پیوست شماره ۳: جمع روایات در کتب فقهی شیخ انصاری رضوان الله علیه

الف) طرح محمل برای روایات:

·      روایات عفو شیعه از خمس

و أمّا ما زعم دلالته على العفو عن هذا القسم و تحليله، فهي على ما ذكره: مصحّحة الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «قلت له: إنّ لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمت أنّ لك فيها حقّا، قال: فلم أحللنا ذلك لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم ، فليبلغ الشاهد الغائب»

و نحوها رواية أخرى  للحارث أطلق فيها تحليل الخمس.

و صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام «قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا [و] إنّ شيعتنا من ذلك و أبناءهمفي حلّ»

المحتمل لمحامل کثیره

...إلى غير ذلك ممّا دلّ على تحليل ما في يد الشيعة، المحتمل لمحامل‌كثيرة، مثل أن يراد من بعضها: ما يقع بأيدي الشيعة من جهة المعاملة مع من لا يخمّس

و من بعضها: ما يقع من الأنفال المختصّة بالإمام عليه السلام.

و من بعضها: خصوص التحليل  للشيعة في زمان خاصّ، إمّا للتقية و عدم التمكّن من إقامة الوكلاء بجباية الأخماس  لهم من المناكح و نحوها، كما يومئ إليه التعليل بطيب الولادة في أكثرها، و صرّح به في رواية ابن محبوب عن ضريس الكناسي، قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: أ تدري من أين دخل [على]  الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا شيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم و لميلادهم»

و رواية  الفضيل قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»

إلى غير ذلك ممّا سيجي‌ء في حلّ المناكح و المتاجر و المساكن.

و إمّا لضيق الأمر على الشيعة من جهة نصب المخالفين لهم العداوة و الظلم بأخذ الخمس منهم ممّا كان مذهبهم وجوب الخمس فيه، كما يظهر‌

ممّا يأتي من الأخبار كما يومئ إليه إطلاق بعض الأخبار، القول بسقوط الخمس من غير تفصيل بين أقسامه.

و يؤيّده: ما ورد من كراهة الإمام عليه السلام انتشار إيصال زكوات الفطر إليه، مع أنّه لمساكين  غير السادة، فكيف الخمس المختصّ به و بقبيلة.

و بالجملة، فإنّ الناظر فيها  بعين التأمّل- بعد ملاحظة ما دلّ على تشديدهم عليهم السلام في أمر الخمس و عدم التجاوز عنه- يفهم ورودها على أحد المحامل المذكورة[1].

بررسی وجه جمع حدائق در مسئله

...و أضعف من هذين القولين: ما اختاره صاحب الحدائق  من وجوب نقل الخمس كلّا حال وجودهم- صلوات اللّٰه عليهم- إليهم، أو إلى وكلائهم، فربّما يبيحون للشخص- كما في رواية أبي سيّار ، و رواية علباء  الأسدي - و ربّما يأخذون و ينفقون منه على قبيلهم قدر الكفاية.

و أمّا حال الغيبة عجّل اللّٰه انقضاءها فيجب صرف حصّة الأصناف إليهم، و أمّا حصّة الإمام عليه السلام فالظاهر تحليله، للتوقيع المتقدّم عن صاحب‌ الزمان روحي له الفداء في قوله عليه السلام: «و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم»

و حاصل هذا القول: إنّ أمر الخمس راجع في كلّ زمان إلى الحجّة في ذلك الزمان.

و فيه: أنّ أكثر أخبار التحليل عامّ لجميع الشيعة، كما لا يخفى على من راجعها، فالتحليل المستفاد من تلك الأخبار حكم عامّ لجميع أزمنة قصور أيديهم العادلة صلوات اللّٰه عليهم، مع أنّ ظاهر التوقيع عامّ في حصّة الأصناف أيضا و في كلّ الشيعة.

و قد أوّلها المحدّث المذكور بأنّ المراد: و أمّا حقّنا من الخمس، زاعما أنّها طريق جمع بينه و بين الآية و الأخبار الدالّة على  استحقاق الأصناف لحصصهم

و فيه: مع أنّه لا بدّ من تخصيص الشيعة بمن في زمان إمامته، كيف يمكن الحكم بسقوط الفريضة الضرورية بمثل هذا السند؟! مع معارضته بتوقيع آخر تقدّم ذكره و ثالث، أمر بدفع الخمس إلى العمري  و إن زعم‌ المحدّث المذكور عدم دلالتهما على الثبوت  مع أنّ الجمع لا يحتاج إلى صرف الخمس الموضوع للمجموع إلى بعضه، بل إمّا أن يعمل على إطلاقه، و إمّا أن يراد به ما ذكرنا من الفرد المعهود المتعارف في الدولة الأمويّة و العباسيّة من الغنائم الواقعة بيد الشيعة من المخالفين المقاتلين لأهل الحرب[2].

قیام المحامل

...وجوب الخمس من الضروريات، و الخمس بنفسه من أهمّ الفرائض، لأنّه أولى بالانقياد له من الزكاة التي أوقف قبول الصلاة التي هي عمود الدين بها، مع أنّها معونة غير السادات، فكيف بما هو معونة الإمام عليه السلام و قبيله، و المجعول لهم عوضا عن الصدقات ليستغنوا به عنها!؟ بل هو من المودّة المجعولة أجرا للرسالة.

فالقول بسقوط شي‌ء منه جرأة عظيمة، سيّما- مع ملاحظة ما مرّ- أنّ المسألة من الموضوعات، حيث إنّ الشكّ في تحقّق الإبراء من صاحب الحقّ، فالتعويل فيها على أخبار الآحاد مشكل، سيّما مع المعارضة، و اشتباه الدلالة، و قيام المحامل[3].

·      نزح بئر

(و) الثاني: ما (قيل) بل استظهر أنّه المشهور من أنّه (ينزح جميع مائها) إمّا لأنّ النجاسة الحاصلة بالتغيّر غير منصوص المقدّر- بناء على ظهور اختصاص أدلّة المقدّرات بصورة عدم التغيّر- و إمّا للأخبار الواردة بنزح الجميع للتغيّر، مثل قوله عليه السلام في رواية معاوية: «لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة ممّا يقع في البئر إلّا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر»

و في رواية أبي خديجة: «إذا انتفخت الفأرة و نتنت نزح الماء كلّه»

و خبر منهال: «فإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو، فإن غلب الريح عليها بعد مائة دلو فانزحها كلّها»

و رواية عمّار الواردة في التراوح: «عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال تنزف كلّها» بناء على حملها على صورة التغيّر، كما ذكره الشيخ

و الجواب منع كون النجاسة مع التغيّر ممّا لا نصّ فيه، لما سيجي‌ء من شمول أخبار المقدّرات له، و كذا أخبار وجوب إزالة التغيّر، و إن لم يدلّ كلّ واحد من هذين القسمين على كفاية مضمونه، كما تقدّم.

لا جمع اقرب من ذلک

و أمّا الأخبار المذكورة: فهي محمولة على ما إذا توقّف زوال التغيّر على نزح الجميع، إذ لا جمع أقرب من ذلك، و ربّما احتمل فيها الحمل على‌ الاستحباب[4].

·      وجوب استظهار حائض

و هذه الأخبار كما ترى متّفقة الدلالة على مشروعيّة الاستظهار و إن اختلفت في مدّته من حيث الإطلاق و التقييد بين تسعة مضامين، إلّا أنّ بإزائها ما يدلّ بظاهره على المنع عن الاستظهار و ترتيب أحكام المستحاضة.

مثل رواية يونس الطويلة  الصريحة في  المستحاضة المعتادة لا وقت لها‌ إلّا أيّامها، و قوله عليه السلام في آخر المرسلة-: «تعمل عليه و تدع ما سواه، و يكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت»...

بیان وجوه جمع

ثمّ المشهور بين المتأخّرين: الجمع بين هذه الأخبار و ما تقدّم، بحمل ما تقدّم على استحباب الاستظهار. و هذا الحمل ممّا يأبى عنه كثير من الأخبار المتقدّمة الواردة في بيان حدّ الجلوس سيّما مثل موثّقة مالك بن أعين المتقدّمة  الدالّة بمفهومها على تحريم الوقاع بعد عادة الحيض بيوم واحد، مع أنّ الحمل المذكور مستلزم للخروج عن ظاهر أخبار الطرفين بلا شاهد، بل لمعارض أن يعارضه بالعكس، فيحمل أخبار المبادرة إلى الغسل بعد تجاوز العادة على الاستحباب.

و بذلك يظهر ضعف ما عن الذخيرة من حمل أخبار الاستظهار على الإباحة  و يحتمله عبارة المعتبر حيث عبّر بأنّ الاستظهار على الجواز ، بناءً على جعل أوامر الاستظهار واردة في مقام توهّم الحظر و وجوب العبادة‌

بمجرّد انقضاء العادة.

و يتلو الوجهين في الضعف: الجمع بحمل أخبار الاستظهار على ما إذا كان الدم بصفة الحيض.

و لعلّه لتخصيصها أوّلًا بما دلّ من المستفيضة على أنّ الصفرة بعد الحيض ليس من الحيض  فتصير بعد التخصيص أخصّ ممّا دلّ على وجوب الغسل بعد أيّام العادة  فيخصّص بها، فتأمّل.

أو لشهادة صحيحة ابن مسلم عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، قال عليه السلام: «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، فإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت»

و قوله عليه السلام في رواية أبي بصير: «ما كان يعني من الصفرة بعد الحيض بيومين فليس من الحيض»

و يؤيّده عموم ما دلّ على اعتبار الصفات ، و خصوص مرسلة يونس الواردة في الاستبراء لمن انقطع عنها الدم ظاهراً و لا يدري أ طهرت أم لا، قال: «تقوم قائمة و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء، فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر، و إن لم يخرج فقد طهرت» ؛ فإنّ إطلاقها يشمل المعتادة، أو ينصرف إليها بحكم الغلبة.

