جهار) قرائات در کتب سید مرتضی
قرائات سبع
١.فتلقی آدم من ربه کلماتٍ/ کلماتٌ
و قد قرأ ابن كثير و أهل مكة و ابن عباس و مجاهد: فتلقى آدم من ربه[1] كلمات بالنصب و برفع «كلمات» و على هذه القراءة لا يكون معنى التلقي القبول، بل يكون المعنى أن الكلمات تداركته بالنجاة و الرحمة.[2]
٢.فیَقتلون و یُقتلون/ فیُقتلون و یَقتلون
فأما إخراج الخطاب مخرج ما يتوجه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء و الأجداد، و خطاب العشيرة بما يكون من أحدها؛ فيقول أحدهم: فعلت بنو تميم كذا، و قتل بنو فلان فلانا؛ و إن كان القاتل و الفاعل واحدا من بين الجماعة؛ و منه قراءة من قرأ: يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون[3]؛ بتقديم المفعولين على الفاعلين؛ و هو اختيار الكسائي و أبى العباس ثعلب؛ فيقتل بعضهم و يقتلون؛ و هو أبلغ في وصفهم، و أمدح لهم، لأنهم إذا قاتلوا و قتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم و قلة جزعهم و حسن صبرهم.[4]
٣. لیس البرَّ/ البرُّ ان تولوا وجوهکم
و قد اختلفت قراءة القراء السبعة في رفع الراء و نصبها من قوله تعالى: ليس البر، فقرأ حمزة و عاصم في رواية حفص «ليس البر» بنصب الراء، و روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب و الرفع، و قرأ الباقون البر بالرفع، و الوجهان جميعا حسنان، لأن كل واحد من الاسمين: إسم ليس و خبرها معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافأ في جواز كون أحدهما إسما و الآخر خبرا؛ كما تتكافأ النكرات.
و حجة من رفع «البر» أنه: لإن يكون «البر» الفاعل أولى؛ لأنه ليس يشبه الفعل، و كون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد، فإن الاسم يلي الفعل. و تقول: ضرب غلامه زيد، فيكون التقدير في الغلام التأخير، فلولا أن الفاعل أخص بهذا الموضع لم يجز هذا؛ كما لم يجز في الفاعل: ضرب غلامه زيدا، حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير؛ كما جاز في المفعول به، لوقوع الفاعل موقعه المختص به.
و حجة من نصب «البر» أن يقول: كون الاسم أن وصلتها أولى تشبيها بالمضمر في أنها لا توصف، كما لا يوصف المضمر؛ فكأنه اجتمع مضمر و مظهر؛ و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر[5].[6]
۴. لا تقربوهن حتی یَطْهُرن/یطّهّرن
و أيضا قوله عز و جل: و لا تقربوهن حتى يطهرن و لا شبهة في أن المراد بذلك إنقطاع الدم دون الاغتسال و جعله إنقطاع الدم غاية يقتضي أن ما بعده بخلافه.
و قد استقصينا الكلام في هذه المسألة في مسائل الخلاف، و بلغنا غايته و ذكرنا معارضتهم بالقراءة الأخرى في قوله جل ثناؤه: حتى يطهرن فإنها قرأت بالتشديد، فلا بد من أن يكون المراد بها الطهارة بالماء و أجبنا عنها[7].[8]
۵. و امسحوا برووسکم و ارجلَکم/ ارجلِکم
و من أقوى ما أبطل هذه الشبهة أن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤس كانت الرؤس بلا خلاف فرضها المسح الذي ليس بغسل على وجه من الوجوه فيجب أن يكون حكم الأرجل كذلك؛ لأن العطف مقتض للمسح و كيفيته، و قد بينا أيضا في مسائل الخلاف أن القرائة في الأرجل بالنصب لا تقدح في مذهبنا، و أنها توجب بظاهرها المسح في الرجلين، كايجاب القراءة بالجر بظاهرها؛ لأن موضع برؤسكم موضع نصب بايقاع الفعل و هو قوله تعالى: و امسحوا برؤسكم و إنما جرت الرؤس بالباء الزائدة، فإذا نصبنا الأرجل فعلى الموضع لا على اللفظ، و أمثلة ذلك في الكلام العربي أكثر من أن تحصى[9]
قال صاحب الكلام: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين المعول في ذلك أن من نصب قوله: و أرجلكم حمله على الغسل و عطفه على الأيدي، لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح، فحمل على النصب الذي يقتضيه قوله: فاغسلوا وجوهكم ليكون على لفظ ما في حكمه في الوجوب من الأيدي التي حملت على الغسل. و لم يجر كما جر من قرأ و أرجلكم لمخالفته في المعنى، فلذلك خالف بينهما في اللفظ.
الجواب: يقال له: يجب أن نبني المذاهب على الأدلة على الاحكام، فيجب أن نعتبر وجه دلالته، فنبني مذاهبنا عليها و يكون اعتقادنا موافقا.
فقولك «ان من نصب الأرجل حمله على الغسل و عطفه على الأيدي لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح» طريق، و لو لم يكن عند من ذكرت الغسل دون المسح بغير دلالته، و القرآن يوجب المسح دون الغسل.
