[استیحاش:]
[لزوم بطلان صوم النبی و الائمه]
و الحاصل أنّ العمل بالأصول العملية ممّا لا ريب في کونه سيرة العقلاء و مرضيا للشارع و معمولًا به عند المتشرّعة مع علمهم بأنّها تكون في معرض الخطأ، و لكن في خصوص بحث الرؤية بالعين المسلّحة، نُواجه تعظيمًا لجانب حصول هذا الخطأ، فنری کثيرًا في استدلال الذين لا يرون کفاية الرؤية بالتلسكوب، أنّه يقال مثلًا:
«لو بني على كون المناط في دخول الشهر بظهور الهلال في الأفق بنحوٍ قابلٍ للرؤية و لو بأقوى التلسكوبات والأدوات المقرّبة لاقتضى ذلك أنّ صيام النبي (ص) و الأئمّة (عليهم السلام) و فطرهم و حجّهم و سائر أعمالهم التي لها أيّام خاصّة من الشهور لم تكن تقع في كثير من الحالات في أيّامها الحقيقيّة، لوضوح أنّهم(عليهم السلام) كانوا يعتمدون على الرؤية المتعارفة في تعيين بدايات الأشهر الهلاليّة، مع أنّهم ـ و كذلك كثير من أهل النباهة في عصرهم ـ كانوا على علمٍ بأنّه قلّما يرى الهلال بالعين المجرّدة واضحاً ومرتفعاً في ليلة إلّا و يكون في الليلة السابقة عليها قابلاً للرؤية بأداة مقرّبة قويّة لو كانت متوفّرة، فلماذا لم يعهد منهم ولا من غيرهم التعويل على ذلك في عدّ الهلال لليلتين عندما يرى لأوّل مرّة واضحًا ومرتفعًا؟![1]»
أو يقال:
«و لكن هل يمكن القول بأنّ المسلمين منذ بداية البعثة و إلى الآن كانوا يقعون في هذا الاشتباه و الخطأ مرارًا عديدة و بالتالي سيحرمون من إدراك فضيلة ليالي القدر و يصومون يوم العيد لأنّهم لم يخترعوا جهاز التلسكوب فيصلّون صلاة العيد في اليوم اللاحق (لأنّ الهلال كان موجودًا في الليلة السابقة و لكن الناس لم يروه بالعين المجرّدة). و حتّى الأشخاص الذين يرون كفاية رؤية الهلال بالتلسكوب يجب عليهم الإذعان إلى هذه الحقيقة، و هي أنّهم في السنوات الفائتة و كذلك مقلّديهم كانوا يرون الليلة الثانية لشهر رمضان هي الليلة الاولى و أنّ عيد الفطر يقع في اليوم الثاني من شوّال لأنّهم لم يكونوا يستخدمون سابقًا التلسكوب[2]...».
فنری استيحاشًا في أذهان المتشرّعة أن يذعنوا بوقوع الخطأ غالبًا في الصيام و الإفطار و مناسك الحجّ من زمن النبيّ(ص) و الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) و من جميع المسلمين، بفقدهم للأجهزة الحديثة، و وقوع الخطأ أحيانًا في العمل بالأصول العملية، غير وقوع الخطأ غالبًا بنحوٍ يوجب الوهن في العمل بالشرع.
و هذا الاستيحاش حقّ لو فرض مفاد بعض التعبيرات السابقة حقًّا: « بأنّه قلّما يرى الهلال بالعين المجرّدة واضحًا ومرتفعًا في ليلة إلّا ويكون في الليلة السابقة عليها قابلاً للرؤية بأداة مقرّبة قويّة» أو «المسلمون منذ بداءة البعثة و إلى الآن كانوا يقعون في هذا الاشتباه و الخطأ مرارًا عديدة … و القائلون بالكفاية يجب عليهم الإذعان إلى هذه الحقيقة، و هي أنّهم و مقلّديهم كانوا يرون الليلة الثانية لشهر رمضان هي الليلة الأولى و أنّ عيد الفطر يقع في اليوم الثاني من شوّال لأنّهم لم يكونوا يستخدمون سابقًا التلسكوب»،
نعم إن کانت هذه المدعاة هي الحقيقة: «کانوا يرون» الدالّة علی الاستمرار، أو صحّ التعبير: «قلّما يرى...» الدالّ علی الغالب، فلا ينبغي معارضة هذا الاستيحاش، بل لا ينفع السعي للجواب عنه، لأنّ المخاطب يحتاج إلی الاطمئنان النفسيّ بعد استماع الجواب، فما دام المفروض أنّ الحقيقة هكذا فلا يحصل الاطمئنان بأيّ جواب.
أمّا إذا فرضنا أنّ الحقيقة ليست وقوع الخطأ کثيرًا، بل لعلّ الخطأ في ثبوت الشهر بالعين المجرّدة أقلّ بمراتب من الخطأ الحاصل في العمل بالأصول العملية الدارجة بين المتشرّعة، فلا يحصل هذا الاستيحاش قهرًا، و يذوب تعظيم الأخطاء جهرًا، و هذا ما يحتاج إلی توضيحٍ نذکره في التعليقة الآتية إن شاء الله.
[1] استفتاء من سماحه السید السیستانی
[2] مسائل مهمه حول رویه الهلال، ص ١۴-١۵