بخش سوم: کلمات علماء شیعه
احمد بن محمد بن خالد برقی
36 باب إنزال الله في القرآن تبيانا لكل شيء[1]
که به روایات آن در فصل اول اشاره شده است.
ثقه الاسلام کلینی
باب الرد إلى الكتاب و السنة و أنه ليس شيء من الحلال و الحرام و جميع ما يحتاج الناس إليه إلا و قد جاء فيه كتاب أو سنة
۱-محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن مرازم عن أبي عبد الله ع قال: إن الله تبارك و تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى و الله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن- إلا و قد أنزله الله فيه.
۲- علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حسين بن المنذر عن عمر بن قيس عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول إن الله تبارك و تعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله ص و جعل لكل شيء حدا و جعل عليه دليلا يدل عليه
و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا....
۶- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن المعلى بن خنيس قال قال أبو عبد الله ع ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله عز و جل و لكن لا تبلغه عقول الرجال.
۷- محمد بن يحيى عن بعض أصحابه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع أيها الناس إن الله تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول ص و أنزل إليه الكتاب بالحق و أنتم أميون عن الكتاب و من أنزله و عن الرسول و من أرسله على حين فترة من الرسل ... فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى و تصديق الذي بين يديه و تفصيل الحلال من ريب الحرام ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم أخبركم عنه إن فيه علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلو سألتموني عنه لعلمتكم.
۸- محمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قد ولدني رسول الله ص و أنا أعلم كتاب الله و فيه بدء الخلق و ما هو كائن إلى يوم القيامة و فيه خبر السماء و خبر الأرض و خبر الجنة و خبر النار و خبر ما كان و خبر ما هو كائن أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي إن الله يقول فيه تبيان كل شيء.
۹- عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله ع قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و فصل ما بينكم و نحن نعلمه.
۱۰ - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي المغراء عن سماعة عن أبي الحسن موسى ع قال: قلت له أ كل شيء في كتاب الله و سنة نبيه ص أو تقولون فيه قال بل كل شيء في كتاب الله و سنة نبيه ص[2].
طبری
فإن قالوا: إن النبي (ص) لم يوص إلى أحد، و خلاهم و الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء، و السنة التي جعلها أصلا.
فالحجة عليهم أنه قد أوصاهم بالتمسك به و برجل من عترته يبينه لهم، فإن في القرآن المحكم و المتشابه، و الناسخ و المنسوخ، و اختلفت الأمة في التأويل و التفسير، و احتاجت إلى من يقيمه، و يشرح ما فيه من الحلال و الحرام، و المحكم و المتشابه، فاختلفوا، لأن القرآن لا يشرح ما فيه، و كيف يأمر (ص) بالوصية، و يدعها و يهمل أمر أمته، و أمر أزواجه و ولده، و قد كان قول الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة موجبا للتأسي، فكيف نتأسى بمن يأمر بالشيء و لا يأتيه؟![3]
شیخ صدوق
فإن احتج محتج من أهل الإلحاد و العناد بالكتاب و أنه الحجة التي يستغنى بها عن الأئمة الهداة لأن فيه تبيانا لكل شيء و لقول الله عز و جل ما فرطنا في الكتاب من شيء
قلنا له أما الكتاب فهو على ما وصفت فيه تبيان كل شيء منه منصوص مبين و منه ما هو مختلف فيه فلا بد لنا من مبين يبين لنا ما قد اختلفنا فيه إذ لا يجوز فيه الاختلاف لقوله عز و جل و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و لا بد للمكلفين من مبين يبين ببراهين واضحة تبهر العقول و تلزم بها الحجة كما لم يكن فيما مضى بد من مبين لكل أمة ما اختلف فيه من كتابها بعد نبيها و لم يكن ذلك لاستغناء أهل التوراة بالتوراة و أهل الزبور بالزبور و أهل الإنجيل بالإنجيل و قد أخبرنا الله عز و جل عن هذه الكتب أن فيها هدى و نورا يحكم بها النبيون و أن فيها حكم ما يحتاجون إليه.[4]
ابن شهرآشوب
[در تعلیل بر اعلمیت امیرالمومنین علیه السلام] قال ابن المسيب ما كان في أصحاب رسول الله ع أحد يقول سلوني غير علي بن أبي طالب و قال ابن شبرمة ما أحد قال على المنبر سلوني غير علي و قال الله تعالى تبيانا لكل شيء و قال و كل شيء أحصيناه في إمام مبين و قال و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين
فإذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره فهل يكون موجودا إلا في تأويله كما قال و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم و هو الذي عنى ع سلوني قبل أن تفقدوني و لو كان إنما عنى به في ظاهره فكان في الأمة كثير يعلم ذلك و لا يخطئ فيه حرفا و لم يكن ع ليقول من ذلك على رءوس الأشهاد ما يعلم أنه لا يصح من قوله و أن غيره يساويه فيه أو يدعي على شيء منه معه فإذا ثبت أنه لا نظير له في العلم صح أنه أولى بالإمامة[5].
و في القرآن و إنه لذكر لك و له أ فمن يهدي إلى الحق و في القرآن فلله الحجة البالغة و له قال أمير المؤمنين أنا حجة الله أنا خليفة الله. و في القرآن إنا نحن نزلنا الذكر و له و أنزلنا إليك الذكر و في القرآن و لا تكتموا الشهادة و له قل كفى بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و في القرآن و الذي جاء بالصدق و له كونوا مع الصادقين و في القرآن تفصيل كل شيء و له إنه لقول فصل و في القرآن و لم يجعل له عوجا قيما و له ذلك الدين القيم و في القرآن الله نزل أحسن الحديث و له من جاء بالحسنة و في القرآن قالوا خيرا و له أولئك هم خير البرية و في القرآن ما نفدت كلمات الله و له و جعلها كلمة باقية و في القرآن هدى للمتقين و له و قالوا إن نتبع الهدى و في القرآن يس و القرآن الحكيم و له و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم أي عال في البلاغة و علا على كل كتاب لكونه جزا و ناسخا و منسوخا و كذلك علي بن أبي طالب ع ثم قال حكيم أي مظهر للحكمة البالغة بمنزلة حكيم ينطق بالصواب و هكذا في علي بن أبي طالب و هاتان الصفتان له خليقة لأنهما من صفات الحي و في القرآن عل سبيل التوسع ثم قال للقرآن أ فنضرب عنكم الذكر و له فسئلوا أهل الذكر و في القرآن و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين و علم هذا الكتاب عنده لقوله و من عنده علم الكتاب[6]
حافظ برسی
فصل
و سر الله مودع في كتبه، و سر الكتب في القرآن، لأنه الجامع المانع، و فيه تبيان كل شيء، و سر القرآن في الحروف المقطعة في أوائل السور، و علم الحروف في لام ألف، و هو الألف المعطوف المحتوي على سر الظاهر و الباطن، و علم اللام ألف في الألف، و علم الألف في النقطة، و علم النقطة في المعرفة الأصلية، و سر القرآن في الفاتحة، و سر الفاتحة في مفتاحها، و هي بسم الله، و سر البسملة في الباء، و سر الباء في النقطة[7]
عاملی نباطی(متوفای ٨٧٧)
و قد أسند الأعمش إلى جابر الأنصاري قول النبي ص له أي الإخوان أفضل قلت النبيون فقال أنا أفضلهم و أحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب فهو عندي أفضل من الأنبياء فمن قال إنهم خير منه فقد جعلني أقلهم لأني اتخذته أخا لما علمت من فضله و أمرني ربي به.
و أسند ابن أبي عمير إلى الصادق ع أن الله قال لموسى ع و كتبنا له في الألواح من كل شيء و لم يقل كل شيء و في عيسى و لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه و قال في علي بن أبي طالب و من عنده علم الكتاب و قال و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين فعند علي علم كل رطب و يابس.
إن قلت عند علي علم الكتاب و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب هذا من الشكل الثاني و عقيم و هو هنا لإيجاب مقدمتيه.
قلت فلنرده إلى الأول فنقول كل رطب و يابس علمه في كتاب مبين و علم ذلك الكتاب كله عند علي بطريق أبي نعيم و في تفسير الثعلبي.
و في هذا أيضا نظر من عدم اتحاد أوسطه فإن الكتاب الذي فيه الرطب و اليابس هو اللوح المحفوظ و الكتاب الذي علمه عند علي هو القرآن إلا أن يقال نذكر ذلك إلزاما للخصم لأنه يقول كل شيء أحصيناه في إمام مبين هو القرآن و علم القرآن عند علي ع.
على أنه لا مانع من حمل الكتاب الذي عند علي على اللوح لإطلاق اللفظ.
إن قلت المانع امتناع إحاطة علي بعلم الله قلت ليس في تلك دليل على حصر علم الله فيها على أنه يجوز أن يريد بالعلم باللوح علم بعضه إطلاقا للعام و إرادة الخاص[8].
تنبيه
إذا كان الرب القديم جعل كل شيء في القرآن العظيم فقال و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين و من المعلوم أن ذلك ليس في ظاهره فهو في باطنه فقد ذكر أمير المؤمنين ع قوله سلوني و نحوها و لم يرد عليه أحد من الصحابة و التابعين فهو الذي عنى الله بقوله و كل شيء أحصيناه في إمام مبين فهو أولى من الله بإمامته لقبح تقديم المفضول في حكمته و العلماء و الحكماء و أهل الزواجر بفضله يعترفون و من لجج بحاره الزواخر يغترفون[9].
