پیوست شماره ١: کلام اصولیون متأخر در مورد قاعده اولیه تعارض
الف) التساقط
حضرات آیات و علماء اعلام
میرزای شیرازی
و أما مقتضاه في الطريقين المتعارضين فإنما هو تساقطهما و فرضهما كأن لم يكونا في خصوص مؤدى كل منهما، و الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما دون المخالف لكليهما.[1]
و كيف كان، فحاصل ما يقتضيه تدقيق النظر في تعارض الطريقين تساقطهما في مؤداهما و عدم كون واحد منهما حجة فعلية في إثبات مؤداه المطابقي فإنه لما علم بكذب أحدهما فلا يكون أحدهما حجة لذلك، و أحدهما و إن لم يعلم بكذبه إلا أنه لما لم يكن له مائز و يكون تعيينه في خصوص واحد منهما ترجيحا بلا مرجح فلا يكون هو- أيضا- حجة في مؤداه المطابقي فعلا، لكنه حجة في نفي الثالث، لفرض وجود المقتضي فيه، فلا بد من ترتيب مقتضاه عليه مع عدم المانع منه، و الذي ذكر إنما هو يمنع منه بالنسبة إلى مدلوله المطابقي دون الالتزامي.[2]
سید کاظم یزدی:
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: مقتضى القاعدة في المتعارضين أولا الترجيح بما يأتي من أحد الوجهين:
إمّا بأقوائيّة المناط في أحدهما، كأن يعلم أنّ المناط في جعل الخبر هو الظن النوعي و الكشف الغالبي، فإذا كان أحدهما أعدل راويا أو أصدق فهو أقوى في المناط، فيكون هو مصبّ دليل الحجيّة من أول الأمر، و يخرج الآخر؛ فإنّه في قباله كأنه معدوم، و لذا ترى أنّ المولى من أهل العرف إذا قال لعبده ارجع إلى أهل الخبرة، و اختلف اثنان، و كان أحدهما أخبر؛ يقدم قوله، و لا يتوقف من جهة وجود المعارض، بل لا يجعله معارضا، لكنّ هذا إذا كانت الأقوائيّة بمقدار يجعل الآخر في جنبه كالمعدوم.
و إمّا بتعدد الدليل في أحد الجانبين، كأن يكون من أحد الطرفين خبر واحد، و من الآخر أزيد؛ ...
و مع عدم الترجيح بأحد الوجهين، أو البناء على عدم الاعتبار بهما فالأصل التساقط، بمعنى عدم شمول الدليل، أو التساقط المصطلح أي إسقاط كل منهما الآخر.[3]
آقا ضیاء عراقی:
و على هذا، فيحصل التعارض بين الرأيين، و الأصل الأوّلى يقتضى التساقط، كما حرّر فى محلّه فى باب التعادل و الترجيح.[4]
شیخ محمدحسین اصفهانی
قوله: التعارض و إن كان لا يوجب إلا سقوط ... إلخ.
(1) لا يخفى عليك أن محتملات صورة التعارض- بناء على الطريقية- أمور:
منها حجية أحد المتعارضين بلا عنوان.
و منها حجية الموافق منهما للواقع.
و منها حجية كليهما معا.
و منها سقوطهما معا عن الحجية.
و حيث أن الحكم بسقوطهما مبني على بطلان سائر المحتملات فنقول:...
و حيث عرفت عدم صحة حجية أحدهما بلا عنوان، و عدم صحة حجية أحدهما المعين، و عدم صحة حجية كليهما، تعرف أن سقوط كليهما عن الحجية الفعلية هو المتعين من بين سائر المحتملات.