و صحيحة ابن مسلم: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم ترَ شيئاً فلتغتسل، فإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ و لتصلِّ»

و فيه مع إباء بعض أخبار الاستظهار عن التخصيص المذكور، كرواية سعيد بن يسار المتقدّمة الواردة فيمن ترى الشي‌ء الرقيق من الدم بعد اغتسالها : بأنّه لو سلّم قرب هذا التخصيص في هذه الأخبار، إلّا أنّ جعل الأخبار الدالّة على الاقتصار على العادة مختصّةً بما إذا رأت الصفرة بعيد جدّاً، فلاحظها، خصوصاً المرسلة القصيرة المتقدّمة

و أضعف من الجميع: تقييد أخبار الاغتسال بعد انقضاء العادة بما عدا أيّام الاستظهار، و ضعفه غنيّ عن البيان و إن مال إليه أو قال به بعض من اختار وجوب الاستظهار من مشايخنا المعاصرين

و نحوه في الضعف: ما ارتكبه  تبعاً لوحيد عصره شارح المفاتيح من تخصيص تلك الأخبار بالدامية، و هي التي يستمرّ بها الدم من حيضها الأوّل إلى الدورة الثانية فما زاد، و أنت خبير بأنّ غير واحدة منها، كصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في النفساء  و كذا الفقرتان الأخيرتان المتقدّمتان‌ من مرسلة يونس الطويلة ، و نحوهما ذيل المرسلة القصيرة: «كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»  و مرسلة داود المتقدّمة ظاهرة بل صريحة في غير الدامية.

نعم، ظهور جملة منها في الدامية ممّا لا ينكر، إلّا أنّ بعض أخبار الاستظهار كرواية إسماعيل الجعفي و صحيحة زرارة الواردة في استظهار المبتدأة ، و موثّقة البصري  و صحيحته الأُخرى، واردة في المستحاضة  التي يدّعي ظهورها في الدامية، فالتعارض بحاله.

و ربما يجمع أيضاً بحمل أخبار الاستظهار على من كانت عادتها غير مستقيمة بأن تكون قد تزيد و تنقص، و هذا لا ينافي كون المرأة معتادة عددية؛ إذ المقصود اختلاف أيّامها بالزيادة عليها أحياناً بعد استقرار العادة على عدد معيّن، أو بالزيادة و النقيصة، بناءً على أنّ هذا لا يقدح في بقاء العادة كما تقدّم في مسألة ثبوت العادة، و يحمل أخبار الاغتسال بمجرّد انقضاء العادة على من لا تكون في عادتها خلاف أصلًا، كما هو مورد‌ روايتي مالك بن أعين و ذيل مرسلة داود.

و يشهد لهذا الجمع: موثّقة البصري المتقدّمة و به يجمع بين صدر مرسلة داود المتقدّمة و ذيلها .

و يضعّفه مضافاً إلى أنّ حمل أخبار الاستظهار على غير المستقيمة بعيد جدّاً-: أنّ ظاهر الموثّقة الشاهدة على الجمع ورودها في الدامية التي يستمرّ بها الدم من عادة إلى أُخرى، من دون بياض أقلّ الطهر؛ لأنّ الحكم على المستحاضة بأنّها تقعد أقراءها، لا يكون إلّا في غير الدورة الأُولى، كما لا يخفى.

و قد اعترف صاحب هذا الجمع  بخروجها عن مورد الاستظهار و وجوب اقتصارها على أيّامها؛ فإنّه ذكر فيما سيأتي  من أنّ الدم متى تجاوز عن العشرة حكم بأنّ ما عدا العادة من أيّام الاستظهار و غيرها استحاضة، في ردّ من استدلّ على ذلك بمرسلة يونس الطويلة ما حاصله: أنّ مورد المرسلة و هو من استمرّ بها الدم شهراً، بل سنين عديدة، خارج عن محلّ الكلام؛ لأنّ محلّ البحث هنا كما هو مورد الأخبار المتقدّمة و صريح كلام الأصحاب إنّما هو بالنسبة إلى أوّل الدم إذا تجاوز العادة.

و الحاصل: أنّ الجمع بالوجوه المتقدّمة لا يخلو عن تكلّف، كما أنّ طرح أخبار الاغتسال بعد العادة من جهة موافقتها لمذهب من عدا مالك‌ من الجمهور لا يخلو من بُعد أو منع؛ بناءً على أنّ الوارد في الأخبار العلاجية طرح ما خالف جميع العامّة، و دخل فيه ما لو خرج شاذّ منهم، أمّا مجرّد الاشتهار بين أكثرهم مع مخالفة مثل مالك ، فوجوب الطرح حينئذٍ و الأخذ بخلافه ليس من المرجّحات المنصوصة، فلا بدّ من إدخاله في المرجّحات الاجتهاديّة التابعة لظنّ المجتهد، و لا ظنّ بصدور تلك الأخبار هنا تقيّةً، كما لا يخفى.

جمع لا یخلو من قرب

و هنا جمع آخر لا يخلو عن قرب، و هو إبقاء أخبار الاستظهار على ظاهرها من الوجوب و جعلها مختصّة بصورة رجاء المرأة الانقطاع لدون العشرة، كما يشهد به قوله عليه السلام في كثير منها: «فإن رأت طهراً أو  إن انقطع الدم اغتسلت و إن لم ينقطع فهي مستحاضة»، و يؤيّده مضافاً إلى التعبير عنه في بعض الأخبار بالانتظار ، و في بعضها الآخر بالاحتياط  الظاهر في احتمال كون الدم حيضاً بسبب انقطاعه قبل العشرة-: أنّ الاستظهار طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو غيره، و لا معنى لطلب ذلك مع اليأس عن الانقطاع، و تحمل أخبار الاغتسال بعد العادة على اليائسة عن الانقطاع؛ لأنّ مواردها منحصرة في الدامية التي استمرّ بها الدم‌

أشهراً أو سنين، بحيث يغلب على ظنّها عدم حصول الطهر بالصبر يوماً أو يومين و من هو مثلها كالنفساء، حيث إنّ الغالب استمرار دمها إلى ما بعد العشرة[5].

·      استحقاق جائر نسبت به خراج

الثاني هل يختصّ حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالًا مغصوباً محرّماً بمن ينتقل إليه،فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلًا، فلم يمض الشارع من هذه المعاملة إلّا حلّ ذلك للمنتقل إليه، أو يكون الشارع قد أمضى سلطنة الجائر عليه، فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوّض عنه في العقد معه حراماً، صريح الشهيدين و المحكيّ عن جماعة ذلك....

مع أنّ في بعض الأخبار ظهوراً في جواز الامتناع، مثل صحيحة زرارة: «اشترى ضريس بن عبد الملك و أخوه  أرُزاً من هبيرة بثلاثمائة ألف درهم. قال: فقلت له: ويلك أو و يحك انظر إلى خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي، فأبى عليَّ و ادّى المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني أُمية. قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال مبادراً للجواب: هو له، هو له ، فقلت له: إنّه أدّاها، فعضّ على‌ إصبعه»

فإنّ أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الأرُز من المقاسمة، و أمّا حمله على كونه مال الناصب أعني «هبيرة» أو بعض بني أُمية، فيكون دليلًا على حِلّ مال الناصب بعد إخراج خمسه كما استظهره في الحدائق ، فقد ضعّف في محلّه بمنع هذا الحكم، و مخالفته لاتّفاق أصحابنا كما تحقّق في باب الخمس  و إن ورد به غير واحد من الأخبار

و أمّا الأمر بإخراج الخمس في هذه الرواية، فلعلّه من جهة اختلاط مال المقاسمة بغيره  من وجوه الحرام فيجب تخميسه، أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحبّ تخميسه  كما تقدّم في جوائز الظلَمَة .

و ما روي من أنّ علي بن يقطين قال له الإمام عليه السلام: «إن كنت و لا بدّ فاعلًا، فاتّق أموال الشيعة. و أنّه كان يجبيها من الشيعة علانية‌

قال المحقّق الكركي في قاطعة اللجاج: إنّه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرّمة، و يمكن أن يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات؛ لأنّها و إن كانت حقّا عليهم، لكنّها ليست حقّا للجائر، فلا يجوز جمعها لأجله إلّا عند الضرورة، و ما زلنا نسمع من كثيرٍ ممّن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم .. إلى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه

أقول: ما ذكره من الحمل على وجوه الظلم المحرّمة مخالف لظاهر العامّ في قول الإمام عليه السلام: «فاتّق أموال الشيعة»، فالاحتمال الثاني أولى، لكن بالنسبة إلى ما عدا الزكوات؛ لأنّها كسائر وجوه الظلم المحرّمة، خصوصاً بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة، لقوله عليه السلام: «إنّما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم و إنّما الزكاة لأهلها» و قوله عليه السلام: «لا تعطوهم شيئاً ما استطعتم؛ فإنّ المال لا ينبغي أن يزكّى مرّتين[6]»

·      مس میت بعد از غسل

كما لا إشكال أيضاً في عدم الوجوب بعد تغسيله. و رواية عمّار عن الصادق عليه السلام قوله: «كلّ من مسّ شيئاً فعليه الغسل و إن كان الميّت غسل» شاذّ أو محمولة على الاستحباب كما عن التهذيبين ؛ جمعاً بينها و بين قوله عليه السلام في صحيحة ابن مسلم: «مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القُبلة ليس بها بأس»  و صحيحة ابن سنان: «لا بأس بأن يمسّه بعد الغسل و القبلة»  و نحوها روايته الأُخرى ، أو على محامل أُخر، مثل: حمل التغسيل فيها على إزالة النجاسة، أو على إرادة عدم سقوط غسل المسّ السابق، أو على تغسيله ببعض الغسلات[7].

·      الشك بين الثنتين و الأربع

و المعروف فتوى و رواية فيه ما دلّ عليه العمومات مضافا إلى الروايات الخاصة.

و عن ابن بابويه: الإعادة لمصحّحة  محمولة على محامل أقربها وقوع الشكّ قبل إكمال الركعتين.

و قوّى في المدارك  احتمال التخيير بين المعروف و البناء على الأقل، لصحيحة زرارة  القابلة للإرجاع إلى مذهب المشهور[8].