سید شرف الدین استرآبادی
و مما ورد في علم أهل البيت
ما روى الشيخ محمد بن يعقوب رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر [أ] و غيره عن محمد بن حماد عن أخيه أحمد بن حماد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأول ع قال: قلت له جعلت فداك أخبرني النبي ص ورث النبيين كلهم قال نعم قلت من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه قال ما بعث الله نبيا إلا و محمد ص أعلم منه قال قلت إن عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى قال صدقت و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير و كان رسول الله ص يقدر على هذه المنازل قال فقال إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده و شك في أمره فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبينحين فقده فغضب عليه و قال لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين و إنما غضب لأنه كان يدله على الماء فهذا و هو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان و قد كانت الريح و النمل و الجن و الإنس و الشياطين المردة له طائعين و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء و كان الطير يعرفه و إن الله سبحانه يقول و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى و قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال و تقطع به البلدان و تحيى به الموتى و نحن نعرف الماء تحت الهواء و إن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا يأذن الله به مع ما قد يأذن به مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب إن الله يقول و ما من غائبة في السماء و الأرض إلا في كتاب مبين و قال سبحانه ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنافنحن الذين اصطفانا الله عز و جل و أورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء
و من هاهنا بان أنأمير المؤمنين ع هو الإمام الذي أحصى الله فيه علم كل شيء لكونه يعلم علم الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء و بالله التوفيق [10]
ملاصدرا
باب الرد الى الكتاب و السنة و انه ليس شيء من الحلال و الحرام، و جميع ما يحتاج الناس إليه الا و قد جاء فيه كتاب او سنة
و هو الباب العشرون من كتاب العقل و العلم و فيه عشرة احاديث
الحديث الاول و هو التاسع و السبعون و المائة
...«عن ابى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك و تعالى انزل فى القرآن تبيان كل شيء، حتى و الله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل فى القرآن الا و قد انزله الله فيه».
يعنى ان القرآن مجتمع علوم الاولين و الآخرين، و قد انزل فيه تبيان كل شيء و برهان كل علم و نور كل هدى و سبيل كل غاية و شاهد كل غائب و مهيمن كل كتاب و جامع كل خطاب، ما من علم الا و فيه اصله و دليله و ما من حكم الا و منه بيانه و سبيله، حتى و الله ما فات القرآن الامور الجزئية و ما ترك الله منه شيئا يحتاج إليه العباد من الوقائع النادرة الواقعة فى شيء من الازمنة و الاوقات فضلا عن معظمات الامور و الكليات من القواعد و الاعتقادات، حتى انه لا يسع لاحد و لا يستطيع عبد ان يقول متمنيا:لو كان هذا الحكم الجزئى و المسألة الفرعية فى القرآن، اذ لا يعزب عن علم القرآن شيء
فى الارض و لا فى السماء الا و قد انزله الله فيه.
و قوله عليه السلام: الا و قد انزله الله فيه، يحتمل ان يكون استثناء منقطعا او استينافا لتأكيد ما سبق، و على الاول يكون «الا» حرف الاستثناء مشدده اللام مكسورة الهمزة بمعنى لكن و على الثانى يكون حرف التنبيه مفتوحة الهمزة مخففة اللام.
نقل كلام لتوضيح مرام
قال بعض المفسرين : اعلم انه مر على لسانى فى بعض الاوقات: ان هذه السورة يعنى فاتحة الكتاب يمكن ان يستنبط من فوائدها و نفائسها عشرة آلاف مسألة، فاستبعد هذا بعض من الحساد و قوم من اهل الجهل و العناد و جعلوا ذلك على ما الفوه من الكلمات الفارغة عن المعانى و الاقوال الخالية عن تحقيق المعاقد و المبانى، فلما شرعت فى تصنيف هذا الكتاب قدمت بهذه المقدمة ليصير كالتنبيه على ان ما ذكرناه امر ممكن الحصول قريب الوصول.
و لا شك ان قولنا: اعوذ بالله، يتناول الاستعاذة به عن جميع تلك الانواع، و الاستعاذة عن الشيء لا يكون الا بعد معرفة المستعاذ منه و معرفة كونه قبيحا باطلا ، فظهر بهذا الطريق قولنا «اعوذ بالله، مشتمل على الالوف من المسائل الحقيقية اليقينية.
و اما الاعمال الباطلة فهى عبارة عن كل ما ورد النهى عنه اما فى القرآن او الاخبار المتواترة او فى اخبار الآحاد او فى اجماع الامة او فى القياسات، و لا شك ان تلك المنهيات تزيد على الالوف و قولنا: اعوذ بالله، متناول لجميعها و جملتها، فثبت بهذا الطريق ان قولنا: اعوذ بالله، مشتمل على عشرة آلاف مسألة او ازيد او اقل من المسائل المعتبرة المهمة. انتهى كلامه.
اقول: ان جميع ما اشار إليه هذا الرجل الفاضل المشهور بالامامة و العلم عند الجمهور ليس من علم القرآن فى شيء و لا هو بمعرفتها قد صار من اهل القرآن و خاصة الله كما ورد: اهل القرآن اهل الله و خاصته، بل كل ما ذكره و اشار إليه من المسائل الجمة الكثيرة التى شحن بها كتب الكلامية و الفقهية.
اما مأخوذة من السماع من افواه الرجال.
و اما تقليدات صرفة كاكثر مسائل المعاد و بعض مسائل المبدأ.
و اما آراء كلامية و قواعد متزلزلة لا تعويل عليها فى تحصيل اليقين، و انما يتدرع بها طالب المباهاة و انما يحسن استعمالها عند الخصومات و المجادلات و لهذا وضعت اول وضعها فى الاسلام.
او مسائل اجتهادية اخذها كما ذكر بعضها من الاخبار و بعضها من القياسات التى نحن الآن فى ذمها و ابطالها.
و بالجملة ليس شيء من هذه المسائل الكثيرة التى تبجح بها من علوم اهل القرآن و اهل الله فى شيء، و انما ذلك شيء ألهمه الله و نور عقلى اجمالى افاضه الله على قلب من يشاء من عباده به يرى الاشياء كما هى، و تلك الملكة النورانية المعبر عنها عند جماعة بالعقل البسيط او الاجمالى او العقل بالفعل و على لسان القرآن بالهدى و النور و الحكمة و الفضل و غير ذلك و انما تحصل بالمواظبة على تدبر الآيات و طول الرياضة و المجاهدة مع النفس و الهوى و العمل بما علم، فان من عمل بما يعلم افاده الله علم ما لم يعلم، و هكذا الى ان ينكشف له العلم بحقائق الاشياء و كلياتها من العلم بذات الاول تعالى و صفاته العليا و اسمائه الحسنى و افعاله الكبرى، ثم يعرف من الكليات الجزئيات و من الحقائق دقائقها و من الاسماء مظاهرها و مجاليها، و هكذا يعرف من الاوائل الثوانى و من البدايات النهايات و من العلل المعلولات و من الاسباب المسببات كما هو طريقة الصديقين على عكس طريقة النظار المستدلين بالآثار على المؤثرات، و عند ذلك يظهر ان ما من شيء من العلوم الكلية و الجزئية و الاصول و الفروع الا و يوجد فى القرآن اصله و فرعه و مأخذه و غايته.
ثم ان الذي ذكره ان قولنا: نعوذ بالله، متوقف على العلم بجميع المذاهب و- الآراء الفاسدة و الاعمال القبيحة، ليس كذلك، فان من عرف طريق الحق يعلم بالاجمال ان غيره طريق الباطل و من علم بالخير يعلم ان ما سواه شر، فله ان يستعيذ بالله من كل شر و آفة و ضر و ان لم يعلم جميع الشرور و الافات على التفصيل.
و هل هذا الذي ذكره الا مثل ان يقول احد: لا يمكن لى طلب الصحة من الله كما فى الادعية المأثورة الا بعد ان اعرف جميع الامراض و العلل و اسبابها، فجعل يشتغل طول عمره بمطالعة كتب الطب و يتصفح كل مرض مرض و آفة آفة حتى يجوز له
طلب الصحة منها فى الدعاء من الله؟ فربما مات فى اثناء المطالعة و تتبع الامراض و لم يدع ربه.
و أيضا ان الذي ذكره من تلك المسائل لم يستفده من قول اعوذ بالله بل استفادها من الخارج، و كان الكلام منه أولا فى استنباط العلوم الكثيرة كعشرة آلاف و نحوها من فاتحة الكتاب و مثل الذي ذكره لو كان هو بمعنى الاستنباط لامكن ذلك النحو منه فى غير كلام الله بل من كلام اكثر الناس، و بالجملة ليس معنى كون القرآن تبيان كل شيء ما تصوره و فصله، بل شيء اجل و ارفع من ذلك- كما مرت الاشارة إليه-[11].
مولی صالح مازندرانی
(إن الله تعالى يقول: فيه تبيان كل شيء) دليل على ما أشار إليه من أن في القرآن خبر كل شيء مما كان و ما يكون و ما هو كائن و برهان له لكسر أوهام العوام التي تتبادر إلى إنكار ذلك و عده من المبالغة في الوصف و إذ كان حال القرآن الكريم و شأنه عليه السلام ذلك فلا يجوز لأحد أن يتكلم في الأحكام و غيرها برأيه و قياسه بل يجب عليه الرجوع إليهما و التمسك بذيل إرشادهم[12]
قوله (قال الله تعالى فيه تبيان كل شيء) أي كشفه و إيضاحه و هو دليل على ما ذكره من أن في القرآن خبر كل شيء لكسر أوهام من يتبادر أذهانهم من العوام إلى إنكار ذلك و عدهم من الاطراء في الوصف و إذا كان حال القرآن و حاله عليه السلام ذلك فلا يجوز لأحد القول في أمر بالرأي و لا الرجوع إلى غيره من أئمة الضلال[13]
فیض کاشان
المقدمة السابعة في نبذ مما جاء في أن القرآن تبيان كل شيء و تحقيق معناه
روي في الكافي بإسناده عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى و الله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن الا و قد أنزله الله فيه.
و بإسناده عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول إن الله تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الامة الا أنزله في كتابه و بينه لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم و جعل لكل شيء حدا و جعل عليه دليلا يدل عليه و جعل على من تعدى ذلك حدا.
و بإسناده عن المعلى بن خنيس قال قال: أبو عبد الله عليه السلام ما من أمر يختلف فيه اثنان الا و له أصل في كتاب الله و لكن لا تبلغه عقول الرجال.
و بإسناده عن حماد (عمار خ ل) عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ما من شيء الا و فيه كتاب أو سنة. و بإسناده عن سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له أكل شيء في كتاب الله و سنة نبيه أو تقولون فيه، قال: بل كل شيء في كتاب الله و سنة نبيه.
و بإسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه السلام: إذا حدثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب الله تعالى. ثم قال في بعض حديثه إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنهى عن القيل و القال و فساد المال و كثرة السؤال فقيل له يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أين هذا من كتاب الله؟ قال:
إن الله تعالى يقول لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس. و قال: لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما.
و قال: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه: إن العلم بالشيء اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة او اجتهاد او نحو ذلك و مثل هذا العلم لا يكون الا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط لأنه إنما يتعلق بالشيء في زمان وجوده علم و قبل وجوده علم آخر و بعد وجوده علم ثالث و هكذا كعلوم أكثر الناس و أما ما يستفاد من مبادئه و أسبابه و غاياته علما واحدا كليا بسيطا على وجه عقلي غير متغير فانه ما من شيء الا و له سبب و لسببه سبب. و هذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب و كل ما عرف سببه من حيث يقتضيه و يوجبه فلا بد أن يعرف ذلك الشيء علما ضروريا دائما فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية و نعوته الجلالية و عرف أنه مبدأ كل وجود و فاعل كل فيض وجود و عرف ملائكته المقربين ثم ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة و النسك المستمرة من غير فتور و لغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي و المسببي.
فيحيط علمه بكل الأمور و أحوالها و لواحقها علما بريا (بريئا خ ل) من التغيير و الشك و الغلط فيعلم من الأوائل الثواني و من الكليات الجزئيات المترتبة عليها و من البسائط المركبات، و يعلم حقيقة الإنسان و أحواله و ما يكملها و يزكيها و يسعدها و يصعدها إلى عالم القدس و ما يدنسها و يرديها و يشقيها و يهويها إلى أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغيير و لا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية و من حيث لا كثرة فيه و لا تغيير و إن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض و هذا كعلم الله سبحانه بالأشياء و علم ملائكته المقربين و علوم الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام بأحوال الموجودات الماضية و المستقبلة و علم ما كان و علم ما سيكون (يكون خ ل) إلى يوم القيامة من هذا القبيل فانه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات و لا متكثر بتكثرها، و من عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى: و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. و يصدق بأن جميع العلوم و المعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيا و تصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد و السماع و نحوهما إذ ما من أمر من الأمور الا و هو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته و أسبابه و مبادئه و غاياته و لا يتمكن من فهم آيات القرآن و عجائب أسراره و ما يلزمها من الأحكام و العلوم التي لا تتناهى الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل. انتهى كلامه أعلى الله مقامه، و ينبه عليه لفظة الأصل في رواية المعلى[14].
سیدهاشم بحرانی
۴-باب في أن ما من شيء يحتاج إليه العباد إلا و هو في القرآن، و فيه تبيان كل شيء[15]
...
در برگیرنده هشت روایت که همه آن ها در فصل مربوط به روایات، ذکر شده اند.
علامه مجلسی
باب 8 أن للقرآن ظهرا و بطنا و أن علم كل شيء في القرآن و أن علم ذلك كله عند الأئمة عليهم السلام و لا يعلمه غيرهم إلا بتعليمهم
أقول: قد مضى كثير من تلك الأخبار في أبواب كتاب الإمامة و نورد هنا مختصرا من بعضها و قد مضى مفصل ذلك في باب احتجاج أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الزنديق المدعي للتناقض في القرآن و كذا في الأخبار التي ذكرت بأسانيد في باب سلوني قبل أن تفقدوني
فإنه قد قال أمير المؤمنين ع أما و الله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في و أفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه و لو لا آية في كتاب الله عز و جل لأخبرتكم بما كان و بما هو كائن إلى يوم القيامة و هي هذه الآية يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب[16]
برخی از روایات این فصل-بدون احتساب موارد تکرار شده در فصل اول پیوست و موارد غیرمرتبط- عبارتند از :
1- ج، الإحتجاج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي صلوات الله عليهم قال: سلوني عن كتاب الله فو الله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل و لا نهار و لا مسير و لا مقام إلا و قد أقرأنيها رسول الله ص و علمني تأويلها فقام ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه و أنت غائب عنه قال كان يحفظ علي رسول الله ص ما كان ينزل عليه من القرآن و أنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرئنيه و يقول يا علي أنزل الله بعدك كذا و كذا و تأويله كذا و كذا فعلمني تأويله و تنزيله[17]...
۵ - ما، الأمالي للشيخ الطوسي جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى القيسي عن إسحاق بن يزيد الطائي عن هاشم بن البريد عن أبي سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله ص في مرضه الذي قبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عز و جل و عترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي ع فرفعها فقال هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي خليفتان بصيران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألهما ما ذا خلفت فيهما[18]...
۲۲ - ير، بصائر الدرجات عبد الله بن جعفر عن محمد بن عيسى عن إسماعيل بن سهل عن إبراهيم بن عبد الحميد عن زرارة عن أبي عبد الله ع في قوله هذا ذكر من معي و ذكر من قبلي[19] فقال ذكر من معي ما هو كائن و ذكر من قبلي ما قد كان.[20]
۳۷ - سن، المحاسن أبي عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن بشر الوابشي عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سألت أبا جعفر ع عن شيء من التفسير فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم فقال يا جابر إن للقرآن بطنا و للبطن بطن و له ظهر و للظهر ظهر يا جابر ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن إن الآية يكون أولها في شيء و آخرها في شيء و هو كلام متصل متصرف على وجوه.[21]
۴۷ - شي، تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر ع عن هذه الرواية ما في القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن و ما فيه حرف إلا و له حد و لكل حد مطلع ما يعني بقوله لها ظهر و بطن قال ظهره و بطنه تأويله منه ما مضى و منه ما لم يكن بعد يجري كما تجري الشمس و القمر كلما جاء منه شيء وقع قال الله تعالى و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم نحن نعلمه.[22]
۴۹ - شي، تفسير العياشي عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا ع مر على قاض فقال هل تعرف الناسخ من المنسوخ فقال لا فقال هلكت و أهلكت تأويل كل حرف من القرآن على وجوه.
۵۰ - شي، تفسير العياشي عن إبراهيم بن عمر قال قال أبو عبد الله ع إن في القرآن ما مضى و ما يحدث و ما هو كائن كانت فيه أسماء الرجال فألقيت و إنما الاسم الواحد منه في وجوه لا يحصى يعرف ذلك الوصاة[23]
۵۵ شي، تفسير العياشي عن بشير الدهان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع الناس جهلا لنا صفو المال و لنا الأنفال و لنا كرائم القرآن و لا أقول لكم إنا أصحاب الغيب و نعلم كتاب الله و كتاب الله يحتمل كل شيء إن الله أعلمنا علما لا يعلمه أحد غيره و علما قد أعلمه ملائكته و رسله فما علمته ملائكته و رسله فنحن نعلمه[24]
59 شي، تفسير العياشي عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه قال قال علي ع ما بين اللوحين شيء إلا و أنا أعلمه[25]
۶۲ ير، بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن البرقي عن المرزبان بن عمران عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن للقرآن تأويلا فمنه ما قد جاء و منه ما لم يجئ فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزمان[26]
۶۵ ير، بصائر الدرجات الفضل عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير أو غيره عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر ع قال: تفسير القرآن على سبعة أحرف منه ما كان و منه ما لم يكن بعد ذلك تعرفه الأئمة.[27]
۷۲ سن، المحاسن أبي عمن ذكره عن أبي عبد الله ع في رسالة و أما ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأن القرآن ليس على ما ذكرت و كل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه و إنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه فأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم و أبعده من مذاهب قلوبهم و لذلك قال رسول الله ص إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن و في ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا ما شاء الله و إنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه و صراطه و أن يعبدوه و ينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن أمره و أن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا و لا يوجد و قد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر إذا لا يجدون من يأتمرون عليه و لا من يبلغونه أمر الله و نهيه فجعل الله الولاة خواص ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك إن شاء الله و إياك و تلاوة القرآنبرأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور و لا قادرين عليه و لا على تأويله إلا من حده و بابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله و اطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله[28]
۸۱ الدرة الباهرة، قال الصادق ع كتاب الله عز و جل على أربعة أشياء على العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء.
۸۲ أسرار الصلاة، قال علي ع لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.
۸۳ قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب سعد السعود، روى يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر في كتاب الإستيعاب عن معمر وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا ع يخطب و هو يقول سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم و اسألوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل
أقول: و قال أبو حامد الغزالي في كتاب بيان العلم اللدني في وصف مولانا علي بن أبي طالب ع ما هذا لفظه
و قال أمير المؤمنين علي ع إن رسول الله ص دخل [أدخل] لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم مع كل باب ألف باب.
و قال صلوات الله عليه لو ثنيت لي وسادة و جلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم و لأهل الإنجيل بإنجيلهم و لأهل القرآن بقرآنهم.
و هذه المرتبة لا تنال بمجرد العلم بل يتمكن المرء في هذه الرتبة بقوة العلم اللدني.
و قال علي ع لما حكى عهد موسى ع أن شرح كتابه كان أربعين جملا لو أذن الله و رسوله لي لأتسرع بي شرح معاني ألف الفاتحة حتى يبلغ مثل ذلك يعني أربعين وقرا أو جملا و هذه الكثرة في السعة و الافتتاح في العلم لا يكون إلا لدنيا سماويا إلهيا هذا آخر لفظ محمد بن محمد الغزالي.
أقول
و ذكر أبو عمر الزاهد و اسمه محمد بن عبد الواحد في كتابه بإسناده أن علي بن أبي طالب ع قال: يا با عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحقني إلى الجبان قال فصليت و لحقته و كانت ليلة مقمرة قال فقال لي ما تفسير الألف من الحمد قال فما علمت حرفا أجيبه قال فتكلم في تفسيرها ساعة تامة قال ثم قال لي فما تفسير اللام من الحمد قال فقلت لا أعلم فتكلم في تفسيرها ساعة تامة قال ثم قال فما تفسير الميم من الحمد فقلت لا أعلم قال فتكلم فيها ساعة تامة قال ثم قال ما تفسير الدال من الحمد قال قلت لا أدري قال فتكلم فيها إلى أن برق عمود الفجر قال فقال لي قم أبا عباس إلى منزلك و تأهب لفرضك قال أبو العباس عبد الله بن العباس فقمت و قد وعيت كل ما قال ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر.