و أول ما يجب إذا فرضنا ناظرا منا فلا يحكم بهذه الآية و ما يقتضيه من مسح أو غسل، يجب أن لا يكون عنده غسل و لا مسح، و لا يتضيق إليه أحدهما، بل ينظر فيما يقتضيه ظاهر الآية و إعرابها، فيبني على مقتضاها الغسل إن وافقه، أو المسح إن طابقه. و كلامك هذا يقتضي سبلا من الغسل و أنه حكم الآية حتى يثبت عليه إعراب الأرجل بالنصب، و هذا هو ضد الواجب.
و قد بينا في مسائل الخلاف أن القراءة بالجر أولى من القراءة بالنصب؛ لأنا إذا نصبنا الأرجل فلا بد من عامل في هذا النصب، فاما أن تكون معطوفة على الأيدي، أو يقدر لها عامل محذوفا، أو تكون معطوفة على موضع الجار و المجرور في قوله: «برءوسكم» و لا يجوز أن تكون معطوفة على الأيدي، لبعدها من عامل النصب في الأيدي؛ و لأن إعمال العامل الأقرب أولى من أعمال الأبعد.
و ذكرنا قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه قطرا و قوله: هاؤم اقرؤا كتابيه و قوله تعالى: و أنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداو ذكرنا ما هو أوضح من هذا كله، و هو أن القائل إذا قال: ضربت عبد الله، و أكرمت خالدا و بشرا، إن رد «بشرا» إلى حكم الجملة الماضية التي قد انقطع حكمها و وقع الخروج عنها لحن و خروج عن مقتضى اللغة، و قوله تعالى:فاغسلوا وجوهكم و أيديكم جملة مستقلة بنفسها، و قد انقطع حكمها بالتجاوز لها إلى جملة أخرى، و هو قوله: و امسحوا برؤسكم.
و لا يجوز أن تنصب الأرجل بمحذوف مقدر؛ لأنه لا فرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل، و بين أن تقدر محذوفا هو المسح، و لأن الحذف لا يصار إليه إلا عند الضرورة. و إذا استقل الكلام بنفسه من غير تقدير محذوف، لم يجز حمله على محذوف.
فأما حمل النصب على موضع الجار و المجرور، فهو جائز و شائع، إلا أنه موجب للمسح دون الغسل؛ لأن الرؤوس ممسوحة، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها، إلا أنه لما كان اعمال أقرب العاملين أولى و أكثر في القرآن و لغة العرب، وجب أن يكون جر الاية[10] حتى تكون معطوفة على لفظة الرؤوس أولى من نصبها و عطفها على موضع الجار و المجرور؛ لأنه أبعد قليلا، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بنصبها.
و مما يبين أن حمل حكم الأرجل على حكم الرؤوس في المسح أولى، أن القراءة بالجر يقتضي المسح و لا يحتمل سواه، فالواجب حمل القراءة بالنصب على ما يطابق معنى القراءة بالجر؛ لأن القراءتين المختلفتين تجريان مجرى آيتين في وجوب المطابقة بينهما، و هذا الوجه يرجح القراءة بالجر للأرجل على القراءة بالنصب لها.
ثم قال صاحب الكلام: فإن قال قائل: إنه إذا نصب فقال: «أرجلكم» جاز أيضا أن يكون محمولا على المسح، كما قال: «مررت بزيد و عمرا» فحملوا عمرا على موضع الجار و المجرور، حيث كانا في موضع نصب، فلم لا يقولون: إن الجر أحسن و إن المسح أولى من الغسل، لتجويز القراءتين جميعا بالمسح، و لأن من نصب فقال: و أرجلكم يجوز في قوله أن يريد المسح فيها نصب للحمل على الموضع. و الذي يجر أرجلكم لا يكون إلا على المسح دون الغسل، و كيف لم يقولوا: إن المسح أو[11] الغسل، لجوازه في القراءتين جميعا، و انفراد الجر في قوله: و أرجلكم بالمسح من غير أن يحتمل غيره.
و القول[12] في ذلك: أن حمل نصب «أرجلكم» على موضع الجار و المجرور في الآية لا يستقيم، لمخالفته ما عليه بغير النبي[13] بل في هذا النحو؛ و ذلك أنا وجدنا في التنزيل العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على العامل الثاني الأقرب إلى المعمول فيه دون الأبعد، و ذلك في نحو قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا[14]، حمل على العامل الثاني الأقرب الذي هو أفرغ دون الأول الذي هو آتوني و لو حمل على الأول لكان آتوني أفرغه عليه قطرا، أي آتوني قطرا أفرغ عليه؛ [15]
۶. و عَبَد الطاغوت/ و عَبُد الطاغوت
و قال قوم: يجوز أن يعطف و عبد الطاغوت على الهاء و الميم في «منهم»؛ فكأنه تعالى جعل منهم، و من عبد الطاغوت القردة و الخنازير؛ و قد يحذف «من» في الكلام؛ قال الشاعر:
أمن يهجو رسول الله منكم و يمدحه و ينصره سواء[16]
اراد: و من يمدحه و ينصره.
فإن قيل: فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح، أين أنتم عن قراءة من قرأ «و عبد» بفتح العين و ضم الباء، و كسر التاء من «الطاغوت»، و من قرأ «عبد الطاغوت[17]» بضم العين و الباء، و من قرأ: «و عبد الطاغوت» بضم العين و التشديد، و من قرأ: «و عباد الطاغوت»!.