و مما ذكرنا تعرف- أيضا- أنه لا مجال لاحتمال التخيير، لا بمقتضى مقام الإثبات، لأن مفاد الدليل حجية أفراد العام تعيينا، و لا بمقتضى مقام الثبوت، لأن التخيير- بين الواقع و غيره- لا معنى له. و المصلحة الطريقية مصلحة الجعل، لا كمصلحة الواقع واجب التحصيل، و لا كمصلحة المؤدى- على الموضوعية- لازمة المراعاة.[5]
التساقط- الذي هو مقتضى الأصل الأولي في المتعارضين،-[6]
میرزای نائینی:
و أما إذا بنينا على الطريقية المحضة كما هو المختار عندنا فلا محالة يكون مقتضى القاعدة عند التعارض هو التساقط[7]
شیخ حسین حلی:
فالأولى صرف الكلام إلى القولين السابقين أعني أنّه هل الأصل هو التساقط أو الأصل هو التخيير؟
و الظاهر أنّه لا ريب في سقوط الثاني، إذ مع قطع النظر عن الروايات لا دليل عليه، نعم أقصى ما عندنا هو عدم إمكان الجمع في الدخول تحت دليل صدّق العادل، و لكن حيث كان إجراؤه في أحدهما المعيّن بلا دليل و كان ترجيحاً بلا مرجّح، كان إجراؤه في هذا مزاحماً و معارضاً باجرائه في ذلك، فتكون النتيجة هي التساقط فيما تعارضا، لكن مع الاحتفاظ بكون أحدهما لا مانع من كونه مشمولًا لدليل الحجّية لو كان هناك أثر يترتّب على حجّية أحدهما، كما لو اشتركا في نفي الثالث، بأن كان كلّ منهما مؤدّياً إلى خلاف ما يقتضيه الأصل الجاري في نفس المسألة، إذ يكفي في نفي الأصل المذكور قيام الحجّة في الجملة على خلافه و إن لم يكن لتلك الحجّة أثر في خصوص ما تعارضا فيه، بخلاف ما لو كان أحدهما مطابقاً لمقتضى الأصل، فإنّه لا مانع بعد تساقطهما من الرجوع إلى ذلك الأصل.
و من ذلك يتّضح الوجه في عدم تعارضهما فيما لو اشتركا في لازم واحد و لزوم ترتيب ذلك اللازم، و إن قلنا بكون الدلالة الالتزامية تابعة للمطابقة وجوداً و حجّيةً، لما عرفت من حجّية أحدهما في الجملة و إن لم يمكن الحكم بحجّيتهما معاً، و لعلّ هذا هو مراد المحقّق الخراساني قدس سره في حاشيته على الفرائد[8].
و من ذلك يظهر أنّه لا فرق في نفيهما الثالث بين كون التعارض بينهما ذاتياً، أو كونه عارضياً بواسطة الإجماع على عدم لزوم فريضتين في يوم واحد.
و لكن ذلك محلّ تأمّل و إشكال، إذ المدار في الحجّية على الوصول، و لا معنى لحجّية إحدى الروايتين، إذ لا وصول في البين، فلاحظ و تأمّل.[9]
سید محمد محقق داماد
اقول: و التحقيق الذي يساعده النظر الدقيق ان الاصل فى المتعارضين التساقط مطلقا و ان ملاك التساقط ليس الطريقية كما افاده، و ان ملاك الطريقية ليس اصابة الطريق للواقع و موافقته معه، بل الملاك غلبة اصابته له.[10]
سید محمد باقر صدر:
أما الحديث عن مقتضى الأصل الأولي في التعارض بين دليلين، فالأقوال
فيه ثلاثة: أحدها التساقط المطلق، و الثاني بقاء الحجية في الجملة، و الثالث التفصيل بنحو يأتي عن المحقق العراقي- قده-.
أما القول بالتساقط، فقد ذهب إليه المشهور. و توضيح برهانهم على ما أفاده السيد الأستاذ- دام ظله- أن إعمال دليل الحجية في المتعارضين يتصور بأحد أنحاء أربعة كلها باطلة، فلا يبقى الا التساقط.[11]...
تلخيص و استنتاج:
و هكذا يتبين أن مقتضى صناعة الأصل الأولي لو كان دليل الحجية العام لفظياً تعبدياً فيما إذا كان بين الدليلين تناف ذاتي بنحو التناقض بالمعنى المتقدم هو التساقط.
و فيما إذا كان بينهما تناف ذاتي بنحو التضاد هو الحجية في الجملة و التي من نتائجها نفي الثالث.
و فيما إذا كان التعارض بينهما عرضياً هو إعمال كلا الدليلين في مدلوليهما المطابقيين في خصوص ما إذا علم بصدق أحدهما و كانا إلزاميين.