و قال أبو عمر الزاهد قال لنا عبد الله بن مسعود ذات يوم لو علمت أن أحدا هو أعلم مني بكتاب الله عز و جل لضربت إليه آباط الإبل قال علقمة فقال رجل من الحلقة أ لقيت عليا ع قال نعم قد لقيته و أخذت عنه و استفدت منه و قرأت عليه و كان خير الناس و أعلمهم بعد رسول الله ص و لقد رأيته ثبج بحر يسيل سيلا.
يقول علي بن موسى بن طاوس و ذكر محمد بن الحسن بن زياد المعروف بالنقاش في المجلد الأول من تفسير القرآن الذي سماه شفاء الصدور ما هذا لفظه و قال ابن عباس جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب ع.
و قال النقاش أيضا في تعظيم ابن عباس مولانا علي ع ما هذا لفظه أخبرنا أبو بكر قال حدثنا أحمد بن غالب الفقيه بطالقان قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا سويد قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن الكلبي قال ابن عياش و مما وجدت في أصله و ذهب بصر ابن عباس من كثرة بكائه على علي بن أبي طالب ع.
و ذكر النقاش ما هذا لفظه و قال ابن عباس علي ع علم علما علمه رسول الله ص و رسول الله ص علمه الله فعلم النبي ص من علم الله و علم علي من علم النبي ص و علمي من علم علي ع و ما علمي و علم أصحاب محمد ص في علي إلا كقطرة في سبعة أبحر.
فصل
و روى النقاش أيضا حديث تفسير لفظة الحمد فقال بعد إسناده عن ابن عباس قال: قال لي علي ع يا أبا عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحقني إلى الجبان قال فصليت و لحقته و كانت ليلة مقمرة قال فقال لي ما تفسير الألف من الحمد و الحمد جميعا قال فما علمت حرفا منها أجيبه قال فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال لي فما تفسير اللام من الحمد قال فقلت لا أعلم قال فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال فما تفسير الحاء من الحمد قال فقلت لا أعلم قال فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال لي فما تفسير الميم من الحمد قال فقلت لا أعلم قال فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال فما تفسير الدال من الحمد قال قلت لا أدري فتكلم فيها إلى أن برق عمود الثعنجر [الفجر] قال فقال لي قم يا أبا عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك فقمت و قد وعيت كل ما قال قال ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي ع- كالقرارة في المثعنجر قال القرارة الغدير المثعنجر البحر.
84 العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في قوله ص لن يفترقا حتى يردا علي الحوض إن القرآن معهم في قلوبهم في الدنيا فإذا صاروا إلى عند الله عز و جل كان معهم و يوم القيامة يردون الحوض و هو معهم.[29]
سید حسین بروجردی[30]
الفصل الاول
في شرفه و فضله و تمثله يوم القيامة و شفاعته لأهله الشواهد العقلية و النقلية من الكتاب و السنة على ذلك كثيرة فإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه، و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، و قد نزل به الروح الأمين على قلب خاتم النبيين (صلى الله عليه و آله أجمعين)، و هو الحبل المتين، و الكتاب المبين، و النسخة التدوينية المطابقة لعالم التكوين، و لذا قال سبحانه: و كل شيء أحصيناه في إمام مبين و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين[31]»
الباب الثالث
في بيان حقيقة القرآن و مراتبه في الكون و ظهوره عند التنزل في الحروف و الكلمات و تقسيم الكتاب إلى الصامت و الناطق الذين هما الثقلان اللذان لا يفترقان
اعلم أن الله سبحانه و تعالى كان في أزليته و دوام سرمديته و لم يكن معه شيء من الأشياء لا من المجردات و لا من الماديات و لا من الحقائق و الطبائع و الوجود و الماهية و غيرها مما يطلق عليه اسم الشيء فأول ما خلقه هو المشية الإمكانية ثم الكونية حسبما تأتي إليهما الإشارة و هذه المشية هي التي يقال لها: الإبداع و الارادة و الفعل، و العقل، و القلم، و الصنع و الوجود المطلق، و عالم المحبة، و غيرها من الألقاب الشريفة التي ربما أشير إليها في آثار الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، بل في بعضها بالنسبة إلى بعض هذه الألقاب إنه أول ما خلق الله
وفي النبوي أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر
و في معناه أخبار كثيرة تدل على كونهم عليهم السلام أول ما خلق الله و أن من سواهم حتى الأنبياء و الملائكة و الجنة و غيرها، إنما خلقوا من أشعة أنوارهم،
بل يستفاد من قوله عليه السلام: خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشية منضما إلى العلوي نحن صنائع الله و الخلق بعد صنائع لنا كما في «نهج البلاغة» أو صنائعنا كما في «الاحتجاج» عن الحجة- عجل الله فرجه- أنهم نفس المشية بناء على أن نورهم عليهم السلام في أصل الخلقة ان كان هو المشية فهو المطلوب و الا يلزم ارتكاب التخصيص في أحد الخبرين، إلا أن فيه بعد الغض عن ضعف الدليل سندا و دلالة أن إثبات تلك المقاصد بمثله مشكل جدا، سيما بعد ظهور أنهم أيضا عباد مخلوقون مربوبون، لا بد في خلقهم من تعلق المشية بخلقهم، و سبقها عليهم،
و على كل حال فالنبي و الأئمة عليهم السلام و إن اشتركوا جميعهم- صلوات الله عليهم- في عالم الأنوار لاتحاد حقائقهم و نورانيتهم إلا أنه روي في النبوي: أول ما خلق الله نوري ثم فتق منه نور علي عليه السلام فلم نزل نتردد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ثم خلق الخلايق من نورنا فنحن صنائع الله و الخلق بعد صنائع لنا
روى عن جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره و اشتقه من جلال عظمته، فاقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم سجد لله تعظيما، ففتق منه نور علي عليه السلام فكان نوري محيطا بالعظمة و نور علي محيطا بالقدرة، ثم خلق العرش و اللوح و الشمس و القمر و النجوم و ضوء النهار، و ضوء الأبصار و العقل، و المعرفة، و أبصار العباد، و أسماعهم، و قلوبهم من نوري، و نوري مشتق من نوره
و لا يخفى أن قضية الجمع بين الخبرين تقدم نور النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على نور علي عليه السلام، بثمانين ألف سنة، و تقدم نورهما معا على سائر الخلق بتلك المدة أيضا، فيكون تقدم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بضعفها.
و عن ابن بابويه عن مولينا أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله خلق نور محمد صلى الله عليه و آله قبل خلق المخلوقات كلها بأربعماة ألف سنة و أربعة و عشرين ألف سنة و خلق منه اثنى عشر حجابا و المراد بالسنين مراتب تقدمه عليه السلام على الأنبياء و بالحجب الأئمة عليهم السلام فيستفاد منه و من غيره مما مر تقدم نوره (صلى الله عليه و آله و سلم) على غيره حتى أنوار الأئمة عليهم السلام في عالم الأنوار، مع اتحادهم حقيقة في النورانية، فإن أنوارهم مشتقة من نوره (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد وصوله إلى جلال العظمة في مدة ثمانين ألف سنة كما في الخبر المتقدم.
إذا عرفت هذا فاعلم أن من جملة العوالم المتطابقة المتساوية في جهة العرض المتفقة في مراتب الطول عالمي التكوين و التدوين، فإنهما واقعان في عرض واحد لا بفصل أحدهما عن الآخر بشيء أصلا إلا أن الثاني ظل الأول و مرآته، و هو مشتمل على جميع المراتب الكلية و الحقائق الإلهية، و اللوامع النورانية المطوية في كينونة الأول.
و إن شئت فتح الباب و كشف الحجاب فاعلم، أن للصادر الأول تجليا و ظهورا في عالم التكوين، و هو المعبر عنه بالمشية الفعلية التي خلق الله تعالى بها جميع الكينونات و هو الوجود المطلق و وجه الحق و أن له تجليا و ظهورا في عالم التدوين، و أول ظهوره فيه هو الحروف النورانية العلمية السارية في جميع الحقائق في عالم الأنوار، ثم في عالم العقول، ثم في عالم العقول، ثم في عالم الأرواح، ثم في عالم النفوس، ثم في عالم المعاني الكلية، ثم في عالم المعاني الجزئية، ثم في عالم الحروف النفسية، ثم في عالم الحروف اللفظية، ثم في عالم الحروف النقشية، و هذه الحروف أصل القرآن و حقيقته و بسائطه، بل أصل الأشياء كلها في صقع التدوين،
و لذا قال مولينا الرضا عليه السلام عليه و التحية و الثناء في خبر عمران الصابي : اعلم أن الإبداع و المشية و الإرادة معناها واحد و أسمائها ثلاثة و كان أول إبداعه و إرادته و مشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء و دليلا على كل مدرك، و فاصلا لكل مشكل، و بتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق أو باطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، و عليها اجتمعت الأمور كلها و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى و لا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع و النور في هذا الموضع أول فعل الله تعالى الذي هو نور السموات و الأرض و الحروف هو المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام
و قد روي عن أبي ذر الغفاري عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: قلت: يا رسول الله كل نبي مرسل بم يرسل؟ قال عليه السلام: بكتاب منزل، قلت: يا رسول الله أي كتاب أنزل الله على آدم (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام):
كتاب المعجم، قلت: أي كتاب المعجم؟ قال عليه السلام: أ ب ت ث، و عدها إلى آخرها.
فالحروف البسيطة إشارة إلى بسائط العوالم و مجرداتها و المركبة إشارة إلى كلياتها و مركباتها، و الحقائق، و الروابط و الإضافات و النسب المتصلة أو المعتبرة بينها، فهذه الحروف المعدودة مع قلتها و تناهيها أو عية لجميع الحقائق النورية و شبكة و مصيدة لاصطياد المعارف و الحقائق و العلوم الكلية و الجزئية و لذا ليس مطلب من المطالب و لا حقيقة من الحقائق و لا شيء مما في صقع الإمكان أو في عرصة الأكوان الا و يمكن التعبير عنه بجملة من تلك الحروف المؤلفة على نسبة من التأليف المستعدة بحسب الاستعداد أو الشخصي لاقتناص تلك المعاني، و افاضتها عليها حيث إن نسبتها منها كنسبة الأرواح إلى الأجساد.