قلنا: المختار من هذه القراءة عند أهل العربية كلهم القراءة بالفتح، و عليها جميع القراء السبعة؛ إلا حمزة فإنه قرأ؛ «عبد» بفتح العين و ضم الباء، و باقي القراءات شاذة غير مأخوذ بها.
... و قال أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي محتجا لقراءة حمزة: ليس «و عبد» لفظ جمع؛ ألا ترى أنه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء! و لكنه واحد يراد به الكثرة؛ ألا ترى أن في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد و معناه الجمع، كقوله تعالى: و إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها[18]، و كذلك قوله: «و عبد الطاغوت» جاء على «فعل» لأن هذا البناء يراد به الكثرة و المبالغة؛ و ذلك نحو «يقظ و ندس»؛ فهذا كأن تقديره أنه قد ذهب في عبادة الشيطان و التذلل له كل مذهب.
قال: و جاء على هذا لأن «عبد» في الأصل صفة، و إن كان قد استعمل استعمال الأسماء، و استعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة؛ ألا ترى أن «الأبرق و الأبطح»[19] و إن كان قد استعملا استعمال الأسماء حتى كسرا هذا النحو عندهم من التكسير في قولهم: «أبارق و أباطح»؛ فلم يزل عنه حكم الصفة، يدلك على ذلك تركهم صرفه، كتركهم صرف «أحمر» و لم يجعلوا ذلك كأفكل و أيدع[20]؛ و كذلك «عبد» و إن كان قد استعمل استعمال الأسماء فلم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة، و إذا لم يخرج عن أن يكون صفة لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على «فعل».
و هذا كلام مفيد في الاحتجاج لحمزة؛ فإذا صحت قراءة حمزة و عادلت قراءة الباقين المختارة، و صح أيضا سائر ما روي من القراءات التي حكاها السائل كان الوجه الأول الذي ذكرناه في الآية يزيل الشبهة فيها.
و يمكن في الآية وجه آخر على جميع القراءات المختلفة «في عبد الطاغوت»: و هو أن يكون المراد بجعل منهم عبد الطاغوت؛ أي نسبه إليهم، و شهد عليه بكونه من جملتهم. و ل «جعل» مواضع قد تكون بمعنى الخلق و الفعل؛ كقوله: و جعل الظلمات و النور[21]؛ و كقوله: و جعل لكم من الجبال أكنانا[22] و هي هاهنا تتعدى إلى مفعول واحد؛ و قد تكون أيضا بمعنى التسمية و الشهادة؛ كقوله تعالى: و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا[23]؛ و كقول القائل: جعلت البصرة بغداد، و جعلتني كافرا، و جعلت حسني قبيحا؛ و ما أشبه ذلك؛ فهي هاهنا تتعدى إلى مفعولين.[24]
٧. فانهم لا یکذّبونک/ یُکْذبونک
- قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام: 33].
[إن سأل سائل] فقال: كيف يخبر عنهم بأنهم لا يكذبون نبيه صلى الله عليه و آله و سلم، و معلوم منهم إظهار التكذيب، و العدول عن الاستجابة و التصديق، و كيف ينفي عنهم التكذيب ثم يقول: إنهم بآيات الله يجحدون؟ و هل الجحد بآيات الله إلا تكذيب نبيه صلى الله عليه و آله و سلم!.
الجواب: قلنا: قد ذكر في هذه الآية وجوه:...
و الوجه الثاني: أن يكون معنى فإنهم لا يكذبونك أي لا يفعلون ذلك بحجة، و لا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان؛ و إنما يقتصرون على الدعوى الباطلة؛ و هذا في الاستعمال معروف؛ لأن القائل يقول: فلان لا يستطيع أن يكذبني و لا يدفع قولي؛ و إنما يريد أنه لا يتمكن من إقامة دليل على كذبه، و من حجة على دفع قوله؛ و إن كان يتمكن من التكذيب بلسانه و قلبه، فيصير ما يقع من التكذيب من غير حجة و لا برهان غير معتد به.
و روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قرأ هذه الآية بالتخفيف: فإنهم لا يكذبونك، و يقول: أن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.و قال محمد بن كعب القرظي: معناها لا يبطلون ما في يديك؛ و كل ذلك يقوي هذا الوجه؛ و سنبين أن معنى هذه اللفظة مشددة ترجع إلى معناها مخففة.
و الوجه الثالث: أن يكون معنى الآية أنهم لا يصادفونك و لا يلفونك متقولا؛...
و ليس لأحد أن يجعل هذا الوجه مختصا بالقراءة بالتخفيف دون التشديد؛ لأن في الوجهين معا يمكن هذا الجواب، لأن «أفعلت» و «فعلت» يجوزان في هذا الموضع، و «أفعلت» هو الأصل ثم شدد تأكيدا و إفادة لمعنى التكرار؛ و هذا مثل أكرمت و كرمت، و أعظمت و عظمت، و أوصيت و وصيت، و أبلغت و بلغت؛ و هو كثير قال الله تعالى: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا[25]؛ إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه؛ لأن استعمال هذه اللفظة مخففة في هذا المعنى أكثر.