هذا كله مع قطع النّظر عن الارتكازات العقلائية و تحكيمها على الدليل العام للحجية. و أما إذا حكمنا الارتكازات العقلائية التي تأبى التفكيك بين المداليل المطابقية و الالتزامية، فإذا فرض العلم بصدق أحد المفادين كان كفرضية التناقض التي حكمنا فيها بالتساقط، لجريان ما ذكرناه في ذلك القسم فيه حرفاً بحرف. و إذا فرض عدم العلم بصدق أحد المفادين بحيث احتملنا كذبهما معاً كان كفرضية التضاد التي أثبتنا فيها الحجية في الجملة بنفس البيان المتقدم أيضا.
و بما أن الصحيح في دليل الحجية العام أنه ليس دليلًا لفظياً تعبدياً فالمتعين هو التساقط المطلق في باب التعارض و عدم ثبوت الحجية التخييرية على مقتضى القاعدة الأولية، و إن شئت قلت: إن هذا النحو من الحجية لو لم يدع كونه على خلاف الارتكاز العقلائي في باب الحجية القائمة على أساس الطريقية و الكاشفية فلا أقل من أنه لا ارتكاز على وفاقه، فلا يمكن إثباته لا بأدلة الحجية اللبية و لا بالأدلة اللفظية، لأن الأدلة اللبية المتمثلة في السيرة العقلائية قد عرفت عدم اقتضائها هذا النحو من الحجية، و الأدلة اللفظية المتمثلة في بعض الآيات أو الروايات القطعية، بين ما لم يصرح فيه بكبرى الحجية و إنما قدرت الكبرى باعتبار مركوزيتها- كما في مثل قوله عليه السلام العمري و ابنه ثقتان فما أديا إليك فمعنى يؤديان- و المفروض عدم وفاء تلك الكبرى المركوزة لإثبات هذا النحو من الحجية، و بين ما صرح فيه بالكبرى و لكن في سياق إمضاء ما عليه البناء العقلائي، فلا يكون فيه إطلاق أوسع مما عليه السيرة العقلائية نفسها.
و من خلال مجموع ما ذكرناه اتضح الحال في القول الثاني، و هو القول ببقاء الحجية في الجملة في تمام موارد التعارض.[12]
سید ابوالقاسم خوئی
إذا عرفت ذلك فنقول: الأصل في المتعارضين التساقط و عدم الحجية[13]
سید تقی قمی:
فتحصل انه لو لم يكن دليل من الخارج على ترجيح احد المتعارضين على الآخر أو على التخيير كان مقتضى التعارض التساقط الا فيما يكون احد الدليلين قابلا لان يتصرف به في الآخر بالورود أو الحكومة[14].
شیخ جعفر سبحانی:
إذا قلنا بأنّ الخبر حجة لكونه طريقاً إلى كشف الواقع من دون أن يكون في العمل بالخبر هناك أي مصلحة سوى مصلحة درك الواقع، فما هو مقتضى حكم العقل؟
أقول: إنّ هنا صورتين:
الأُولى: فيما إذا لم يكن لدليل الحجّية إطلاق شامل لصورة التعارض، كما إذا كان دليل الحجية أمراً لبياً كالسيرة العقلائية أو الإجماع، فعندئذ يكون دليل الحجية قاصراً عن الشمول للمتعارضين، لأنّ الدليل اللبّي لا يتصوّر فيه الإطلاق فيؤخذ بالقدر المتيقّن و هو اختصاص الحجّية بما إذا كان الخبر غير معارض، فتكون النتيجة عدم الدليل على حجّية الخبرين المتعارضين و هو مساو لسقوطهما.
الثانية: إذا كان هناك إطلاق شامل لصورة التعارض، كما إذا كان دليل الحجّية أمراً لفظياً كآية النبأ و النفر، و قلنا بوجود الإطلاق فيهما الشامل لصورة المتعارضين، فيقع الكلام في مقتضى القاعدة الأوّلية.
