پیوست شماره ٢: «حتی بقی وحده»؛ غزوه حنین
اصل ماجرا
صحیح بخاری
٤٠٨٢ - حدثنا محمد بن بشار: حدثنا معاذ بن معاذ: حدثنا ابن عون، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
لما كان يوم حنين، أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة الآف، ومن الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينة فقال: (يا معشر الأنصار). قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: (يا معشر الأنصار). قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: (أنا عبد الله ورسوله). فانهزم المشركون، فأصاب يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى،
⦗١٥٧٧⦘
ويعطى الغنيمة غيرنا. فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: (يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم). فسكتوا، فقال: (يا معشر الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحوزونه إلى بيوتكم). قالوا: بلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار). فقال هشام: يا أبا حمزة، وأنت شاهد ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه.
[ر: ٢٩٧٧][1]
صحیح مسلم
١٣٥ - (١٠٥٩) حدثنا محمد بن المثنى وإبراهيم بن محمد بن عرعرة (يزيد أحدهما على الآخر الحرف بعد الحرف) قالا: حدثنا معاذ ابن معاذ. حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس، عن أنس بن مالك؛ قال:لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان، بذراريهم ونعمهم. ومع النبي صلى الله عليه وسلم
⦗٧٣٦⦘
يومئذ عشرة آلاف. ومعه الطلقاء. فأدبروا عنه. حتى بقي وحده. قال: فنادى يومئذ نداءين. لم يخلط بينهما شيئا. قال: فالتفت عن يمينه فقال "يا معشر الأنصار! " فقالوا: لبيك، يا رسول الله! أبشر نحن معك. قال: ثم التفت عن يساره فقال "يا معشر الأنصار! " قالوا: لبيك، يا رسول الله! أبشر نحن معك. قال: ثم التفت عن يساره فقال "يا معشر الأنصار! " قالوا: لبيك، يا رسول الله! أبشر نحن معك. قال: وهو على بغلة بيضاء. فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله. فانهزم المشركون. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة. فقسم في المهاجرين والطلقاء. ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى. وتعطى الغنائم غيرنا! فبلغه ذلك. فجمعهم في قبة. فقال: "يا معشر الأنصار! ما حديث بلغني عنكم؟ " فسكتوا. فقال:
"يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله! رضينا. قال: فقال:"لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار".
قال هشام: فقلت: يا أبا حمزة! أنت شاهد ذاك؟ قال وأين أغيب عنه؟[2].
٤٣٣٧ - عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: «لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف من الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده (١)، فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما: التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، فقالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. وهو على بغلة بيضاء
(١) لله الحكمة لما رشقوهم بالنبل انكشفوا {ويوم حنين إذ أعجبتكم} [التوبة: ٢٥]. الآية.[3]
٥١١٣ - حدثنا علي بن عيسى، ثنا علي بن عبد المطلب، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن الزهري، عن كثير بن العباس بن عبد المطلب، عن أبيه قال: «شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكبها، وأبو سفيان لا يألوا أن يسرع نحو المشركين» صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "
[التعليق - من تلخيص الذهبي]٥١١٣ - على شرط البخاري ومسلم[4]
شرح عبارت بقی وحده
(ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف) وهم الذين فتح بهم مكة.
(ومعه الطلقاء) جمع طليق، وهم من حصل لهم المن عليهم يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، فكانوا ألفين، فكان جيش المسلمين يوم حنين اثنى عشر ألفا. فقول الراوي في الرواية العاشرة: "ونحن بشر كثير، قد بلغنا ستة آلاف". وهم من الراوي عن أنس، كما قال القاضي عياض.
(فأدبروا عنه حتى بقي وحده) ضمير "فأدبروا" للعشرة آلاف والطلقاء. وقوله: "حتى بقي وحده". قصد به المبالغة، فإن المائة بجوار الاثنى عشر ألفا في حكم العدم، وقيل: المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، فقد روى الترمذي بإسناد حسن عن ابن عمر قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل". قال الحافظ ابن حجر: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين، وروى أحمد عن ابن مسعود قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر" وذكر النووي في "شرح مسلم" أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا.
(فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئا) أي لم يفصل بينهما بشيء فسرهما فيما بعد بقوله: "التفت عن يمينه، فقال: يا معشر الأنصار .. ثم التفت عن يساره، فقال: يا معشر الأنصار". وفي الرواية العاشرة "فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا للمهاجرين. يا للمهاجرين. ثم قال: يا للأنصار. يا للأنصار". فمراد أنس بالنداءين في الرواية التاسعة النداءان الخاصان بالأنصار. وهذا لا يمنع أن يكون قد نادى غيرهما، أو أمر غيره أن ينادي[5]،
تعداد ثابتین نزد رسول خدا
في عدد من ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين خلاف طويل وروايات متعددة
ففي رواية فأدبروا عنه حتى بقي وحده
وفي بعضها فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار
وفي رواية وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل
وعد ابن إسحاق الثابتين معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن ابن أم أيمن ومن المهاجرين أبو بكر وعمر وابن مسعود فهؤلاء عشرة وجمع المحققون بين هذه الروايات بأن رواية حتى بقي وحده أي بقي وحده متقدما مقبلا على العدو أما من كانوا حوله فلم يكن شأنهم ذلك والتحقيق أنه بقي معه جماعة دون المائة جمعا بين رواية الثمانين ورواية نفي المائة ولعل الاختلاف في العدد ناشئ من الهرج والذهاب والعود فهناك من عجل بالرجوع مثلا فعد فيمن ثبت وهناك من كان يتحرك حول النبي صلى الله عليه وسلم فعد فيمن لم يثبت
ومن المعلوم أن الفرار يوم الزحف من الكبائر لقوله تعالى {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم} ولهذا حاول العلماء توجيه هذا الفرار حتى يخرجوا من الكبائر رغم أن الله تعالى وعد بمغفرته فقال بعضهم إن الفرار يكون كبيرة إذا قل عدد الأعداء عن ضعف عدد المسلمين لقوله تعالى {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ... } وكانت هوازن أكثر من ضعف عدد المسلمين وفي هذا التوجيه نظر والأولى قول الطبري إن الفرار المنهي منه هو ما وقع على غير نية العود أما الاستطراد والفرار للتجمع مرة أخرى فهو كالتحيز إلى فئة[6]
وقوله في الرواية الأخرى: (فأدبروا عنه حتى بقي وحده)؛ يعني به: المقاتلين، وإلا فقد ثبت أنه كان بقي معه العباس وأبو سفيان[7].
على أنه قد اختلفت الروايات في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كالآتي:
أ- ورد في حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث
قال ابن حجر: ويجمع بين قوله "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي جماعة، بأن المراد: بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو وحده بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان ابن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك
ب- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار من حديث بريدة بن الحصيب أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا رجل واحد يقال له زيد. وهذا سياق الحديث عند البزار:
٧٠- حدثنا معمربن سهل، وصفوان بن المغلس قالا: ثنا عبيد بن موسى، ثنا يوسفبن صهيب، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال:"تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق إلا رجل يقال له زيد، وهو آخذ بعنان بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ويحك ادع الناس"، فنادى زيد: يا أيها الناس! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص الأوس والخزرج، فنادى: يا معشر الأوس والخزرج! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص المهاجرين فإن لي في أعناقهم بيعة، قال: فحدثني بريدة أنه أقبل منهم ألف قد طرحوا الجفون حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشوا قدما حتى فتح الله عليهم".قال البزار: لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا رواه عن عبد الله إلا يوسف بن صهيب، وهو كوفي مشهور.وقال الهيثمي وابن حجر: "رجاله ثقات".ونسبه ابن كثير ليونس بن بكير فقال: وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب، عن عبد الله: أنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد
ج- وعند أبي يعلى والطبراني من حديث أنس بن مالك: أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، وهذا سياقه عند أبي يعلى قال:
٧١- حدثنا محمد بن أبي بكر، ثنا عمرو بن عاصم، ثنا أبو العوام، عن معمر، عن الزهري، عن أنس قال: "لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث". الحديث.
قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران بن دوار وهو أبو العوام، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره".
قلت: يشهد له حديث العباس، فقد أخرج الحاكم من طريق ابن أبي عمر:
٧٢- ثنا سفيان ، عن الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكبها وأبو سفيان لا يألو أن يسرع نحو المشركين" ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
د- وعند ابن ابي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال:
٧٣- لما فر الناس يوم حنين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أنا النبي لا كذب ... أنا بن عبد المطلب فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي، والعباس بين يديه، أبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر، قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل
هـ-وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق ما يدل على أنه بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة، وهذا سياقه: قال:لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحدارا – قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفرمن المهاجرين والأنصار وأهل بيته.
وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر.
ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث وابنه١، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد. الحديث
والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي: الجميع من طريق ابن إسحاق، ولم يذكروا "ابن أبي سفيان:".
و- وعند أحمد والبزار والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود أن الذين ثبتوا يوم حنين كانوا ثمانين، وهذا سياقه عند أحمد قال:
٧٤- ثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا الحارث بن حصيرة، ثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيهقال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، قال: فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما فحادت به فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله" الحديث.