و الوجه الرابع: ما حكى الكسائي من قوله: إن المراد أنهم لا ينسبونك إلى الكذب فيما أثبت به؛ لأنه كان أمينا صادقا لم يجربوا عليه كذبا؛ و إنما كانوا يدفعون ما أتى به، و يدعون أنه في نفسه كذب؛ و في الناس من يقوي هذا الوجه، و أن القوم كانوا يكذبون ما أتى به، و إن كانوا يصدقونه في نفسه بقوله تعالى:و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون و بقوله تعالى: و كذب به قومك و هو الحق و لم يقل: و كذبك قومك. و كان الكسائي يقرأ: فإنهم لا يكذبونك بالتخفيف و نافع من بين سائر السبعة، و الباقون على التشديد؛ و يزعم أن بين أكذبه و كذبه فرقا، و أن معنى أكذب الرجل، أنه جاء بكذب، و معنى كذبته أنه كذاب في كل حديثه. و هذا غلط و ليس بين «فعلت» و «أفعلت» في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر مما ذكرناه من أن التشديد يقتضي التكرار و التأكيد، و مع هذا لا يجوز أن يصدقوه في نفسه، و يكذبوا بما أتى به؛ لأن من المعلوم أنه عليه السلام كان يشهد بصحة ما أتى به و صدقه، و أنه الدين القيم، و الحق الذي لا يجوز العدول عنه؛ و كيف يجوز أن يكون صادقا في خبره و كان الذي أتى به فاسدا! بل إن كان صادقا فالذي أتى به حق صحيح، و إن كان الذي أتى به فاسدا؛ فلا بد من أن يكون في شيء من ذلك كاذبا؛ و هو تأويل من لا يتحقق المعاني[26].[27]
٨. و من کان فی هذه اعمَی/ اعمِی
و قد اختلف القراء في فتح الميم و كسرها من قوله تعالى: و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى[28]، فقرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و أبو عمرو بفتح الميمين معا، و قرأ عاصم في رواية أبي بكر و حمزة و الكسائي بكسر الميم فيهما معا، و في رواية حفص عن عاصم: لا يكسرهما، و كسر أبو عمرو الأولى و فتح الأخيرة؛ و لكل وجه، أما من ترك إمالة الجميع؛ فإن قوله حسن، لأن كثيرا من العرب لا يميلون هذه الفتحة، و أما من أمال الجميع فوجه قوله أن ينحو بالألف نحو الياء، ليعلم أنها تنقلب إلى الياء، و أما قراءة أبي عمرو بإمالة الأولى و فتح الثانية فوجه قوله أنه جعل الثانية أفعل من كذا مثل أفضل من فلان، و إذا جعلها كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة؛ لأن آخرها إنما هو من كذا و إنما تحسن الإمالة في الأواخر، و قد حذف من «أفعل» الذي هو للتفضيل الجار و المجرور جميعا، و هما مرادان في المعنى مع الحذف، و ذلك نحو قوله تعالى: فإنه يعلم السر و أخفى[29]؛ المعنى و أخفى من السر، فكذلك قوله تعالى: فهو في الآخرة أعمى، أي أعمى منه في الدنيا، أو أعمى من غيره، و يقوي هذه الطريقة ما عطف عليه من قوله تعالى: و أضل سبيلا، فكما أن هذه لا يكون إلا على «أفعل من كذا» كذلك المعطوف عليه[30].[31]
٩. یَذهَبُ بالابصار/ یُذهِب بالابصار
فأما قوله: يذهب بالأبصار[32] و قد قرىء «يذهب» بضم الياء؛ فالمراد به أن البرق من شدة ضوئه يكاد يذهب بالعيون؛ لأن النظر إلى ماله شعاع شديد يضر بالعين؛ كعين الشمس و ما أشبهها؛ و القراءة بفتح الهاء أجود مع دخول الباء؛ تقول العرب: ذهبت بالشيء؛ فإذا أدخلوا الألف أسقطوا الباء فقالوا: أذهبت الشيء؛ بغير بإء.[33]
١٠. بای ذنبٍ قتِلتْ/ قتِّلت
و روي عن أبي جعفر المدني: بأي ذنب قتلت بالتشديد و إسكان التاء الثانية[34].
[1] بقره/ ٣٧
[2] نفائس التأويل، ج1،ص ۴۱۲
[3] سورة التوبة، الآية: ۱۱۱
[4] نفائس التأويل ج1 ۴۳۷
[5] ( 1) الأمالي، 1: ۲۰۷.
[6] نفائس التأويل ج1، ص ۴٧٨-۴٧٩
[7] ( 2) الانتصار: 34، و راجع أيضا الرسائل: 1/ ۱۳۵.
[8] نفائس التأويل ج۱ ۵۲۵
[9] نفائس التأويل ج۲ ۱۱۸
[10] ( 1) في الهامش: الارجل.
[11] ( 1) لعله: أولى من.
[12] ( ۲) ظ: فالقول.
[13] ( ۳) كذا في المطبوعة و لعله: بغير دليل.
[14] ( ۴) سورة الكهف، الآية: ۹۶.
[15] نفائس التأويل، ج۲، ص ۱۲۳-١٢۶
[16] ( 1) البيت لحسان، ديوانه: ۹۰، و روايته:« فمن يهجو.».
[17] سورة المائده، آیه ۶۰
[18] ( 1) سورة إبراهيم، الآية: ۳۴.
[19] ( ۲) الأبرق: أرض فيها حجارة سود و بيض، و الأبطح: الأرض المنبطحة.
[20] ( ۱) الأفكل: الرعدة، و الأيدع: صبغ أحمر؛ و هو المسمى دم الأخوين.
