رفتن به محتوای اصلی

کلام شیخ انصاری (ره)

[1]مرحوم شیخ  در رسائل  فرمودند:

احکام وضعیه؛ انتزاع از تکلیفیه

ما اصلا حکم وضعی ای که جعل شارع باشد نداریم. همه احکامی که جعل شارع است تکلیفی است و همه­ی احکام وضعیه، منتزعه از تکلیفی است[2]


[1] گردآوری و تنظیم مطالبی از جلسات مختلف درس فقه که برخی از آن ها عبارتند از جلسه تاریخ  ١۴/ ٩/ ١٣٩۵ و ١۵/ ٩/ ١٣٩۵ و ١٧/ ٩/ ١٣٩۵ و ١٩/ ١٠/ ١٣٩۵ و  ١۵/ ٧/ ١٣٩٧

[2] ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أن الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول- كما اشتهر في ألسنة جماعة- أو لا، و إنما مرجعه إلى الحكم التكليفي؟ فنقول: المشهور- كما في شرح الزبدة- بل الذي استقر عليه رأي المحققين- كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين‏-: أن الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، و أن كون الشي‏ء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشي‏ء، فمعنى قولنا:

«إتلاف الصبي سبب لضمانه»، أنه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ و العقل و اليسار و غيرها، فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله: «اغرم ما أتلفته في حال صغرك»، انتزع من هذا الخطاب معنى يعبر عنه بسببية الإتلاف للضمان، و يقال: إنه ضامن، بمعنى أنه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف.

و لم يدع أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف‏ الفعلي المنجز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص، حتى يدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين‏: من أنه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي، كالصبي و النائم و شبههما.

و كذا الكلام في غير السبب؛ فإن شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة، و كذا مانعية النجاسة ليست إلا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس، و كذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب.

و العجب ممن ادعى‏ بداهة بطلان ما ذكرنا، مع ما عرفت من أنه المشهور و الذي استقر عليه رأي المحققين. فقال قدس سره في شرحه على الوافية- تعريضا على السيد الصدر-:

و أما من زعم أن الحكم الوضعي عين الحكم التكليفي- على ما هو ظاهر قولهم: «إن كون الشي‏ء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشي‏ء»- فبطلانه غني عن البيان؛ إذ الفرق بين الوضع و التكليف مما لا يخفى على من له أدنى مسكة، و التكاليف المبنية على الوضع غير الوضع، و الكلام إنما هو في نفس الوضع و الجعل و التقرير.

و بالجملة: فقول الشارع: «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» و «الحيض مانع منها»، خطاب وضعي و إن استتبع تكليفا و هو إيجاب الصلاة عند الزوال و تحريمها عند الحيض، كما أن قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس‏، و قوله: «دعي الصلاة أيام أقرائك»، خطاب تكليفي و إن استتبع وضعا، و هو كون الدلوك سببا و الإقراء مانعا.

و الحاصل: أن هناك أمرين متباينين، كل منهما فرد للحكم، فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته و احتسابه في عداد الأحكام. انتهى كلامه، رفع مقامه‏

أقول: لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفي و وضعي بالنسبة إلى عبده لوجد من نفسه صدق ما ذكرنا؛ فإنه إذا قال لعبده: «أكرم زيدا إن جاءك»، فهل يجد المولى من نفسه أنه أنشأ إنشاءين و جعل أمرين:

أحدهما: وجوب إكرام زيد عند مجيئه، و الآخر: كون مجيئه سببا لوجوب إكرامه؟ أو أن الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله‏[2] و لا إلى بيان مخالف لبيانه؛ و لهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء «سببية الدلوك» و «مانعية الحيض»، و لم يرد من الشارع إلا إنشاء طلب الصلاة عند الأول، و طلب تركها عند الثاني؟

فإن أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفى، كيف! و هما محمولان مختلفا الموضوع.

و إن أراد كونهما مجعولين بجعلين، فالحوالة على الوجدان لا البرهان.

و كذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد؛ فإن الوجدان شاهد على أن السببية و المانعية في المثالين اعتباران منتزعان، كالمسببية و المشروطية و الممنوعية، مع أن قول الشارع: «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» ليس جعلا للإيجاب استتباعا- كما ذكره- بل هو إخبار عن تحقق الوجوب عند الدلوك.

هذا كله، مضافا إلى أنه لا معنى لكون السببية مجعولة فيما نحن فيه حتى يتكلم أنه بجعل مستقل أو لا؛ فإنا لا نعقل من جعل الدلوك سببا للوجوب- خصوصا عند من لا يرى (كالأشاعرة) الأحكام منوطة بالمصالح و المفاسد الموجودة في الأفعال- إلا إنشاء الوجوب عند الدلوك، و إلا فالسببية القائمة بالدلوك ليست من لوازم ذاته، بأن‏ يكون فيه معنى يقتضي إيجاب الشارع فعلا عند حصوله، و لو كانت لم تكن مجعولة من الشارع، و لا نعقلها أيضا صفة أوجدها الشارع فيه باعتبار الفصول المنوعة و لا الخصوصيات المصنفة و المشخصة.

هذا كله في السبب و الشرط و المانع و الجزء.

و أما الصحة و الفساد، فهما في العبادات: موافقة الفعل المأتي به للفعل المأمور به و مخالفته له، و من المعلوم أن هاتين- الموافقة و المخالفة- ليستا بجعل جاعل.

و أما في المعاملات، فهما: ترتب الأثر عليها و عدمه، فمرجع ذلك إلى سببية هذه المعاملة لأثرها و عدم سببية تلك‏.

فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي- كالبيع لإباحة التصرفات، و النكاح لإباحة الاستمتاعات- فالكلام فيها يعرف مما سبق في السببية و أخواتها.

و إن لوحظت سببا لأمر آخر- كسببية البيع للملكية، و النكاح للزوجية، و العتق للحرية، و سببية الغسل للطهارة- فهذه الامور بنفسها ليست أحكاما شرعية. نعم، الحكم بثبوتها شرعي. و حقائقها إما امور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية- كما يقال: الملكية كون الشي‏ء بحيث يجوز الانتفاع به و بعوضه، و الطهارة كون الشي‏ء بحيث يجوز استعماله في الأكل و الشرب و الصلاة، نقيض النجاسة- و إما امور واقعية كشف عنها الشارع.

فأسبابها على الأول- في الحقيقة- أسباب للتكاليف، فتصير سببية تلك الأسباب‏ كمسبباتها امورا انتزاعية.

و على الثاني، يكون أسبابها كنفس المسببات امورا واقعية مكشوفا عنها ببيان الشارع.

و على التقديرين فلا جعل في سببية هذه الأسباب.

و مما ذكرنا تعرف الحال في غير المعاملات من أسباب هذه الامور، كسببية الغليان في العصير للنجاسة، و كالملاقاة لها، و السبي للرقية، و التنكيل للحرية، و الرضاع لانفساخ الزوجية، و غير ذلك. فافهم و تأمل في المقام؛ فإنه من مزال الأقدام.( فرائد الأصول ؛ ج‏3 ؛ ص125-١٣٠)