·      الکلام فی الخلاء

 (و) منها: (الكلام) ففي رواية صفوان: «نهى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو يكلّمه حتّى يفرغ»  و بظاهر النهي عبّر الصدوق فقال: «لا يجوز الكلام في الخلاء، لنهي النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عن ذلك» و لكنّ الظاهر إرادته الكراهة، و عليها يحمل النهي في الخبر أيضا، كما يرشد إليه التعليل في رواية أبي بصير:«لا تتكلّم على الخلاء، فإنّه من تكلّم على الخلاء لم تقض له حاجة»  (إلّا) أن يكون تكلّمه (بذكر اللّٰه تعالى) لرواية الحلبي: «لا بأس بذكر اللّٰه و أنت تبول، فإنّ ذكر اللّٰه حسن على كلّ حال، فلا تسأم من ذكر اللّٰه»

و في صحيحة أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: «مكتوب في التوراة التي لم تغيّر: أنّ موسى على نبيّنا و آله و عليه السلام سأل ربّه فقال: إلهي يأتي عليّ مجالس أعزّك و أجلّك أن أذكرك فيها؟ فقال: يا موسى إنّ ذكري حسن على كلّ حال»

و الظاهر إلحاق ذكر النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بذكر اللّٰه حكما أو موضوعا، كما يرشد إليه ما سيأتي من كون الأذان ذكر اللّٰه، فتأمّل.

و في صحيحة الحلبي: «أ تقرأ النفساء و الحائض و الجنب و الرجل يتغوّط، القرآن؟ قال: يقرءون ما شاءوا» و المراد قراءة أيّ مقدار شاءوا من القرآن، أو قراءة ما شاءوا من قرآن و غيره، كالأدعية.

و على كلّ حال: فتخصيصها برواية عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن؟ قال: لم يرخّص في الكنيف في أكثر من آية الكرسيّ و يحمد اللّٰه أو آية» و في رواية الصدوق:«أو آية الحمد للّٰه ربّ العالمين»  بعيد، بل مستهجن.

و يمكن حمل الصحيحة على ما لا ينافي الكراهة، كما في الجنب و الحائض و النفساء، و المراد غير الكراهة المصطلحة، لأنّ الإذن في صحيحة أبي حمزة لا يراد [منه] مجرّد الجواز، بل المراد المشروعية الثابتة في أصل القراءة المسئول عن ثبوتها في هذه الأحوال[9].

·      فعل ما ینافی الصلاه

و إن تذكّر بعد ما وقع منه ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا، فالأظهر بطلان الصلاة و وجوب الاستئناف. خلافا للمحكيّ عن المقنع ، فألحقه بسابقيه في الإتمام و عدم وجوب الاستئناف، مستندا إلى عموم ما دلّ على عدم وجوب الإعادة ، و هو كثير، و خصوص الموثّقة: «في الرجل يذكر بعد ما قام و تكلّم و مضى في حوائجه أنّه إنما صلّى ركعتين في الظهر و العصر و العتمة و المغرب؟ قال عليه السلام: يبني على صلاته فيتمّها و لو بلغ الصين و لا يعيد الصلاة»

نعم يرشد إلى التخيير في المسألة السابقة صحيحة علي بن النعمان- المتقدّمة  حيث قال عليه السلام: «كنت أصوب منهم فعلا» فلم ينف الصواب‌ عن إعادتهم، و مثلها رواية الحضرمي: حيث صلّى بأصحابه المغرب ركعتين فأخبره بعضهم بذلك فأعاد الصلاة، و أخبر أبا عبد اللّٰه بذلك. فقال عليه السلام:

لعلّك أعدت؟ قال: قلت: نعم فضحك عليه السلام و قال: «إنّما كان يجزيك أن تقوم و تركع ركعة»

و لكن ظهورهما في التخيير غير معلوم، لجواز أن يكون نسبة الصواب إلى إعادتهم في صحيحة عليّ بن النعمان لأجل جهلهم بوجوب الإتمام عن قصور لا عن تقصير، و لا شكّ في عدم جواز الإتمام للجاهل بهذه المسألة، لعدم علمه بحصول البراءة بمثل هذه الصلاة.

و أمّا جعل فعل عليّ بن النعمان أصوب فلأجل أنّه لم يتمّ الصلاة إلّا لعلمه بوجوب الإتمام، و لذا خالف أصحابه، و يبعد أن يكون مخالفته لهم و للاحتياط في عمود الدين من أجل مجرّد الاحتمال أو الاعتبار العقلي. و مجرد ذكر الواقعة و حكايتها لأبي عبد اللّٰه عليه السلام لا يدلّ على سؤاله إيّاه عليه السلام عن حكم الواقعة و جهله به، مع أنّه يحتمل أن يكون تأكيدا و دفعا لاحتمال خطائه في المسألة الناشئ عن إصرار أصحابه على الإعادة، ففعله مع فعل أصحابه سيّان في الصحة و إبراء الذمّة، و يزيد فعله على فعل أصحابه بمطابقته لحكم اللّٰه سبحانه، فيصير أصوب.

و بما يقرّب من ذلك يجاب عن دلالة رواية الحضرمي، فافهم.

مع أنّه لو سلّمنا دلالتهما على التخيير، فإنّما تدلّان عليه في المسألة السابقة، و أمّا في هذه المسألة فلا دلالة فيهما عليه، و لا وجه له إلّا الجمع بين الأخبار، و قد عرفت أنّه فرع فقد المرجّحات و الداخليّة، و الخارجيّة، مع دلالة رواية ابن مسلم على عدم جواز الإتمام مع الاستدبار، و يثبت في غيره بعدم القول‌ بالفصل[10].

·      نماز احتیاط؛ قائماً یا جالساً؟

و أمّا الاحتياط بركعة قائما في المسألتين فلم أجده في رواية معتبرة صريحة.

نعم ورد رواية  تدلّ على التخيير في المسألة الثانية بين الاحتياط بركعة قائما أو بركعتين جالسا، لكن في طريقها «عليّ بن حديد» و مع ذلك فهي مرسلة، و إن كان المرسل هنا «جميلا».

نعم عموم روايات عمّار المتقدّمة يدلّ على تعيين الركعة قائما سيّما روايته المتقدّمة المصرح فيها بقوله عليه السلام: «فقم و أتمّ ما ظننت أنّك نقصت» و لكنّها في المسألة الثانية معارضة بما يدلّ بظاهره على تعيين الركعتين من جلوس- كما تقدّم-  و كما يمكن الجمع بالتخيير، فيمكن بالتخصيص، لأنّ روايات عمّار أعمّ مطلقا من روايات خصوص المسألة الآمرة بالركعتين من جلوس. اللّٰهم إلّا أن يتمسّك في التخيير برواية عليّ بن حديد المنجبرة بالشهرة.

و أمّا جواز إبدال الركعة في المسألة الأولى بالركعتين، فلم أجد عليه دليلا[11].

·      کیفیت نماز احتیاط

[قوله]: من شكّ بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع بنى على الأكثر و صلّى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.

(1) [أقول]: هذا هو المشهور، بل حكي عليه الإجماع عن الانتصار  و الخلاف و عن ظاهر السرائر . و عن الصدوق: أنّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به .

و يدلّ على وجوب البناء على  الأكثر في الصورتين روايات:

منها موثقة عمّار: «قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة؟ فقال: ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت و سلّمت فقم و صلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن في هذه عليك شي‌ء و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت و هي و إن كانت ضعيفة ب‍ «موسى بن عيسى» إلّا أنّها مجبورة بما ذكر...

و كيف كان فلا يتوقّف الحكم عليها بل يكفي الروايات العامّة المنجبرة على تقدير ضعفها بالشهرة و حكاية الإجماع ، بل حكاية تواتر الأخبار عليه عن العماني .

و بهذه يسقط ما خالفها عن درجة الاعتبار، كرواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: «قال: سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال:يعيد. قلت: أ ليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: إنّما ذلك في الثلاث‌ و الأربع»

و يمكن حملها على ما قبل إكمال الثنتين. و قوله: «إنّما ذلك في الثلاث و الأربع» يعني عدم الإعادة مطلقا ليس إلّا في الثلاث و الأربع، و المراد من الثلاث و الأربع إمّا خصوص صورة الشك فيهما و يكون الحصر إضافيّا. أو ما إذا كان أحدهما يقينيا فيشمل الشكّ بين الأربع و الخمس، و الثلاث و الخمس، و بعبارة أخرى: ما إذا كان الطرف الأقلّ هو الثلاث أو الأربع و في غير ذلك لا يحكم بعدم الإعادة على الإطلاق.

و مثلها- في وجوب الطرح بالنسبة إلى المقام لمخالفتها لفتوى الأعلام- الروايات الدالّة على وجوب الأخذ باليقين و البناء على الأقلّ  مضافا إلى موافقتها لفتوى جمهور العامّة- كما قيل

مع إمكان حمل البناء على الأقلّ و المتيقّن على وجوب صلاة الاحتياط، فإنّها مقتضى البناء على النقصان و الجزم و اليقين و إلّا لم يحتط بها. و يؤيّده الرواية المحكيّة عن قرب الإسناد: «عن رجل صلى ركعتين و شك في الثالثة؟ قال: يبني على اليقين فإذا فرغ تشهّد فقام و صلّى ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»

فإنّ المراد من البناء على اليقين البناء على الأكثر قطعا.

ثمّ إنّه حكي في المسألة الأولى عن السيّد  المخالفة و تعيّن البناء على‌ الأقلّ، لما تقدّم مع جوابه، و عن والد الصدوق فيها- التخيير، للجمع بين الأخبار. و حكي عن الذخيرة  أيضا.

و الأرجح في المسألة ما اخترناه: من تعيّن البناء على الأكثر[12].

 ·      پرداخت قیمت غلات در زکات

يجوز إخراج القيمة عن العين في زكاة الغلّات و النقدين، اتّفاقا ظاهرا- كما في المعتبر-  و عن التذكرة و المفاتيح: التصريح بالإجماع ، كما عن  ظاهر المبسوط و إيضاح النافع و الرياض نعم في كلام بعض  أنّه حكي عن الإسكافي: المنع، مع أنّه حكى عن شرح الروضة  التصريح بموافقة الإسكافي للمشهور لمصححة البرقي: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:هل يجوز أن اخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فكتب عليه السلام: أيّما تيسّر يخرج» ....

