رفتن به محتوای اصلی

الف) جریان خیار شرط در ایقاعات

شیخ انصاری

فنقول: أمّا الإيقاعات، فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها، كما يرشد إليه استدلال الحلّي في السرائر على عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود[1].

قيل: لأنّ‌ المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبّه عليه جملةٌ‌ من الأخبار و الإيقاع إنّما يقوم بواحدٍ[2].

و فيه: أنّ‌ المستفاد من الأخبار كون الشرط قائماً بشخصين: المشروط له، و المشروط عليه، لا كونه متوقِّفاً على الإيجاب و القبول؛ أ لا ترى أنّهم جوّزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمةَ‌ مدّةٍ‌[3] تمسّكاً بعموم: «المؤمنون عند شروطهم»، غاية الأمر توقّف لزومه كاشتراط مالٍ‌ على العبد على قبول العبد على قول بعضٍ‌[4]. لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول. 

فالأولى الاستدلال عليه مضافاً إلى إمكان منع صدق الشرط، أو[5] انصرافه، خصوصاً على ما تقدّم عن القاموس[6] -: بعدم مشروعيّة الفسخ في الإيقاعات حتّى تقبل لاشتراط التسلّط على الفسخ فيها. 

و الرجوع في العدّة ليس فسخاً للطلاق، بل هو حكم شرعيٌّ‌ في بعض أقسامه لا يقبل[7] الثبوت في غير مورده، بل و لا السقوط في مورده. 

و مرجع هذا إلى أنّ‌ مشروعيّة الفسخ لا بدّ لها من دليلٍ‌، و قد وجد في العقود من جهة مشروعيّة الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها، بخلاف الإيقاعات؛ فإنّه لم يُعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتّى يصحّ‌ اشتراط ذلك فيها. 

و بالجملة، فالشرط لا يَجعل غيرَ السبب الشرعي سبباً، فإذا لم يعلم كون الفسخ سبباً لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه بناءً‌ على أنّ‌ اللزوم في الإيقاعات حكمٌ‌ شرعيٌّ‌ كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سبباً باشتراط التسلّط عليه في متن الإيقاع. 

هذا كلّه، مضافاً إلى الإجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر على عدم دخوله في العتق و الطلاق[8]، و إجماع المسالك على عدم دخوله في العتق و الإبراء[9].[10]

میرزا حبیب الله رشتی

و هناك وجوه أخر مذكورة ترفع الإشكال، الا أن فيما أشرنا غني عنها، و أما في المبحوث عنه فقد ذكرنا رفع الاشكال عنه و لانطباق الأفراد الخارجة عن تحت العموم مع القواعد في المقام ما محصّله: أنك قد عرفت أن الخارج عن تحت العموم المزبور كثير، الا أن جامعها ثلاثة: أحدها: هي الشروط الابتدائية، و ثانيها - هي الشروط الواقعة في ضمن الإيقاعات، و ثالثها: هي الشروط الواقعة في ضمن بعض العقود كالنكاح و نحوه. 

و أما انطباق الأول أعني الشروط الابتدائية معها فلا مكان أن يقال أنها خارجة عن موضوع الشرط رأسا أو الشرط عرفا و شرعا يطلق على الواقع في ضمن شيء لا على الواقع في الكلام ابتداء. و يؤيده كلام بعض أئمة اللغة كصاحب «القاموس» و غيره حيث أنهم جعلوه - لغة - أيضا عبارة عن الشروط الضمنية دون الابتدائية و كيف كان مع قطع النظر عن كلام أهل اللغة لا شبهة أنه كذلك عند العرف و الشرع اللذين تحمل الخطابات الشرعية على متفاهمهما و عليه فلا يشمل الشروط الابتدائية. 

و أما انطباق الثاني، و هي الشروط الواقعة في ضمن الإيقاعات مع القواعد، فلوجوه أحدها: ما أشار إليه في «الجواهر» و محصله: أن المراد من الشروط المأمور بوفائها التي دل عليها الخبر هي الشروط الواقعة فيما لم يكن له الأثر بالفعل كالعقود دونه فيما إذا وقع فيما له أثر بالفعل كاليقاعات، إذ هي تأخذه بمجرد الصيغة فلا يدخلها الشرط الراجع الى اشتراط الفسخ. 

و فيه: انه ان أراد «قده» أن الإيقاعات مؤثرة بالفعل و أنه لا يتوقف تأثيرها عند استكمال الشرائط على شيء، فهذا بعينه ثابت في العقود أيضا، و ان أراد: أن الإيقاع بعد حصول سببه كان مؤثرا على نحو التنجيز بحيث لا يقبل لان يبطل أثره بالفسخ و نحوه، و هذا بخلاف العقد، فإنه قابل لذلك، فهي دعوى بلا بينة، و مضادة واضحة. 

ثانيها: ما أشار إليه البعض من أن الظاهر من الشروط الواجبة الوفاء المدلول عليه بالخبر المذكور، هي الشروط الواقعة فيما يحتاج الى طرفين و شخصين، و من المعلوم هذا منحصر بالعقد دون الإيقاع. 

و فيه: أنه ان أراد ان الشرط يحتاج الى الطرفين لأنه لا يقوم بواحد فهو مسلم، الا أنه لا ينفع بحاله، إذ الشرط الواقع في ضمن الإيقاع أيضا يقوم بطرفين. 

و ان أراد لزوم احتياج محل الشرط و مورده و هو المشروط إليهما فهو دعوى بينة الفساد، لاتفاقهم على صحة اشتراط خدمة العبد لمولاه مدة عند العتق، مع أن محل الشرط هاهنا هو الإيقاع، أعني الإعتاق غير قائم بطرفين. 

