رفتن به محتوای اصلی

ابن ادریس

اجوبه مسائل و رسائل

[134] مسألة في نيّة غسل الأموات

مسألة: ما تقول في غسل الأموات ينوي الغاسل في كلّ غسلة من الثلاث غسلات؟ أم النيّة في الغسلة الأولى تجزي؟

الجواب و باللّه التوفيق: لا خلاف بين المحقّقين من أصحابنا و المصنّفين الذين يعتدّ بتصنيفهم، أنّه لا يحتاج في كلّ غسلة إلى نيّة، بل الواجب النيّة في الغسلة الأوّلة فحسب، لأنّ هذه عبادة ذات أبعاض يتعلّق النيّة بأوّل أفعالها و يستمرّ عليها و ذلك كاف[1].

 [139] مسألة في كيفيّة نيّة الوضوء المتقدّم على الأغسال غير الجنابة و كيفية نيّة الوضوء قبل دخول الوقت

مسألة: ما تقول في كيفيّة نيّة الوضوء المتقدّم على الأغسال ما خلا غسل الجنابة، و ما كيفية الغسل الّذي ألزم فيه تقديم الوضوء؟ و ما كيفيّة غسل الجنابة قبل وقت الفريضة؟ و كيفيّة نيّة الوضوء قبل دخول الوقت لمن ليس عليه قضاء صلاة فريضة؟ و عند دخول الفريضة؟ و كيفيّة النيّة في صلاة الفريضة و النافلة من نوافل الليل و النّهار؟ و المرغّبات في يوم الجمعة و غيرها من صلاة الاستخارة و صلاة الشكر و صلاة الحاجة؟

الجواب و باللّه التوفيق: أمّا كيفيّة النيّة في الوضوء المقدّم على الأغسال الواجبات ما عدا غسل الجنابة، فإنّه يتوضّأ متقرّبا به إلى القديم سبحانه، مستبيحا به الصلاة غير رافع به الحدث، لأنّه لا يلزمه و لا يجب عليه أن يقول:

أتوضّأ لرفع الحدث، لأنّ حدثه الأكبر باق، و انّما وضوءه لاستباحة الصّلاة، لأنّ بمجموع الوضوء و الغسل يصحّ له الدّخول في الصّلاة، و لا يصحّ له الدّخول في الصّلاة بانفراد أحدهما عن الآخر، هذا على الصّحيح من المذهب، و قد مضى‌ في المسطور ما يدلّ على ذلك و صحّته.

و أمّا كيفيّة غسل الجنابة فإنّه يقول: اغتسل لرفع الحدث، و اغتسل لاستباحة الصّلاة، و يستبيح بالغسل شيئا لم يكن مباحا له قبل الغسل ليرتفع حدثه، فإن كان عليه فريضة ذكر واجبا قربة إلى اللّه تعالى، و إن كان في غير وقت الفريضة لا يكون عليه قضاء فريضة، ذكر مندوبا قربة إلى اللّه تعالى.

فأمّا كيفيّة الوضوء قبل دخول الوقت لمن ليس عليه صلاة فريضة قضاء، كيفيّة وضوءه: أتوضّأ لرفع الحدث مندوبا قربة إلى اللّه تعالى، و إن كان عليه فريضة أو قد دخل وقت فريضة قال: أتوضّأ لرفع الحدث واجبا قربة إلى اللّه تعالى.

فأمّا كيفيّة النيّة في صلاة الفريضة، فإن تذكّر مثلا أصلّي الظّهر فريضة أداء قربة إلى اللّه تعالى، ذكر الظهر احترازا من العصر، قال: فريضة، احترازا من الظّهر التي إذا صلّى الإنسان الظّهر الفريضة و خرج، فيلحق جماعة يصلّون الظّهر فإنّه يستحب أن يصلّي معهم ظهرا مندوبة، قال أداء، احترازا من القضاء، قال: قربة، احترازا من الرياء

فأمّا ما ذكره من النّوافل  اللّيل و النّهار، و صلاة الحاجة، و الاستخارة،و الزّيارة، و غيرها من الصّلوات المندوبات، فإنّه يتقرّب بالنيّة إلى اللّه سبحانه بالنّدبية، و تذكر الصّلاة المندوبة المشروع بها، و يضيفها إلى اسمها أو سببها، إمّا تحيّة مسجد، أو زيارة، أو صلاة استخارة، أو نافلة زوال و غير ذلك[2].

سرائر

فإما كيفية الوضوء:

فالنية واجبة

في كلّ طهارة، سواء كانت وضوء أو غسلا أو تيمما، من جنابة كانت الطهارة، أو من غيرها، فإن كانت الطهارة واجبة بأن تكون وصلة إلى استباحة واجب تعيّن، نوى وجوبه على الجملة، أو الوجه الذي له وجب، و كذا إن كان ندبا، ليتميز الواجب من الندب، و لوقوعه على الوجه الذي كلف إيقاعه، و يجوز أن يؤدي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة، بدليل الإجماع من أصحابنا.

و الفرض الثاني

الذي تقف صحّة الطهارة عليه، مقارنة النية لها، و ذكر بعض أصحابنا في كتاب له، هي مقارنة آخر جزء من النيّة لأول جزء منها، حتى يصحّ تأثيرها بتقدّم جملتها على جملة العبادة، لأنّ مقارنتها على غير هذا الوجه بأن يكون زمان فعل الإرادة هو زمان فعل العبادة أو بعضها متعذر، لا يصح تكليفه، أو فيه حرج يبطله ما علمناه من نفي الحرج في الدين، و لأنّ ذلك يخرج ما وقع من أجزاء العبادة. و تقدّم وجوده على وجود جملة النيّة عن كونه عبادة من حيث وقع عاريا عن جملة النية، لأنّ ذلك هو المؤثر في كون الفعل عبادة، لا بعضه.

و الفرض الثالث استمرار حكم هذه النيّة‌

إلى حين الفراغ من العبادة، و ذلك بأن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها.

و يستحب أن ينوي المتطهر عند غسل يديه في الطهارة الكبرى، و إن كانت صغرى عند المضمضة و الاستنشاق، إذ كانت المضمضة و الاستنشاق أول ما يفعل من الوضوء، فينبغي مقارنة النيّة لابتدائهما، لأنّهما و إن كانا مسنونين، فهما من جملة العبادة، و مما يستحق بهما الثواب، و لا يكونان كذلك إلا بالنية على ما قال تعالى‌

وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ. إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ [3]


[1] أجوبة مسائل و رسائل في مختلف فنون المعرفة؛ ص: ۳۳۱

[2] أجوبة مسائل و رسائل في مختلف فنون المعرفة؛ ص: ۳۳۷-۳۳۹

[3] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى؛ ج‌1، ص: ۹۸-۹۹