و يؤيّدها ما دلّ  على جواز احتساب الدين من الزكاة الشاملة بإطلاقها لزكاة الأنعام.

و يؤيّدها ما يستفاد من الأدلّة من تسهيل الأمر على المالك مثل تجويز إخراج الزكاة من غير العين؛ فإنّ قيمة العين أولى بالجواز من إخراج مثل العين، إذ الأنعام ليست من المثليات، فالقيمة أقرب إليها من المماثل.

و أيضا إذا جاز إخراج القيمة في المثليات ففي القيميات أولى.

و مثل  قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمّد بن خالد- إنّما  يعني السهم المأخوذ من الأنعام في الزكاة- «فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها»  فإنّ هذا الكلام يفهم عرفا أنّه إذا أراد المالك أوّلا إخراج القيمة التي تقوم الفريضة عليه فله ذلك....

و كيف كان فلا حاجة إلى التأييد بهذه الرواية لما تقدّم من المؤيّدات المجبرة لضعف ما تقدّم سندا، مع أنّ الشيخ نسب الحكم- في الخلاف- إلى إجماع الفرقة و أخبارهم. فالأقوى ما عليه المشهور، دون ما عن المفيد و الإسكافي من عدم جواز إخراج القيمة مع التمكّن، و مال إليه في الحدائق ، و توقّف فيه في المعتبر ؛ لأصالة عدم براءة الذمّة، و عموم مثل قوله: «في كلّ‌ أربعين شاة شاة» و خصوص رواية سعيد بن عمر: «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟ قال: لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر اللّٰه»

و لكن الرواية- بعد تسليم سندها- متروكة الظاهر؛ لأنّ الحصر في الدراهم خلاف الإجماع حتّى في زكاة الدراهم، فلا بد إمّا من حمل النهي على المنع عن إعطاء القيمة من غير الدراهم، و إمّا من حمله على الكراهة، بمعنى:أفضلية إخراج العين، و يحمل الزكاة على زكاة الدراهم أو على أفضلية إخراج القيمة من الدراهم، لا من مثل البطيخ و العنب و نحوهما.

و الأوّل ضعيف؛ لما سنبيّن من جواز إخراج القيمة من كلّ شي‌ء....

ثمّ إنّ الظاهر المشهور جواز إخراج القيمة من أيّ جنس كان، كما هو صريح معقد إجماع الخلاف بل صريح الغنية  أيضا بعد الملاحظة.

و يمكن أن يستدلّ له بعموم قوله في الصحيحة: «أيما تيسر يخرج»  بناء على حمل «أي» على العموم المطلق لا العموم بالنسبة إلى الجنس الزكوي و الدراهم. و يؤيّدها رواية قرب الأسناد المتقدّمة المنجبرة بكثير مما مرّ.

فالقول بالاقتصار على الدرهم أو على مطلق النقدين: اقتصارا في مخالفة الأصل على مورد اليقين، و التفاتا إلى رواية سعيد بن عمر المتقدّمة المحتملة لمحامل أخر، لا يخلو عن نظر سيّما بعد إمكان دعوى عدم القول بالفصل؛ فإنّ ظاهر الأصحاب المجوّزين لإخراج القيمة عدم الفرق بين النقدين و غيرهما، كما يظهر من الحدائق الاعتراف و كذا عن الذخيرة[13]

 ·      الترافع الی المومن الفاقد لشرائط القضاء

إذا رفع المدّعي خصمه إلى قاضي الجور- و نعني به هنا من لم يستجمع الشرائط المذكورة- فإن كان مع التمكن من الترافع إلى الجامع، فعل حراما سواء كان المدّعى عينا أم كان دينا، و سواء جزم المدّعي بكونه محقّا في نفس الأمر، و سواء كان القاضي فاقدا للإيمان أو لغيره من الشرائط.

و يحتمل أن يكون التحريم مختصا بالمخالف؛ لاختصاص الأخبار الدالّة على حرمة التحاكم إلى الجائر  به، و لا دليل على حرمة الترافع إلى المؤمن الفاقد لشرائط القضاء. نعم، يكون لغوا؛ لعدم ترتّب أثر على حكمه.

و منه يعلم محمل الروايات المتقدّمة[14]  الآمرة بالرجوع إلى الفقهاء و الترافع إليهم، فإنّ معناها أنّ من أراد التحاكم و قطع الخصومة، فليرجع إلى هؤلاء؛ فإنّهم الذين يقطع بحكمهم الخصومة، و يجب طاعتهم على المتخاصمين[15].

 ·      العاجز عن الصلاه قائما

و لو عجز عن الاضطجاع مطلقا استلقى قولا واحدا، لرواية محمّد بن إبراهيم- المرويّ عن المشايخ الثلاثة- عن الصادق عليه السّلام:

«يصلّي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا، فإن لم يقدر أن يصلّي جالسا صلّى مستلقيا، يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمّ يتشهّد و ينصرف»

و في مرسلة الصدوق فيمن شبكته الريح «إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، و إلّا فوجّهوه إلى القبلة و مروه فليوم برأسه إيماء و يجعل السجود أخفض من الركوع»

و لا يقدح ظهور الرواية الأولى كغيرها في تعيين الاستلقاء بعد العجز عن الجلوس، الذي هو مخالف لفتوى الطائفة عدا شاذّ من أصحابنا لم يعبأ به جماعة كثيرة من الأصحاب، حيث ادّعوا الإجماع على خلافه  بل للكتاب و السنّة كما تقدّم، بل للإجماعات المستفيضة، و موافق لفتوى أصحاب الرأي كما في المنتهى ، لوجوب تقييدها بصورة العجز عن الاضطجاع،...

ثمّ المضطجع و المستلقي إن قدرا على الركوع و السجود أو بعض الانحناء لهما تعيّن لهما كما مرّ، و إلّا فيومئان- كسائر من تعذّر عليه الانحناء رأسا- لهما بالرأس مع الإمكان، ... لما تقدّم من الروايات في صلاة العاري

و لحسنة الحلبيّ- بابن هاشم-: «المريض إذا لم يستطع القيام و السجود يومئ برأسه إيماء و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ»  و ستعرف محمل ذيلها، و رواية الكرخيّ في: «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود، قال: ليؤم برأسه إيماء، فإن كان له من يرفع الخمرة  فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء»

و نحوهما المرسلة المتقدّمة فيمن شبكته الريح  المعمول بها بين الأصحاب كما في شرح الروضة ، و جميع ما دلّ على وجوب كون السجود أخفض من الركوع  حيث إنّ الأخفضيّة لا تتحقّق في تغميض العين إلّا مجازا، بل و جميع إطلاقات الإيماء  حيث إنّ المتبادر منه أن يكون بالرأس، بل‌

لا يكاد يوجد في الروايات إطلاق الإيماء على تغميض العين، و لعلّه الوجه في عدم تقييد الإيماء بالرأس في كلام المصنّف قدّس سرّه- هنا- و غيره ممّن أطلق .

و لجميع ما ذكرنا يجب حمل ما ورد من التغميض على صورة العجز عن الإيماء بالرأس كما يشهد به وروده في المستلقي العاجز غالبا عن ذلك، و هو الوجه أيضا في اقتصار غير واحد على الغميض في المستلقي ، بل في الغنية: دعوى الإجماع عليه و هذا أولى من حمل إطلاقات الإيماء بالرأس على المضطجع خاصّة، لو سلّم تكافؤهما[16].

 ·      التامین فی الصلاه

و هل يختص التحريم و البطلان بما إذا قاله آخر الحمد- كما هو صريح كلام بعض  و منصرف إطلاق الآخرين  و المتيقّن من الأخبار- أم يعمّ جميع حالات الصلاة، كما هو مقتضى إطلاق كلام بعض  و صريح آخرين، كما عن الخلاف  مدّعيا عليه الإجماع، كالمصنّف في تحريره ؟ قولان، أقواهما: الأوّل، بناء على منع ما تقدّم من كونها من كلام الآدميين، و منع حجيّة إجماع المنقول ما لم يفد الاطمئنان بالحكم، فبقي أصالة الجواز، بل استحبابها، بناء على ما عرفت من كونها- و لو على تقدير كونها من أسماء الألفاظ- داخلة في الدعاء المستحب عموما و خصوصا في الصلاة، حتى ورد  أنّه أفضل فيها من قراءة القرآن، مضافا إلى ورود بعض الأدعية المشتملة على هذه الكلمة كدعاء صنمي قريش الذي كان يقنت به‌ أمير المؤمنين عليه السلام و دعاء آخر مشتمل عليها حكي عن المهج  و البلد الأمين  نسبته إلى مولانا أبي إبراهيم عليه السلام، و ما عن مفتاح الفلاح من ذكر بعض القنوتات المشتملة عليها.

نعم، لو قيل بجوازها في النافلة، أمكن حمل هذه الأخبار عليها، لكنّ الظاهر من إطلاق الفتاوى و معاقد الإجماع- سيّما المستدلّ عليها بكون «آمين» من كلام الآدميين-: التعميم، كما هو مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار، فلا محمل لتلك الأخبار المجوّزة[17].

 ·      الاستنجاء بالیسار و فیها خاتم علیه اسم الله

 (و) منها: الاستنجاء من الغائط أو البول إذا لم يكن بالصبّ (باليسار و فيها خاتم عليه اسم اللّٰه سبحانه) لرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من نقش على خاتمه اسم اللّٰه، فليحوّله من اليد الّتي يستنجي بها في المتوضّإ».