و لذا ورد عن الإمام عليه السلام إن المعنى من اللفظ كالروح في الجسد.
و عن آصف بن برخيا على نبينا و آله عليه السلام أن الاشكال مقناطيس الأرواح، بناء على شمول كل الاشكال و الأرواح للقسمين التكوينية و التدوينية بل يشمل القسم الثالث الذي هو التشريعية أيضا فالقرآن و ان كان متنزلا في هذا العالم الناسوتي الظلماني بصورة الحروف و الكلمات الملفوظة أو المنقوشة أو المتصورة الملحوظة لكنه في أصله و في بدو خلقته و عظيم جبروته نور إلهي و تجلي شعشعاني قد تنزل من عوالم كثيرة إلى أن تنزل إلى هذا العالم و حيث إن كتاب كل نبي من الأنبياء مبين لعلوم شريعته، موضح لرسوم طريقته، كافل لمراتب حقيقته، كان مساوقا لرتبة وجوده، و مقام شهوده فاعتبر الفضل بين الأنبياء و لذا كان القرآن مهيمنا على جميع الكتب السماوية كما أن نبينا (صلى الله عليه و آله و سلم) خاتم النبيين لما سبق و فاتح لما انفلق و مهيمن على ذلك كله.
و حيث إن وجود نبينا (صلى الله عليه و آله و سلم) مبدأ التكوين فكتابه ديباجة التدوين بل تمامه و كماله لاشتماله على تمام حقايق الكون و بسائطه و مركباته لأنه قد اعتبر في تأليفه من تلك الحروف المحصورة كما أن الاتفاق و جميع وجوه الدلالات بكلماته و حروفه على المعاني التي لا تكاد تتناهى.
و لذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير باء البسملة: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير باء بسم الله الرحمن الرحيم»
و قال الباقر عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله- عز و جل- حملة لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الشرائع من الصمد الخبر
فاتضح أن رتبة القرآن مساوق لرتبة نبينا (صلى الله عليه و آله و سلم) إلا ان الاختلاف من جهة التكوين و التدوين فهما في عرضين من طول واحد فالاختلاف عرضي لا طولي.
و أما مولينا أمير المؤمنين عليه السلام، فهو و إن ساوق رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في السلسلة الطولية التكوينية إلا أنه متأخر عنه في هذه السلسلة بحرف واحد طولها ثمانون ألف سنة حسبما سمعت فالقرآن جامع لجميع علوم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مساوق معه في التدوين و إنما كان (صلى الله عليه و آله و سلم) مأمورا بتعليم علوم القرآن و تبليغ شرائعه و آدابه و احكامه و سننه و لطائفه و إشاراته و حقائقه.
و لما كان الناس يومئذ غير مستعدين و لا متأهلين لا لاستماع ذلك كله لجمود طبائعهم على الجاهلية الجهلاء، و خمود فطرتهم الأصلية بالانحراف و الشفاء فبعثه الله و ليس أحد من العرب يقرء كتابا و لا يعرف علما حين فترة من الرسل و طول هجعة من الأمم و اغترام من الفتن، و انتشار من الأمور، و تلظ من الحروب، و الدنياكاسفة النور ظاهرة و الغرور على حين اصفرار من ورقها و إياس من ثمرها، و اغوار من مائها، قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الردى، فقام هاديا مهديا ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادة الله سبحانه و من طاعة الشيطان إلى طاعته بقرآن قد بينه و أحكمه ليعرف العباد ربهم إذ جهلوه و ليقروا به بعد إذ جحدوه و ليثبتوه بعد إذ أنكروا، فتجلى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته و خوفهم من سطوته فبلغ إليهم أصول الشريعة و الأحكام في مدة ثلاثة و عشرين سنة، و بقي من علوم القرآن كثير من الحقائق و الشرائع و الأحكام مما يحتاج اليه الناس في أحكامهم الظاهرية و الباطنة من لدن قبضه (عليه السلام) إلى يوم القيامة فاستودعه عند بابه و حجابه و أمينه في أمته و المخلوق من طينته مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كي يبلغه بنفسه أو بواسطة ذريته الطيبين و خلفائه الراشدين و شيعته المخلصين إلى كافة المسلمين و المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة فأكمل به الدين و أتم به النعمة و وعده العصمة، و أكد الأمر بتبليغ ذلك حتى خاطبه بقوله: و إن لم تفعل فما بلغت رسالته فيعلم منه أنه المقصود من الرسالة بحيث تنتفي بانتفائه.
و لذا قال (عليه السلام) في احتجاجه يوم الغدير على ما حكاه في «الوسائل» عن «الاحتجاج» للطبرسي: ان عليا تفسير كتاب الله و الداعي اليه ألا و ان الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما فأمر بالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت أن آخذ البيعة عليكم الصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله (عز و جل) في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) و الأئمة من بعده معاشر الناس تدبروا و افهموا آياته و انظروا في محكماته و لا تتبعوا متشابهه فو الله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم عن تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيدي
و في النبوي أنه قال عليه السلام: يا علي أنت اخي، و أنا أخوك و أنا المصطفى للنبوة و أنت المجتبى للامامة، و أنا صاحب التنزيل و أنت صاحب التأويل[32]
الباب الخامس
في أن في القرآن تبيان كل شيء و جامعيته للعلوم و الحقائق و كيفية انشعابها منه
اعلم أن العلم التفصيلي بهذا الباب لا يحصل إلا لمن آتاه الله علم الكتاب، و فصل الخطاب، و ميز القشر من اللباب، و كان واقفا مقيما في الكون الكبير على باب الأبواب، لإطاعه على حقائق الملك و الملكوت، و إفاضته على سرادق سلطان الجبروت، و دوام فقره و عبوديته و انقطاعه الى الحي الذي لا يموت، كي يطلع بعد ذلك بما هنالك من أسرار التشريع و التكوين، و ينطبق عنده إشارات التدوين، و أما نحن و من هو في درجتنا فإنما آمنا بذلك من جهة الإيمان بالغيب الذي هو من مراتب الإيمان و درجات التقوى و ذلك لما تقرر عندنا من مساوقة التدوين للتكوين بعد ما استفاضت به الأخبار من أن نبينا صلى الله عليه و آله قد أشهده الله خلق خلقه، و ولاه ما شاء من أمره و انه صلى الله عليه و آله و آله يعلمون جميع ما في السماوات و الأرض و ما فيهن و ما بينهن و ما فوقهن و ما تحتهن، كل ذلك علم إحاطة، كما ورد في بعض الأخبار. و يشهد له الإعتبار، أو علم اخبار كما هو القدر المعلوم من الشريعة.
هذا مضافا الى الآيات و الأخبار الدالة على اشتماله على كل شيء من التكوينات و التشريعات، كقوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء و قوله: و كل شيء أحصيناه في إمام مبين بناء على إرادة الكتاب منه، و قوله: و ما من غائبة في السماء و الأرض إلا في كتاب مبين و قوله: و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء الى غير ذلك من الآيات الظاهرة بنفسها لعمومها في ذلك، سيما بعد ورود البيان و التفسير لها في الأخبار.
فروى العياشي في تفسيره عن مولانا الصادق عليه السلام قال: (نحن و الله نعلم ما في السماوات، و ما في الأرض، و ما في الجنة، و ما في النار، و ما بين ذلك) ثم قال: إن ذلك في كتاب الله، ثم تلا هذه الآية: و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين
و في الكافي عنه عليه السلام: (إن الله أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى و الله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا و قد أنزله الله فيه)
وفيه عنه عليه السلام: (إني لأعلم ما في السموات و ما في الأرض، و أعلم ما في الجنة و أعلم ما في النار، و أعلم ما كان و ما يكون، ثم سكت هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه) فقال عليه السلام: (علمت ذلك من كتاب الله عز و جل، إن الله يقول: «فيه تبيان كل شيء»
وفيه عنه عليه السلام: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله، و لكن لا تبلغه عقول الرجال
وعن أبي جعفر عليه السلام: إن الله لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله، و جعل عليه دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا
وفيه عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا حدثتكم بشيء فاسئلوني أين هو من كتاب الله عز و جل؟ ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن القيل و القال، و فساد المال و كثرة السؤال، فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله تعالى؟ قال عليه السلام: إن الله يقول: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس و قال: لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما و قال: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
وفيه عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (و الله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء و خبر الأرض، و خبر ما كان، و خبر ما هو كائن، قال الله عز و جل: «فيه تبيان كل شيء»
و في «تأويل الآيات» نقلا عن «مصباح الأنوار» لشيخ الطائفة بالإسناد عن المفضل قال: دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم، فقال لي يا مفضل هل عرفت محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهما السلام كنه معرفتهم؟ قلت: يا سيدي و ما كنه معرفتهم؟ قال عليه السلام: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى ، قال: قلت: يا سيدي عرفني ذلك، قال: يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز و جل و ذرأه و برأه، و أنهم كلمة التقوى، و خزان السماوات و الأرضين، و الجبال، و الرمال، و البحار، و علموا كم في السماء من نجم، و ملك، و وزن الجبال، و كيل ماء البحار، و أنهارها، و عيونها، و ما تسقط من ورقة إلا علموها، و لا حبة في ظلمات الأرض، و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين و هو في علمهم و قد علموا ذلك، فقلت يا سيدي و قد علمت ذلك و أقررت به و آمنت قال عليه السلام: نعم يا مفضل يا مكرم، نعم يا محبور، نعم طيب طبت و طابت لك الجنة و لكل مؤمن بها)
و في «البصائر»، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول عليه السلام: قال: قلت له: جعلت فداك، النبي صلى الله عليه و آله ورث علم الأنبياء كلهم؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: من لدن آدم إلى انتهى الى نفسه؟ قال: نعم قلت: ورثهم النبوة و ما كان في آبائهم من النبوة و العلم؟ قال عليه السلام: ما بعث الله نبيا إلا و قد كان محمد صلى الله عليه و آله أعلم منه، إلى أن قال عليه السلام و سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده و شك في أمره: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبينو كان المردة و الريح، و النمل، و الإنس، و الجن، و الشياطين له طائعين، و غضب عليه، فقال: لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبينو إنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء، فهذا و هو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان. الى أن قال عليه السلام: إن الله يقول في كتابه: و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى فقد ورثنا نحن هذا القرآن، فعندنا ما تسير به الجبال، و تقطع به البلدان، و يحيى به الموتى بإذن الله، و نحن نعرف ما تحت الهواء، و إن كان في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاها الله الماضين النبيين و المرسلين إلا و قد جعله الله تعالى ذلك كله لنا في أم الكتاب، إن الله تبارك و تعالى يقول: و ما من غائبة في السماء و الأرض إلا في كتاب مبين ، ثم قال عز و جل: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، فنحن الذين اصطفانا الله فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء.
