التصحیح بقدر الامکان
۱. اصول همگرا
اصاله الاباحه
سید محمدکاظم مصطفوی
قاعدة الحل
المعنى: معنى القاعدة هو أنّ كلّ شيء (من الموضوعات الخارجية) كان مشتبها بين الحلال و الحرام يحمل على الحلال، و عليه إذا شكّ في شيء من الأطعمة و الأشربة و الألبسة بأنّه محلل أو محرم يبنى على الحلّية بمقتضى القاعدة، و تختص القاعدة بالشبهات الموضوعيّة فيكون موردها هو الشكّ في الموضوع فقط، كما قال سيّدنا الأستاذ: بأنّ قوله عليه السّلام (فيه حلال و حرام) ظاهر في الانقسام الفعليّ بمعنى أن يكون قسم منه حلالا و قسم منه حراما، و لم يعلم أن المشكوك فيه من القسم الحلال أو من القسم الحرام، كالمائع المشكوك في كونه خلا أو خمرا، و ذلك لا يتصور إلّا في الشبهات الموضوعيّة كما مثّلنا؛ إذ لا تكون القسمة الفعليّة في الشبهات الحكميّة .
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
1- الروايات: و هي الواردة في مختلف الأبواب، منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: «كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا، حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» دلّت على أنّ كلّ شيء كان مشتبها بين الحلّية و الحرمة يحمل على الحلّية فالدّلالة تامّة.
و منها مقبولة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «كلّ شيء هو لك حلال، حتى تعلم أنّه حرام بعينه- إلى أن قال:- و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» دلّت على مدلول القاعدة دلالة صريحة. قال سيّدنا الأستاذ: فيكون المراد أنّ الأشياء الخارجيّة كلّها على الإباحة، حتّى تظهر حرمتها بالعلم الوجداني أو تقوم بها البينة و المراد من البينة هو ما يتبين به الشيء و هو مطلق دليل يتبين به المشكوك فيه، فالوظيفة عند الشكّ في الحلّية و الحرمة هو الحمل على الحلّية ما دام لم يتعين الموضوع بالعلم الوجداني أو بالدليل الذي يظهر به حال الموضوع.
و منها خبر عبد اللّٰه بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجبن فقال:- بعد حديث طويل- سأخبرك عن الجبن و غيره، كلّ ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه
و منها مرسلة معاوية بن عمّار عن أبي جعفر عليه السّلام في الجبن قال: «كلّ شيء فيه الحلال و الحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام فتدعه بعينه» و بما أنّ سند الخبرين الأخيرين غير تام فلا يستفاد منهما إلّا التأييد.
2- التسالم: قد تحقق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة فلا خلاف و لا اشكال فيه بينهم فالأمر متسالم عليه عندهم. و لا يخفى أنّه قد يعبّر عن قاعدة الحل بأصالة الإباحة و لا مشاحة في الاصطلاح.
ينبغي ذكر ما أفاده صاحب الجواهر رحمه اللّٰه في المقام فقال: و من المعلوم المقرر في الأصول أنّ العقل و الشرع تطابقا على أصالة الإباحة و الحل في تناول كلّ ما لم يعلم حرمته من الشرع و ما ذكره يؤكّد التسالم[1].
خامساً- الأصل في الأشياء الإباحة:
و هذه قاعدة مشهورة عند الاصوليّين في الشبهات الحكمية التي يتناولها الفقيه و يراد بها أحد معنيين:
المعنى الأوّل: إثبات الإباحة الظاهرية بمستوى الأصل العملي في موارد الشكّ و عدم وصول الفقيه بعد الفحص و التتبّع إلى دليل يهديه إلى الحظر، فيرجع في تلك المسألة إلى ما تقتضيه الاصول العملية من استصحاب الإباحة الثابتة قبل الشرع أو أصالة البراءة الشرعيّة أو العقليّة.
المعنى الثاني: إثبات الإباحة الواقعية ببعض العمومات الواردة في القرآن الكريم و بعض الروايات من أنّ الأشياء كلّها مباحة ما عدا العناوين التي تثبت حرمتها شرعاً بأدلّة اخرى كالخمر و الميتة و الدم و غيرها، و استفادة مثل هذا العموم في بعض الأبواب كالمطعومات و نحوها ليس ببعيد، و لعلّ منه قوله تعالى: «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ...» إلّا أنّ استفادته في مطلق أفعال المكلّفين و جميع الأبواب الفقهيّة محلّ إشكال، بل منع؛ لعدم وجود ما يدلّ على إباحة جميع الأشياء و الأفعال بهذا العرض العريض.
و ما استدلّ أو يمكن أن يستدلّ به عليه من قبيل قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً...» و قوله عليه السلام: «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» ناقش فيه فقهاؤنا في كتبهمو لمزيد الاطّلاع يراجع البحث عن ذلك في مظانّه.
ثمّ إنّ هناك معنىً آخر لأصالة الإباحة و هو الصحّة و الحلّية الوضعيّة في باب المعاملات تسمّى بأصالة الصحّة أو الحلّية في العقود، و هي أصل و قاعدة اخرى فقهيّة. يطلب تفصيلها في مصطلح (عقد)[2].
اصاله اللزوم
صاحب عناوین
قاعدة- 243 الأصل في البيع اللزوم، و كذا في سائر العقود. و يخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة.
فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بأمور ، منها:أقسام الخيار المشهورة. و خيار قوات شرط معين، أو وصف معين. أو عروض الشركة قبل القبض. و تلف المبيع المعين، أو الثمن المعين قبله، أو في زمان الخيار، إذا كان الخيار للمشتري و إن قبضه. و الإقالة. و التحالف عند التخالف في تعيين المبيع، أو تعيين الثمن، أو تقديره على قول . و تفريق الصفقة. و الإخلال بالشرط. و خيار الرجوع عند الإفلاس.
و أما سائر العقود، فمنها: ما هو لازم من طرفيه: كالنكاح، و الإجارة، و الوقف، و الصلح، و المزارعة، و المساقاة، و الهبة في بعض الصور، و الضمان بأقسامه إلا الكفالة، و في المسابقة قولان .
و منها: ما هو جائز من طرفيه، و هو: الوديعة، و العارية، و القراض، و الشركة، و الوكالة، و الوصية، و القرض، و الجعالة، و الهبة في بعض صورها، لانتظام المصالح بجوازها، و إلا لرغب عنها أكثر الناس، للمشقة بلزومها.
و يلحق بالوكالة: ولاية القضاء و الوقف و المصالح المعينة من قبل القاضي.
و قيل لا يجوز عزل القاضي اقتراحا، فيكون لازما من طرف. و أما عزل نفسه، فجائز عند وجود من هو بالصفات، لا عند عدمه.
و منها: ما هو لازم من طرف و جائز من آخر، و هو: الرهن، و كفالة البدن، و عقد الذّمّة و الأمان، قيل : و الهبة من ذي الرحم، أو مع القربة، أو مع التعويض، أو مع التصرف. و يظهر اللزوم من الطرفين، إذ لا يجب على الواهب القبول بفسخ المتهب، لأنه ملك جديد.
و أما الكتابة، فقد قال ابن حمزة رحمه اللّه: بجوازها مشروطة من الطرفين، و مطلقة من طرف العبد. و الشيخ و ابن إدريس على لزوم المطلقة من الطرفين، و المشروطة من طرف السيد. و الفاضلان على لزومهما من طرفيهما.
و منها: ما يكون في مبدئه جائزا ثمَّ يؤول إلى اللزوم، كالهبة بعد القبض، و قبل أحد الأربعة السابقة و الوصية قبل الموت و القبول، و تلزم بعدهما[3]
ملا احمد نراقی
و منها: قولهم: الأصل في البيع اللزوم
و هو داخل تحت «القاعدة» لانّ القاعدة الّتي قرّرها الشارع في البيع اللّزوم. و لا يخفى انّ الغرض من قولهم: الأصل فيه اللزوم انّه مع قطع النّظر عن الامور الخارجة يكون الأصل فيه اللّزوم، فلا ينافي وضع الخيار فيه.
و قال الشهيد في قواعده: الأصل في البيع اللزوم و كذا في سائر العقود. يخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بامور:
منها: اقسام الخيار المشهورة و خيار فوات شرط معيّن [او وصف معيّن] أو عروض الشركة قبل القبض و تلف المبيع المعيّن أو الثمن المعيّن قبله أو في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري و ان قبضه و الاقالة و التحالف عند التّحالف في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أو تقديره على قول و تفريق الصّفقة و الاخلال بالشرط و خيار الرجوع عند الافلاس- انتهى موضع الحاجة
و كلام الشهيد (قدّس سرّه) ايضاً يدلّ على انّ الخروج من اللّزوم باعتبار امر خارجي و هذا لا ينافي كون اللزوم اصلًا فيه و بذلك يندفع كلام بعض الفضلاء[4]
اصاله الصحه فی عمل الغیر
صاحب عناوین
العنوان الرابع و التسعون أصالة الصحة في فعل المسلم و قوله
عنوان 94 أفعال المسلمين و أقوالهم محمولة على الصحة و الصدق، و هذا المضمون نقل عليه الإجماع حد الاستفاضة، و الظاهر أنه صار من الضروريات، حيث اشتهر في ألسنة العوام و النساء. و ليس مما يحتاج إلى إقامة الحجة، و إنما البحث في المراد منها، لما صعب على بعض المتأخرين ذلك و استشكل فيه، مع أنه من الضروريات على الظاهر. و مما يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع أن الغالب في فعل المسلمين و أقوالهم الصحة بلا شبهة، و كلما شك فيه فيحمل على الغالب. و ما ورد في بعض المقامات من النصوص الخاصة، كالأخبار الدالة على قبول (قول ذي اليد) في باب الطهارة و النجاسة و في باب التذكية . و ما دل على أن كل ذي عمل مؤتمن و ظاهره أنه كلما يقول في ذلك فقوله مسموع في حقه و لا يفعل إلا ما هو مقتضى الأمانة. و ليس المراد به الأخبار، و إلا لزم الكذب، بل المراد: بيان أن البناء ينبغي أن يكون على ذلك حتى يعلم خلافه، فيكون في مقام تأسيس القاعدة و بيان الحكم الشرعي. و ما دل من الآيات و الأخبار و غيرها من الأدلة على حجية خبر العدل أو مطلقا بعد التبين في الأحكام الشرعية كما عليه العمل الان. و ما ورد في قبول شهادة الرجل أو المرأة في بعض المقامات منفردا أو منضما كما هو الغالب. و ما مر من القاعدة المشار إليها سابقا: أن الشيء الذي لا يعلم إلا من قبله يسمع قوله فيه و ما ذكرنا فيه من النص الوارد في خصوص النساء و تصديقهن في أمر العدة و الحيض و نحو ذلك، فإن هذه الموارد و إن كانت موارد خاصة لكنها تؤيد سماع القول و الحمل على الصحة. و يدلُّ عليه أيضا قوله تعالى اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فإن ظاهره أن ظن السوء على المسلم إثم، و ليس معناه إلا البناء في أفعاله و أقواله على الصحة. و ما ورد من الروايات على أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا يكذبه في كلامه و ما ورد من الروايات على الأمر بوضع أمر الأخ المسلم على أحسنه و ما دل على أن قول المسلم يجب قبوله و ما دل على أن اتهام المسلم و المؤمن حرام . و ما دل على أن المؤمن وحده حجة يعمل بقوله و ما دل على تحريمإضمار السوء على الأخ المسلم و ما دل على أن ظن السوء واجب الترك و ما دل على أن التكذيب لا يجوز[5].