والحديث رواه البزار والطبراني والحاكم: كلهم من طريق عفان ابن مسلم به.
… ويصعب الجزم بأن حديث الباب من المسموع لأنهم لم ينصوا على ذلك، وإذا كان الحديث مرسلا فيكون ضعيفا لكن يشهد له حديث حارثةبن النعمان وهو ما اورده ابن حجر في ترجمته فقال:
٧٥-وروى ابن شاهين من طريق المسعودي، عن الحكم، عن القاسم،: أن حارثة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي رجلا ولم يسلم، فقال جبرائيل: "أما أنه لو سلم لرددنا عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرائيل: وهل تعرفه؟ فقال نعم، هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم على الجنة" …
ز- وعند الترمذي: من حديث ابن عمر أن الثابتين يوم حنين نحو المائة، وهذا نصه:
٧٧ حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثني أبي، عن سفيان بن حسين، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قالك "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل"
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله، لا نعرفه ألا من هذا الوجه.
قال المباركفوري: قوله: "وإن الفئتين لموليتان"، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلا عن الترمذي وفيه: "وإن الناس لملون" مكان "وإن الفئتين لموليتان"
والحديث فيه عمر بن علي المقدمي وهو مدلس وقد عنعن.
وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين، وهي المرتبة التي لا يحتج بشيء من حديث من أصحابها إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل
والحديث حسنه الترمذي وابن حجر وجمع بينه وبين حديث ابن مسعود، وهذا
نص كلامه قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل".
ثم قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين
ثم قال: وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ثم ساق الحديث وقال في نهايته: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين".
وعلى هذا الجمع يكون حديث ابن عمر مؤيدا لحديث ابن مسعود.
والخلاصة: أن الأحاديث اختلفت في عدد الثابتين يوم حنين كما تقدم إيضاح ذلك، وعلى إثر ذلك اختلفت أقوال العلماء تبعا لهذه الآثار وخلاصة ما ورد في الآثار:
أ- أن الذين ثبتوا يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعةكما ورد في حديث الحكم بن عتيبة.
ب- وفي بعضها: عشرة، كما في حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق.
ج_ أو اثنا عشر
د- أو كانوا ثمانين، كما في حديث ابن مسعود وحارثة بن النعمان.
هـ- أو أنهم نحو مائة وهو الوارد في حديث عبد الله بن عمر، وهو قريب من الوارد في حديث عبد الله بن مسعود وحارثة بن النعمان.
و أو كانوا مائة، ورد ذلك في حديث حارثة بن النعمان أيضا، عند الواقدي والبيهقي
تلاش برای جمع بین اقوال
قال الزرقاني: وجمع شيخنا، بحمل الأربعة على من بقي معه آخذا بركابه، والاثنى عشر والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال عشرة أراد الأربعة وستة ممن أسرع، وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام.
وذكر ابن حجر بعض هذه الأقوال ثم قال: ووقع في شعر العباس ابن عبد المطلب:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
ثم قال: ولعل هذا هو الثابت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم.
قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال:
إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ، يل معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه،
ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث
فهذا يدل على ان بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم:
قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة – سماك بن خرشة الأنصاري – وأبو طلحة – زيد بن سهل الأنصاري – وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري.
ومن النساء:
أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة.
هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته
وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم[8].
وعند ابن أبي شيبة، من مرسل الحكم بن عتيبة لم يبق معه عليه الصلاة والسلام إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم: علي والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر، وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل.
وفي الترمذي بإسناد حسن من حديث ابن عمر: لقد رأيتنا يوم حنين، وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل.
وفي شرح مسلم للنووي: أنه ثبت معه عليه الصلاة والسلام اثنا عشر رجلا، وكأنه أخذه من قول ابن إسحاق.
نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم: علي، والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان" وهؤلاء الهاشميون "وابن مسعود من الجانب الأيسر" كما في نفس هذا المرسل، كما في الفتح وغيره، وكأنه سقط من قلم المصنف، قال: "وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل" بقتل الملائكة، على المتبادر من أنه لم يبق إلا هؤلاء الأربعة وبين ما اشتغلوا، وتقدم في حديث أبي عبد الرحمن، فتلقانا عند صاحب البغلة رجال بيض الوجوه حسان.
"وفي الترمذي بإسناد حسن من حديث ابن عمر لقد رأيتنا" مفعول أول "يوم حنين" ظرف، "وإن الناس لمولون" جملة، في موضع نصب مفعول رأى الثاني، فاندفع إيراد أنه لا يصح أنها علمية لعدم المفعول الثاني، ولا بصرية لأن شرط مفعولها أن لا يتحد الفاعل والمفعول، بأن يكونا لمتكلم، "وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل".
