكون الإنسان عاقدا لها من أول الف الجلالة إلى آخر راء التكبير أم لا يجب ذلك بل الواجب مقارنة آخر جزء من النية أول جزء من التكبير. أفتنا مأجورا متعنا اللّه بك دهورا.

الجواب

يجب أن يكون آخر جزء من النية مقارنا لأول جزء من التكبير بحيث يتعقبه بغير فصل. و لا يشترط الأول، لتعذره و لأنه يلزم وقوع جزء من الصلاة بغير نية، إذ يشترط في النية ما لا يمكن مجامعته لكل جزء جزء[2].

مسألة (181) [ماذا يجب في النية للغسل و الوضوء]

ما يقول سيدنا في النية للغسل و الوضوء، هل يجب فيهما نية رفع الحدث و استباحة الصلاة و الوجوب و القربة أم يكفي الاقتصار على بعض هذه الأربع، و ما الذي يجزي الاقتصار عليه منها. أفتنا مأجورا في ذلك أدام اللّه عزك و أحسن اللّه إليك و غفر اللّه لك و لوالديك.

الجواب

يكفي نية رفع الحدث عن الاستباحة و بالعكس، و أما الوجوب و القربة فلا بد منهما مع أحد الأولين، و المجزي أن ينوي الوجوب و القربة و أحد الأمرين اما رفع الحدث أو الاستباحة[3].

مسألة (11) [اضافة ألفاظ بعد نية الصلاة هل تبطل الصلاة]

ما يقول سيدنا في المصلي إذا عقد نية الصلاة بقوله «أصلي الظهر مثلا أداء لوجوبه قربة الى اللّه سبحانه و طاعة اليه»، و هل يكون قوله «سبحانه و طاعة اليه» مبطلا لنيته و صلاته لأنه يجب أن يلي أول جزء من التكبير آخر جزء من النية بلا فصل،

فإذا قال «قربة الى اللّه» تمت النية، فإذا قال «سبحانه و طاعة اليه» و كبر عقيب ذلك هل يكون قد فصل بين النية و تكبيرة الإحرام أم لا يكون قول ذلك باللسان أو بالقلب مبطلا لنيته و لا لصلاته.

الجواب

الاولى ترك ذلك، و لا استبعاد في صحة الصلاة معه، لان أجزاء النية حينئذ يكون قوله «طاعة للّه»، لأنه معنى القربة، فكأنه قد أكد النية و كرر جزءا منها[4].

مسألة (21) [نية الصلاة و تفصيل القصد للأعمال]

ما يقول سيدنا في النية التي ينويها مولانا في الصلاة فإنه يطول فيها و يعدد فيها، فالمسئول من إحسانه أن يذكر للمملوك صفة نيته في الصلاة على التمام و الوجه في ذلك على الصورة المنقولة، فإن المملوك يأخذ عن مولانا بالقبول و الاتباع.

الجواب

يقول في الظهر مثلا حالة قصده أصلي فرض الظهر بأن أوجد النية و تكبيرة الإحرام و قراءة الحمد و سورة بعدها و الركوع و الذكر فيها مطمئنا و الرفع منه مطمئنا و السجود على سبعة أعضاء و الذكر فيه مطمئنا و رفع الرأس منه و الجلوس مطمئنا و السجود الثاني و الذكر فيه مطمئنا و الرفع منه و هكذا باقي الركعات، الا أني أسقط النية و تكبيرة الإحرام و ما زاد على الحمد في الأخيرتين و أزيد التشهدين بعد الثانية و الرابعة و أخافت في كل هذه الواجب و افعل المندوب لندبه، أصلي فرض الظهر مثلا أداء لوجوبه قربة الى اللّه، اللّه أكبر[5].

ارشاد الاذهان

و يجب عليه الغسل، و يجب فيه: النيّة عند الشروع مستدامة الحكم حتى يفرغ، و غسل بشرة جميع الجسد بأقلّه[6]، 

و يجب فيه: النية للفعل لوجوبه أو ندبه متقربا- و لا يجوز رفع الحدث، و يجوز الاستباحة مستدامة الحكم[7]-

و الواجب سبعة:...

الثاني: النية، و هي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا و سهوا.

و يجب: أن يقصد فيها تعيين الصلاة و الوجه و التقرب و الأداء و القضاء و إيقاعها عند أول جزء من التكبير، و استمرارها حكما إلى الفراغ، فلو نوى الخروج أو الرياء ببعضها أو غير الصلاة بطلت[8].

تحریر الاحکام

 [المبحث] الأوّل: النيّة شرط في الطهارة المائية بنوعيها و الترابية،

و هي القصد، و محلّها القلب، فلا يشترط النطق، و لو نطق بها و لم يخطر بباله لم يجزه، و لو نطق بغير ما نواه، فالمعتبر النيّة القلبيّة، و كيفيّتها: أن ينوي التقرّب إلى اللّه تعالى على جهة الوجوب، أو النّدب.

