رفتن به محتوای اصلی

قرائات غیر مشهوره

فصل‏
و يؤيّد ذلك إنذار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قريشا بقتال أمير المؤمنين عليه السّلام لهم من بعده، حيث جاءه سهيل بن عمرو في جماعة منهم، فقالوا: يا محمّد، إنّ أرقّائنا لحقوا بك فارددهم علينا.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لتنتهنّ- يا معشر قريش- أو ليبعثنّ اللّه عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله».

فقال له بعض أصحابه: من هو- يا رسول اللّه- أبو بكر؟! فقال: «لا» فقال: فعمر؟! فقال: «لا، و لكنّه خاصف النعل في الحجرة» و كان عليّ عليه السّلام، يخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحجرة.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام: «تقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين»

و قول اللّه عزّ و جلّ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ

و هي في قراءة عبد اللّه بن مسعود: منهم بعليّ منتقمون، و بذلك جاء التفسير عن علماء التأويل

و إذا كان الأمر على ما وصفناه، و لم يجر لأبي بكر و عمر في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله ما ذكرناه، فقد صحّ أنّ المراد بمن ذكرناه أمير المؤمنين عليه السّلام خاصّة على ما بيّنّاه.

و قد صحّ أنّه المراد بقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ

على ما فصّلنا القول به من انتظام الكلام و دلالة معانيه، و ما في السنّة ممّا بيّنّا الغرض فيه و شرحناه

فصل‏
على أنّا متى حقّقنا النظر في متضمّن هذه الآية- و لم نتجاوز المستفاد من ظاهرها، و تأويله على مقتضى اللسان إلى القرائن من الأخبار على نحو ما ذكرناه آنفا- لم نجد في ذلك أكثر من الأخبار بوجود بدل من المرتدّين في جهاد من فرض اللّه جهاده من الكافرين، على غير تعيين لطائفة دون طائفة من مستحقيّ القتال، و لا عموم الجماعة بما يوجب استغراق الجنس في المقال  [انظر: سورة آل عمران، آية 144، من الإفصاح: 53، حول نفس الموضوع. [1].]

                

سورة المؤمنون‏

إباحة نكاح المتعة

ذكرت- أيّدك اللّه- عن هذا الشيخ المتفقّه عند نفسه لأهل العراق، أنّه زعم أنّ الشيعة تبيح الزنا المحظور في نصّ التنزيل، من نكاح الاستمتاع، المعقود باشتراط الآجال، و أنّ قولهم في ذلك خلاف لجماعة فقهاء الأمصار، و قد حرّمه اللّه في القرآن حيث يقول: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.
قال: و قد اتّفق هذا الفريق- يعنى الشيعة- على أنّ المتمتّع بها ليست بزوجة و لا ملك يمين، و في اتّفاقهم على ذلك إقرار بأنّهم فيما أباحوه من النكاح ضالّون.

الجواب: قلت: و زعم أنّ الخبر قد ثبت عن النبي، أنّه قال: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»

و أنّ الرافضة على ما اتّفق على نفى ولد المتعة، فلو كان عن نكاح لثبت بالفراش، و إذا لم يكن نكاح المتعة فراشا فهو سفاح محظور.

فأقول: إنّ أوّل ما افتتح به هذا الشيخ كلامه سفه، و فرية توجب عليه الحد باتّفاق، و ذلك أنّه لا خلاف بين فقهاء الإسلام أنّ حدّ الزنا ساقط في نكاح الاستمتاع، فالمحلّل له منهم يسقطه باعتقاد الإباحة فيه، كما يسقطه من ضروب النكاح الحلال، و المحرّم له يسقط الحدّ فيه للشبهة الرافعة- عنده- للحدود و هم مجمعون مع ذلك على أن من سمّى المستمتع زانيا أو سمّى المستمتع بها زانية، كان مفتريا بذلك قاذفا  و القرآن مصّرح و السنّة معا بإيجاب الحدّ على المفترين  و هذا ينبئ عن صحّة ما حكمنا به على هذا الشيخ المتعصّب من استحقاق العقاب على ما لفظ به من الكلام المحظور.

ثم من أعجب الأمور و أطرفها من هذا الخصم، و أدلّها على فرط غباوته و جهله، أنّ أبا حنيفة إمامه، و جميع من أخذ عنه رأيه، و قلّده من أصحابه، لا يختلفون في أنّ العاقد على أمّه أو ابنته أو أخته، و سائر ذوات أرحامه، و وطأه لهنّ بعد العقد، مع العلم بصحّة نسبه منهنّ، و اعتقاد حظر ذلك عليه، و تغليظه، في الشريعة، ليس بزان، من أجل العقد، و أنّ الحدّ ساقط عنه لذلك، و من سمّاه زانيا [به‏] كان مفتريا عنده  ثم شنّع على الشيعة بنكاح المتعة التي شرّعها النبيّ بإجماع الأمّة، و اتّفق على إباحته آل محمد عليهم السّلام  و خيار الصحابة الأبرار، و وجوه التابعين بإحسان، و يسمّى العاقد له على الأجنبية منه، المباح عقد النكاح عليها له زانيا.

أنّ هذا البدع من المقال، لا يذهب الخلل و التناقض فيه على سليم من الآفات.

فأمّا احتجاجه بما تلاه من سورة المؤمنين، فإنّه لا حجّة فيه له على حال و ذلك أنّ المستمتع بها زوجة عند جميع الشيعة، و من دان بإباحتها من مخالفيهم.

و  ما ادّعاه عليهم من إنكار ذلك، باطل منه و بهتان، و مذهبهم فيه على اجتماعهم نقيض دعواه.

و لو امتنع منهم ممتنع من التسمية للمستمتع بها بالزوجية- على ما تظنّى له- يناف بذلك حكم ما تلاه، لجواز وجود نكاح ثالث ينضمّ إلى هذين النكاحين في التحليل، ينطق به قرآن أو سنة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، فيقوم ذلك مقام الآية الواحدة في تضمّنها للأقسام، و لم يكن ممتنعا باتّفاق أهل اللسان أن تنزل الآية على هذا الترتيب، فيكون تقدير الكلام: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ

و إذا لم يستحلّ ذلك في تقدير الكلام، لم يبق في صحته إلّا وجوده في آية أخرى من القرآن، أو سنّة ثابتة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و هو موجود في الموضعين جميعا على البيان.

قال اللّه بعد ذكر المحرّمات في النكاح: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً  فنطق الذكر الحكيم بإباحة نكاح الاستمتاع على اليقين، و ثبتت الرواية عن عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عباس  أنّهما كانا يقرآن هذه الآية: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ  و هذا ظاهر صريح في نكاح المتعة المخصوص[2].


[1] تفسیر القرآن المجید(للمفید)، ص ١٨٠-١٨١ به نقل از الافصاح فی الامامة، ص ١٣۵-١٣۶

[2]  تفسير القرآن المجيد (للمفيد)، ص: 363-٣۶۵ به نقل از المسائل الصاغانیه، ص ٣۴