إنّ مقتضى القاعدة الأوّلية هو التساقط،[15]
مکارم شیرازی:
فتلخّص من جميع ذلك أنّ الأصل في المتعارضين التساقط.[16]
[1] تقريرات آية الله المجدد الشيرازي ؛ ج۴ ؛ ص۲۱۸
[2] تقريرات آية الله المجدد الشيرازي ؛ ج4 ؛ ص۲۲۵
[3] التعارض ؛ ص۱۹۴-۱۹۵
[4] الاجتهاد و التقليد ؛ ص۳۹۵
[5] نهاية الدراية في شرح الكفاية ( طبع قديم ) ؛ ج3 ؛ ص۳۳۰-۳۳۳
[6] نهاية الدراية في شرح الكفاية ( طبع قديم ) ؛ ج۳ ؛ ص۳۵۱
[7] أجود التقريرات ؛ ج۲ ؛ ص۲۲۴
[8] ( 1) حاشية كتاب فرائد الأُصول: ۲۶۵- ۲۶۶.
[9] أصول الفقه ؛ ج۱۲ ؛ ص۱۲۲-۱۲۳
[10] المحاضرات ( مباحث اصول الفقه ) ؛ ج۳ ؛ ص۲۷۱
[11] بحوث في علم الأصول، ج۷، ص: ۲۳۶-۲۳۷
[12] بحوث في علم الأصول ؛ ج۷ ؛ ص۲۵۵-۲۵۶
[13] مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي ) ؛ ج۲ ؛ ص۴۴۰
[14] آراؤنا في أصول الفقه ؛ ج۳ ؛ ص۱۸۴
[15] إرشاد العقول الى مباحث الأصول ؛ ج۴ ؛ ص۳۵۸-۳۵۹
[16] انوار الأصول ؛ ج3 ؛ ص۴۷۰
ب) التوقف
میرزا حبیب الله رشتی:
أن حجّية الأخبار إما أن يكون من باب الطريقية المحضة أو يكون من باب السببيّة و الموضوعيّة أو يكون مرددا بينهما لإجمال دليل حجيّتهما من هذه الجهة فإن قلنا بالأوّل كان مقتضى الأصل التوقف و الرجوع إلى أصل الموافق دون التساقط رأسا أعني الرّجوع إلى الأصل مطلقا وافق أحدهما أو لم يوافق دون التخيير[1]
میرزا ابوطالب زنجانی:
و كيف كان فهل الاصل فى التّعادل التّخيير او التّساقط او التّوقف اقوال
المشهور الاوّل بل قيل انه لا خلاف فيه بين الاصحاب كما عن بعض و فى المعالم لا نعرف فيه خلافا بين الاصحاب و الكاظمىّ فى المحصول جعله المعهود بين الاماميّة و قال الشيخ فى الاستبصار و اذا لم يمكن العمل بواحد من الخيرين الّا بعد طرح الآخر جملة لتضادّهما و بعد التّاويل فيهما كان العامل ايضا مخيّرا فى العمل بايّهما شاء من جهة التّسليم و لا يكون العاملان بهما على هذا الوجه اذا اختلفا و عمل كلّ واحد منهما على خلاف ما عمل به الآخر مخطئا و لا متجاوزا حدّ الصّواب اذ روى عنهم عليهم السّلام انّهم قالوا اذا ورد عليكم حديثان و لا تجدون ما ترجحون به احدهما على الآخر ممّا ذكرناه كنتم مخيّرين فى العمل بهما و لانّه اذا ورد الخبران المتعارضان و ليس بين الطّائفة اجماع على صحّة احد الخبرين و لا على ابطال الخبر الآخر فكانّه اجماع على صحّة الخبرين و اذا كان اجماعا على صحّتهما كان العمل جائزا سائغا انتهى نعم ربّما يلوح المبادى القول بالتساقط و نسب الى النّهاية ايضا و هو اشتباه اذا المذكور فى المبادى عند التامل الحكم بالتّساقط فى خصوص المناسخة مع عدم قبول المدلول النّسخ
قال فاذا تعارض دليلان فان كانا عامين او خاصّين و كانا معلومين كان المتأخّر ناسخا ان قبل المدلول النّسخ اوّلا تساقطا و وجب الرّجوع الى غيرهما انتهى و هذا كما تراه قول فى المعلومات المباينة لا مطلقا ...