قاعده سوق
سیدحسن بجنوردی
41- قاعدة السوق
قاعدة السوق و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة «قاعدة السوق». و هي أمارة على التذكية و غيرها.
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
و هو أمور:
الأوّل: استقرار سيرة المسلمين و المؤمنين على أنّهم يدخلون الأسواق و يشترون اللحوم و الجلود من دون السؤال عن أنّها ميتة أو مذكّى، حتّى أنّ صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه و آله، و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام أيضا كانوا كذلك، و هذا شيء لا يقبل الإنكار، و لم يرد عنهم عليهم السّلام ردع عن هذه السيرة، بل هم أنفسهم عليهم السّلام كانوا كسائر المسلمين يعملون بها، فيدخلون سوق النخاسين و يشترون العبيد و الإماء، من دون أن يسألوا و يفتشوا هل هم أحرار قهروا فيبيعونهم، أو عبيد.
حتّى أنّه قال عليه السّلام في رواية حفص بن غياث: «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»و ظاهر هذه العبارة أنّ الاعتناء بهذه الاحتمالات- أي احتمال عدم التذكية في اللحوم و الجلود، و احتمال كونهم أحرار في العبيد و الإماء، و احتمال كونه مال الغير و أنّه سرق أو غصب في سائر الأموال- يوجب تعطيل الأسواق، و اختلال أمر المسلمين في معاملاتهم، و هذا أمر مرغوب عنه عند الشارع، فعدم الاعتناء بأسواق المسلمين و ترتيب الأثر على هذه الوساوس منفور عنه.
الثاني: الإجماع على حجّية السوق، فإنّه من قديم الزمان لم يشكّك أحد في حجّية السوق و في أنّها أمارة التذكية.
و لكنّك عرفت ما ذكرنا مرارا من عدم اعتبار مثل هذه الإجماعات التي لها مدارك للمتّفقين يعتمدون عليها، و ليس من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجّيته، و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام.
الثالث: الأخبار:
منها: ما رواه الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه»
و بعد الفراغ من أنّ الظاهر أنّ المراد من السوق هو سوق المسلمين، فأمره عليه السّلام باشتراء تلك الخفاف المشكوكة- أنّها مأخوذة من المذكّى أو من الميتة و الصلاة فيها حتّى تعلم بأنّها مصنوعة من الميتة- يدلّ على أنّ السوق أمارة التذكية، إلّا أن تعلم بخلافها، و إلّا فمقتضى أصالة عدم التذكية التي هي من الأصول التنزيليّة هو عدم جواز شرائها، و عدم جواز الصلاة فيها، فلا بدّ و أن يكون هناك أمارة حاكمة على ذلك الأصل، و ليست هي إلّا السوق حسب المتفاهم العرفي من نفس هذه الرواية.
و لا يمكن أن يقال: إنّ أمره عليه السّلام بالاشتراء و الصلاة فيها حكم ظاهري مجعول للشاكّ، حتّى يعلم من قبيل أصالة الطهارة، لأنّه لو كان كذلك لكان استصحاب عدم التذكية حاكما على ذلك الأصل غير التنزيلي، و على فرض عدم حجّية الاستصحاب نفس أصالة عدم التذكية تجري، لأدلّة خاصّة، فلا يبقى محلّ لذلك الحكم الظاهري الموهوم.
نعم بناء على مسلك صاحب المدارك قدّس سرّه من أنّ أصالة عدم التذكية ليست أصلا برأسها، و إنّما هو نفس الاستصحاب في مورد الشكّ في التذكية، و الاستصحاب ليس بحجّة لكان لهذا الكلام وجه.
و لكن تردّه أدلّة حجّية الاستصحاب أوّلا، و على تقدير تسليم عدم حجّيته تردّه الأدلّة الخاصّة التي تدل على حجّية أصالة عدم التذكية.
و منها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ فقال: «نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك»
و هذه الرواية ظاهرة بل نصّ في أنّ في مورد الشكّ في التذكية لا يجب السؤال و التفتيش و يصلّى فيها، مع أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية هو عدم جواز الصلاة فيها، إلّا بعد المسألة و تبيّن أنّها ذكيّة، فليس هذا إلّا لأجل وجود أمارة على التذكية، و هو هنا ليس إلّا السوق.
و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السّلام مثله
عن ابن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدري أ ذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري، يصلّي فيه؟
قال عليه السّلام: «نعم أنا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لي و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة»
و منها: رواية الحسن بن جهم، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق فاشترى خفّا لا أدري أ ذكيّ هو أم لا؟ قال عليه السّلام: «صلّ فيه». قلت: فالنعل؟ قال عليه السّلام مثل ذلك، قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله» و دلالة هاتين الروايتين الأخيرتين على أماريّة السوق على حذو ما سبق، بلا تفاوت أصلا.