وفي «تفسير القمي» و غيره عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل و فيه: فجاءهم النبي صلى الله عليه و آله بنسخة ما في الصحف الأولى، و تصديق الذي بين يديه، و تفصيل الحلال من ريب الحرام، و هو ذلك القرآن، فاستنطقوه و لن ينطق لكم أخباره، فيه علم ما مضى، و علم ما يأتي إلى يوم القيامة، و حكم ما بينكم، و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لأخبرتكم عنه لأني أعلمكم الخبر
و في «البصائر» عن الصادق عليه السلام إن في القرآن ما مضى و ما يحدث و ما هو كائن.
و في «الكافي» عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث أنه قال: ما من شيء تطلبونه إلا و هو في القرآن فمن أراد ذلك فليسألني عنه
و عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له مذكورة في نهج البلاغة: ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، و سراجا لا يخبو توقده، و بحرا لا يدرك قعره و منهاجا لا يضل نهجه، و شعاعا لا يظلم ضوئه، و فرقانا لا يخمد برهانه، و بيانا لا تهدم أركانه، و شفاء لا تخشى أسقامه، و عزا لا تهزم أنصاره، و حقا لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان و بحبوحته و ينابيع العلم و بحوره، و رياض العدل و غدرانه و أثافي الإسلام و بيانه، و أودية الحق و غيطانه ، و بحر لا ينزفه المنتزقون و عيون لا ينضبها الماتحون و مناهل لا يغيضها الواردون و منازل لا يضل نهجه المسافرون، و أعلام لا يعمى عنها السائرون و آكام لا يجوز عنها القاصدون جعله الله ريا لعطش العلماء ، و ربيعا لقلوب الفقهاء، و محاج لطرق الصلحاء و دواء ليس بعده داء، و نورا ليس معه ظلمة، و حبلا وثيقا عروته، و معقلا منيعا ذروته، و عزا لمن تولاه، و سلما لمن دخله، و هدى لمن أئتم به، و عذرا لمن انتحله، و برهانا لمن تكلم به، و شاهدا لمن خاصم به، و فلجا لمن حاج به و حاملا لمن حمله، و مطية لمن أعمله، و آية لمن توسع، و جنة لمن استلأم و علما لمن وعى، و حديثا لمن روى، و حكما لمن قضى
و في «المناقب» عن بكير بن أعين قال: قبض أبو عبد الله عليه السلام ذراع نفسه و قال: يا بكير هذا و الله جلد رسول الله صلى الله عليه و آله و هذه و الله عروق رسول الله صلى الله عليه و آله، و أعلم ما في الأرض، و أعلم ما في الدنيا، و أعلم ما في الآخرة، فرأى تغير جماعة، فقال: يا بكير إني لأعلم ذلك من كتاب الله إذ يقول: نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي
و في تفسير فرات عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة و برىء النسمة إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، و إني لأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل، و إني لأعلم بالقرآن من أهل القرآن، و الذي فلق الحبة و برىء النسمة ما من فئة تبلغ مائة إلى يوم القيامة إلا و أنا عارف بقائدها و سائقها، سلوني عن القرآن، فإن في القرآن بيان كل شيء، فيه علم الأولين و الآخرين، و إن القرآن لم يدع لقائل مقالا: و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم
و عن كتاب سليم بن قيس في خبر طويل أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه و آله عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه و آله و خطي بيده، و تأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه و آله و كل حلال، أو حرام، أو حد، أو حكم، أو شيء تحتاج إليه الأمة الى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه و آله و خطي بيدي، حتى أرش الخدش الخبر
و عن الحسن بن سليمان في كتاب «المختصر» مما رواه من كتاب نوادر- الحكمة عن أبي الحسن الأول عليه السلام في قوله: و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى فقد أورثنا الله تعالى هذا القرآن، ففيه ما يسير به الجبال و تقطع به الأرض و يكلم به الموتى، إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: و ما من غائبة في السماء و الأرض إلا في كتاب مبين ، و قال تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فنحن الذين اصطفانا الله عز و جل فورثنا هذا الكتاب الذي فيه كل شيء
وفي «البصائر» عن عبد الأعلى قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداء منه: و الله إني لأعلم ما في السموات و ما في الأرض، و ما في الجنة و ما في النار، و ما كان و ما يكون إلى أن تقوم الساعة، ثم قال: أعلمه من كتاب الله أنظر اليه هكذا ثم بسط كفيه ثم قال عليه السلام إن الله يقول: و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء
وفيه بأسانيد عديدة عنه عليه السلام: إني لأعلم ما في السموات و أعلم ما في الأرضين و أعلم ما في الجنة، و أعلم ما في النار، و أعلم ما كان و ما يكون، ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه، فقال عليه السلام: علمت ذلك من كتاب الله تعالى إن الله يقول: «فيه تبيان كل شيء»
وفي «الخرائج» عن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال الباقر عليه السلام: يا عبد الله ما تقول في علي و موسى و عيسى؟ قلت: ما عسى أن أقول، قال عليه السلام: هو و الله أعلم منهما ثم قال: ألستم تقولون: إن لعلي ما لرسول الله صلى الله عليه و آله من العلم؟ قلنا:نعم، و الناس ينكرون، قال عليه السلام فخاصمهم فيه بقوله تعالى لموسى: و كتبنا له في الألواح من كل شيء ، فعلمنا أنه لم يكتب له الشيء كله، و قال لعيسى: و لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فعلمنا أنه لم يبين له الأمر كله، و قال لمحمد صلى الله عليه و آله: و جئنا بك شهيدا على هؤلاء و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ربما مر و يمر عليك ذكر بعضها في طي المقدمات، و في تضاعيف تفاسير بعض الآيات، و هي كما ترى ما بين ظاهرة و صريحة في ذلك، و العموم في بعضها كالمشتملة على ما تحتاج إليه الأمة، و حد كل شيء حتى أرش الخدش، و غيرها و إن من كان جهة الأحكام الشرعية، و الأمور التعبدية، إلا أنه لا منافاة فيها لما يدل عليه غيرها ظهورا أو صراحة من الشمول للحوادث، و الكينونات الدنيوية، و الأخروية، و لذا صرحوا عليهم السلام بأن فيه علم ما في السماوات و ما في الأرض، و ما في الجنة، و ما في النار إلى غير ذلك مما يؤيد به الآيات المتقدمة، و إلا فالإنصاف أنها أيضا مستقلة في الدلالة على ذلك بعمومها الذي ينبغي صرفه إلى الحقيقة.
و توهم أنه مشتمل على آيات و ألفاظ معدودة متناهية دالة بوجوه الدلالات العرفية المنحصرة في الثلاث فكيف يكون المدلول بها تلك المعاني الكثيرة المشتملة على جميع ما مضى و ما يأتي إلى يوم القيامة، بل و بعد القيامة من الأحوال، و الأطوار، و الأفعال الكثيرة المتجددة الغير المتناهية الدائمة بدوامه سبحانه.
مدفوع بأن قلة الألفاظ و تناهيها لا تمنع من كثرة المعاني و لا تناهيها إذا كانت هناك سعة من جهة الدلالة، أ لا ترى أن الحروف المقطعة منحصرة في ثمانية و عشرين حرفا و بها يعبر من حيث وجوه التركيب و فنون الترتيب عن جميع المعاني و المقاصد التي يقع التعبير عنها بين أهل العالم في محاوراتهم، و مكاتباتهم، و تصانيفهم، فالمعاني لا ريب في لا تناهيها مع أنه يعبر عنها بالألفاظ و إن لم يحط التعبير إلا بالمحدود منها.
فإن قلت: إن وجوه الدلالة محصورة معروفة عند أهل المعرفة باللسان فلو دل القرآن على جميع المعاني و المفاهيم و الحقائق و الوقايع و الحوادث اليومية الجزئية حتى خصوص الحركات الصادرة عن خصوص أفراد الإنسان في جميع الأزمان بل ساير الشؤون و الأحوال و الأطوار و الحركات، و الخطرات، و الإرادات، و الاقتضاءات الواقعة في جميع العوالم من الغيب، و الشهادة في الفلكيات و العنصريات، و المركبات المعدنية، و النباتية، و الحيوانية لفهمها أهل اللسان الذين قد أنزل الله تعالى بلسانهم الرسول و القرآن كما قال: و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ، و قال: نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* بلسان عربي مبين و قال: و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر و قال: إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون الى غير ذلك من الآيات و الأخبار الدالة على ذلك على أن المفسرين من الخاصة العامة قد تصدوا لتفسيره و تنقيره، و تشمروا للفحص عن تنزيله و تأويله فلم يزيدوا على ما دونوه من تفاسيرهم مع أنهم ذكروا كل ما قيل من حق أو باطل، و أين هذا من كل الأحكام التي ذكروا أن القرآن لا يستفاد منه إلا أقل قليل من مجملاتها، و لذا فزعوا إلى العمل بأخبار الآحاد، بل إلى ساير الطرق الظنية في استنباط الأحكام الشرعية، بل أين هذا من جميع الحقائق التكوينية و الحوادث الكونية المتعلقة بجميع ذرات العالم مما كان أو يكون إلى يوم القيامة.