ثالثها: ما ذكره شيخنا العلامة الأنصاري «قده» بعد إبطال الوجهين، و محصله: 

أن مشروعية الفسخ - أي القابلية للفسخ - لا بد لها من دليل و قد وجد هذا الدليل في العقد و لم يوجد في الإيقاع فيحكم في الأول بثبوت الفسخ دونه في الثاني، و لا أقل من الشك و هو كاف أيضا في الحكم، بالعدم، و الحاصل إحراز القابلية في العقد دون الإيقاع. فإن قلت: يمكن إحراز القابلية فيها بعموم (المؤمنون عند شروطهم)، إذ عمومه يقتضي الحكم بوجوب الوفاء بكل شرط عدا ما علم خروجه منه، و المفروض أن الشرط الواقع في الإيقاع غير معلوم خروجه. 

قلت: قد حرّر في محله: أن المسلّم صحة التمسك - عند الشك - بالعمومات انما هي في الشبهات الحكمية الراجعة إلى دعوى تخصيص في العام، و أما في الشبهات المصداقية الراجعة إلى الشك في اندراج المشكوك تحت موضوع العام، فلا مجال لها عند أهل التحقيق. 

و ما نحن فيه من قبيل الثاني، لأن الشك في القابلية شك في الاندراج قطعا، و هذا نظير التمسك بعموم قوله تعالى (أَحَلَّ‌ اللّٰهُ‌ الْبَيْعَ‌) لإثبات قابلية بعض ما هو مشكوك البيعة و لان يكون مبيعا و بعموم (أكرم العلماء) لا ثبات عالمية زيد المشكوك علمه مثلا. 

هذا و لكن يمكن الذب عن ذلك تارة بمنع الصغرى و أخرى بمنع الكبرى. 

(اما الأول): فبأن يقال: الفرق بين العقود و الإيقاعات بإحراز القابلية في الأول للفسخ و عدم إحراز قابلية الثاني للفسخ غير صحيح، لان الفرق اما أن يلاحظ بحسب حكم العقل أو بحسب حكم الشرع، و هو غير ثابت مطلقا. 

أما على الأول: فلحكم العقل بعدم قابلية شيء في العقود و الإيقاعات للفسخ لان الفسخ عبارة عن رفع الأثر الثابت و هو غير معقول لكونه أشبه شيء يرفع أثر العلة التامة و هو باطل جدا. و أما على الثاني. فلحكم الشرع بجوازه في الموردين لأن الأثر كمؤثّره شرعي قابل لتصرف الشارع نفيا و إثباتا فيهما أي في العقود و الإيقاعات.

 (و أما الثاني) أعني منع الكبرى: فلانة لا شبهة في إمكان إحراز القابلية للفسخ في الإيقاع أيضا بواسطة عموم (المؤمنون عند شروطهم) و ما يتوهم كونه حينئذ من قبيل التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية واضح الفساد لأن القابلية للفسخ و عدمها من الأمور التي يجب على الشارع بيانها و ليست من قبيل الأمور العرفية التي يوكل بيانها الى العرف. 

و الحاصل: أن بيان عدم قابلية الفسخ في الإيقاع كما في العقود موكول الى الشارع، و حيث لم يبين ذلك بخصوصه نستكشف من العموم الوارد في المقام كونه محققا ثابتا من غير فرق بين الموردين، و من ذلك ظهر فساد التنظير بالأمثلة المذكورة، لأنها من قبيل الأمور العرفية دون الشرعية بخلاف جواز الفسخ و القابلية. 

رابعها: ما يخطر ببالنا من أن الفسخ عبارة عن انحلال العقد و أنه بمعنى الإقالة، فيدخل فيما دخلت فيه الإقالة، و من البيّن أن الإقالة لا تدخل الا فيما يحتاج إلى الإيجاب و القبول فكذلك الفسخ. 

و لعل نظر من أشار الى الوجه الثاني الى هذا، فتظهر الثمرة بين ما أشرنا و بين ما في الكتاب من الوجه الثالث في أصلح المتعلق بما في الذمة الذي يفيد الإبراء، لأنه على مذاقه لا يدخله الشرط قطعا بخلافه على مقتضى ما ذكرنا فإنه صحيح قطعا. 

لكن الإنصاف أن المعتمد ما أفاده «قده» لا بالتقريب المتقدم حتى يرد ما أوردناه بل بتقرير آخر و هو أنه لم يعهد من الشارح و لا من كلام أهل الشرع دخول الفسخ بالنسبة إلى الإيقاعات دونه في العقود فيرجع الى الاستقراء بأنه كلما تتبعنا وجدنا عدم دخول الفسخ بالنسبة إلى الإيقاع دونه بالنسبة إلى العقود، فلا ترد المناقشة المتقدمة الا أنه يرد عليه أن الكلام ليس في بيان اقامة الدليل على خروج ما خرج بل على انطباقه على القاعدة و مجرد تحقق الاستقراء على ما ذكر لا يوجب انطباقه عليها.

اللهم الا أن يقال أنه يستكشف من الاستقراء كون اللزوم في الإيقاعات من لوازم المهيّة و الذات و في العقود من لوازم الإطلاق. و عليه يمكن أن يقال بانطباقه على القاعدة. 

هذا مضافا الى ما في بعض أفرادها كخصوص الطلاق من رجوع اشتراط الفسخ فيه الى اشتراط حصول النتيجة أي أثر النكاح بلا صيغة و لا سبب شرعي مع أنهم أجمعوا على عدم جواز حصول أثر النكاح بدون صيغة خاصة. 

إلا أن الإنصاف أنه يبقى الإشكال في الطلاق بعدم تمامية شيء من الوجوه المتقدمة لانتقاضه بجواز الرجوع في زمن العدة، و ما اعتذره في الكتاب من كونه حكما شرعيا مستفادا من أدلته لا حقا غير مفيد جدا لوضوح عدم تحقق الثمرة بين الأمرين في خصوص المقام، إذ الالتزام بأنه حكم شرعي أيضا مما يضر في المقام خصوصا بالنسبة إلى الوجه الذي أفاده بكلا التقريرين الذين أشرنا إليهما إذ لم يكن وجه لثبوت الحكم بجواز الرجوع في الطلاق لان الغير القابل للفسخ، كيف يصير قابلاً له و الحكم بعدم ثبوت الفسخ من جهة الاستقراء كيف يجامع مع دخوله في بعض الموارد. 