و ها هنا أخبار أخر تدلّ على اعتبار سوق المسلمين، و أنّه أمارة التذكية، تركنا ذكرها، لأنّ في ما ذكرنا غنى و كفاية.
الجهة الثانية
في أنّ اعتبار هذه القاعدة هل هو في خصوص إثبات التذكية في مورد الشكّ فيها، أو أوسع من هذا فيثبت بها الملكيّة أيضا، فإذا دخل السوق و يريد أن يشتري متاعا و يحتمل أن يكون مسروقا، أو يدخل سوق النخاسين و يريد أن يشتري عبدا أو أمة و يحتمل أن يكونا حرّين، فهل السوق أمارة على أنّ ذلك ملك للبائع، و الأمة و العبد مملوكان لبايعهما أم لا، بل الذي هو أمارة الملكيّة هي اليد، فلو فرضنا عدم وجود يد عليه فلا طريق إلى إثبات ملكيته؟
و الظاهر: أنّ ما هو أمارة الملكيّة هي اليد، و صرف كونه في السوق لا يدلّ على أنّه ملك لأحد أهل هذا السوق، أو لأحد من الناس، إلّا أن يكون من الأموال التي يعلم بأنّها ملك لأحدهم و إن كان المالك مجهولا، فبصرف وجود أشخاص في سوق النخاسين في صفّ العبيد و الإماء لا يمكن الحكم عليهم بالمملوكيّة ما لم يكونوا تحت يد أحد.
و أمّا مسألة الطهارة في بيع ما يتوقّف صحّة بيعه على الطهارة- بحيث لو لم يكن طاهرا لا يكون له منفعة أصلا- كالسكنجبين مثلا من جهة أصالة الطهارة، و لذلك في الموارد التي يجري استصحاب النجاسة فيها يحكم بالنجاسة، و بصرف كونه في السوق و وقوع البيع و الشراء لا يحكم عليه بالطهارة.
و أمّا في موارد الشكّ في الطهارة و النجاسة من جهة الشكّ في التذكية و أن يحكم عليه بالطهارة بواسطة كونه في السوق، و لكن ذلك ليس من جهة إثبات الطهارة بأماريّة السوق عليها أوّلا و بالذات، بل من جهة أنّ السوق أمارة التذكية، و من آثار التذكية هي الطهارة، و كذلك الأمر في الحلّية، فلا يثبت به الحلّية ابتداء، بل من آثار التذكية الواقعة على الحيوان المحلّل الأكل هو حلّية أكل لحمه بعد التذكية[6].
قاعده میسور
صاحب عناوین
العنوان التاسع عشر في بيان قاعدة الميسور
عنوان 19 من جملة القواعد المتلقاة من الشرع الكثيرة الدوران المتشتة الفروع قاعدة الميسور و لزوم الإتيان بالمستطاع،
موارد قاعده
و يتمسك بها في لزوم تخفيف النجاسة كما و كيفا كالغسل مرة و إن لم يطهر و في غسلات الولوغ، و منزوحات البئر، و تباعد البالوعة، و قيام غير التراب مقامه في التطهير و وضوء الأقطع، و الجبير، و في أعداد غسلات الوضوء و المضمضة و غسل اليد، و المباشرة في جميع ما تعتبر فيه، و حكاية ما أمكن من الأذان و الإتيان بسائر الدعوات المندوبة، و أعداد مسحات الاستبراء و خرطاته، و جلوس الحائض في مصلاها، و مندوبات الاحتضار و الموت، و الغسل بالقراح مع تعذر الخليط من سدر أو كافور، و من وراء الثياب و قيام غير الساتر مقامه، و الواحد مقام الثلاثة في الكفن، و كفاية التكبيرات في صلاة الميت، و الممكن من التربيع للجنازة، و طلب الماء و إن لم يكن غلوة أو غلوتين، و المسح مقام الغسل، و ظهر اليد موضع بطنها و إحداهما مقام الاثنتين، و الممكن من النوافل، و ستر ما أمكن من العورة، و لزوم الصلاة عاريا، و ما أمكن من البعد بين المرأة و الرجل في الصلاة، و ارتكاب أقل المحذورين و لو اعتبارا في تعارض المكروهين أو الحرامين، و قيام الاعتماد و القعود و الاضطجاع و الاستلقاء مقام القيام، و بعض القراءة و الترجمة و الملحون و الذكر مقام الكل الصحيح، و في المقدور من انحناء الركوع و نحوه من سائر الأجزاء و الشرائط، و أداء المقدور من الحقوق الواجبة المالية كلها، و القيام في المعبر و حركة الرجلين لمن نذر المشي، و في فرض الكفارات على العدد، و لزوم الكف عن المفطرات و إن أفطر، و لزوم المقدور من الصيام و الإطعام، و تقديم المعتكف أقل الطريقين ظلا، و استنابة العاجز عن الحج و كون النائب من الأقرب إلى بلده، و صرف المال القاصر عن الحج الموصى به في وجوه البر، و لزوم الأقرب إلى الميقات لو أمكن، و في انتقال حكم العضو الأصلي إلى الزائد، و تقدر الضرورة إلى ترك واجب أو فعل محرم بقدرها، و إحياء بعض الليلة، و تباعد الرامي، و صفات الجمار و الهدي، و ذبح هدي القرآن و إن لم يبلغ محله، و إمرار فاقد الشعر الموسى على رأسه، و المقدور من الأمر بمعروف أو النهي عن منكر، و إجراء الحدود و الأحكام، و مراعاة الوكلاء و الأمناء و الأولياء المصالح درجة بعد درجة، و ذبح الواقع في البئر من دون شرائطه، و مسألة فوات الفور، و فوات القيد من زمان أو مكان أو وصف أو حالة ذاتي أو عرضي قابل للتبدل أم لا، و نظائر ذلك مما لا يخفى على المتتبع.