[21] ( 2) سورة الأنعام، الآية: ۱.
[22] ( 3) سورة النحل، الآية: ۸۱.
[23] ( ۴) سورة الزخرف، الآية: ۱۹.
[24] نفائس التأويل، ج۲ ، ص ۱۸۲-١٨۴
[25] ( ۲) سورة الطارق، الآية: ۱۷.
[26] ( ۱) الأمالي، ۲: ۲۲۸.
[27] نفائس التأويل، ج۲، ص ۲۶۲-٢۶۶
[28] سوره الاسراء، آیه ٧٢
[29] (۱) سورة طه، الآية:۷.
[30] ( ۲) الأمالي،۱: ۱۰۸.
[31] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴٩-۵٠
[32] سوره النور، آیه ۴٣
[33] نفائس التأويل، ج۳، ص: ۱۴۸
[34] نفائس التأويل، ج۳، ص: ۴۴۴
قراءات عشر
١. رب السِّجن/رب السَّجن
- قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه [يوسف: 33].
[فان قيل: كيف يجوز أن يقول يوسف هذا] و نحن نعلم أن سجنهم له معصية و محنة، كما أن ما دعوه إليه معصية، و محبة المعصية عندكم لا تكون إلا قبيحة. [و هو في القبح يجرى مجرى ما دعى إليه من الزنا]
الجواب: قلنا: في تأويل هذه الآية جوابان:
أحدهما: ...
و الوجه الآخر: أنه أراد أن توطيني نفسي و تصبيري لها على السجن أحب إلي من مواقعة المعصية.
فإن قيل: هذا خلاف الظاهر لأنه مطلق و قد أضمرتم فيه.
قلنا: لا بد من مخالفة الظاهر؛ لأن السجن نفسه لا يجوز أن يكون مرادا ليوسف عليه السلام و كيف يريده و إنما السجن البنيان المخصوص، [و إنما يريد الفعل فيها، و المتعلق بها؛ و السجن نفسه ليس بطاعة و لا معصية و إنما الأفعال فيه قد تكون طاعات و معاصي بحسب الوجوه التي يقع عليها، و إدخال القوم يوسف الحبس، أو اكراههم له على دخوله معصية منهم، و كونه فيه و صبره على ملازمته، و المشاق التي تناله باستيطانه كان طاعة منه و قربة و قد علمنا ان ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع، و ترك التصرف في غيره لكان فعل المكره حسنا و ان كان فعل المكره قبيحا][1].
و إنما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه، إذا قرئ: رب السجن «بفتح السين» و إن كانت هذه القراءة أيضا محتملة للمعنى الذي ذكرناه، فكأنه أراد أن سجني نفسي عن المعصية أحب إلي من مواقعتها، فرجع معنى السجن إلى فعله دون افعالهم، و إذا كان الأمر على ما ذكرناه، فليس للمخالف أن يضمر في الكلام ان كوني في السجن و جلوسي فيه أحب إلي، بأولى ممن أضمر ما ذكرنا؛ لأن كلا الأمرين يعود إلى السجن و يتعلق به.[2]
٢. فکُّ رقبهٍ او اطعام /فکَّ رقبهً او اطعم
و قد اختلف الناس في قراءة: فك رقبة، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام، و مجاهد، و أهل مكة، و الحسن، و أبو رجاء العطاردي، و أبو عمرو، و الكسائي:فك رقبة بفتح الكاف و نصب الرقبة، و قرؤوا «أو أطعم» على الفعل دون الاسم. و قرأ أهل المدينة، و أهل الشام، و عاصم، و حمزة، و يحيى بن وثاب، و يعقوب الحضرمي: فك بضم الكاف و بخفض رقبة أو إطعام على المصدر و تنوين الميم و ضمها.
فمن قرأ على الاسم ذهب إلى أن جواب الاسم بالاسم أكثر في كلام العرب، و أحسن من جوابه بالفعل، ألا ترى أن المعنى: ما أدراك ما اقتحام العقبة! هو فك رقبة، أو إطعام؛ و ذلك أحسن من أن يقال: هو فك رقبة، أو أطعم.
و مال الفراء إلى القراءة بلفظ الفعل، و رجحها بقوله تعالى: ثم كان من الذين آمنوا، لأنه فعل؛ و الأولى أن يتبع فعلا. و ليس يمتنع أن يفسر اقتحام العقبة- و إن كان اسما- بفعل يدل على الاسم؛ و هذا مثل قول القائل: ما أدراك ما زيد؟ يقول- مفسرا-: يصنع الخير، و يفعل المعروف، و ما أشبه ذلك، فيأتي بالأفعال.
و السغب: الجوع؛ و إنما أراد أنه يطعم في يوم ذي مجاعة؛ لأن الإطعام فيه أفضل و أكرم. [3]
[1] ( ۲) ما بين المعقوفتين من الأمالي، ۱: ۴۶۴.
[2] نفائس التأويل، ج۲، ص ٢٧٨-۴۷۹
[3] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴۶١-۴۶٢
قرائات شاذه در کتب سید مرتضی
۱. ثم عرضهم علی الملائکه
فأما قوله تعالى: ثم عرضهم على الملائكة [البقره/٣١] فلا يليق إلا بالمسميات دون الأسماء؛ لأن هذه الكنايات لا تليق بالأسماء و إنما تليق بالعقلاء من أصحاب الأسماء أو العقلاء إذا انضم إليهم غيرهم مما لا يعقل على سبيل التغليب لما يعقل، كما يغلب المذكر على المؤنث إذا اجتمعوا في الكناية، كما يقول القائل: أصحابك و امائك جاؤوني، و لا يقال: جائني.