و ليس الفسخ الا عبارة عن مزيل الأثر و من المعلوم تحقق المعنى المزبور في الرجوع أيضا و ان قلنا بكونه حكما شرعيا. نعم على الوجه الرابع الذي أشرنا من كون الفسخ عبارة عن انحلال العقد كالإقالة لم يرد اشكال. و كيف كان هذا الإشكال - أعني النقض بالرجوع في الطلاق - باق بحاله حتى على ما أشرنا أيضا لأن الكلام في اشتراط الخيار، و المراد منه جواز إزالة الأثر و ليس المستفاد من الأدلة اشتراط خصوص الفسخ حتى يقال فيه بعدم ورود النقض بناءا على تفسيره بخصوص حل العقد و انحلاله، بل المستفاد منها ما أشرنا إليه من جواز اشتراط الخيار و هو عبارة عن اشتراط رفع الأثر و حينئذ يرد النقض بالرجوع في الطلاق. و كذلك يرد النقض بجواز الرجوع عن الأخذ بالشفعة عند الأخذ بها إذا اشترط فيه جواز الرجوع و كذا النقض بجواز الرجوع في الإجازة في عقد الفضولي إذا اشترط فيه ذلك.[11]

ما لا يدخله خيار الشرط مالإيقاعات

١٣٣ - قوله قدّس سرّه: (أمّا الإيقاعات فالظاهر عدم الخلاف.. إلخ)[12].

ما يتوهم كونه مانعا من دخول شرط الخيار في الإيقاعات يرجع تارة إلى عدم قبول الإيقاعات للشرط من حيث هو شرط، و أخرى من حيث عدم قبولها للخيار فلا يقبل شرط الخيار، و مجموع ما يمكن أن يقال أو قيل أمور: 

منها: أنّ‌ الشرط لا يكون إلاّ بين اثنين و الإيقاع يقوم بواحد. 

و فيه: أنّ‌ الشرط لا بدّ فيه من مشروط له و مشروط عليه فيكون مبدأ لعنوانين متضائفين، و هذا غير كون مورده و محلّه أمرا متقوّما باثنين، و لو فرض لزوم قبول المشروط عليه فهو قبول للشرط لا قبول يتقوّم به الإيقاع حتى يلزم الخلف. 

منها: أنّ‌ الشرط التزام في ضمن العقد إمّا لغة أو عرفا و لو انصرافا. 

و فيه: - بناء على خروج الشروط الابتدائية عن كونها شروطا موضوعا - لا يجب في تحقق الشرط إلاّ أن يكون في ضمن التزام، لا في ضمن التزامين مرتبطين، ليختص تحقق عنوانه بما إذا وقع في ضمن العقد. 

منها: أنّ‌ الخيار ملك الفسخ و الحلّ‌، و لا حلّ‌ إلاّ بين أمرين مرتبطين، و هما القراران المعامليّان المرتبطان، فلا يعقل الحلّ‌ إلاّ في العقد، فلا يعقل ملك الفسخ و الحلّ‌ إلاّ في العقد. 

و فيه: ان المشروط هنا - المعبّر عنه بالخيار - رفع الشيء كرفع الملكية أو رفع البينونة الحاصلة بالطلاق و نحوه، مع أنّ‌ عنوان الحلّ‌ لا يقتضي كون الأمرين الذين يتقوّم بهما الحلّ‌ قرارين مرتبطين، بل المسبب المرتبط بسببه إذا انفك عن سببه فقد انحل أحدهما عن الآخر، و هذا معقول في الإيقاع.

منها: أنّ‌ مضامين الإيقاعات نوعا أمور عدمية كزوال الزوجية في الطلاق، و زوال الرقية في العتق، و سقوط ما في الذمة في الإبراء، و حيث إنّها أمور عدمية فالرجوع و الردّ فيها من اعادة المعدوم، بخلاف العقود فإنّ‌ مضامينها أمور وجودية، فلا محالة ليس ردّها و الرجوع فيها من اعادة المعدوم. 

و فيه: أنّ‌ حقيقة الفسخ و الرجوع لبّا تملّك جديد، و إثبات الزوجية و الرقية جديدا بعنوان اعادة ما كان، و إلاّ فإعادة الملكية الزائلة في البيع أيضا إعادة المعدوم، و حكم الشيء لا يسري إلى عنوانه و اعتباره. 

و منه علم أنّ‌ توهم أنّ‌ الساقط عما في الذمة لا يعود فاسد، فإنّ‌ الساقط لا يعود حقيقة لا عنوانا، مع كونه ملكية جديدة و اشتغالا جديدا للذمة، نعم توهم أنّ‌ الزوال لا زوال له حقيقة أمر غير استحالة إعادة المعدوم، إلاّ أنّه رفع الزوال عنوانا و إثبات الوجودي الزائل سابقا في حال الفسخ. 

منها: أنّ‌ شرط شيء في ضمن العقد أو الإيقاع يتوقف على مشروعية ذلك الشيء في نفسه، و الفسخ علم مشروعيته في البيع لدخول بعض الخيارات فيه، و لصحة التقايل فيه، و كذا غيره من العقود التي علم صحة التقايل فيها، و إن لم يعلم دخول خيار فيها شرعا، و الإيقاعات لم يثبت فيها خيار شرعا حتى يستكشف منه مشروعية الفسخ فيها و لا صحة التقايل فيها، و بعد عدم مشروعية الفسخ فيها - و لو بالتقايل - لامعنى لنفوذ شرطه. 

و تقريب هذا التفريع بأحد وجهين: 

الأول: أنّ‌ نفوذ الشرط معناه إلزام المشروط عليه و عدم جواز الامتناع منه، و تحقق الإلزام بالشرط فرع جوازه. 

و الثاني: ما أفاده المصنف العلاّمة قدّس سرّه - في آخر كلامه - من أنّ‌ الالتزام في ضمن العقد مثلا بمنزلة رضا المتعاقدين بعد العقد، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافيا في انحلاله كان في ضمن العقد كافيا في أحداث السلطنة على حلّه، و إذا لم يكن تراضيهما بعد العقد كافيا في ذلك فلا معنى لكون التراضي في ضمن العقد بمنزلة التراضي بعد العقد على حلّه. 