و تنقيح المقام بحيث يرتفع عنه غشاوة الإبهام أن يقال:
إن المأمور به قد لا يكون أمورا متعددة مستقلة غير مجتمعة تحت اسم واحد، كالصوم و الصلاة و نحوهما.
و قد يكون أمورا متعددة مندرجة تحت عنوان بحيث يكون كل منها مأمورا به على طريقة العموم الأصولي، كأيام شهر رمضان و النوافل اليومية على ما حققناه في محله
و قد يكون المأمور به مركبا من أجزاء يطلق على كل منها اسم الكل، كستر العورة و أداء الدين و نظيرهما مما يطلق على الجزء اسم الكل، كقراءة القرآن.
و قد يكون مركبا من أجزاء خارجية تدريجية لا يطلق على كل منها اسم الكل مع ارتباط بعض منها ببعض بحيث لو اختل أحدها اختيارا لاختل الباقي، كالصلاة و الصوم و قراءة سورة خاصة و الحج و نحو ذلك.
و قد يكون المأمور به أمرا مقيدا خاصا، إما بحالة كالركوع و السجود و نحوه، أو بوصف كالمشي الذي هو عبارة عن الحركة من مكان إلى مكان مثلا بتحريك الرجلين و بتوسطهما، أو بإضافة كماء السدر و ماء الكافور، و نظائر ذلك من قيود زمان أو مكان بحيث لو فات تلك الحالة أو الوصف أو الإضافة أو القيد لفات اسم المأمور به و إن بقي هناك بعض من مقدماته أو أجزائه.
و قد يكون مركبا من أجزاء عقلية، كالأنواع المركبة من الأجناس و الفصول.
ثم قد يكون الباقي بعد فوات المتعذر بحيث يصدق عرفا و عادة أنه من أبعاض المجموع المركب و من بقاياه و المقدور منه،
و قد يكون أمرا خارجيا لا يصدق عليه ذلك في نظر العرف.
ثم قد يكون هذا المأمور به مطلوبا بأمر تعبدي، و قد يكون مطلوبا بأمر توصلي كما لو كان سببا لأمر أو شرطا أو رفع مانع و نحو ذلك و قد يكون مطلوبا بالاعتبارين.
فهنا مباحث ينبغي التأمل فيها حتى يتضح الأمر.
فنقول: الأصل في هذه المسألة من طريق السنة روايات:
أحدها: ما رواه في غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه و آله و رواه الأصحاب في كتب الفروع، و هو قوله عليه السلام: إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
و ثانيها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الغوالي و غيره: الميسور لا يسقط بالمعسور
و ثالثها: عنه عليه السلام أيضا: ما لا يدرك كله لا يترك كله
إذا عرفت هذا، فاعلم: أنه لا إشكال في لزوم الإتيان بالمقدور في القسم الأول، إذ الواجبات أمور مستقلة غير مرتبطة، و تعذر أحدها يوجب سقوط الخطاب عنها، و مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب في المقدور، و لا شبهة في جريانه في هذا المقام عند من قال بحجيته، مضافا إلى أن ذلك مقتضى إطلاق الخطاب، فإن الأوامر تدل على مطلوبية المأمور به سواء تعذر غيره أو أمكن، مع أن هذا القسم محل وفاق، بل محل ضرورة لا يشك فيه مشكك. و لكن الرواية الأولى غير شاملة له، إذ الظاهر من تنكير كلمة (شيء) و قرينة قوله: (منه) إرادة البعض من المأمور به الواحد المركب كما سيفصل و المقام ليس منه. ... و لكنه يشمله الرواية الثانية، إذ لم يعتبر فيها وحدة و لا تعدد، و إنما المراد به: أن تعذر شيء لا يكون سببا لسقوط المقدور الممكن. و أما الثالثة: فقد يتوهم عدم شمولها أيضا، باعتبار أن الظاهر من الكل المجموع المركب. و ليس كذلك، بل هو أعم من المركب من الأجزاء باعتبار التركيب أو الموجود في الأفراد باعتبار ذلك. فقوله عليه السلام: (ما لا يدرك كله) أعم من أن يكون أمورا مختلفة الشخص كلها مأمور به، أو يكون ملحوظا تركيبها بحيث يكون المجموع المركب مأمورا واحدا. و كلمة الموصول قابل للمعنيين، و قابل لإرادة الأعم من الأمرين، فالتخصيص بالمركب لا معنى له. و الحاصل: أن ملاحظة مجموع الرواية يدلك على دخول كلا الأمرين فيه.
و الكلام في القسم الثاني بعينه كالكلام في الأول، إذ كون الأمور المتعددة داخلة تحت عنوان واحد لا مدخل له في ذلك، و العام الأصولي في الحقيقة ينحل إلى خطابات متعددة، فيصير راجعا إلى القسم الأول. و يزيد ذلك على الأول أنه يمكن إدخاله تحت الخبر الأول أيضا مثلا: يمكن أن يقال: إذا تعذر يوم من رمضان و لم يمكن صومه يصدق أن الباقي هو المستطاع من صوم شهر رمضان المأمور به، فالدخول تحت الاسم الواحد يدرجه في الخبر الأول أيضا و إن كان منحلا إلى أمور متعددة.