و مما يشهد للتغليب قوله تعالى: و الله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء
و قيل: إن في قراءة أبي: «ثم عرضها» و في قراءة عبد الله بن مسعود: «ثم عرضهن» و على هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء.[1]
٢. و ما انزل علی الملَکین/ المِلکین ببابل
و قد روى هذا التأويل الأخير في حمل «و ما» على النفي عن ابن عباس و غيره من المفسرين.
و روي عنه أيضا أنه كان يقرأ: و ما أنزل على الملكين بكسر اللام، و يقول: متى كان العلجان ملكين! بل كانا ملكين؛ [و على هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله: و ما يعلمان من أحد إليهما].
و يمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر و إن لم يحمل قوله: و ما أنزل على الملكين على الجحد و النفي: و هو أن يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين و تدعيه على ملك سليمان، و اتبعوا ما أنزل على هذين الملكين من السحر، و لا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى، و إن أطلق؛ لأنه جل و عز لا ينزل السحر؛ بل يكون منزله إليهما بعض الضلال العصاة، و يكون معنى «أنزل»- و إن كان من الأرض- حمل إليهما لا من السماء أنه أتي به من نجود الأرض و أعاليها؛ فإن من هبط من نجد البلاد إلى غورها يقال: نزل و هبط، و ما جرى هذا المجرى. [2]
٣. و عَبَد الطاغوت/ و عُبْدُ الطاغوت…
و قال قوم: يجوز أن يعطف و عبد الطاغوت على الهاء و الميم في «منهم»؛ فكأنه تعالى جعل منهم، و من عبد الطاغوت القردة و الخنازير؛ و قد يحذف «من» في الكلام؛ قال الشاعر:
أمن يهجو رسول الله منكم و يمدحه و ينصره سواء[3]
اراد: و من يمدحه و ينصره.
فإن قيل: فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح، أين أنتم عن قراءة من قرأ «و عبد» بفتح العين و ضم الباء، و كسر التاء من «الطاغوت»، و من قرأ «عبد الطاغوت» بضم العين و الباء، و من قرأ: «و عبد الطاغوت» بضم العين و التشديد، و من قرأ: «و عباد الطاغوت»!.
قلنا: المختار من هذه القراءة عند أهل العربية كلهم القراءة بالفتح، و عليها جميع القراء السبعة؛ إلا حمزة فإنه قرأ؛ «عبد» بفتح العين و ضم الباء، و باقي القراءات شاذة غير مأخوذ بها.
قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه في معاني القرآن: و عبد الطاغوت نسق على «من لعنه الله» قال: و قد قرئت «عبد الطاغوت»؛ «و عبد الطاغوت» و الذي اختاره «و عبد الطاغوت».
و روي عن ابن مسعود رحمه الله: «و عبدوا الطاغوت» فهذا يقوي:«و عبد الطاغوت» قال: و من قرأ «و عبد الطاغوت» بضم الباء و خفض الطاغوت فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين:
أحدهما: أن «عبد» على وزن «فعل»، و ليس هذا من أمثلة الجمع؛ لأنهم فسروه خدم الطاغوت.
و الثاني: أن يكون محمولا على و جعل منهم عبدا للطاغوت ثم خرج لمن قرأ «و عبد» أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان. و هذا كلام الزجاج[4].
۴. انما ولیکم/ مولیکم الله و رسوله
و قال الفراء في كتاب «معاني القرآن»: الولي و المولى في كلام العرب واحد، و في قراءة عبد الله بن مسعود: «إنما موليكم الله و رسوله» مكان «وليكم».[5]
۵.انه عملٌ غیرصالح/ انه عمِلَ غیرَ صالح
فأما قوله تعالى: إنه عمل غير صالح[6] فالقراءة المشهورة بالرفع، و قد روي عن جماعة من المتقدمين[7] أنهم قرؤوا: إنه عمل غير صالح بنصب اللام و كسر الميم و نصب «غير» و لكل وجه.
فأما الوجه في الرفع فيكون على تقدير أن ابنك ذو عمل غير صالح؛ و صاحب عمل غير صالح؛ فحذف المضاف، و أقام المضاف إليه مقامه؛ و قد استشهد على ذلك بقول الخنساء:
ما أم سقب علي بو تطيف به قد ساعدتها على التحنان أظآر
ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت فإنما هي إقبال و إدبار
أرادت إنما هي ذات إقبال و إدبار.
و قال قوم: إن المعنى أصل ابنك هذا الذي ولد على فراشك و ليس بابنك على الحقيقة [عمل غير صالح، يعني الخيانة من امرأته، و هذا جواب من ذهب إلى أنه لم يكن ابنه على الحقيقة] و الذي اخترناه خلاف ذلك.