و ذهب جماعة من العامّة كما تقدّم و تبعهم بعض اصحابنا الى التّساقط و التماس دليل ثالث و استدلّ لهم بامرين...هذا كلّه بناء على اعتبار الامارات من باب السببيّة و اما لو اعتبرنا من جهة الطريقيّة كما هو المذهب فلا يقاس بتزاحم الواجبين بل يتّجه الحكم بالتّوقف لا لتقيّد اعتبار الطّريقيّة فى كلّ منهما بعدم معارضة الآخر بل من جهة تكافؤ الطّريقين و عدم وجود مزيّة فى احدهما على ما هو طريقة العقلاء فيرجع الى اصل لا يخالفهما و ان خالف احدهما مع اشكال فى الحكم لبقاء الجهل المحقّق لمجريه مع معارضة القاطع له بمثله كما هو المفروض مع قطع النّظر عن ادلة التّخيير الشّرعى و لو بنى على اعتبارهما فى قطعه فقط موافقا او مخالفا يبقى محلّ السّؤال فى الاقتصار بالاصل الموافق لاحدهما فهذان الكلامان منهم كالمتهافة [2]
شیخ عبدالکریم حائری:
اما الكلام في المقام الاول فيقع في مقامين ايضا: احدهما فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الاخبار الواردة في الباب، و الثاني فيما يقتضيه الاخبار.
اما الكلام في الخبرين المتكافئين على حسب ما يقتضيه القاعدة فمحصله ان حجية الخبر إمّا ان تكون من باب السببية، و امّا من باب الطريقية، فان قلنا بالثاني فمقتضى القاعدة التوقف فيما يختص كل من الخبرين به من المضمون و الاخذ بما يشتركان فيه، مثلا لو قام دليل على وجوب صلاة الظهر، و دليل آخر على وجوب صلاة الجمعة، فمقتضى القاعدة التوقف في الحكم الخاص المدلول لكل منهما بالخصوص و الحكم بثبوت احد المدلولين واقعا و فائدته نفي الثالث.
فهنا دعويان: احداهما لزوم التوقف في المدلول المختص لكل منهما، و الثانية لزوم الحكم باحد المدلولين اللازم منه نفي الثالث.[3]
شیخ محمد علی اراکی:
أمّا الكلام في الخبرين المتكافئين على حسب ما يقتضيه القاعدة فمحصّله أنّ حجيّة الخبر إمّا أن تكون من باب الطريقيّة، و إمّا من باب السببيّة، فإن قلنا بالأوّل فمقتضى القاعدة التوقّف في ما يختصّ به كلّ من الخبرين من المفاد و الأخذ بما يشتركان فيه، فلو قام أحدهما على وجوب الظهر و الآخر على وجوب الجمعة فمقتضى القاعدة التوقف في ما يختص به كل من الخبرين من المفاد الأخذ بما يشتركان فلو قام أحدهما على وجوب الظهر و الآخر على وجوب الجمعة فمقتضى القاعدة التوقّف في المدلول المختصّ بخصوص كلّ خبر، و الأخذ بثبوت أحد المدلولين واقعا، و فائدته نفي الثالث، فلو كان ثبوت الثالث مقتضى استصحاب يصير محكوما، و لو كان مفاد دليل يصير معارضا.[4]
سید محمد روحانی:
و على كل، فهل الوجه هو التساقط مطلقا، أو الاحتياط، أو التوقف؟
اما الاحتياط فلا أصل له الا رواية مخدوش في سندها و راويها حتى ممّن يتساهل في العمل بالأخبار- كصاحب الحدائق- و اما التوقف في العمل الّذي يرجع إلى الاحتياط بملاك أدلته المذكورة في مورد البراءة فكالأول، لاختصاص رواياتها بموارد ليس ما نحن فيه منها.