و هل يشترط استباحة شي‌ء لا يستباح إلّا بالطّهارة، أو رفع الحدث- و هو إزالة المانع من كلّ فعل يفتقر إلى الطّهارة- أو لا يشترط؟ خلاف.

و وقتها عند غسل الكفين، و يتضيّق عند غسل الوجه، و يجب استدامتها حكما إلى الفراغ[9].

446. الأوّل: يجب فيه النية المشتملة على الفعل و الوجه و الاستباحة و القربة،

و استدامتها حكما، و لا يجوز نيّة رفع الحدث، و لو نوى الجنب التيمّم بدلا من الوضوء، لم يجز[10].

الفصل الثاني: في النيّة

و فيه أحد عشر بحثا:

791. الأوّل: النيّة ركن في الصلاة إجماعا،

و هي عرض حال في القلب و هو قصد و إرادة للفعل مقترنة به، لو أخلّ بها عمدا أو سهوا بطلت صلاته، و لا اعتبار بالنطق بها، لأنّ المميّز لجهات الأفعال الواقعة عن المكلّف هو الإرادة لا غير، و ليس النطق مستحبّا.

792. الثاني: كيفية النيّة أن يستحضر صفة الصلاة في ذهنه،

و يقصد إلى تعيين الصلاة، من كونها ظهرا أو عصرا مثلا، و إلى الأداء أو القضاء، و إلى الوجه، أعني: الوجوب أو الندب، و إلى التقرّب إلى اللّه خاصّة[11].

. ۷۹۸. الرابع: يشترط فيها مقارنتها لتكبيرة الافتتاح،

و يجب استمرارها حكما إلى الفراغ، فلو دخل بنيّة متردّدة بين الإتمام و القطع لم يعتدّ بها، و لو دخل بنيّة صحيحة ثمّ نوى قطعها و الخروج منها، أو أنّه سيخرج  منها، أو تردّد هل يخرج أم لا، قال الشيخ: لا تبطل صلاته، و يقوى عندي أنّها تبطل و ما قوّاه الشيخ هو الأقوى عندي[12].

تذکره الفقهاء

البحث الثاني: النية‌

مسألة 199: النية ركن بمعنى أنّ الصلاة تبطل مع الإخلال بها

عمدا‌ و سهوا بإجماع العلماء لقوله تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و لا يتحقق الإخلاص من دونها، و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات)

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «لا عمل إلّا بالنيّة» .

و لأنّ الأفعال يمكن أن تقع على وجوه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلّا بالنيّة.

و هي عبارة عن القصد، فمحلّها القلب، و لا اعتبار فيها باللّسان عندنا لافتقار تخصيص الأفعال بالوجوه و الاعتبارات إلى الإرادة، و هي من أفعال القلوب، و لا أثر للّفظ في الاختصاص، فيسقط اعتباره، و قال بعض الشافعية: يستحب التلفظ بها مع القصد. و قال بعضهم: يجب

و كلاهما ممنوع.

و هل هي شرط أو جزء من الصلاة، لأنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة و إلّا لتعلّقت بنفسها؟ إشكال.

مسألة 200: و كيفيتها أن يقصد إيقاع صلاة معينة لوجوبها أو ندبها

، أداء أو قضاء، متقربا الى اللّٰه تعالى.

أمّا قصد الصلاة فهو واجب إجماعا فلا يكفي فعلها من غير قصدها.

و أمّا التعيين فواجب عند علمائنا أجمع، فيأتي بظهر، أو عصر، أو جمعة. و لا تكفي نية فريضة الوقت عن نيّة الظهر أو العصر مثلا، و هو أصح وجهي الشافعية، و في وجه: الاكتفاء

و لا يصح الظهر بنية الجمعة، و للشافعية وجه ضعيف . و لا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر، و هل تصح بنية ظهر مقصورة؟ الأقرب المنع، خلافا للشافعي

و أما الفرضية أو الندبية فلا بدّ من التعرض لهما عندنا- و هو أحد وجهي الشافعي - لأن الظهر مثلا تقع على وجهي الفرض و النفل كصلاة الصبي، و من أعادها للجماعة فلا يتخصص بأحدهما إلّا بالقصد.

و قال أبو حنيفة: تكفي صلاة الظهر عن نية الفرض- و به قال ابن أبي هريرة من الشافعية- لأن الظهر لا تكون إلّا واجبة . و تقدم بطلانه.

و أما الأداء أو القضاء فهو شرط عندنا- و هو أحد وجهي الشافعية- لأن الفعل مشترك بينهما فلا يتخصص بأحدهما إلّا بالنيّة إذ القصد بها تمييز بعض‌

الأفعال عن بعض، و الآخر: لا يشترط لأنّه لو صلّى في يوم غيم ثم بان أنه صلّى بعد الوقت أجزأه و إن لم ينو الفائتة، و كذا لو اعتقد فوات الوقت فنوى القضاء ثم بان الخلاف.