و قال آخرون إن إلهاء في قوله: إنه عمل غير صالح راجعة إلى السؤال؛ و المعنى: إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح لأنه قد وقع من نوح دليل السؤال و الرغبة في قوله: إن ابني من أهلي و إن وعدك الحق و معنى ذلك نجه كما نجيتهم، و من يجيب بهذا الجواب يقول: إن ذلك صغيرة من النبي؛ لأن الصغائر تجوز عليهم، و من يمنع أن يقع من الأنبياء شيء من القبائح يدفع هذا الجواب؛ و لا يجعل الهاء راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، و يكون تقدير الكلام ما تقدم.[8]
۶. فصبر جمیل/ فصبراً جمیلاً
و أما وصف الصبر بأنه جميل، فلأن الصبر قد يكون جميلا و غير جميل، و إنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله، و فعل للوجه الذي وجب، فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صح وصفه بذلك. و قد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه و لا جزع، و لو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى و الجزع له. و أما ارتفاع قوله: فصبر جميل[9] فقد قيل إن المعنى: و شأني صبر جميل، أو الذي أعتقده صبر جميل. و قال قطرب: معناه فصبري صبر جميل؛ …
و قد روي أن في قراءة أبي «فصبر جميلا» بالنصب، و ذلك يكون على الإغراء، و المعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا[10]
٧. امرنا/ امّرنا/ آمرنا مترفیها
فأما قراءة من قرأ الآية[11] بالتشديد فقال: «أمرنا»[12]، و قراءة من قرأها بالمد و التخفيف فقال: «آمرنا»[13] فلن يخرج معنى قراءتيهما عن الوجوه التي ذكرناها[14]؛ إلا الوجه الأول؛ فإن معناه لا يليق إلا بأن يكون ما تضمنته الآية هو الأمر الذي يستدعي به إلى الفعل[15].[16]
٨. اکاد اُخفیها/ اَخفیها
و روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: أكاد أخفيها[17]، [بفتح الألف] فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل
أراد أنه يظهر التراب و يستخرجه بأظلافه، و قال امرؤ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه و إن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي لا نظهره؛ و قال النابغة:
تخفي بأظلافها حتى إذا بلغت يبس الكثيب تداعى الترب فانهدما
و قد روى أهل العربية: أخفيت الشيء يعني سترته، و أخفيته بمعنى أظهرته، و كأن القراءة بالضم تحتمل الأمرين: الإظهار و الستر، و القراءة بالفتح لا تحتمل غير الإظهار؛ و إذا كانت بمعنى الإظهار كان الكلام في «كاد» و احتمالها للوجوه الثلاثة التي ذكرناها كالكلام فيها إذا كانت بمعنى الستر و التغطية.[18]
٩. اذا المووده/ المودّه سُئلت/ سَئلت * بای ذنب قُتِلَت/ قتِلْت
و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ و ابن عباس، و يحيى بن يعمر، و مجاهد، و مسلم بن صبيح، و أبي الضحى؛ و مروان، و أبي صالح، و جابر بن زيد أنهم قرؤوا «سَاَلتْ» بفتح السين و الهمزة و إسكان التاء بأي ذنب قُتِلْتُ باسكان اللام و ضم التاء الثانية؛ على أن المؤودة موصوفة بالسؤال، و بالقول بأي ذنب قتلت.
و روى القطعي عن سليمان الأعمش عن حفص عن عاصم: قتلتُ بضم التاء الثانية، و في «سُئلَتْ» مثل قراءة الجمهور بضم السين.
و روي عن أبي جعفر المدني: بأي ذنب قتلت بالتشديد و إسكان التاء الثانية.
و روي عن بعضهم: سئلت بفتح الميم و الواو.
فأما من قرأ «سألت» بفتح السين؛ فيمكن فيه الوجهان اللذان ذكرناهما؛ من أن الله تعالى أكملها في تلك الحال، و أقدرها على النطق.
و الوجه الآخر: أن يكون معنى «سألت» أي سئل لها و طولب بحقها و انتصف لها من ظالمها؛ فكأنها هي السائلة تجوزا و اتساعا. و من قرأ بفتح
السين من «سألت» و يضم التاء الثانية من قتلت فعلى أنها هي المخاطبة بذلك.
و يجوز في هذا الوجه أيضا «قتلت» بإسكان التاء الأخيرة كقراءة الجماعة؛ لأنه إخبار عنها، كما يقال: سأل زيد: بأي ذنب ضرب؛ و بأي ذنب ضربت.
و يقوي هذه القراءة في «سألت» ما روي عن النبي صلى الله عليه و اله و سلم من قوله: «يجيء المقتول ظلما يوم القيامة و أوداجه تشخب دما، اللون لون الدم، و الريح ريح المسك، متعلقا بقاتله يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني».
فأما القراءة المأثورة عن حفص عن عاصم في ضم التاء الأخيرة من «قتلت» مع ضم السين سئلت فمعناها و إذا الموؤدة سئلت: ما تبغي؟ فقالت: بأي ذنب قتلت فأضمر قولها. و العرب قد تضمر مثل هذا لدلالة الخطاب عليه، و ارتفاع الإشكال عنه؛ مثل قوله تعالى: و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ربنا تقبل منا[19]؛ أي و يقولان ذلك؛ و نظائره في القرآن كثيرة جدا.
فأما قراءة من قرأ: قتلت بالتشديد فالمراد به تكرار الفعل بالموؤدة هاهنا، و إن كان لفظها لفظ واحدة فالمراد به الجنس، و إرادة التكرار جائزة.