و الجواب عن التقريب الأول: ما أشرنا إليه سابقا[13] من أنّ‌ شرط الخيار ليس شرط السلطنة التكليفيّة و الوضعيّة، بل مقتضاه جعل حق الحلّ‌ و الإلزام، و عدم جواز امتناع المشروط عليه أثر الحق المجعول لا هو متعلّق الشرط و لا حكم نفس الشرط ابتداء، و جعل الحقّ‌ لا يجب أن يكون متفرّعا على جواز

الحلّ‌ من المشروط له و لو بالتقايل، كما في جعل الخيار في البيع للأجنبي، فإنّه نافذ مع أنّه ليس للأجنبي جواز الحلّ‌، و لا يصح منه التقايل و لو بالتراضي مع المشروط عليه قبل حدوث الحق، و ليس جعل الخيار للأجنبي بعنوان التوكيل ليقال بكفاية التقايل من الموكل في نفسه. 

و الجواب عن التقريب الثاني: أنّ‌ اعتبار كون شرط الخيار بمنزلة التراضي بالتقايل - حتى يكون تقايلا تنزيليا بضميمة حكم الشارع بوجوب الوفاء - بلا موجب، لا من قبل الشارع و لا من قبل جاعل الشرط، أمّا من قبل الشارع فواضح، إذ ليس إيجاب الوفاء إلاّ إيجاب القيام بما يقتضيه الشرط، و جعل الحق الذي تسبب إليه أحدهما على الآخر كجعل الحق ابتداء، حيث إنّه ليس بعناية قيامه مقام التقايل، كيف و هو حق قهري على من عليه الحق لا ابتداء و لا بالأخرة، و أمّا من قبل المشروط له و المشروط عليه فليس الشرط المحقق لحق الخيار إلاّ كسائر الشروط المحققة لنحو آخر من الحق، من دون نظر إلى تحصيل التراضي المحقق للتقايل بعد العقد حال العقد. 

و أمّا ما تكرر في كلامه قدّس سرّه من أنّ‌ الشرط لا يجعل غير السبب سببا شرعا، و الفسخ لم يعلم سببيته شرعا لرفع المعاوضة فلا يكون باشتراطه سببا شرعا. 

فمندفع: بأنّ‌ الفسخ نفس رفع العقد، لا أنّه سبب له، و ليس الكلام في سببية[14]صيغة «فسخت» لحصول الفسخ بالحمل الشائع، إذ لا قصور في الصيغة، بل الصيغة المزبورة إذا صدرت ممّن له الحق تكون مؤثرة، و المفروض ثبوت الحق بالشرط كسائر الحقوق الثابتة به، و ليس الكلام في صيرورة نفس الشرط سببا لحلّ‌ العقد، مع أنّ‌ سببية الشرط للانفساخ على حد شرط النتيجة لا مانع منها عنده قدّس سرّه فيما لم يعلم له سبب مخصوص كالنكاح و الطلاق مثلا، لا كالملكية و الانفساخ، فتدبر. 

و أمّا دعوى: لزوم إحراز قابلية الإيقاعات للفسخ، و مجرد تمامية اقتضاء الشرط ثبوتا و إثباتا للتأثير في حق الخيار لا ينافي توقفه على قبول المورد. 

فمدفوعة: بأنّه يكفي في إحراز قبول المورد قابلية الإيقاع عقلا و عرفا في نفسه، بل قد ثبت قابلية الإيقاع للانحلال شرعا كما في الطلاق المنحلّ‌ بالرجوع، و كون الرجوع حكما لا حقا غير مناف للقابلية للانحلال، سواء كان هناك حقّ‌ متعلّق بالحلّ‌ أو كان مجرد الترخيص فيه، مضافا إلى قبول العتق شرعا للانحلال و الرجوع إلى الرقّ‌، كما هو مقتضى موثقة إسحاق بن عمار[15]، و قد عمل الشيخ و القاضي و غيرهما بها، نعم لم يعمل بها المشهور استنادا إلى ما تسالموا عليه من عدم جريان الخيار في الإيقاعات. 

منها: عدم إمكان الاستدلال بعموم (المؤمنون عند شروطهم) من حيث استثناء الشرط المخالف و الشرط المحلّل للحرام، و ذلك لدوران الأمر في شرط الخيار في الإيقاع بين كون شرطه مخالفا أو محلّلا للحرام و عدم كونه كذلك، و لا يجوز التمسّك بالعام في المصداق المردّد، و هذا غير ما أفاده المصنّف قدّس سرّه من توقّف شرط الخيار على صحة التقايل، فإنّه صحيح حتى مع عدم استثناء الشرط المخالف أو مع جريان أصالة عدم المخالفة، فتوهّم رجوعه اليه، أو أنّه مناف لما بنى عليه في باب الشروط غفلة عن المقصود، و إن كان كلا الدّليلين مبنيا على كون اللزوم في الإيقاعات حكما ذاتيا للإيقاعات لا يتغيّر كالجواز في العقد الجائز حيث لا ينفكّ‌ عنه، فإنّه ملزوم لعدم جريان التقايل فيها، كما أنّه ملزوم لكون الشرط مخالفا و كونه محلّلا للحرام الذي لا يتغيّر و لا يتبدّل.

و يندفع: بما مرّ[16] مرارا، و سيأتي[17] إن شاء اللّه تعالى في محلّه من جريان أصالة عدم المخالفة، و عدم دخول الفرد المردّد تحت عنوان المخصص، و إن كان لا يندفع به ما هو رحمه اللّه بصدده هنا من عدم معلوميّة سببيّة الفسخ لرفع الإيقاع، فتدبر جيدا.[18]

سید محمد تقی خوئی

الدليل الثامن: دعوى كون اللزوم في الإيقاعات حكما ذاتيا لها

، فلا تتغير بالاشتراط أو غيره. 