قلت: هذا كله اجتهاد في مقابل النصوص، و جرأة في الرد على أهل الخصوص، و قد قال سبحانه: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و ذلك أنك قد سمعت منا أولا أن التصديق التفصيلي في هذا الباب غير ممكن لنا، كيف و هو موقوف على تمام العلم و الإحاطة بظاهر القرآن و باطنه، و باطن باطنه، و هكذا إلى سبعة بطون أو سبعين بطنا أو أزيد من ذلك، بل قد ورد أن الكلمة من آل محمد عليهم السلام لتنصرف على سبعين وجها فما ظنك بالقرآن الذي لا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم.
و لذا قال مولانا الباقر عليه السلام لقتادة على ما رواه في «الكافي» في الصحيح و يحك يا قتادة إن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت و أهلكت، و يحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به
و قال مولانا الصادق عليه السلام لابن الصباح: إن الله علم نبيه التنزيل و التأويل، فعلمه رسول الله صلى الله عليه و آله أنه خطب خطبة ذكر فيها: أن عليا هو أخي، و وزيري، و هو خليفتي و هو المبلغ عني، إن استرشدتموه أرشدكم، و إن خالفتموه ظللتم، إن الله أنزل علي القرآن و هو الذي من خالفه ضل، و من يبتغي علمه عند غير علي هلك
وقال مولانا الرضا عليه السلام لابن الجهم اتق الله، تأول كتاب الله برأيك، فإن الله يقول: و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم
و قال عليه السلام فيما كتبه للمأمون: إن الأئمة عليهم السلام هم المعبرون عن القرآن و الناطقون عن الرسول بالبيان
و قال مولانا الصادق عليه السلام بعد ذكر كلام طويل في تفسير القرآن إلى أقسام و فنون و وجوه تزيد على مائة و عشر إلى أن قال: و هذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق كما لا تشبه أفعاله أفعالهم و لهذه العلة و أشباهها لا يبلغ أحد كنه حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه و أوصيائه
ثم اعلم أن ما ذكر في السؤال من حصر وجوه الدلالة فيما هو المعروف عند أهل العرف ممنوع جدا فإن التفاهم بالدلالات الثلاث إنما هو للعامة و للخواص و الخصيصين طرق أخرى لا يجري بها القلم، و لا يحتوي عليها الرقم، و ناهيك في ذلك أن جواب كل سؤال مطوي فيه مستفاد منه بالقواعد التكسيرية التي ليست من الدلالات اللفظية، بل يشهد به أيضا ملاحظة العلوم المستنبطة من الحروف المقطعة في فواتح السور. و قول أبي جعفر عليه السلام لأبي لبيد: إن لي فيها لعلما جما، و استخراج قيام الأئمة و الخلفاء منها.
و ما ذكره عليه السلام في جواب وفد فلسطين حيث سألوا عن الصمد من العلوم الغريبة التي يشتمل على جملة منها الخبر إلى أن قال عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز و جل حملة لنشرت التوحيد، و الإسلام، و الإيمان و الدين، و الشرائع من الصمد، و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه، حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني لعلما جما هأه هآه ألا لا أجد من يحمله الخبر
و ما يأتي نقله عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من طرق الخاصة و العامة من تفسير بسم الله لابن عباس ليلة تامة، و أنه قال: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير بسم الله.
إلى غير ذلك مما لا يخفى على من جاس خلال ديارهم، و له أنس بأخبارهم، و استنار قلبه بتجلي أشعة أنوارهم.
و أما كون القرآن عربيا أنزله الله تعالى تفهيما و تبيانا للناس فلا ينافي ما ذكرناه، لأنا لا نمنع دلالة ظاهرة كسائر الألفاظ و العبارات، لجريانه على طريقة العرف و اللغة، إنما الكلام في أن فيه وجوها من الإشارة و الدلالة، يستنبط منها الأمور التكوينية، و الأحكام الشرعية بأسرها، و إنما يعلمها النبي صلى الله عليه و آله و آله الطيبون الذين يستنبطونه منه. و لذا
قال مولانا الصادق عليه السلام على ما رواه في الغوالي: القرآن على أربعة أشياء: على العبارة، و الإشارة، و اللطائف،
و الحقائق، فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص، و اللطائف للأولياء، و الحقائق للأنبياء
و من جميع ما مر يظهر الجواب عن اقتصار المفسرين على الظاهر، بل و عن الاستبعاد الذي في السؤال حسبما قد ينسبق الى بعض الأذهان و إن لم ينطق به اللسان بعد تظافر الأخبار، و تكاثر الآثار، بل قد ظهر مما مر و من التأمل في وجوه التأويلات، و البطون المأثورة في الأخبار أن وجوه الدلالة فيها غير منحصرة في جهة واحدة، بل منها من جهة الحمل على الحقيقة الأولية، و الحقيقة بعد الحقيقة و اعتبارها في ساير المجالي التي ينبغي التعبير عنها بالمصاديق و الأفراد حسبما تأتي اليه الاشارة في تحقيق البطون، و منها من جملة الاستنباطات العددية، و القواعد التكسيرية، و الاعتبارات الوفقية، و غير ذلك مما يطول شرحها، و منها من جهات أخرى لا يحيط بأكثرها الأفهام، و لا يجري عليها الأقلام بل لعله لا يدرك نوع سنخيته بوجه من الوجوه فضلا عن إدراك حقيقته، و الاطلاع على كلية قاعدته.
و أما ما حكاه في «الصافي» ملخصا عن بعض أهل المعرفة من أن العلم بالشيء إما يستفاد من الحس برؤية، أو تجربة، أو سماع خبر، أو شهادة، أو اجتهاد، أو نحو ذلك، و مثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط، لأنه إنما يتعلق بالشيء في زمان وجوده علم، و قبل وجوده علم آخر، و بعد وجوده علم ثالث، و هكذا كعلوم أكثر الناس.
و إما يستفاد من مباديه، و أسبابه، و غاياته علما واحدا كليا بسيطا محيطا على وجه عقلي غير متغير، فإنه ما من شيء إلا و له سبب، و لسببه سبب، و هكذا الى أن ينتهي الى مسبب الأسباب، و كل ما عرف سببه من حيث يقتضيه و يوجبه فلا بد أن يعرف ذلك الشيء علما ضروريا دائما، فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية، و عرف ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية، بالعبادات الدائمة، و النسك المستمرة من غير فتور و لغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي و المسببي، فيحيط علمه بكل الأمور و أحوالها و لواحقها علما بريئا من التغير و الشك و الغلط، فيعلم من الأوائل الثواني، و من الكليات الجزئيات المترتبة عليها، و من البسائط المركبات، و يعلم حقيقة الإنسان و أحواله، و ما يكملها و يزكيها و يصعدها الى عالم القدس و ما يدنسها و يرديها و يشقيها و يهويها إلى أسفل السافلين، علما تابعا غير قابل للتغير، و لا محتملا لتطرق الريب، فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية، و من حيث لا كثرة فيه و لا تغير، و إن كانت كثيرة متغيرة في أنفسها، و بقياس بعضها الى بعض، و هذا كعلم الله سبحانه بالأشياء، و علم الملائكة المقربين، و علوم الأنبياء و الأوصياء بأحوال الموجودات الماضية المستقبلة، و علم ما كان و علم ما سيكون الى يوم القيامة من هذا القبيل، فإنه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات و لا متكثر بتكثرها، و من عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى: و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و يصدق بأن جميع العلوم و المعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيا، و تصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد و السماع و نحوهما، إذ ما من أمر من الأمور إلا و هو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته و أسبابه و مباديه و غاياته، و لا يتمكن من فهم آيات القرآن، و عجائب أسراره و ما يلزمها من الأحكام و العلوم التي لا تتناهي إلا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل
ففيه أن سوق هذا الكلام إنما هو في تحقيق علم الباري تعالى حسبما ذهب اليه بعض المحققين و إن كان لا يخلو من نظر، نظرا الى عدم ترتب الحوادث الكونية حتى الأفعال الاختيارية بقاعدة السببية التي هي أشبه بالأمور الطبيعية، و كأنه مبني على القول بفاعلية سبحانه بالعلية و الإيجاب، بل قد يظهر منه الاضطرار في أفعال العباد، و إلا فالمختار قد يختار المرجوح أو الراجح باختياره الذي هو السبب التام، و إن كان مرجحات آخر لغيره.
و جعل الإرادة أيضا من جملة الأسباب المسببة عن كينونة الطبيعة تكوينا جعليا ابتدائيا منه سبحانه أو تبعيا للأعيان الثابتة حسبما توهموه. فاسد من وجوه: كالجبر و انثلام قاعدة السببية المقصودة و بطلان القول بالأعيان، و عدم استحقاق الثواب، و قبح العقاب الى غير ذلك مما تأبى عنه قواعد العدلية المستفادة عن الشريعة الحقة النبوية. و من هنا يظهر فساد ما فرع عليه من اشتمال القرآن على العلوم بالوجه المرسوم، مع أنه لا اختصاص له حينئذ به كل اسم من أسمائه مما يتكلم به كل أحد لدلالته على مسبب الأسباب يدل على تفاصيل المصنوعات المترتبة الى ما لا نهاية لها و هو كما ترى.
هذا مضافا الى ما يظهر منه من التسوية بين علمه سبحانه و علوم ملائكته و أنبيائه، لفقد الجامع فضلا عن الاتحاد بين ما هو ذات الواجب بلا مغايرة حقيقة و اعتبارية و بين صفة الممكن، و إرادة العلم الفعلي مع أنه ليس من مذهب الحاكي و لا المحكي عنه كما يظهر من ساير كتبهما توجب التسوية بين ذات الممكن و وصفه في «الكافي» عن الصادق عليه السلام: إن الله علم نبيه (صلى الله عليه و آله و سلم) التنزيل و التأويل فعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا ثم قال (عليه السلام): و علمنا و الله، الخبر[33]
و قد قال أيضا: من وجوه الإعجاز اشتماله على الآداب القويمة و الشرائع المستقيمة، و مكارم الأخلاق، و محاسن الصفات مما فيه نظم إصلاح أحوال العباد و نظم سياسة البلاد، بحيث لو تأمل فيه العالم البصير لعلم أنه ليس إلا تنزيلا من عليم خبير، و من العوارض النفسانية لكثير من الناس عند قراءته و استماعه من المصيبة و الخوف و الخشية، و الشوق و الرقة و التوجه الى المبدء، و التذكر لأمور الآخرة، و دفع الحيرة، و انكشاف العلوم الغيبية و المعارف الربانية، و غير ذلك من الأطوار العجيبة و الأحوال الغريبة المختصة به دون غيره من الكلمات و الخطب و الأشعار و غيرها، و إن اختلفت تلك الأحوال باختلاف الأشخاص و الأزمان و غيرها.