و رواية الصيرفي: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل يستنجي و خاتمه في إصبعه و نقشه لا إله إلّا اللّٰه؟ فقال: أكره ذلك له، فقلت: جعلت فداك! أو ليس رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و كلّ واحد من آبائك عليهم السلام يفعل ذلك و خاتمه في إصبعه؟ قال: بلى و لكن أولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى، فاتّقوا اللّٰه و انظروا لأنفسكم»

و في رواية وهب بن وهب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «قال: كان نقش خاتم أبي «العزّة للّٰه جميعا» و كان في يساره يستنجي بها»  لكن وهب عامّي خبيث، بل من أكذب البرية، مع إمكان حملها- كما قيل  و إن بعد-على نزعه عند الاستنجاء

ثمّ الظاهر إنّ الكراهة إنّما هي مع الأمن من التلويث و إلّا فهو حرام.

ثمّ ظاهر خبر الصيرفي عدم كراهة استصحاب الخاتم المذكور، لإطباق النبيّ و الأئمة صلّى اللّٰه عليه و عليهم على المداومة عليه.

إلّا أنّ في غير واحد من الأخبار كراهة استصحابه و لو مستورا غير مستعمل في موضعه، كرواية أبان بن عثمان، عن أبي القاسم: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّٰه تعالى؟ فقال: ما أحبّ ذلك، قلت: فيكون اسم محمّد صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قال: لا بأس»

بل ظاهر بعضها الحرمة كرواية أبي أيّوب: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أدخل الخلاء و في يدي خاتم فيه اسم من أسماء اللّٰه تعالى؟ قال:لا، و لا تجامع فيه»

و عن قرب الإسناد بسنده، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام «قال: سألته عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّٰه أو شي‌ء من القرآن، أ يصلح ذلك؟ قال: لا»

و رواية عمّار: «لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّٰه تعالى، و لا يستنجي و عليه خاتم فيه اسم اللّٰه تعالى، و لا يجامع و هو عليه، و لا‌يدخل المخرج و هو عليه»

و لعلّه لذلك عبّر الصدوق في الفقيه بقوله قدّس سرّه: «و لا يجوز للرجل أن يدخل الخلاء و معه خاتم عليه اسم اللّٰه، أو مصحف فيه القرآن» لكن قوله بعد ذلك: «فان دخل و عليه خاتم عليه اسم اللّٰه تعالى فليحوّله من يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء»  ظاهر في الكراهة.

و كيف كان: فيشكل الجمع بين هذه الأخبار و بين الخبر المتقدّم و لا يحضرني الآن وجه جمع ظاهر.

و على أيّ حال: فظاهر الأخبار اختصاص الكراهة بكون الخاتم في اليد، فلا يظهر من الأخبار كراهة مطلق الاستصحاب- كما عبّرة في الفقيه و تبعه غيره  بل ظاهرها كراهة كونه في محلّه.

ثمّ إنّه نسب إلى المشهور إلحاق اسم الأنبياء و الأئمة صلوات اللّٰه عليهم باسم اللّٰه، و هو حسن من حيث الاعتبار، إلّا أنّه لا دليل عليه من النصّ، بل رواية أبي القاسم- المتقدّمة - ظاهرة في نفي الكراهة. و حملها على ما إذا كتب الاسم لا بقصد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بعيد[18].


[1] كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۱۷۳-۱۷۷

[2] كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۳۲۷-۲۳۹

[3] كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۳۳۰

[4] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)، ج‌۱، ص: ۲۵۷-۲۶۳

[5] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۳، ص: ۳۴۷-۳۵۶

[6] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري، ط - الحديثة)؛ ج‌۲، ص: ۲۱۴-۲۱۷

[7] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۴، ص: ۴۳۱

[8] الرسالة الأولى في الخلل الواقع في الصلاة؛ ص: ۳۰۱

[9] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۱، ص: ۴۸۶-۴۸۷

[10] أحكام الخلل في الصلاة؛ ص: ۴۶-۴۹

[11] أحكام الخلل في الصلاة؛ ص: ۱۵۶

[12] أحكام الخلل في الصلاة؛ ص: ۱۵۲۳-۱۵۶

[13] كتاب الزكاة (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۱۷۷-۱۸۲

[14] و للأخبار المعلّلة لوجوب الرضى بحكم الفقيه و التحاكم و الرجوع إليه بكونه منصوبا من قبل الإمام و حجّة من قبله عليه السلام على جميع البريّة ..

ففي مشهورة أبي خديجة: «فاجعلوه بينكم قاضيا فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» و في مقبولة عمر بن حنظلة: «فارضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما»  و في توقيع العمري: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّٰه»( القضاء و الشهادات (للشيخ الأنصاري)، ص: 228‌) 

[15] القضاء و الشهادات (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۲۳۴

[16] كتاب الصلاة (للشيخ الأنصاري)، ج۱، ص ۲۴۴-۲۴۸

[17] كتاب الصلاة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۱، ص: ۴۱۵-۴۱۶

[18] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۱، ص: ۴۸۴-۴۸۶

ب) بیان وجوه جمع سائر فقهاء:

·      تجاوز از محل

الثاني: أنّ المراد بتجاوز المحل لا يخلو عن أحد أمرين:

أحدهما: التجاوز عن محلّ مطلوبيّته، فمحل القراءة باق ما لم يركع، و محلّ الركوع باق ما لم يسجد، و محل السجدة و التشهّد باق ما لم يركع في الركعة الأخرى....

الثاني: التجاوز عن موضعه الّذي قرّره الشارع له في ضمن ترتيب أفعال الصلاة، حيث جعل لكل منها موضعا خاصّا، فإنّ الشارع جعل قراءة الحمد قبل السورة، فمتى قرأ السورة على أنّه من أفعال الصلاة فقد تجاوز عن موضع الفاتحة، و لذا يقال: يجب عليه الرجوع و التدارك المتوقف صدقهما على تحقق المضيّ و الفوت، فاعتبار المحلّ في الوجه الأوّل بالنسبة إلى طلب الشارع، و في الثاني بالنسبة إلى نفس الفعل المرتّب على وجه خاص.

ثمّ الفعل المرتّب، تارة: يلاحظ ترتيبه بالنسبة إلى جميع أجزائه الّتي يصدق على كل منها أنّه فعل، فيقال: إنّ قراءة البسملة فعل مرتبته قبل قراءة الآية الاولى من الفاتحة، بل كلّ كلمة منها من حيث إنّها فعل لها موضع خاص في الصلاة يتحقق المضيّ و التجاوز و الخروج عنه.

و اخرى: يلاحظ ترتيبه بالنسبة إلى أجزائها المستقلّة بالعنوانيّة في كلام الشارع و كلمات الفقهاء، كالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و التشهّد.

و على كلا الاعتبارين، فتارة يعمّم الفعل بالنسبة إلى الواجب و المستحب، و قد يختص بالواجب، إمّا خصوص الذاتي منه أو ما يشمل المقدّميّ كالهويّ و النهوض.

و قد اختلفت أقوال الفقهاء شكر اللّٰه سعيهم في المراد بالروايات الواردة في الباب و الجمع بين مختلفاتها، و قد عرفت بطلان إرادة الوجه الأوّل بصريح الصحيحة المتقدّمة.

و أمّا ما احتمل في الوجه الثاني فأوفقها بعموم الروايات- و إن قلّ القائل‌ بها من غير جماعة من متأخّري المتأخّرين هو الاحتمال الأوّل، و ليس في الروايات لفظ «الفعل» حتّى يدّعى انصرافه و انصراف لفظة «غيره» المقابل له إلى الأفعال المستقلّة بالعنوان المعهودة في الأذهان المعدودة عند البيان، أو إلى خصوص الواجبة منها، أو إلى خصوص الأصليّة.

و اختصاص موارد السؤال في بعضها ببعض لا يوجب تخصيص عموم الجواب، فضلا عن أن يحصل من ضمّ الجواب إلى السؤال مفهوم مخالف يوجب تقييد العمومات الغير المصدّرة بمورد خاص- كما وقع توهّمه من بعض من لا يظن به ذلك [1]

·      صفق الوجه بالماء فی الوضوء

و منها: صفق الوجه بالماء، على ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام:«إذا توضّأ الرجل فليصفق وجهه بالماء، فإنّه إن كان نائما استيقظ، و إن كان بردا لم يجد البرد» ، و عورض بما في التهذيب: «لا تضربوا وجوهكم‌ بالماء إذا توضّأتم»، و جُمِع بينهما بحمل هذا على الأولى، و الأوّل على الإباحة[2]

 ·      قدر الرضاع

ثم اعلم أنه إذا ثبت عدم النشر بالعشر لما ذكرنا تعين القول بالنشر بالخمس عشرة لعدم القائل باعتبار أزيد منها من حيث العدد و إطلاق رواية عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول خمس عشرة رضعة لا تحرم بعد سلامة سندها محمول على صورة عدم التوالي للإجماع ظاهرا على النشر بهذا العدد مع التوالي.

 نعم في بعض الأخبار دلالة على التقدير بسنة أو سنتين مثل ما رواه العلاء بن رزين عن أبي عبد الله ع قال: سأله عن الرضاع فقال لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة و ما رواه زرارة عن أبي عبد الله ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين

مقام الجمع

 لكنهما شاذان مخالفان للإجماع كما ادعاه في المسالك و رد الشيخ في التهذيب الرواية الأولى بالشذوذ و حمل الثانية على كون الحولين طرفا للرضاع لا قيدا لمقداره و هو على بعده حسن في مقام الجمع و عدم الطرح[3]

 ·      جدی؛ علامت قبله

و المروي من هذه العلامات هو الجدي، ففي رواية محمّد بن مسلم قال: «سألته عن القبلة، قال عليه السّلام: ضع الجدي على قفاك و صلّ»

و الراوي كوفيّ، كما صرّح به في الروض  و غيره

و في مرسلة أخرى مرويّة في الفقيه: «قال رجل للصادق عليه السّلام: إني أكون في السفر و لا أهتدي إلى القبلة، فقال له: أ تعرف الكوكب الذي يقال له الجدي؟ قال: نعم، قال: اجعله على يمينك، فإذا كنت في طريق الحجّ فاجعله بين الكتفين» 

و قد جمع بين الروايتين بحمل «القفا» في الأولى على موضع خاصّ، و هو محاذي المنكب الأيمن، و هو- على بعده- لا يشهد له الرواية الثانية إلّا إذا أريد من اليمين بقرينة الرواية الأولى اليمين من طرف الخلف، فينصرف ظاهر إطلاق كلّ واحدة من الروايتين بنصّ الأخرى، لكنّه مع ذلك- مع أنّه يشمل الكتف الأيمن- فالإنصاف أنّ مقتضى الجمع إرادة مجموع الجانب الأيمن من «القفا»، هذا بعد فرض اتحاد الروايتين في الإقليم و هو غير معلوم، مع أنّ مقتضى العمل بهذا الجمع عدم جواز العمل بالعلامة الاولى و الثالثة، لأنّ‌ اللّازم من مراعاة كلّ منهما وقوع الجدي بين الكتفين.