و القسم الثالث أيضا يجب الإتيان بالمقدور منه من دون شبهة، و يجيء فيه الأدلة الماضية في وجه. لكن الاستصحاب في جريانه من حيث إنه جزء إشكال، ...
و أما القسم الرابع: فالذي يقوى في النظر لزوم الإتيان بالمقدور من المأمور به على القاعدة، إلا ما خرج بالدليل،
و الوجه في ذلك أمور:
أحدها: الاستصحاب، و قد عرفت المناقشة فيه. و دعوى: أن المستصحب عبارة عن المطلوبية الحتمية أعم من كونها مقدمية أو أصلية، مدفوعة بما مر.
و ثانيها: الاستقراء، فإنه لا يخفى على المتتبع في الفقه أن الغالب في أمثال هذا المقام لزوم الإتيان بالمقدور، لنص أو إجماع أو غير ذلك، و لا ريب أن المشكوك فيه يلحق بالغالب دون النادر.
و قد يقال: إن الاستقراء غير ثابت، إذ لا نسلم كون الغالب في الأوامر لزوم الإتيان بالمستطاع و المقدور بعد تعذر الكل.
و يمكن دفع ذلك: بأنك إن أردت عدم الغلبة في هذا الصنف الخاص من المأمور به و هو المركب الارتباطي فعلى فرض تسليمه غير مضر، إذ لا شبهة في أن الغالب عدم سقوط المقدور بالمعسور في نوع الأوامر، كما فصلنا لك بأشخاصها و أنواعها، مع أن الغلبة الصنفية أيضا محققة، كما لا يخفى على من لاحظ أجزاء الصلاة و شرائطها و أعمال الحج و نظائرها. و ربما يقال: إنه معارض بمثله، فإنا نرى أيضا سقوط الأبعاض بسقوط الكل في نحو باب الوضوء مثلا و في الغسل و نظائر ذلك، فإما أنه يرجع إلى ما جعل بدلا، أو يسقط التكليف من أصله. و هو واضح الدفع بأن تحقق الاستقراء المعارض لما ذكرناه في غاية البعد، مع أنه لو تحقق له معارض في خصوص أحد الأصناف فيتساقطان، بمعنى: أنه لا يتحقق الغلبة من الجانبين حتى يلحق المشكوك بالغالب، لكن يبقى الغلبة في نوع الأوامر سليما عن معارض. و الحاصل: الإشكال في تحقق هذه الغلبة موهون جدا. نعم، يقع الكلام في حجيته، و هو غير مناسب للمقام، و تنقيحه في علم الأصول.
و ثالثها: الروايات السابقة و الطعن فيها من حيث السند أنه غير معتبر في نفسه و لا موجود في أصل معتبر، مدفوع بأن شهرة هذه الأخبار في كتب الفقهاء بل في ألسنة الناس من العوام و الخواص مما تورث الظن القوي بصدور هذه الأخبار ظنا أعلى من الخبر الصحيح بالاصطلاح المتأخر. و دعوى: أن الشهرة ليست إلا عند المتأخرين، مدفوعة باشتهار الكلمة عند القدماء أيضا، بل هذا الانتشار بين العوام و الخواص مما يكشف عن كون ذلك في الأعصار السابقة كذلك، بل هذا مما يدل على نوع موافقة لحكم العقل، بمعنى: أن ظاهر كلام أهل العرف و العقل أن هذه القضية إنما هو على مجرى عادة العقلاء بحيث أن من خالفها فقد خالف أفعال العقلاء، فيكون النصوص واردة مورد التأكيد لقضية العقل، و هذا أيضا يكون دليلا آخر على اعتبار هذه القاعدة. و بالجملة: الطعن في الرواية من حيث الانجبار ليس في محله، مضافا إلى حكاية جماعة شهرة هذه الروايات و كونها مفتى بها عند الأصحاب، مع أنا نرى في أبواب متفرقة في الفقه أفتى الأصحاب في فروع هذه القاعدة، و ليس لهم مستند في ذلك إلا هذه الأخبار، فيكون شهرة في الفتوى و إن لم تكن في الرواية، و هي تصلح جابرا، على ما حقق في محله.