فأما من قرأ الموؤدة بفتح الميم و الواو، فعلى أن المراد الرحم و القرابة، و أنه يسأل عن سبب قطعها و تضييعها، قال الله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم[20].[21]
١٠. فکُّ رقبهٍ او اطعام /فکَّ رقبهً او اطعم
و قد اختلف الناس في قراءة: فك رقبة، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام، و مجاهد، و أهل مكة، و الحسن، و أبو رجاء العطاردي، و أبو عمرو، و الكسائي:فك رقبة بفتح الكاف و نصب الرقبة، و قرؤوا «أو أطعم» على الفعل دون الاسم. و قرأ أهل المدينة، و أهل الشام، و عاصم، و حمزة، و يحيى بن وثاب، و يعقوب الحضرمي: فك بضم الكاف و بخفض رقبة أو إطعام على المصدر و تنوين الميم و ضمها.
فمن قرأ على الاسم ذهب إلى أن جواب الاسم بالاسم أكثر في كلام العرب، و أحسن من جوابه بالفعل، ألا ترى أن المعنى: ما أدراك ما اقتحام العقبة! هو فك رقبة، أو إطعام؛ و ذلك أحسن من أن يقال: هو فك رقبة، أو أطعم.
و مال الفراء إلى القراءة بلفظ الفعل، و رجحها بقوله تعالى: ثم كان من الذين آمنوا، لأنه فعل؛ و الأولى أن يتبع فعلا. و ليس يمتنع أن يفسر اقتحام العقبة- و إن كان اسما- بفعل يدل على الاسم؛ و هذا مثل قول القائل: ما أدراك ما زيد؟ يقول- مفسرا-: يصنع الخير، و يفعل المعروف، و ما أشبه ذلك، فيأتي بالأفعال.
و السغب: الجوع؛ و إنما أراد أنه يطعم في يوم ذي مجاعة؛ لأن الإطعام فيه أفضل و أكرم. [22]
١١. الم یجدک یتیماً/ یتیمٌ فآوی
و خامسها: أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع: أ لم يجدك يتيما فآوى (6) و وجدك ضالا فهدى (7) على أن اليتيم وجده و كذلك الضال، و هذا الوجه ضعيف؛ لأن القراءة غير معروفة؛ و لأن هذا الكلام يسمج و يفسد أكثر معانيه[23].[24]
خامسها أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع أ لم يجدك يتيم فآوى و وجدك ضال فهدى على أن اليتيم وجده و كذلك الضال و هذا الوجه ضعيف لأن القراءة غير معروفة و لأن هذا الكلام يسمج و يفسد أكثر معانيه[25]
[1] نفائس التأويل، ج1، ص: ۴۰۵
[2] نفائس التأويل ج1 ۴۴۹-۴۵٠
[3] ( 1) البيت لحسان، ديوانه: ۹۰، و روايته:« فمن يهجو.».
[4] نفائس التأویل، ج ٢، ص ١٨٢-١٨٣
[5] نفائس التأويل ج2 ۱۹۷
[6] سوره هود، آیه ۴۶
[7] إین قرائت گرچه قرائت یعقوب و کسائی از قراء عشره نیز هست ولی جناب سید آن را به متقدمین نسبت می دهد:
اِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ [٤٦] قرأ النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ابن عباس، و عروة بن الزبير، و عكرمة، و الكسائي: (إنه عمل غير صالح) بكسر الميم و فتح اللام، و كان ابن مسعود و الشعبي و الحسن و أبو جعفر و شيبة و نافع و ابن كثير و عاصم و الأعمش و أبو عمرو و حمزة يقرءون: (إنه عمل غير صالح) بفتح الميم و ضم اللام فمن قرأ: (إنه عمل غير صالح) لم يقف على: (ما ليس من أهلك)؛ لأن الهاء الثانية تعود على الهاء الأولى(ایضاح الوقف و الابتداء، ص ٣۵٢)
[8] نفائس التأويل ج۲ 440-۴۴۱
[9] سوره یوسف، آیه ١٨
[10] نفائس التأويل، ج۲، ص: ۴۶۷
[11] سوره الاسراء، آیه ١۶
[12] ( 5) هي قراءة شاذة، عن أبي عثمان النهدي، و لليث عن أبي عمرو، و أبان عن عاصم.( و انظر القراءات الشاذة لابن خالويه ۷۵).
[13] ( 6) هي قراءة شاذة أيضا، عن خارجة عن نافع( انظر المصدر السابق).
[14] ( 1) حاشية الأصل:« قوله أمرنا، بالتشديد: كثرنا، و آمرنا، بالتخفيف: جعلناهم أمراء؛ و إن شئت فالعكس من ذلك، و الصحيح العكس».
[15] ( 2) الأمالي، 1: ۲۹.
[16] نفائس التأويل ج۳ ۳۰-٣١
[17] سوره طه، آیه ١۵
[18] نفائس التأويل ج۳ ۲۱۴-٢١۵
[19] ( 1) سورة البقرة، الآية: ۱۲۷.
[20] ( 2) سورة محمد، الآية: ۲۲.
[21] نفائس التأويل، ج۳ ، ص ۴۴۴-۴۴۵
[22] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴۶١-۴۶٢
[23] ( 1) تنزيه الأنبياء و الأئمة: ۱۵۰.
[24] نفائس التأويل، ج۳، ص۴۶۶
[25] تنزيه الأنبياء ۱۰۶.