فالإنصاف: أنّه لا يستفاد من الروايتين في كيفيّة وضع الجدي ما يغني عن الرجوع إلى قواعد الهيئة بملاحظة أطوال البلد و أعراضها بالنسبة إلى طول مكّة و عرضها زادها اللّٰه شرفا[4]

 ·      اشتراط نیت شبانه در صوم مسافر

مسألة  لا خلاف في وجوب الإفطار على المسافر و عدم صحّة الصوم منه و وجوب القضاء عليه- و لو صام في السفر- في الجملة، و إنّما الخلاف في مواضع:

الأوّل: في أنّ الإفطار هل هو مشروط بخروج المسافر قبل الزوال؟ فلو خرج بعده أتمّ الصوم مطلقا؟

أو بالعزم على السفر من الليل، فإن بدا له في النهار لم يفطر، مطلقا .

أو مشروط بكلا الأمرين، و مع عدمهما- و لو بعدم أحدهما- يتمّ الصوم.

أو غير مشروط بشي‌ء منهما أصلا، بل يفطر مطلقا- و لو خرج بعد الزوال و لم يعزم عليه من الليل-؟

أقوال، أوسطها أوّلها، و هو المشهور، للروايات المستفيضة:...

تقیید عموم دو دلیل بخصوص الآخر

...و أمّا القول الثالث- المحكيّ عن الشيخ في المبسوط-  فلم نقف له على مستند، و قد استدلّ له بعض مشايخ مشايخنا  بأنّ فيه جمعا بين الأخبار الدالّة على اشتراط الإفطار بالخروج قبل الزوال، و بين الدالّة على اشتراطه بالعزم على السفر، بتخصيص ما دلّ على الإفطار قبل الزوال بما إذا عزم على السفر من الليل قال: لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه، فيقيّد عموم كلّ منهما بخصوص الآخر، فإنّ الظاهر يحمل على النصّ، و مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، و هو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين‌- كما في الوسائل فإنّه يحتاج إلى شاهد (انتهى كلامه) و تبعه على الاستدلال به للشيخ بعض مشايخنا

أقول: هذا الاستدلال عجيب، لأنّ العامّين من وجه إذا كانا متعارضين فالجمع بينهما بتقييد عموم كلّ منهما بخصوص الآخر من المحالات العقلية، لأنّه جمع بين النقيضين، فإذا ورد «أكرم العلماء» و ورد «لا تكرم الفساق

[فمعنى تخصيص  عموم كلّ منهما بخصوص الآخر أن يقال: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم  و لا تكرم الفسّاق إلّا العلماء منهمو مقتضى ذلك: وجوب إكرام العلماء الفاسقين و حرمته، و هو المحال اللازم.

و إن لم يكونا  متعارضين فهما يجتمعان، فلا يحتاج إلى تقييد عموم واحد منهما بخصوص الآخر، لأنّ التقييد و التخصيص فرع التعارض و التنافي.

فنقول حينئذ: إن لوحظت الأدلّة الدالّة على وجوب الإفطار إذا خرج قبل الزوال مع الأدلّة الدالّة على وجوب [الإفطار مع العزم من الليل، و كذلك لوحظ الأدلّة الدالّة على وجوب] إتمام الصوم إذا خرج بعد الزوال مع الأدلّة الدالّة على وجوب الإتمام مع عدم العزم، فلا يحتاج شي‌ء منهما إلى تقييد، بل يبقى‌ كلّ على عمومه، لعدم التنافي بين الحكمين و لا تعارض بينهما، و ليس إلّا من قبيل:

«أكرم العلماء و أكرم العدول».

و إن لوحظ الأدلّة الاولى مع الأدلّة الرابعة، و كذا لوحظت الثانية مع الثالثة، فيقع التعارض، لكن تخصيص عموم كلّ بخصوص الآخر و حمل ظاهر كلّ على نصّ الآخر من المحالات، لأنّ معنى تخصيص عموم الأدلّة الأولى بخصوص الرابعة أن يقال: إنّ من خرج قبل الزوال يجب عليه الإفطار إلّا إذا لم يعزم على الخروج من الليل، فإنّه يجب عليه الإتمام حينئذ.

و معنى العكس أن يقال: من لم يعزم على الخروج من الليل أتمّ صومه و لم يفطر إلّا إذا خرج قبل الزوال فإنّه يفطر.

و من البيّن: أنّ المعنيين متناقضان، و قس على ذلك حال الأدلّة الثانية، مع الثالثة .

فالتحقيق: أنّ اللازم في تعارض العامّين من وجه حمل عموم أحدهما و ظهوره على خصوص الآخر و نصوصه و إبقاء الآخر و ظهوره على حاله.

و بعبارة أخرى: ارتكاب التقييد في أحد المطلقين، و لذا لا بدّ من وجود المرجّح، لئلّا يلزم الترجيح من غير مرجّح.

بیان وجوه جمع مختلف

إذا عرفت هذا فنقول: إنّ هنا تعارضين أحدهما بين الأدلّة الاولى و الرابعة، و الآخر بين الثانية و الثالثة، فوجوه الجمع المتصورة- هنا- أربعة:أحدها: تخصيص الأولى بالرابعة و تخصيص الثانية بالثالثة، مع إبقاء عموم [الرابعة و الثالثة على حالهما.

و مقتضاه ما قاله الشيخ في المبسوط من اشتراط اجتماع الأمرين في الإفطار.

و الثاني: عكس الأوّل، أعني تخصيص الرابعة بالأولى، و الثالثة بالثانية مع إبقاء عموم]  الاولى و الثانية على حالهما .

و مقتضاه ما حكي عن الوسائل من اشتراط أحد الأمرين

و الثالث: الأوّل من الثاني و الثاني من الأوّل.

و مقتضاه ما اخترناه من المذهب المشهور، و هو إناطة الإفطار بالخروج قبل الزوال و إن لم يعزم.

و الرابع: عكس الثالث.

و مقتضاه القول الثاني المحكيّ عن الشيخ في غير المبسوط و المحقّق من إناطة الإفطار بالعزم على السفر ليلا و إن خرج بعد الزوال.

و لا يخفى: أنّ تقديم  أحد هذه الوجوه على الباقي يحتاج إلى مرجّح، و قد عرفت أنّ المرجّح مع الوجه الذي اخترناه[5].

 ·      بالوعه و بئر

 (و إن لم يكن) الأرض صلبة و لإقرار البئر أعلى (فسبع) هذا هو المشهور على الظاهر، و في مرسلة قدامة بن أبي زيد قال: «سألته كم أدنى ما يكون بين البئر- بئر الماء- و البالوعة؟ قال: إن كان سهلا فسبع أذرع، و إن كان جبلا فخمس أذرع. ثمّ قال: يجري الماء إلى القبلة إلى يمين، و يجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة، و يجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة، و لا يجري من القبلة إلى دبر القبلة» و في رواية الحسن بن رباط قال: «سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، و إن كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كلّ ناحية، و ذلك كثير».

و جمع المشهور بينهما بتقييد حكم السبع في الروايتين مع إرادة عدم فوقية البئر من الفقرة الثانية من الرواية الثانية، إذ المتبادر من مثله نقيض الشرطية الاولى لا ضدّها، و حاصل هذا الجمع كفاية كلّ من صلابة الأرض و فوقية البئر في الخمس، فيكون الخمس في أربع صور من الستّ.

و ظاهر الإرشاد عكس هذا الجمع، بتقييد حكم الخمس في الروايتين مع إبقاء الفقرة الثانية من الرواية الثانية على ظاهرها من خصوصية فوقية البالوعة، قال في الإرشاد: و يستحبّ تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع إن كانت الأرض رخوة أو كانت البالوعة فوقها و إلّا فخمس و عن بعض النسخ «الواو» بدل «أو» فيوافق ظاهر ما عن التلخيص: من أنّه يستحبّ‌ تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع مع الرخاوة و التحتية و إلّا فخمس

و لما في السرائر: يستحبّ أن يكون بين البئر الّتي يستقى منها و بين البالوعة سبعة أذرع إذا كانت البئر تحت و كانت الأرض سهلة، و خمسة أذرع إذا كانت فوقها و الأرض أيضا سهلة، و إن كانت الأرض صلبة فخمس

و مستند هذا القول الجمع بين الروايتين بتقييد حكم السبع في إحداهما بالآخر، إلّا أن الفقرة الثانية باقية على ظاهرها: من إرادة خصوص فوقية البالوعة على ظاهر السرائر، و يراد بها نقيض الفقرة الاولى و هو عدم فوقية البئر بناء على ظاهر التلخيص و نسخة الإرشاد.