و منها الاستخارات المجربة التى كأنها بقية من الوحي الإلهى و الإلهام حتى انه ربما يستفاد مقصد المستخير و جوابه و عاقبته من الآية تصريحا أو تلويحا، بل كثيرا ما اتفق لهذا العبد المسكين، و غيري من المسلمين الإخبار عن مقصد المستخير بمجرد التأمل في الآية، من دون علم سابق به، و مما يئول الأمر إليه في العاقبة، و هذا واضح لمن جرب ذلك.
و منها اشتمال سوره و آياته و كلماته و حروفه على الأسرار العجيبة و الخواص الغريبة من شفاء الأمراض و الاعراض، و دفع العافات و العاهات و البليات، و استجلاب الخيرات، و أداء الديون و الغرامات، و غير ذلك مما سنشير الى جماعة منها في الباب الرابع عشر.
و منها انطباق كثير من الأسئلة و الأجوبة الواقعة فيه على القواعد الجفرية التي هي من قواعد علم التكسير[34] التى لم يطلع عليها الا الاوحدي من الناس، بل هو من علوم الأنبياء و الأوصياء و خواص الأولياء و لذا ترى أنك إذا علمت في قوله تعالى: من يحي العظام و هي رميم بالقواعد التكسيرية يخرج الجواب: يحييها الذي أنشأها أول مرة و كذا إذا سألت بهذه العبارة: من خلق السماوات و الأرض يخرج الجواب: خلقهن العزيز العليم إلى غير ذلك مما لا يخفى على أهله[35].
شیخ محمدحسین اصفهانی
المقدمة السادسة في نبذة مما جاء في أن القرآن تبيان كل شيء و بيان ذلك
فعن الكافي بسنده عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى و الله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: «لو كان هذا في القرآن» إلا و قد أنزله الله فيه.»
و باسناده عن عمرو بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: «إن الله تعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الامة إلا أنزله في كتابه، و بينه لرسوله، و جعل لكل شيء حدا، و جعل عليه دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا.»
و باسناده عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله، و لكن لا تبلغه عقول الرجال.»
و باسناده عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إذا حدثتكم بشيء فاسئلوني أين هو في كتاب الله تعالى».
ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن القيل و القال، و فساد المال، و كثرة السؤال. فقيل له: يا ابن رسول الله، أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله تعالى يقول: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.» و قال: «لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما.» و قال: «لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.»
و بأسانيد متعددة، عن الصادق عليه السلام في الرسالة التي كتبها لأصحابه بعد التحذير عن الاخذ في الدين بالهوى و الرأي و المقائيس: «... قد أنزل الله القرآن و جعل فيه تبيان كل شيء، و جعل للقرآن و تعلم القرآن أهلا ...»
و عن الصفار في بصائر الدرجات بسنده عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«إن في القرآن ما مضى و ما يحدث و ما هو كائن، و كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، و إنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى يعرف ذلك الوصاة.»
و عن العياشي، عنه ما يقرب من ألفاظه
و روى غيره عن موسى بن عقبة أن معاوية أمر الحسين عليه السلام أن يصعد المنبر فيخطب، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال:
«نحن حزب الله الغالبون، و عترة نبيه الأقربون، و أحد الثقلين، الذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله؛ فيه تفصيل لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و المعول علينا في تفسيره لا نتظنى تأويله، بل نتبع حقائقه.»
أقول:
اعلم أن الحكيم هو الذي يضع الاشياء مواضعه، و يعطي كل ذي حق حقه، و الجواد المطلق هو الذي يعطي كل محتاج ما يحتاج إليه، و الفياض المطلق من يعطي كل قابل ما له قابليته و استعداده. و لما كان الممكن في نفسه و مرتبة ذاته معدوما محضا، لا يتصف بأمر أصلا، فحصول القابلية و الاحتياج و الاستحقاق و صيرورته ذا شأنية و صلاحية به يكون موضعا واقعيا لأمر ما لا يكون في الممكن إلا باعطاء الحق إياه ذلك، كما أنه لا تمايز بين الاعدام حال العدم المطلق، فالله سبحانه ينشأ ذات الممكن، و يعطيه القابلية و الاستحقاق و الشأنية و الاحتياج، و يهب له ما يقتضيه ذلك العطاء الاول؛ فيخلق الحيوان و يعطيه الحاجة إلى الرزق و يرزقه، و كل شيء موجود فهو بتقدير الله و قضائه و قدره و مشيته و إمضائه، و المتعلقة بتلك الجزئيات، و تلك الجزئيات واقعة تحت أنواع و أصناف هي مناط صيرورتها محال تلك الامور الالهية. فالانواع و قابلياتها المصححة لتلك الامور و الامور المفروضة كلها راجعة إليه، و فعل كل أحد يرجع إلى صفاته؛ لأنها المبادئ للأفعال، فاذا أعطى زيدا أحدا و منع آخر مع استواء قدرته بالنسبة إلى كل منهما، فيعلم كل أحد أن للمعطى خصوصية في قلب المعطي به صار سببا لاعطائه، و هو غير موجود في الآخر من محبة أو صداقة أو فقر أو غيرها.
و أنت إذا تدبرت جميع أفعال الانسان وجدت لها مبادئ في نفسه، لو لم يكن تلك المبادئ لم يصدر عنها تلك الافعال الاختيارية، فاذا رأينا زيدا يصلي أو يدعو أو يضرب أحدا أو يقتله أو يكرمه أو غير ذلك، علم العاقل أن له إرادة متعلقة بذلك، منبعثة عن صفة نفسانية اقتضت ذلك الاختيار. و كذا جميع موجودات العالم يرجع إلى تلك الامور المفروضة، و هي إلى حقائق أسماء الله سبحانه، التي تسمى بها، و صفاته الافعالية، و هي إلى الصفات الذاتية، التي هي عين الذات. و لكل شيء سبب مركب من مقتض و شرط و معد و انتفاء مانع، و لها أيضا أسباب كذلك، إلى أن ينتهي إلى مسبب الاسباب. فمن عرف الله سبحانه بجميع أسمائه فقد عرف جميع المخلوقات لانتقال الذهن من الاسباب إلى المسببات، و من عرف فردا من أفراد كل عنوان بالعناوين التي باعتبارها صار معروضا لأفعال الله سبحانه و أسمائه، فقد عرف الاسماء و الصفات بعد معرفة كيفية الارتباط و مناطه.
و القرآن مبين للأسماء و الصفات و الحوادث و كيفية الارتباط تصريحا و تلويحا، و يشبه أن يكون ذكر كثير من أسماء الله سبحانه عقيب ذكر الحوادث تنبيها على مبدء تلك الحادثة، و أن مصدرها هو ذلك الاسم و الصفة. فالقرآن واف ببيان جميع الاشياء لمن يعرفه حق معرفته.
و قد سبق بعض البيان في ذلك، و ستعرف بعض ما يتضح به ذلك- إن شاء الله تعالى-. و هذا ذكر إجمالي سنح بالبال، فتدبره فلعله يكون الحق في المقال، و الله العالم بحقيقة الحال[36].
[1] المحاسن، ج ١، ص ٢۶٧-٢٧٠
[2] الکافی، ج ١،ص ۵٩-۶٢
[3] المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ ص۵۶۶-۵۶٧
[4] كمال الدين و تمام النعمة ؛ ج۲ ؛ ص۶۶۳
[5] المناقب، ج ۲، ص ۳۹
[6] المناقب، ج ۳، ص ۲۴۰-۲۴۱
[7] مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام، ص: ۳۵
[8] الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، ج1، ص: ۲۱۱
[9] الصراط المستقیم الی مستحقی التقدیم، ج1،ص ۲۱۸
[10] تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، ص:۴٨٠-۴۸۱
[11] شرح أصول الكافي (صدرا)، ج2، ص:۳۲۴-٣٢٨
[12] شرح الكافي-الأصول و الروضة (للمولى صالح المازندراني)، ج2، ص: ۳۶۷
[13] شرح الكافي-الأصول و الروضة (للمولى صالح المازندراني)، ج5، ص: ۳۶۳
[14] تفسير الصافي، ج1، ص: ۵۶-۵٨
[15] البرهان في تفسير القرآن، ج۱، ص: ۳۰
[16] بحار الانوار، ج ۸۹، ص ۷۸
[17] همان، ص ٧٩
[18] همان، ص ٨٠
[19] ( 4) الأنبياء: ۲۴.
[20] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۸۶
[21] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۱
[22] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۴
[23] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۵
[24] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۶
[25] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۷
[26] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۷
[27] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۹۸
[28] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۱۰۰-١٠١
[29] بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج۸۹ ؛ ص۱۰۳-١٠۶
[30]صاحب تفسیر الصراط المستقیم متوفای ١٢٧۶
[31] تفسير الصراط المستقيم، ج1، ص: ۲۲۳
[32] تفسير الصراط المستقيم، ج1، ص: ۲۵۶-۲۵۱
[33] تفسير الصراط المستقيم، ج2، ص: ۷-٢۶
[34] در تکسیر هر کدام از سه هجای سازنده حرف اصلی به هجاهای مختلف سازنده هجای اولیه تقسیم میشود، یعنی هجای الف که خود اولین هجا در تفصیل هجای الف بود، به سه هجای الف، لام، و فا تقسیم میگردد، و در بسط، ارزش عددی هر کدام از هشت هجای ا، ل، ف، ل، ا، م، ف، ا، محاسبه میشود. هروی معنای کاملاً متفاوتی برای بسط و تکسیر بیان نموده است.(سایت ویکی فقه)
[35] تفسير الصراط المستقيم، ج2، ص:٢۶۴-۲۶۵
[36] مجد البيان فى تفسير القرآن، النص، ص: ۹۹-١٠٣