ذكره المحقق الأصفهاني (قده) و أوضحه بقوله: «منها - موانع اشتراط الخيار في الإيقاعات - عدم إمكان الاستدلال بعموم: «المؤمنون عند شروطهم» من حيث استثناء الشرط المخالف، و الشرط المحلل للحرام، و ذلك لدوران الأمر في شرط الخيار في الإيقاع بين كونه شرطه مخالفا أو محللا للحرام، و عدم كونه كذلك، و لا يجوز التمسك بالعام في المصداق المردد»[19].

و بعبارة اخرى: ان اللزوم في الإيقاعات لما كان حكما ذاتيا لا يقبل التغيير، كان اشتراط الخيار فيها من الشرط المخالف للعقد أو الشرع باعتباره محللا للحرام الذي لا يتغير و لا يتبدل. 

و بذلك فلا يكون هذا الاشتراط مشمولا لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»، بل على العكس منه فهو مشمول للمستثنى: «إلا كل شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ‌»[20] و «إلا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ‌ حراما»[21] فلا يكون نافذا. 

و يكفينا في المقام - من حيث النتيجة - الشك في نحو اللزوم في الإيقاعات، إذ ما لم يثبت كونه فيها كاللزوم في العقد حقيا قابلا للتغير، لا يجوز التمسك في تصحيح اشتراط ما ينافيه بأدلة الوفاء بالشرط، لانه من التمسك بالعام في المصداق المردد بين المستثنى و المستثنى منه و لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية. 

و قد ردّه (قده) بقوله: «و يندفع بما مرّ مرارا، و سيأتي في محله إن شاء اللّٰه تعالى، من جريان أصالة عدم المخالفة و عدم دخول الفرد المردد تحت عنوان المخصص»[22].

و كأن نظره (قده) الى ان الذي يحتاج إلى الإثبات هو كون اللزوم في الإيقاع لزوما حكميا لا يقبل التغيير أو التبديل، كي يصدق على الشرط المنافي له كونه مخالفا و موجبا لتحليل الحرام، فمع الشك فيه - كما هو الحال في المقام، حيث لا شاهد يقتضي ذلك - يتعين التمسك بالعام، لأصالة عدم المخالفة، و عدم إحراز كون الفرد مشمولا بعنوان المخصص. 

أقول: قد تقدم الحديث عن مقتضى الأصل عند التعرض للحديث عن الشرط المخالف للكتاب و السنة، ضمن البحث عن شروط صحة الشرط فراجع.

الدليل التاسع: دعوى كون اللزوم في الإيقاعات حكما ذاتيا لها بلحاظ عدم قبولها للتقايل.

و بهذا اللحاظ يختلف هذا الدليل عن سابقه بعد اشتراكهما في الابتناء على كون اللزوم في الإيقاعات حكما ذاتيا لا يقبل التغير و التبدل، فان الحديث عن كون اللزوم في الإيقاعات ذاتيا بهذا اللحاظ - عدم صحة التقايل - يجري حتى لو لم تكن النصوص مذيلة باستثناء الشرط المخالف، و ما يستلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو قلنا بجريان أصالة عدم المخالفة عند الشك كما تقدم تبنيه من المحقق الأصفهاني (قده) في الدليل السابق. 

و كيف كان، فقد تبنّى هذا الدليل الشيخ الأعظم (قده) في مكاسبه، معتبرا إياه العمدة في المنع. 

قال (قده) ما نصه: «فالأولى الاستدلال عليه.. بعدم مشروعية الفسخ في الإيقاعات حتى تقبل لاشتراط التسلط على الفسخ فيها. 

و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق بل هو حكم شرعي في بعض اقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده، بل و لا السقوط في مورده، و مرجع هذا الى ان مشروعية الفسخ لا بدّ لها من دليل، و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها، بخلاف الإيقاعات، فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها. 

و بالجملة فالشرط لا يجعل غير المسبب الشرعي سببا، فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الإيقاع، أو علم عدمه، بناء على ان اللزوم في الإيقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة، فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه في متن الإيقاع.. و لا أقل من الشك في ذلك الراجع الى الشك في سببية الفسخ لرفع الإيقاع»[23].

و قد تصدى الاعلام لإيضاح هذا الدليل و تقريب المراد منه. 

فقد ذكر المحقق الايرواني (قده) أن: «ما أفاده مؤلف من مقدمتين: - الاولى: و هي الكبرى، منع شمول: «المؤمنون»، شرطا غير سائغ في ذاته، لانه سيق لإيجاب ما كان جائزا في ذاته و ليس مشرعا كعنوان الضرر و الاضطرار من العناوين الثانوية المزاحمة للعناوين الأولية، فالشرط مقتض حيث لا مقتضى على خلافه، نظير «الناس مسلطون على أموالهم». 

الثانية: و هي الصغرى، و هي كل عقد أو إيقاع تطرق اليه بعض الخيارات و ساغ فسخه، فذلك العقد أو الإيقاع جاز اشتراط الخيار فيه، و دخل في عموم: 

«المؤمنون عند شروطهم» دون ما لم يكن كذلك، و الإيقاع كلية من قبيل ما لا سبيل للخيار اليه. و الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي لاحق، و لذا لا يقبل الإسقاط»[24].

أما المحقق الأصفهاني فقد أفاد: «ان شرط شيء في ضمن العقد أو الإيقاع يتوقف على مشروعية ذلك الشيء في نفسه، و الفسخ علم مشروعيته في البيع لدخول بعض الخيارات فيه، و لصحة التقايل فيه، و كذا غيره من العقود التي علم صحة التقايل فيها و ان لم يعلم دخول خيار فيها شرعا، و الإيقاعات لم يثبت فيها خيار شرعا حتى يستكشف منه مشروعية الفسخ فيها، و لا صحة التقايل فيها، و بعد عدم مشروعية الفسخ فيها و لو بالتقايل لا معنى لنفوذ شرطه. 

و تقريب هذا التفريع بأحد وجهين: 

الأول: ان نفوذ الشرط معناه إلزام المشروط عليه و عدم جواز الامتناع منه، و تحقق الإلزام بالشرط فرع جوازه. 

