العروه الوثقی
و قد عرفت فيما سبق انّ هذه السّورة الكريمة مقولة عن السنة العباد و لا ريب ان حمدهم جار على طبق ما يعتقدونه ثناء و يعدّونه مدحا و تمجيدا بحسب ما أدّت اليه ما لو فاتهم و استقرّت عليه متعارفاتهم و هذا يؤذن بتوسيع دائرة الثّناء و عدم تضيّقها بالقصر على ما هو كذلك بحسب نفس الأمر فإنّ ما يثنى به عليه سبحانه ربّما كان بمراحل عن سرادقات كماله و بمعزل عن ان يليق بكبرياء جلاله لكنّه جلّ شانه رخص لنا في ذلك و قبل منّا هذه البضاعة المزجاة لكمال كرمه و إحسانه بل اثابنا عليها بوفور لطفه و امتنانه كما انه سبحانه لم يوجب علينا ان نصفه الّا بمثل الصّفات التي ألفناها و شاهدناها و كانت بحسب حالنا مزيّة و بالنّسبة إلينا كما لا كالكلام و الحيوة و الإرادة و السّمع و البصر و غيرها ممّا أحاطت به مداركنا و انتهت إليه طليعة أوهامنا دون ما لم تصل إليه أيدي عقولنا و لا تتخطى الى عزّ ساحة اقدام أفهامنا و ناهيك في هذا الباب بكلام الامام ابى جعفر محمّد بن على الباقر عليه السّلم فقد روى عنه انه قال لأصحابه كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم و لعلّ النّمل الصّغار تتوهّم ان للّه زبانتين فانّ ذلك كمالها و يعتقد انّ عدمهما نقصان لمن لا يتّصف بهما و هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به و الى اللّه المقرع و من تأمّل هذا الكلام الشّريف بعين البصيرة فاحت عليه من أزهاره نفحة قدسيّة تعطّر مشامّ الأرواح و لاحت لديه من أنواره شعشعة إنسيّة تحيي رميم الاشباح هذا و انّما لم يعامل الحمد هنا معاملة سائر أخويه من المصادر المنصوبة على المفعوليّة المطلقة بعامل مقدّر لا يكاد يذكر نحو شكرا و عجبا و جعل متحلّية بحلية الرّفع بالابتداء إيثارا للدّوام و الثّبات على التّجدّد و الحدوث و اشعارا بأنّه حاصل له تعالى شانه من دون ملاحظة إثبات مثبت[1]
[1] العروة الوثقي في تفسير سورة الحمد ؛ ص۳۹۸
بدون نظر