فالمتعين هو التوقف، بمعنى نفي الثالث، كما التزم بها الشيخ، لما تحقق في محله من عدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية في مثل ما نحن فيه، مما لم يعلم بانتفاء المدلول المطابقي واقعا بل يحتمل ثبوته، و حيث ان الدليلين متصادمان في دلالتهما الالتزامية عن الحجية لخروجهما عن مورد المعارضة، فكل من الدليلين ينفي الثالث بالالتزام. و منه يظهر منع الالتزام بالتساقط مطلقا.[5]
[1] بدائع الأفكار ؛ ص۴۱۷
[2] إيضاح السبل في الترجيح و التعادل ؛ ص۱۸-٢۴
[3] دررالفوائد ( طبع جديد ) ؛ ص۶۴۷
[4] أصول الفقه ؛ ج۲ ؛ ص۴۳۱-۴۳۲
[5] منتقى الأصول ؛ ج۷ ؛ ص۳۲۶
ج) التخییر
ملا علی ایروانی
فحسب ما بيناه يكون الأصل الأولي في المتعارضين هو التخيير، إلا أن يقال بالفرق بين المثال الذي كان إخراج أحدهما بالدليل اللفظي و بين المقام الذي يعلم أن الاثنين جميعا غير مشمول للزوم المحذور، و هو اعتبار معلوم الكذب في البين لا أن عنوان الواحد خارج؛ لوضوح أن عنوان الواحد لم يكن مشمولا حتى يكون خارجا سيما مع العلم بكذبه.[1]
سید صادق روحانی:
المبحث الثاني: فيما تقتضيه القاعدة في الخبرين المتعارضين، و انه التساقط كما هو المشهور، أو التخيير كما هو المختار [2]
[1] الأصول في علم الأصول ؛ ج۲ ؛ ص۴۳۷.
[2] زبدة الأصول ؛ ج۶ ؛ ص۲۸۳
د) تفصیل
سید حسین بروجردی
ان للتعارض بحسب المنشأ ثلاثة أقسام:
الأول ما كان منشؤه التنافي بين المدلولين ذاتا و عقلا بحيث يمتنع اجتماعهما و ثبوتهما معا باعتبار اتحاد موضوعهما مثل ما إذا كان أحد الدليلين دالا على وجوب شيء و الآخر دالا على حرمته أو على غير التحريم من الأحكام الأخر، و الحكم في ذلك القسم هو امتناع شمول الأدلة لهما معا ذاتا لا باعتبار امر خارجيا...
القسم الثاني ما كان منشأ التعارض امرا خارجيا مثل العلم الإجمالي بكذب أحدهما لا على التعيين، و ذلك انما يفرض في الموضوعين مثل ما إذا قام دليل على وجوب صلاة الجمعة و دليل آخر على وجوب الظهر مثلا، و علمنا إجمالا بكذب أحدهما، و الحكم في ذلك القسم عدم امتناع حجيتهما معا، مطلقا لا ذاتا و لا عرضا...
و القسم الثالث ما كان منشأ التعارض عدم إمكان اجتماعهما في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على الأخذ بهما، و الحكم فيه هو امتناع حجيتهما معا و امتناع تنجيزهما للتكليف فعلا بحيث يكون المكلف مستحقا للعقوبة على مخالفتهما عقلا، لأن التكليف انما يصير منجزا على المكلف فيما إذا كان امتثاله مقدورا، و المفروض عدم قدرته على الامتثال لهما معا فلا يمكن تنجزهما عليه عقلا...
إذا عرفت ذلك فاعلم ان مقتضى الأصل في القسم الأول هو التساقط، و في الثاني حجية كل واحد من المتعارضين، و في الثالث التساقط على وجه و حجية كل واحد منهما على وجه آخر و هو كون حجيتهما في الجملة، ففي الأول لا بد في مقام العمل من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل، و في الثاني لا بد من العمل على طبق المتعارضين، و في الثالث لا بد من العمل على طبق أحدهما على سبيل البدلية و التخيير ان لم يكن مرجح لأحدهما بالخصوص، و إلا يجب العمل على طبق الراجح.
و اما القول بأن الأصل في المتعارضين هو التخيير كما قال بعض، و المراد بالتخيير هنا حجية أحد المتعارضين على سبيل البدلية، فلا وجه له و كذلك القول بأن الأصل حجية عنوان أحدهما من غير تعيين كما قال به المصنف قدس سره، و ذلك لأن أدلة حجية الأمارة انما تدل على حجية كل فرد من اشخاص الأمارات تعيينا و ليس فيهما ما يدل على حجيتها تخييرا، و اما قول المصنف ففيه ان دليل الحجية انما يدل على حجية المصاديق الخارجية بأشخاصها و معلوم ان عنوان أحدهما ليس له وجود خارجي حتى يكون من المصاديق فلا تشمله أدلة الحجية فافهم.[1]
امام خمینی:
البحث الأوّل في مقتضى الأصل فيهما مع قطع النظر عن الأخبار
و الكلام فيه يقع تارة: على القول بالطريقيّة، و اخرى: على القول بالسببيّة.