الثاني: ما افاده المصنف العلامة (قده) في آخر كلامه من ان الالتزام في ضمن العقد - مثلا - بمنزلة رضى المتعاقدين بعد العقد، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافيا في انحلاله، كان في ضمن العقد كافيا في أحداث السلطنة على حله، و إذا لم يكن تراضيهما بعد العقد كافيا في ذلك فلا معنى لكون التراضي في ضمن العقد بمنزلة التراضي بعد العقد على حله».[25]

في حين أوضحه السيد الخميني بقوله: «ان شرط رفع السبب عن محله باطل، لانه محال، و شرط رفعه بعد تحققه ليترتب عليه رجوع ما عدم، فرع كونه باقيا و مؤثرا في وجوده البقائي، و هما مفقودان، فلا بد من الالتزام بجعل الشرط ما ليس بسبب سببا، و ما ليس بمسبب مسببا، ضرورة ان العدم لا يعقل فيه السببية و المسببية، و الإبراء تعلق بالوجود، فصارت الذمة بريئة، و بعدها لا شيء صالح للسببية و المسببية في العدم عرفا و عقلا، فلا بد من جعل الشرط المعدوم مسببا و سببا، بل لا يكفي مجرد ذلك، فلا بد من اعتبار الوجود بعد سلب سبب العدم، و دليل الشرط لا يصلح لشيء مما ذكر. 

و ينبغي ان يكون هذا مراد الشيخ (قده) بأن دليل الشرط لا يجعل ما ليس بسبب شرعا سببا، و هو حق، لأن شرط كون صيغة البيع طلاقا أو صيغة الطلاق بيعا، و السعال إيجابا و العطسة قبولا، فاسد غير عقلائي و لا شرعي. 

مع ان احتمال كون هذا الشرط مخالفا للشرع كاف في عدم جواز التمسك بدليله، للشبهة المصداقية 

و الذي يتحصل مما تقدم: ان جميع تلك الأقوال تتلخص في ضرورة إحراز تأثير الفسخ في الإيقاع بحيث يحرز سببيته شرعا لرفعه، ليصح فرضه و إلزام الطرف الآخر به بالشرط، و إلا فالشرط لا يجعل غير السبب سببا شرعا. 

و هذه السببية إنما يمكن إحرازها عن طريق قبول المورد للتقايل، باعتبار ان التراضي المتأخر عن العقد إذا كان كافيا في حله و رفعه، كان التراضي في ضمن العقد كافيا في أحداث السلطنة على حله و فسخه. 

و حيث ان هذا المعنى غير ثابت في الإيقاع باعتبار انه لا يقبل التقايل، و لا يرتفع بالتراضي و الاتفاق على حله، فلا يصح اشتراط الخيار فيه. 

إلا ان هذا الدليل بتوجيهاته المختلفة لا يصمد - كسوابقه - امام النقد، فقد أورد عليه المحقق الايرواني (قده) بان: «عموم: (المؤمنون) لا يقصر عن عموم مثل دليل نفي الضرر، فهو مقتض في قبال الاقتضاءات الأولية، نعم لما تذيل باستثناء الشرط المحلل للحرام و بالعكس، لم يجز الأخذ به إلا في شرط ثبت مشروعيته في ذاته، و كفاك شاهدا على ما قلناه اشتماله على هذا الاستثناء»[26].

و بعبارة اخرى: ان عمومات المؤمنون عند شروطهم و نفي الضرر و ما شاكلها لا تتنافى مع مقتضيات الأدلة بالعناوين الأولية، فإن الأدلة الأولية إنما تثبت الاحكام على نحو الاقتضاء الاولي الذي يقتضيه طبع العقد لو خلي و نفسه، في حين ان هذه الأدلة إنما تثبت الحكم لذلك الشيء بلحاظ حالة طارئة له و وصف عارض عليه، فلا منافاة بين كون الشيء مباحا في حد ذاته و واجبا بلحاظ تعلق النذر أو العهد به. 

نعم بلحاظ ما ورد في ذيل هذه النصوص، يعتبر ان لا يكون الشرط محرما في حد ذاته و قبل دخوله في حيز الاشتراط، كاشتراط شرب الخمر، أو إباحة زوجة المشروط عليه. 

و مما يشهد على صحة ما ذكرناه وجود الاستثناء: «إلا شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما» في ذيل تلك النصوص، فإنه لو لم يكن مقتضى الأدلة إثبات الأحكام للأشياء و الافعال بطبعها الاولى، و مع قطع النظر عما يطرأ عليها من تعهدات شرعية و التزامات موجبة لتبدل الحكم الاولى، لكان الاستثناء لغوا محضا، إذ ليس هناك ما لا يكون مشمولا به، فان الاشتراط - كائنا ما كان - يرجع لا محالة إلى تغيير في مدلول المعاملة بإلزام أو جواز. 

و اما إناطة جواز اشتراط الخيار بدخول شيء من الخيارات في تلك المعاملة - عقدا كانت أو إيقاعا - و جواز فسخها بالإقالة، فلا دليل عليها، بل «ضابط عدم مخالفة شرط الخيار للشرع هو كون سلطنة حل المعاملة بيد المتعاملين و لو بالإقالة، ليكون مآل اشتراط الخيار لواحد اشتراط استقلال ذلك الواحد بهذه السلطنة، كما ان مآل اشتراطه لكل منهما هو جعل كل واحد مستقلا بالسلطان، لا أن يكون سلطانا واحدا قائما بهما جميعا ليحتاج الى اجتماعهما في الرأي. فحينئذ يجوز اشتراط الخيار و لم يكن الشرط داخلا في المحرّم للحلال أو المحلل للحرام»[27].

و الحاصل: انه ليست العبرة في صحة اشتراط الخيار جواز التقايل الذي هو حق واحد قائم بهما جميعا، بل العبرة بكون سلطنة حل المعاملة و إبطالها بيدهما، و الذي يتلخص بكون اللزوم حقا لهما لا يعدوهما لا حكما شرعيا مفروضا عليهما. 