و الفرق ظاهر، فإنه نوى صلاة وقت بعينه، و هو ظهر هذا اليوم فكيف وقعت أجزأه، سواء وقعت أداء أو قضاء لأنه عين وقت وجوبها، و يجري مجرى من نوى صلاة أمس فإنه تجزئه عن القضاء، و إنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر إذا صلّى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة فإنّ هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت عندنا، و تقع عند المجوزين.

و إذا كان نسي أنه صلّى فصلّى ثانيا ينوي صلاة الفريضة فإنّه لا تجزئه عن القضاء عندنا، و هل تقع نافلة؟ للشافعي وجهان ، و تجزي عن القضاء عند الآخرين ، و يلزمهم أنّ من اعتقد دخول الوقت و لم يكن دخل فصلّى ظهره أنها تجزئه عن الفائتة.

و أمّا التقرب الى اللّٰه تعالى فلا بدّ منه عندنا، لأنّ الإخلاص يتحقق به، و للشافعية وجه آخر: عدم الوجوب؛ لأن العبادة لا تكون إلّا للّٰه[13] 

مسألة 204: وقت النيّة عند التكبير‌

فلو تقدمت عليه بزمان يسير لم تصح صلاته- و به قال الشافعي - لأن تكبيرة الإحرام أول أفعال العبادة فيجب أن تقارنها النيّة.

و قال أبو حنيفة، و أحمد: لو تقدمت بزمان يسير و لم يتعرض بشاغل أجزأه لأنّها عبادة من شرطها النيّة فجاز تقديم النية على وقت الدخول فيها كالصوم .

و الفرق جواز تقدم نيّة الصوم بالزمان الكثير.

إذا عرفت هذا فالواجب اقتران النيّة بالتكبير، بأن يأتي بكمال النيّة قبله ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل، و هذا تصح صلاته إجماعا.

و لو ابتدأ بالنيّة بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة- و هو أحد وجهي الشافعيةلأنه قرن بالنية صلاته، و الآخر: لا تصح لأن التكبير من الصلاة فلا يقدم منه شي‌ء على تمام النيّة، و به قال داود[14]

ب- هل يجب استصحاب النيّة إلى تمام التكبير؟ الأقرب ذلك؛

لأنّ الشرط مقارنة النية عند الصلاة، و العقد لا يحصل إلّا بتمام التكبير، و لهذا لو رأى المتيمم الماء قبل انتهاء التكبير بطل تيممه.

ج- لا يجب استصحاب النية إلى آخر الصلاة فعلا‌ إجماعا لما فيه من العسر لكن يجب حكما إلّا في مواضع تأتي؛ فيمتنع عن القصود المنافية للنية الجازمة.

د- تحصل المقارنة بأن يحضر في العلم صفات الصلاة

التي يجب‌ التعرض لها و يقصد فعل هذا الذي أحضره في الذهن و يقرن قصده بأول التكبير و يستديمه الى آخره.

ه‍- لو فصل بين لفظتي الجلالة في آخر النيّة و ابتداء التكبير بقوله: تعالى فإن استصحب النيّة فعلا صحت‌ و إلّا بطلت لعدم الاقتران.

مسألة 205: يجب استدامة النية حكما

حتى يفرغ من صلاته إجماعا فلو قصد ببعض الأفعال كالقيام، أو الركوع، أو السجود غير الصلاة بطلت صلاته.

و لو نوى الخروج من الصلاة في الحال، أو تردد، أو أنه سيخرج، قال الشيخ في الخلاف: لا تبطل صلاته  و به قال أبو حنيفة - لأنها عبادة صح دخوله فيها فلا تفسد إذا نوى الخروج منها كالحج و الصوم. ثم قوّى الشيخ البطلانو به قال الشافعي لأنه قطع حكم النية قبل إتمام الصلاة فأشبه إذا سلّم و نوى الخروج، و نمنع في الصوم، و الحج أن لا يخرج عنه بمحظوراته فهذا آكد[15].


[1] أجوبة المسائل المهنائية؛ ص: 44

[2] أجوبة المسائل المهنائية؛ ص: 70

[3] أجوبة المسائل المهنائية؛ ص: 107

[4] أجوبة المسائل المهنائية؛ ص: 145-146

[5] أجوبة المسائل المهنائية؛ ص: 150

[6] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان؛ ج‌1، ص: 225

[7] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان؛ ج‌1، ص: 234

[8] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان؛ ج‌1، ص: 252

[9] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 74

[10] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 145

[11] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 236

[12] تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 237

[13] تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)؛ ج‌3، ص: 99-102

[14] تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)؛ ج‌3، ص: 106-107

[15] تذكرة الفقهاء (ط - الحديثة)؛ ج‌3، ص: 107-108