قال الحافظ: هذا أكثر ما وقفت عليه في عدد من ثبت يومئذ، ولأبي نعيم في الدلائل تفصيل المائة بضعة وثلاثون من المهاجرين، والبقية من الأنصار.
وروى أحمد والحاكم عن ابن مسعود: أنه ثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا، ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، وهذا لا يخالف حديث ابن عمر، لأنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين. انتهى….
ومحصل ما ذكره المصنف فيمن ثبت أربعة أقوال أربعة دون مائة: اثنا عشر, عشرة، ومر خامس وهو ثمانون, وسادس وهو مائة.
رواه البيهقي، وغيره عن حارثة بن النعمان إلا أنه يمكن ترجيع دون مائة إلى الثمانين، كما أشار له الحافظ فلا يعد قولا، فهي خمسة فقط، وجمع شيخنا بحمل الأربعة على ما بقي معه آخذا بركابه، والاثني عشر، والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال: اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال: عشرة أراد الأربعة، وستة ممن أسرع وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أعقابهم، ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام، هذا وقد تقدم الاعتذار عمن تولى من غير المؤلفة، بأن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، كما جزم به في الفتح، وكذا حزم في النور بأنهم كانوا أضعاف المسلمين، ولذا تبرأ الشامي في تفسيره للآية مما جزم به غير واحد أنهم كانوا أربعة آلاف، وسبق الاعتذار عنهم باحتمال أن الأربعة آلاف من نفس هوازن، والزائد ممن انضم إليهم من غيرهم، لأنهم أقاموا حولا يجمعون الناس.
"وقد قال الطبري" الإمام ابن جرير في الاعتذار عنهم، "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود" بلا عذر، "وأما الاستطراد" أي الفرار في الحرب، "للكثرة فهو كالمتحيز إلى فئة" أي جماعة من المسلمين يستنجد بها فليس انهزاما منهيا عنه، واستعمل الاستطراد بمعنى الفرار مجاز؛ لأنه كما في المصباح الفرار كيدا، ثم يكر عليه وتقدير بلا عذر المدلول عليه بمقابلته بعذر الكثرة ليظهر وجه مقابلته لما قبله، وإلا فلا يخفى أنه من أفراده لشموله، لما إذا نوى أن يعود أو لا نية له والفرار للكثرة، لا يخرج عنهما، وفي العيون فرارهم يوم حنين، قد أعقبه رجوعهم إليه بسرعة وقتالهم معه حتى كان الفتح، ففي ذلك نزل قوله تعالى: {ويوم حنين} [التوبة: ٢٥] إلى قوله: {غفور رحيم} [البقرة: ٢١٨] كما قال فيمن تولى يوم أحد: {ولقد عفا الله عنهم} [آل عمران: ١٥٥] وإن اختلف الحال في الوقعتين، وفي الروض لم يجمع العلماء على أنه الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره} [الأنفال: ١٦] ، ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد، وهو قوله: {ولقد عفا الله عنهم}[9]
[1] كتاب صحيح البخاري ت البغا، ج ۴، ص1576 و همین طور: كتاب صحيح البخاري ط السلطانية، ج ۵، ص160
[2] كتاب صحيح مسلم ت عبد الباقي، ج ٢، ص735
[3] كتاب الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري، ج ٣، ص313
[4] كتاب المستدرك على الصحيحين ط العلمية ، ج ٣، ص286
[5] كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم ، ج ۴، ص437
[6] كتاب المنهل الحديث في شرح الحديث ، ج ٣، ص108-١٠٩
اقول: ظهر علی الطبری و خفی علی الله تعالی! حیث عاتبهم بتولّی الدبر فقال: « ضاقت علیکم الارض بما رحبت ثمّ ولیتم مدبرین» و لو کان للتجمع مرة اخری لما کان للعتاب و لا للتوبه بعد ذلک مجال فما معنی قوله تعالی: ثم یتوب الله من بعد ذلک علی من یشاء.
و لا ادری کیف یلائم قوله مع قول البخاری حیث یصرح بانهم لبّوا و رجعوا عند نداء الرسول من دون الرجوع الی مقر او التحیز الی فئة، بل رجعوا بمجرد دعوته.
و لا ادری ثالثاً ما معنی فرار القوم للتجمع مع بقاء قائد العسکر وحیداً ینادیهم بالرجوع و العودة. و لعلهم اعلم بقواعد الحرب و آدابه.
[7] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ، ج ٣، ص623
و المراد بابی سفیان ابن الحارث بن عبدالمطلب کما ورد فی نصوص کثیرة کما سیمر علیک.
[8] كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف ، ج ١، ص170-١٨۴
[9] كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ، ج ٣ ص۵٢٠- 52٣
بدون نظر