و اما المحقق الأصفهاني فقد أجاب عن الدليل على وفق التقريبين اللذين ذكرهما له، فقال: 

«و الجواب عن التقريب الأول ما أشرنا إليه سابقا من ان شرط الخيار ليس شرط السلطنة التكليفية و الوضعية، بل مقتضاه جعل حق الحل و الإلزام، و عدم جواز امتناع المشروط عليه أثر الحق المجعول لا هو متعلق الشرط، و لا حكم نفس الشرط ابتداء، و جعل الحق لا يجب ان يكون متفرعا على جواز الحل من المشروط له و لو بالتقايل، كما في جعل الخيار في البيع للأجنبي، فإنه نافذ مع انه ليس للأجنبي جواز الحل، و لا يصح منه التقايل و لو بالتراضي مع المشروط عليه قبل حدوث الحق، و ليس جعل الخيار للأجنبي بعنوان التوكيل، ليقال بكفاية التقايل من الموكل في نفسه. 

و الجواب عن التقريب الثاني: ان اعتبار كون شرط الخيار بمنزلة التراضي بالتقايل حتى يكون تقايلا تنزيليا بضميمة حكم المشهور بوجوب الوفاء، بلا موجب لا من قبل الشارع و لا من قبل جاعل الشرط. 

أما من قبل الشارع فواضح، إذ ليس إيجاب الوفاء إلا إيجاب القيام بما يقتضيه الشرط، و جعل الحق الذي تسبب إليه أحدهما على الآخر كجعل الحق ابتداء، حيث انه ليس بعناية قيامه مقام التقايل، كيف و هو حق قهري على من عليه الحق لا ابتداء و لا بالأخرة. 

و اما من قبل المشروط له و المشروط عليه فليس الشرط المحقق لحق الخيار إلا كسائر الشروط المحققة لنحو آخر من الحق من دون نظر الى تحصيل التراضي المحقق للتقايل بعد العقد حال العقد. 

و أما ما تكرر في كلامه (قده) من ان الشرط لا يجعل غير السبب سببا شرعا، و الفسخ لم يعلم سببيته شرعا لرفع المعاوضة، فلا يكون باشتراطه سببا شرعا. 

فمندفع: بان الفسخ نفس رفع العقد لا انه سبب له، و ليس الكلام في سببية صيغة فسخت لحصول الفسخ بالحمل الشائع، إذ لا قصور في الصيغة، بل الصيغة المزبورة إذا صدرت ممن له الحق تكون مؤثرة، و المفروض ثبوت الحق بالشرط كسائر الحقوق الثابتة به، و ليس الكلام في صيرورة نفس الشرط سببا لحل العقد، مع ان سببية الشرط للانفساخ على حد شرط النتيجة لا مانع منها عنده (قده) فيما لم يعلم له سبب مخصوص كالنكاح و الطلاق - مثلا - لا كالملكية و الانفساخ»[28].

و الحاصل: ان إناطة جواز اشتراط الفسخ بإمكان التقايل في المعاملة - عقدا كانت أو إيقاعا - لا دليل عليها، و الأحكام الشرعية الثابتة للمعاملات احكام لها على نحو اقتضاء طبعها الاولي له، و مع قطع النظر عما يرد عليها، فلا تتعارض مع اشتراط خلافها. 

نعم، هناك أحكام معينة لموارد خاصة دلّ‌ الدليل الخاص على عدم انفكاكها عنها حتى تحت العناوين الطارئة.[29]

نهاية المطاف في الإيقاع

يتلخص البحث عن اشتراط الخيار في الإيقاع، انه لا خصوصية في الإيقاع ذاتية أو عرضية تمنع من اشتراط الخيار فيه، و ان حاله حال أي التزام إنشائي آخر يمكن للمنشئ ان يشترط فيه لنفسه حق إبطاله، و رفع اليد عن مقتضاه، من غير ان يرجع ذلك الى تعليق في الإنشاء، حاله في ذلك حال سائر الموارد التي التزموا فيها بجواز اشتراط الخيار فيه و فسخ العقد. 

و قد دلت الآية الكريمة على ثبوته في الطلاق، و النصوص الشريفة على جوازه في العتق و الوقف، و التزم به معظم الأصحاب في بعض الموارد على نحو القضية الموجبة الجزئية، و ان اختلفوا فيه سعة و ضيقا، بل قد عرفت نسبة الجواز في بعض الموارد إلى الإمامية، و دعوى الإجماع صريحا عليه من قبل بعض أجلاء أعلام الطائفة من القدماء، مع تصريح غير واحد من محققي المتأخرين بجواز اشتراط الفسخ فيه. 

نعم، مما لا ينكر أن الدليل الخاص في بعض الموارد - و قد يكون ذلك لسان دليل المورد - يقتضي كون لزوم المورد حكميا لا يقبل الرفع و الفسخ بالاشتراط، بل و قد يعم غيره من الشرائط أيضا، أو يقتضي انحصار مورد الفسخ بالمورد المنصوص فقط كما هو الحال بالنسبة إلى الرجعة في الطلاق، و لا كلام لنا في لابدية اتباع ذلك الدليل في ذلك المورد بلا تردّد أو تحفظ. 

إلا انه غير القول بعدم قبول الإيقاع - بمفهومه و حدّه - للشرط بقول مطلق أو خصوص شرط الخيار، كما هو أوضح من ان يخفى، و إلا لانساب الإشكال الى ما تسالموا عليه في العقود، حيث لا يجري الخيار في بعض مواردها اتفاقا. 

و لا حرج في ما التزمنا به إطلاقا، حيث لا ضرورة إلى رفع اليد عن ظواهر الأدلة و خلق توجيهات و تأويلات لها و ان اقتضى ما اقتضى من التكلف و تعقيد للفهم العرفي البسيط بطبعه. 

فهل ترى ان جميع تلك التأويلات و التوجيهات - التي يصعب فهم بعضها على ذوي الاختصاص، فكيف بالسائل العرفي البسيط في فهمه و إدراكه في الآية الكريمة و النصوص الشريفة و صرفها عن ظواهرها، اولى من الالتزام بقبول الإيقاع للفسخ‌؟. 