و هنا جمع رابع، و هو تقييد فقرتي الرواية الثانية بالأولى فيكون المدار على الصلابة و الرخاوة، و هو المحكيّ عن ظاهر الصدوق

ثمّ إنّ بعض مشايخنا المعاصرين- بعد تزييف جمع المشهور بعدم جريانه على القواعد من غير بيان وجه ذلك- قال: إنّ المستفاد من مجموع الروايتين أنّ السبعة لها سببان: و هي السهولة و فوقية البالوعة، و الخمسة أيضا لها سببان: الجبلية و أسفلية البالوعة، و يحصل التعارض عند تعارض سببين، كما إذا كانت الأرض سهلة و البالوعة أسفل، فلا بدّ من مرجّح خارجي، و كذا إذا كانت الأرض جبلية و البالوعة فوق البئر، و لعلّه بالنسبة إلينا يكفي الشهرة في الترجيح فيحكّم كلّ منهما على الآخر بمعونتها، و بالنسبة إليهم لا نعلم المرجّح، و لعلّه دليل خارجيّ

و فيه- مع أنّ تعارض السببين إنّما يكون بعد الفراغ عن دليلهما و عدم تصرّف فيهما كما في تعارض البيّنتين، و نحوه في المقام من قبيل تعارض الدليلين و تعيين وجوه التصرّف ليثبت بذلك الخمس بتعدّد السبب كالمشهور، أو السبع كالإرشاد، أو اختصاص كلّ منهما بسبب واحد كالصدوق- أنّ جمع المشهور لعلّه ناظر إلى أنّ الصلابة و فوقية البئر من قبيل المانع و أنّ البعد بما دون السبع مظنّة لتوهّم نفوذ النجاسة من البالوعة إلّا أن يكون هنا مانع من النفوذ من صلابة أو علوّ البئر، فوجوب السبع مع السهولة أو تساوي القرارين ليس مستندا إليهما، بل إلى عدم المانع عن النفوذ فيما دون مع وجود مقتضى النفوذ، و هو استعداد الماء للنفوذ إلى سبعة أذرع من جوانبه لو خلّي و طبعه.

مع إمكان أن يقال: إنّ هذا الجمع مطابق للأصل، لأصالة عدم استحباب السبع عند صلابة الأرض إذا كانت البالوعة فوق البئر، بناء على إجراء أصالة العدم هنا، دون أصالة عدم الامتثال بالمستحبّ و عدم ارتفاع ما لاحظه الشارع من مظنّة النفوذ مع القرب، فكان أولى من قول الإرشاد و الصدوق.

نعم، الأوفق بالأصل من ذلك قول التلخيص، لحكمه بعدم السبع مع تساوي القرارين في الأرض الرخوة. لكن تقييد أحد فقرتي السبع بالآخر لا وجه له، لعدم التنافي، فلا وجه لاطراح إطلاق السبعة في الرواية الاولى.

و ممّا ذكرنا عرفت قوّة قول المشهور مع قطع النظر عن الشهرة[6].

 ·      رجوع مبتدئه به اقران

 (فإن اختلفن) في مقابل الاتّفاق الذي ذكرنا (أو فقدن) أي: لم يوجدن على وجه يمكن الرجوع إليهنّ (تحيّضت في كلّ شهر) هلالي (بسبعة أيّام) خاصّة مطلقاً، ...لقول الصادق عليه السلام في مرسلة يونس المتقدّمة  «و هذه سنّته التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه، أقصى دمها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون»...

نعم، يعارضه موثّقتا ابن بكير: أُولاهما في المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك: «تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام و صلّت سبعة و عشرين يوماً» ...و نحوهما في المعارضة مقطوعة سماعة المتقدّمة في عادة الأهل

 و لذا جمع المشهور بالتخيير بين المرسلة و بينها بناءً على أنّ ظاهرها تحيّضها- (بثلاثة) أيّام (من شهر و عشرة من آخر) و إن اختلفوا:

بين من قسّم العدد في المرسلة على النساء بحسب أمزجتهنّ كما في المنتهي  و عن النهاية

و بين من خيّرهنّ مطلقاً بين عددي المرسلة و الموثّقات، إمّا معيّناً لتقديم الثلاثة على العشرة دائماً، كما عن الخلاف مدّعياً عليه الوفاق و إمّا مخيّراً في ذلك، كما عن النافع  و ظاهر كشف الرموز و نهاية الإحكام

و البيان  و الدروس  ناسباً له إلى أشهر الروايات و كتب الشهيد و المحقّق الثانيين

و بين من اقتصر على السبعة مخيّراً في العددين الأخيرين، كما اختاره المصنّف هنا و في القواعد  و التبصرة  تبعاً لموضع من المبسوط و الوسيلة بل عن المفاتيح  أنّه المشهور، أو معيّناً لتقديم العشرة، كما عن النهاية

لكنّك عرفت أنّ هذه الأقوال طرّاً مبنيّة على ظهور الموثّقات في الثلاثة من كلّ شهر و العشرة من آخر، و هو ممنوع؛...

و كيف كان، فالروايات و إن ادّعى في محكيّ الخلاف كونها مجمعاً عليهاإلّا أنّه لا دلالة فيها على التحيّض في شهر بالعشرة و في آخر بالثلاثة، فضلًا عن أن تدلّ على التخيير بين ذلك و بين مضمون المرسلة أعني السبعة معيّناً أو مخيّراً فيهما  و بين الستّة؛ فإنّ الجمع بينها و بين المرسلة خروج عن ظاهر الطرفين بل صريح المرسلة من غير شاهد، عدا ما يتخيّل من مقطوعة سماعة الممنوع دلالتها كما عرفت، مع أنّ مورد الكلّ مختصّة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ، فالتعميم للمضطربة بقسميها يحتاج إلى دليل.

فالأقوى بعد تسليم دلالتها-: الرجوع إلى المرجّحات، و هي مع المرسلة

ثمّ لو منع من وجود المرجّح تخيّر الفقيه في إفتاء المرأة، لا المرأة في تحيّضها، إلّا أن نقول في تكافؤ الخبرين بالفتوى بالتخيير كما لا يبعد دون التخيير في الإفتاء، فيستقيم ما ذكره الجماعة من تخيّر المرأة.[7]

 ·      من لا وارث له سوی الزوجه

مسألة [3] للزوجة من تركة زوجها الثمن إذا كان له ولد، و إلّا فالربع، و الباقي لسائر الورثة.

و مع عدمهم- عدا الإمام- ففي ردّ الباقي عليها، أو كونه للإمام، أقوال: ثالثها: الأوّل مع غيبة الإمام عليه السلام، و الثاني مع حضوره عليه السلام.

و خيرها أوسطها؛ للأصل، لأنّ ثبوت الزائد عمّا فرض لها في الكتاب يحتاج إلى دليل، و لا يعارض بأصالة عدم ثبوته للإمام عليه السلام؛ لأنّه إذا ثبت- و لو بحكم الأصل- عدم ثبوت وارث و مستحق لهذا المال، ثبت كونه للإمام عليه السلام، لما دلّ على أنّه وارث مع عدم الوارث  و للأخبار المستفيضة المعتضدة بفتوى الأكثر، إذ لم يحك الأوّل إلّا عن‌ المفيد [و يدلّ عليه الصحيح]  «عن رجل مات و ترك امرأته؟ قال:

المال لها»  و يردّ بالشذوذ؛ لأنّ القول به مختصّ بالمفيد فيما وجدنا؛ و مع ذلك فرجوعه عنه محكيّ عن الحلّي . و عن الانتصار: عدم عمل الطائفة‌ بالرواية الدالّة على الردّ على الزوجة و عن الحلّي: إنّه لا خلاف فيه بين المحصلين

و القول الثالث للصدوق قدّس سرّه  و جماعة من المتأخّرين، و لا مستند لهم سوى الجمع بين الأخبار، بتقييد مستند المفيد بزمان غيبة الإمام عليه السلام و هو بعيد. و أفرط الحلّي- فيما حكي عنه في تبعيده ؛ حيث إنّ قوله:«رجل مات» بصيغة الماضي، فحمله على زمان غيبة الإمام عليه السلام المتأخّر عن زمان صدور هذا الكلام بأزيد من مائة عام لا وجه له [في المقام[8]]

 ·      ارث بردن زوجه از زمین

مسألة [5] المعروف من غير الإسكافي أنّ الزوجة غير ذات الولد من زوجها الذي مات لا ترث من جميع أمواله،بل تحرم عن أشياء . و عن نكت الشهيد و غيره: دعوى الإجماع عليه  و أنّه من متفردات الإماميّة

ثمّ اختلفوا فيما يحرم منه على أقوال:

أقواها: ما نسب إلى المشهور، من أنّها لا ترث من الأرض مطلقا عينا و لا قيمة، و ترث من قيمة البناء و الآلات المثبتة فيه من الأبواب و الأخشاب و الجذوع و القصب، و من  قيمة الشجر، لصحيحة مؤمن الطاق‌ المرويّة في الفقيه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئا، و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل، يعني بالبناء:الدور، و إنّما عنى من النساء: الزوجة»

و أمّا ذات الولد من الزوج  فظاهر الكليني و المحكي عن المفيد و الشيخ في الاستبصار ، و السيد ، و أبي الصلاح و ابن إدريس  إلحاقها  بغيرها، و هو ظاهر المحقق في‌ النافع  و المحكي عن تلميذه مصنف كشف الرموز ، و ذهب إليه كثير من متأخري المتأخّرين، و قوّاه في المسالك خلافا لجماعة، منهم: الصدوق ، و الشيخ في النهاية  و القاضي و ابن حمزة ، و المحقق في الشرائع ، و الفاضل  و ولده و الشهيد في اللمعة ، و الفاضل المقداد في كنز العرفان ،

و نسب إلى المشهور- سيّما بين المتأخرين - فحكموا بتوريثها من أعيان جميع التركة، للجمع بين أخبار كثيرة مانعة بقول مطلق أو عام ، و صحيحة ابن‌ أبي يعفور الدالة على مذهب الإسكافي ، و مقطوعة ابن أذينة:«في النّساء، إذا كان  لهنّ ولد أعطين من الرباع» . و الجمع خال عن الشاهد لحمل  رواية ابن أبي يعفور على التقيّة، و المقطوعة لا تصلح لتخصيص عمومات كثيرة[9].

 ·      من لم یدر کم صلّی

(1) [أقول]: من لم يدر كم صلّى يجب عليه الإعادة بلا خلاف يعرف إلّا من المحكيّ عن الصدوق  حيث جوّز البناء على الأقلّ هنا أيضا.