أمّا على الأوّل: فإن قلنا بأنّ الدليل على حجّية الأخبار هو بناء العقلاء، و الأدلّة الاخر- من الكتاب و السنّة- إمضائيّة لا تأسيسيّة، و إنّما اتّكل الشارع في مقاصده على ما هو عند العقلاء؛ من العمل بخبر الثقة كما هو الحقّ، فمقتضى القاعدة هو التوقّف و سقوطهما عن الحجّية ...
و إن قلنا: بأنه الأدلة اللفظية، فلا تخلو إما أن تكون مهملة بالنسبة إلى حال التعارض، أو مطلقة بالإطلاق الذاتي، أو بالإطلاق اللحاظي على فرض صحته، أو مقيدة بعدم التعارض.
لا إشكال في عدم الحجية بناء على الاحتمال الأول و الرابع.
و أما بناء على الثالث، فالقاعدة تقتضي التخيير؛ لأن الإطلاق اللحاظي- على فرضه- كالتصريح بالاعتبار حال التعارض، و معه لا بد من القول بالتخيير، و إلا فإما أن يكون أمرا بالمحال و هو باطل، أو لغاية حصول التوقف و هو لغو، فلا بد من صون كلام الحكيم عنهما؛ بأن يقال: إنه أمر بالعمل حتى في مقام التعارض؛ لحفظ الواقع حتى الإمكان، و مقتضى ذلك- بدلالة الاقتضاء- التخيير، فكأنه صرح بالتخيير ابتداء...
و أما إذا كان لدليل الاعتبار إطلاق ذاتي كما هو أقوى الاحتمالات، فهل نتيجته التخيير أيضا؛ بأن يقال: إن التصرف في دليل الاعتبار يتقدر بقدره، فإذا دار الأمر بين رفع اليد عن دليل الاعتبار بالنسبة إلى حال التعارض مطلقا، حتى تصير النتيجة عدم حجية كلا المتعارضين، أو رفع اليد عن كل منهما حال الإتيان بالآخر، كان الثاني أولى، و نتيجته التخيير؟
أو النتيجة هي التوقف؟ بأن يقال: إن ما ذكر من تقييد الإطلاق حال الإتيان بالآخر، إنما هو في التكاليف النفسية، مثل قوله: «أنقذ الغريق» و كأدلة الاصول في أطراف العلم الإجمالي، حيث إن كل طرف مرخص فيه بما أنه عنوان المشكوك فيه، و في أطراف العلم دار الأمر بين رفع اليد عن كلا الترخيصين، أو ترخيص كل في حال الإتيان بالآخر.
و كذا الحال في مثل «أنقذ الغريق» حيث أن التكليف متوجه بإنقاذ كل منهما، و دار الأمر بين رفع اليد عنه في كليهما، و عن كل في حال الإتيان بالآخر، و الثاني أولى.
و أما إذا كان التكليف طريقيا، جعل لأجل كشف كل أمارة عن الواقع، و كانت كل أمارة مكذبة للاخرى، فلا معنى لذلك؛ فإن البناء على طريقية كل أمارة، و العمل بها على أنها هي الكاشفة عن الواقع في حال ترك الاخرى، مما لا محصل له.
نعم، لو كان إيجاب العمل بالخبر لمحض التعبد، و كان التكليف نفسيا مثل سائر النفسيات، كان لذلك الكلام وجه، لكنه كما ترى.
هذا مضافا إلى أن ما ذكر يرجع إلى أن الأمر إذا دار بين التخصيص و التقييد، كان الثاني أولى، و هو ممنوع في مثل ما نحن فيه، و سيأتي التعرض له عن قريب. هذا كله بناء على الطريقية كما هو الحق.[2]
[1] الحاشية على كفاية الأصول ؛ ج۲ ؛ ص۴۶۷-۴۷۲
[2] التعادل و الترجيح ؛ ص۱۰۹-۱۰۳