و هل هناك آية دلت على عدم قبوله له أو نص اقتضى عدم نفوذ الشرط فيه، مما يلجئنا الى تلك التكلفات‌؟. 

أو يقال ان جميع تلك التوجيهات التي ذكرت هو مفاد الفهم العرفي و مقتضى المدلول الاولي لتلك النصوص، رغم مخالفة من خالف و معارضة من عارض، بل اعتراف بعضهم بمخالفته له صريحا مع التزامه به من جهة ما يراه في اشتراط الخيار في الإيقاع من محاذير عقلية أو مفهومية - أعني بها ما يرجع الى عدم صدق مفهوم الشرط عليه - عرفت عدم تماميتها؟. 

أو لا ترى ذلك مما ذكرناه من متابعة مسلمات و مرتكزات كامنة في النفس يصعب تجاوزها؟. 

أجل الأفضل من جميع تلك التكلفات هو الاعتراف بواقع الحال و الالتزام بقبول الإيقاع بطبعه الاولي للشرط مطلقا بما فيه شرط الخيار، شأنه في ذلك شأن العقود تماما. 

نعم، قد يقتضي الدليل في بعض الافراد عدم دخول الشرط فيه مطلقا أو خصوص شرط الخيار، فيكون هو المتبع بلا خلاف، إلا انه أجنبي عن القول بعدم قبول الإيقاع للشرط مطلقا أو خصوص شرط الخيار. 

و أخيرا إذا كانت المشكلة في قبول الإيقاع لشرط الخيار كامنة في لفظ الفسخ بحروفه (ف. س. خ) فلا ضير في تسميته بما يشاءون، فاننا لسنا بصدد النزاع اللفظي، و انما المهم هي النتيجة و الحاصل، اعني حق ردّ صاحب الشرط إبطال العارض من طلاق أو عتق أو وقف، و ردّ مورده و متعلقه الى ما كان عليه من الحال قبل عروض هذه العوارض. و بالجملة: فالمهم في المقام إثبات حق إرجاع ما كان الى ما كان عليه قبل عروض العارض من الزوجية بالنسبة إلى الطلاق، و العبودية بالنسبة إلى العتق، و الملكية المطلقة بالقياس الى الوقف، و لا ضير في تسميته بالفسخ أو الرد أو الإبطال أو غيرها مما يدل على هذه الحقيقة، فعباراتنا شتى و المقصود أمر واحد.[30]


[1]  السرائر ٢٤٦:٢.

[2]  قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥٦٨:٤، و صاحب الجواهر في الجواهر ٦٤:٢٣، و اللفظ للأوّل، و راجع الوسائل ٣٥٣:١٢، الباب ٦ من أبواب الخيار، الحديثان ١ و ٤ و غيرهما في غير الباب. 

[3]  راجع المسالك ٢٩٢:١٠، و نهاية المرام ٢٥١:٢، و كشف اللثام (الطبعة الحجريّة) ١٨٥:٢. 

[4]  كما قاله العلّامة في التحرير ٧٩:٢. 

[5]  في «ش» بدل «أو»: «و». 

[6]  تقدّم في الصفحة ٢٢. 

[7]  في «ق»: «لا تقبل».

[8]  المبسوط ٨١:٢، و السرائر ٢٤٦:٢. 

[9]  المسالك ٢١٢:٣، و فيه: «محلّ‌ وفاق». 

[10] انصاری، مرتضی بن محمدامین. مجمع الفکر الاسلامی. کمیته تحقیق تراث شیخ اعظم. ، 1415 ه.ق.، المکاسب (انصاری - کنگره)، قم - ایران، المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري. الأمانة العامة، جلد: ۵، صفحه: ۱۴۸-۱۵۰

[11] خلخالی، محمد کاظم. نويسنده حبیب‌ الله بن محمد علی رشتی. ، 1407 ه.ق.، فقه الإمامیة، قم - ایران، مکتبة الداوري، صفحه:۳۷۶- ۳۸۰

[12]  كتاب المكاسب ص ٢٣٣ سطر ٨.

[13]  تعليقة ١٣١.

[14]  هذا هو الصحيح و في الأصل (سببيته). 

[15]  وسائل الشيعة، باب ٨، من أبواب الخيار، ح ١.

[16]  ح ١٥٣:٣. 

[17]  ح ٥ تعليقة ٦٣. 

[18] اصفهانی، محمد حسین. محقق عباس آل‌سباع قطیفی. نويسنده مرتضی بن محمدامین انصاری. ، 1427 ه.ق.، حاشية المکاسب (اصفهانی)، قم - ایران، ذوی القربی، جلد: ۴، صفحه:۲۱۸-۲۲۲

[19]  تعليقة الأصفهاني على المكاسب ج ٢ ص ٤٩. 

[20]  الوسائل ج ١٢ باب ٦ من أبواب الخيار ح ٢. 

[21]  الوسائل ج ١٢ باب ٦ من أبواب الخيار ح ٥. 

[22]  تعليقة الأصفهاني على المكاسب ج ٢ ص ٤٩.

[23]  المكاسب ج ١٥ ص ١٠٥-١١٣. 

[24]  تعليقة الايرواني على المكاسب/قسم الخيارات ص ٢٦.

[25]  تعليقة الأصفهاني على المكاسب/قسم الخيارات ص ٤٨. 

[26]  تعليقة الايرواني على المكاسب/قسم الخيارات ص ٢٦.

[27]  تعليقة الايرواني على المكاسب/قسم الخيارات ص ٢٦. 

[28]  تعليقة الأصفهاني على المكاسب/قسم الخيارات ص ٤٨. 

[29] خویی، محمد تقی. ، 1414 ه.ق.، الشروط، أو، الالتزامات التبعیة في العقود، بیروت - لبنان، دار المؤرخ العربي، جلد: ۲، صفحه:۱۱۱- ۱۱۸

[30] خویی، محمد تقی. ، 1414 ه.ق.، الشروط، أو، الالتزامات التبعیة في العقود، بیروت - لبنان، دار المؤرخ العربي، جلد: ۲، صفحه: ۱۴۴-۱۴۶