و الأظهر: الأوّل، للأخبار المستفيضة:

منها: ذيل صحيحة عليّ بن النعمان المتقدّمة في مسألة نقص ركعة سهوا، قال عليه السلام: «و إنّما يعيد من لم يدر ما صلّى»

و منها: رواية صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام: «قال: إن كانت لم تدر كم صلّيت و لم يقع و همك على شي‌ء فأعد»

و هذه الرواية و إن كانت مرويّة في التهذيب  بطريق فيه «عباد بن سليمان» و هو مجهول- على الظاهر- إلّا أنّها مرويّة في الكافي  بطريق لا تبعد صحّته- بناء على عدم ضعف «محمّد بن خالد البرقي».

و منها: صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: «قال: إن شككت فلم تدر أ في ثلاث أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع، فأعد الصلاة و لا تمض على الشك» مضافا إلى ما دلّ على أنّه: «إذا لم تحفظ الأوليان تجب الإعادة»  

و بإزاء هذه الأخبار ما يخالفها . لكنّها بين دالّ على ما لم يقل به أحد، و بين دالّ على المحكيّ عن الصدوق.

و يتعيّن الطرح في الصنف الأوّل منها، و أما الثاني، فقد أجيب عنه: بحمله على محامل بعيدة  لا بأس بها عند عدم جواز العمل بظواهرها، لمخالفتها‌ للشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول، و قد بيّنا في مقامه أنّ الخبر المخالف للمشهور لا يعوّل عليه، سيّما إذا كان بإزائه أكثر منه موافقا للمشهور[10].

 ·      لو سافر بعد دخول الوقت

و لو سافر بعد دخول الوقت عليه في الحضر و لم يصلّ فيه أتمّ عند المصنّف قدّس سرّه  و غير واحدٍ ؛ لاستصحاب التمام، و لصحيحة محمّد بن مسلم: «و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاًو نحوها رواية بشير النبّال و في الاستصحاب في أمثال المقام منعٌ تقرّر في الأُصول ، و الصحيحة معارَضةٌ بصحيحة إسماعيل بن جابر: «قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أُصلّي حتّى أدخل أهلي. قال: صلّ و أتمّ الصلاة. قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أُريد السفر فلا أُصلّي حتّى أخرج. قال: فصلّ و قصّر، فإن لم تفعل، فقد و اللّٰه خالفت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله»، و صحيحة محمّد بن مسلم: «في الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، قال: إذا خرجت فصلّ ركعتين»

و الظاهر ترجيح هاتين على السابقتين بأشهريّة مضمونهما كما قيل بل عن الحليّ دعوى الإجماع عليه و أصرحيّة الصحيحة الأُولى على تلك الصحيحة؛ لاحتمالها إرادة الإتيان بالركعتين قبل الدخول و بالأربع قبل الخروج و إن كان بعيداً، و لو سلّم التكافؤ فالمرجع إلى عمومات القصر في السفر، فالقول بوجوب القصر في المسألة أقوى.

و عن الخلاف  التخيير مع استحباب التمام، و احتمله في التهذيب في مقام الجمع بين الأخبار؛ لرواية منصور بن حازم و فيها محمّد بن عبد الحميد، مع دلالتها على التخيير في عكس المسألة، و لا مجال لدعوى الإجماع المركّب، مضافاً إلى عدم معارضتها لما سبق من تعيين القصر، و موافقتها لما حكي عن بعض العامّة مع احتمالها لإرادة التخيير بين أن يصلّي قبل القدوم فيقصّر أو بعده فيتمّ[11].

·      ردّ الجاریه المعیبه

ثمّ إنّ المشهور استثنوا من عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل، فإنّه عيبٌ إجماعاً، كما في المسالك إلّا أنّ الوطء لا يمنع من الردّ به، بل يردّها و يردّ معها العُشر أو نصفه على المشهور بينهم.

و استندوا في ذلك إلى نصوصٍ مستفيضة:

منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: «عن رجلٍ اشترى جاريةً حُبلى و لم يعلم بحَبَلها، فوطأها؟ قال: يردّها على الذي ابتاعها منه، و يردّ عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إيّاها، و قد قال عليّ عليه السلام: لا تُردّ التي ليست بحُبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها» ...

و صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرجل يشتري الجارية الحُبلى فينكحها؟ قال: يردّها و يكسوها»

...هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات، و قد عمل بها المشهور، بل ادّعي على ظاهرها الإجماع في الغنية كما عن الانتصار ، و عدم الخلاف في السرائر...

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي...

أقول  ظاهر الأخبار المتقدّمة في بادئ النظر و إن كان ما ذكره المشهور، إلّا أنّ العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوهٍ :

أحدها: من حيث مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولى، حتّى تكون الجملة الخبريّة واردةً في مقام دفع توهّم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدّمة المانعة من ردّ الجارية بعد الوطء؛ إذ لو بقي الحمل على إطلاقه لم يستقم دعوى وقوع الجملة الخبريّة في مقام دفع توهّم الحظر؛ إذ لا منشأ لتوهّم حظر ردّ الحامل حتّى أُمّ الولد، فلا بدّ إمّا من التقييد، أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبريّة....

الخامس: ظهور هذه الأخبار في كون الردّ بعد تصرّف المشتري في الجارية بغير الوطء من نحو «اسقني ماءً» أو «أغلق الباب» و غيرهما ممّا قلّ أن تنفكّ عنه الجارية، و تقييدها بصورة عدم هذه التصرّفات تقييدٌ بالفرض النادر،

و إنّما دعي إلى هذا التقييد في غير هذه الأخبار ممّا دلّ على ردّ الجارية بعد مدّةٍ طويلة  الدليل الدالّ على اللزوم بالتصرّف  لكن لا داعي هنا لهذا التقييد، إذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولى لِتَسلم الأخبار عن جميع ذلك، و غاية الأمر تعارض‌ هذه الأخبار مع ما دلّ على منع الوطء عن الردّ بالعموم من وجهٍ، فيبقى ما عدا الوجه الثالث مرجِّحاً لتقييد هذه الأخبار...

و أمّا ما تقدّم ممّا دلّ على أنّه يردّ معها شيئاً ، فهو بإطلاقه خلاف الإجماع، فلا بدّ من جعله وارداً في مقام ثبوت أصل العُقر لا مقداره.

و أمّا ما دلّ على أنّه يكسوها ، فقد حمل على كسوةٍ تساوي العشر أو نصفه، و لا بأس به في مقام الجمع[12].

 ·      نجاست غساله

فتلخّص عن ذلك كلّه: أنّه لا دليل على لزوم عدم نجاسة الماء المطهّر حتّى من جهة ملاقاة المحلّ.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ التشبّث في المقام بقاعدة تنجّس كلّ متنجّس مع عدم تنجيس الغسالة لمحلّها لا وجه له أصلا.

ثمّ إنّ الدليل المذكور- بعد تسليم عمومه- معارض بأنّ الغسالة لو كانت طاهرة لجاز التطهير بها من الحدث، لأنّ التفكيك بينهما يوجب التقييد في إطلاق ما دلّ على جواز رفع الحدث بالماء الطاهر، خرج ماء الاستنجاء كما خرج حجره من الدليل المذكور. و حاصل المعارضة: أنّ هذا الماء جمع بين ما هو لازم للطهارة إلّا ما خرج- و هو تطهير المحلّ- و لازم للنجاسة‌ إلّا ما خرج- و هو عدم جواز رفع الحدث به ثانيا- فأدلة المتلازمتين متعارضة.

إلّا أن يقال- بعد تسليم عموم الدليل المذكور-: إنّه كما يعارض بالإطلاقات المذكورة، كذلك يعارض بأدلّة انفعال الماء القليل، و التعارض بين الكلّ بالعموم من وجه فيجب التوقّف و الرجوع إلى أصالة عدم الانفعال.

لكن يمكن منعه بأنّ ارتكاب التقييد في دليل واحد خصوصا مثل هذا الإطلاق الّذي لم يسلّم إلّا تنزّلا أولى من ارتكابه في الأدلّة المتعدّدة فلا يرجع إلى الأصل، مع إمكان أن يقال: إنّ المرجع بعد التوقّف هو ما استقرّ في أذهان المتشرّعة من انتقال النجاسة من المحلّ إلى الماء.

إلّا أن يدفع ذلك بأنّ هذا لأجل قياسهم النجاسة على القذارة الخارجية الّتي يستهلك في الماء و يتوزّع فيه، أمّا بعد اطّلاعهم على أنّ كلّ جزء من الماء يكتسب قذارة كقذارة المحلّ بعينها فيتحاشون عن انفعال الماء بالمحلّ و صيرورة كلّ قطرة من الماء كالرطوبة النجسة من البول أو الدم الّتي أريد إزالتها بالماء مع زوال النجاسة من المحلّ، كما يفهم ذلك لو قيل لهم: إنّ هذا الماء المنصبّ على المحلّ لإزالة ما به من رطوبة الوسخ الفلاني يصير كلّ جزء صغير منه متّصفا بوسخ تلك الرطوبة. فالأولى رفع اليد عن تصويرات العرف و قياسات الأمور الشرعية بأشباهها من الأمور الحسّية، و الرجوع إلى الأدلّة اللفظية الشرعية أو الأصول[13].


[1] الرسالة الأولى في الخلل الواقع في الصلاة؛ ص: ۲۸۸-۲۹۰

[2] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۲، ص: ۴۴۱-۴۴۲

[3] رسالة في الرضاع (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۳۷۱

[4] كتاب الصلاة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۱، ص: ۱۸۵-۱۸۶

[5] كتاب الصوم (للشيخ الأنصاري)، ص: ۲۶۰-۲۶۴

[6] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)، ج‌1، ص: ۲۶۷-۲۶۹

[7] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌3، ص: ۲۷۲-۲۷۷

[8] رسالة في المواريث (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۱۸۳-۱۸۵

[9] رسالة في المواريث (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۱۸۹-۱۹۲

[10] أحكام الخلل في الصلاة؛ ص: ۵۹-۶۱

[11] كتاب الصلاة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۳، ص: ۶۰-۶۱

[12] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري، ط - الحديثة)؛ ج‌۵، ص: ۲۹۳-۳۰۰

[13] كتاب الطهارة (للشيخ الأنصاري)؛ ج‌۱، ص: ۳۲۸-۳۲۹