نعم، بقي الكلام في الدلالة: فنقول: ظاهر قوله: (أمرتكم يراد به الطلب الوجوبي، فلا يشمل المندوب، فلو تعذره بعضه لم يستحب الإتيان بالبقية لهذه الرواية. لكن الظاهر عدم القول بالفرق بينهما، مضافا إلى أن المندوب يتسامح فيه بما لا يتسامح في غيره كما قررناه و يكفي فيه احتمال الطلب و الاحتياط العقلي، فتدبر و راجع. فالظاهر: إرادة القدر المشترك من الأمر، أو إلحاق المندوب في الحكم. و (الشيء) مطلق متوغل في الإبهام يشمل كل مأمور به، و ما نحن فيه منه، بل هو أظهر أفراد المأمور به، لأنه مركب من أجزاء ارتباطية يطلق عليها اسم الواحد. و كلمة (من) إما للتبعيض، فمعناه: فأتوا ما استطعتم، و يراد به بعض المأمور به، و الضمير يرجع إلى الشيء، فيصير الرواية بيانا لصورة تعذر البعض دون الكل، إذ لو تعذر الكل سقط بلا شبهة، و لو أمكن وجب للأمر، و أما صورة التبعض فجعل هذه الرواية قانونا لبيانها. و يحتمل كون (من) بمعنى الباء، فيكون المراد: فأتوا بالشيء، و يكون كلمة (ما): إما زمانية، أي: ما دام أنتم مستطيعون، أو بدلا عن الشيء، أي: فأتوا بالشيء، أي: المقدور، و المتعلق محذوف، أي: المقدور منه، فيرجع هذا إلى المعنى الأول. و يحتمل أن يكون الموصولة مفعولا و (من) بيانية، فيصير المعنى: فأتوا بالمستطاع الذي هو ذلك الشيء المأمور به. و يحتمل كون (من) ابتدائية، فيكون المعنى: فأتوا بالمستطاع الكائن من ذلك المأمور به. و يحتمل كون الموصولة مفعولا و كلمة (من) تبعيضية بدلا عن الموصولة، و المراد: فأتوا بالمستطاع بعض الشيء المأمور به. و يجيء بعض احتمالات آخر بعيدة. و لا ريب أنه و إن كان في بادئ النظر يمكن أن يقال: إذا دار الأمر بين محتملات بعضها منطبقة على المقام و بعضها خارجة عنه، فلا وجه للتمسك بهذه الرواية. قلت: مع قطع النظر عن إعمال قواعد الأصول في تعارض الأحوال، لا ريب أن هذه الضوابط إنما مع عدم وجود فهم عرفي متيقن في البين، و مع وجوده فلا يضر مخالفة ألف قاعدة. فنقول أولا: لا ريب أن حمل هذه الرواية على اشتراط القدرة في المأمور به كما هو مقتضى المعنى الثاني و الرابع و بعض الوجوه البعيدة بعيد عن سياق هذه العبارة، إذ لو ألقي هذه اللفظة على عامي محض غير مشوب ذهنه بشيء من كلمة الأصوليين و الفقهاء لا يفهم منه غير أن المقدور من المأمور به لا بد من الإتيان به و إن تعذر إتيان المجموع المركب، و هذا المقدار من الفهم عرفا يكفينا، و منكر ذلك مكابر لوجدانه، و مخالفة قواعد الأصول غير قادحة، إذ مجراها عند اشتباه العرف، و المقام ليس منه. و ثانيا نقول: إن الحمل على اشتراط القدرة لازمه حمل كلمة (ما) على المصدرية و هو خلاف الأصل، و تأويل الفعل على المصدر و هو كذلك و ثالثا: أنه مستلزم لكون الخبر تأكيدا لما دل عليه العقل و النقل من اشتراط القدرة. و دعوى: أنه لعل هذا الخبر مقدم على غيره من النقل، مدفوعة بالظن القوي بتأخره عما دل عليه كتاب الله من ارتفاع تكليف ما لا يطاق كما أن دعوى: احتمال كون كل من هذه الخطابات لطائفة من المكلفين إذ صدور كل منها في حضور كل منهم معلوم العدم فلا يكون تأكيدا، مدفوعة بأن الغرض من التأكيد كون هذا الكلام بنوعه مفيدا فائدة ذلك، و ظاهر الخبر أنه مفيد تأسيس حكم جديد، و لو كان المراد إفادة ما أفاده غيره لكان إعادة ما في كتاب الله و التعبير بعدم جواز تكليف ما لا يطاق أحسن، و لم يؤد بهذه العبارة الظاهرة في خلاف المراد، كما لا يخفى على المنصف. مع أن هذا لو لم نقل بأن قبح تكليف ما لا يطاق عقلي يعرفه كل أحد، و لو قلنا به كما هو الظاهر فيكون تأكيدا صرفا، و يسقط هذه الكلمات من أصله. و لا يضرنا استعمال كلمة (الإتيان) من دون (باء) مع أنه يتعدى به، لأنه لازم على كل احتمال. و جعل كلمة (من) بمعنى (الباء) و ارتكاب هذا المجاز البعيد عن ظاهر اللفظ ليس بأولى من إضمار الجار و كونه محذوفا بقرينة المقام، و لا نسلم أولوية المجاز
من الإضمار مطلقا، سيما في المقام. و بالجملة: فهم العرف و ذوق أهل اللسان في هذا المقام يكفينا مئونة النقض و الحل في تتميم الدلالة، و تقييد الشيء بالمركب مع اقتضاء سياق الكلام ذلك لا بأس به، و أظن أنه لا يحتاج إلى التقييد بقولنا: إن تعذر الكل. بل لنا أن نقول: ظاهر الرواية: إذا أمرتكم بشيء فأتوا بالمقدور منه، إن كلا فكلا و إن بعضا فبعضا، و لا يحتاج إلى حصر المدلول في التبعيض، و خروج بعض الموارد بالدليل غير مانع من تأسيس القاعدة، إذ ما من عام إلا و قد خص، و مثله المطلق. و بالجملة: دلالة هذه الرواية عند المتأمل في غاية الوضوح. و أما الرواية الثانية فغاية المناقشة في دلالتها: أن الظاهر كون الباء للسببية، و معناه: أن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسقوط المعسور، و هو مسلم بشرط إثبات الحكم أولا للميسور حتى لا يسقط، و الميسور إذا كان جزء الواجب فإن أريد عدم سقوط حكمه المقدمي التابع لوجوب الكل فلا ريب أنه قد زال بزوال وجوب الكل، و إن أريد عدم سقوط وجوبه في نفسه فهو غير مسلم حتى لا يسقط أو يسقط، فالمراد من الرواية: أنه لو ثبت حكم لمعسور و ميسور فسقوط المعسور لا يضر بحكم الميسور، و هذا لا ربط له فيما نحن فيه. قلت: ظاهر الرواية إرادة الجنس من الميسور و المعسور، و المراد بالميسور: المقدور، و بالمعسور: المتعذر عقلا أو شرعا، فظاهر العبارة: أن كل ميسور سواء كان جزء عبادة أو عبادة مستقلة لا يسقط بسقوط المعسور. فنقول: أما المستقلة فيلزم الإتيان بها، و لا ربط له بالمتعذر. و أما الجزء فنقول: ظاهر الرواية أنه أيضا لا يسقط بسقوط الجزء الأخر، و يصير المعنى: أنه يصير مستقلا بعد أن كان منضما إلى غيره في الخطاب. و ليس في الخبر ذكر حكم حتى
يقال: إن أريد الوجوب التبعي فسقط، و إن أريد الأصلي فلم يكن، بل ظاهر الخبر عدم سقوط ذلك المقدور، و معناه في العرف: أنه كما لا بد من إتيانه حال إمكان الكل لا بد من إتيانه حال تعذر غيره، و لا التفات فيه إلى أن هذه اللابدية هل هي كانت لاستقلال أو تبعية؟ و هذا معنى في العرف واضح. فإذا قال الشارع: الجزء المقدور لا يسقط بسقوط الجزء المتعذر، لا يرد على كلامه بحث في أن مرادك بعدم سقوطه أي شيء؟ بل لا يفهم من هذه العبارة إلا جعل الجزء التابع في ضمن الكل مستقلا بعد تعذر غيره، فكأنه قال: إذا تعذر هذا الكل يقوم البعض مقامه، و هذا مما لا غبار عليه أبدا، فتبصر. و أما الرواية الثالثة فغاية المناقشة فيها: أن كلمة (لا يترك) أخبار في موضع إنشاء، و لا نسلم دلالته على التحريم. أو يقال: لا نسلم كونها إنشاء، لم لا تكون إخبارا عن طريقة الناس لغرض لا نعرفه؟ و كلاهما من الضعف بمكان، لأن كونه إخبارا مخالف للظاهر و لمنصب الشارع، و مناف لما فهمه الأصحاب، مع أنه لو كان إخبارا لكان إخبارا عن طريقة العقلاء، و ظاهره التزام العقلاء بذلك، و هو في نفسه كاشف عن لزومه، سيما مع اطلاع المعصوم عليه و تقريره على ما هو عليه، و بعد كونه إنشاء فاحتمال إرادة مطلق المرجوحية خلاف المتبادر منه. و قد قرر في الأصول: أن الجملة الخبرية المستعملة في الإنشاء يقوم إثباتها مقام الأمر و نفيها مقام النهي في العرف. و لزوم التخصيص في المستحبات غير قادح، مع إمكان إرادة عدم الترك بمعنى البناء على عدم استحبابه، و هو منهي عنه في المستحب أيضا، فلا يلزم هناك تخصيص. و قد قررنا فيما سبق أن كلمة (الكل) ليست مختصة بالمجموعي، و لا بالافرادي، بل يعم الأمرين، و من جملة أفراده موضع النزاع. و وضوح هذه الروايات و شهرتها و ظهور المراد منها كفانا عما لا بد منه من التعرض لتنقيح الدلالة و لكن قد أشرنا إلى بعض الوجوه توضيحا للمرام و تكثيرا للفائدة.
و أما القسم الخامس: فالذي يقتضيه النظر في أطراف الكلام أن يقال: إن هذا المقام قابل لوجهين: أحدهما: القول بلزوم الإتيان بالمقدور من القيد و المقيد كيف كان عملا بظاهر الأدلة المذكورة السابقة، و إجراء ما مر في الرابع هنا بعينه. و ثانيهما: القول بأن القيود قسمان: قسم منها بحيث يصير المركب منهما بمنزلة المركب من الأجزاء العقلية، كيوم الخميس، و زيد بن عمرو و نحو ذلك بحيث لو فات القيد لا يعد ما بقي ميسورا من المأمور به و لا بعضا منه و لا مستطاعا منه، فيوم الجمعة ليس ميسورا من الخميس، و كذا زيد بن بكر بالنسبة إلى زيد بن عمرو، و في هذا القسم يفوت المركب و يصير بمنزلة تعذر الكل، بل هو من ذلك الباب. و قسم منها ليس كذلك، بل هو كأمور ملتئمة خارجية، كماء السدر، فإن حقيقته عبارة عن مزج السدر بالماء، فكأنهما جزءان خارجيان و إن كانا بعد التركب شيئا واحدا، و نظير ذلك الصلاة في اللباس الفلاني، أو القراءة في القرآن الفلاني، و نظائر ذلك من القيود التي لا تعد كالفصول بالنسبة إلى الأجناس في العرف، بحيث يصدق على المقدور أنه ميسور من المأمور به و مستطاع منه، لا أمر خارجي ممكن، و هذا القسم تجئ فيه القاعدة و يشمله الدليل، و هذا هو المتجه. و من هنا عرض الإشكال في إمرار فاقد الشعر الموسى على رأسه، و تحريك الرجلين في المعبر، للشك في أن هذا ميسور من الحلق و مستطاع من المشي، أو أن هذا أمر غير ذلك.
و من هنا تبين: أن القسم السادس لا يجري فيه قاعدة الميسور، إذ الحمار ليس مستطاعا من الفرس باعتبار الحيوان الموجود في ضمنه. و السر في ذلك: أن المركب من الأجزاء العقلية يغلب فيه تبعية الحكم للاسم، باعتبار أن أهل العرف لا يعتبرون الأجزاء التي في ضمن المركب، و فوات الجزء يعدونه فوات الكل، إذ لو بنينا على ذلك لم يتحقق فوات في المأمور به أبدا، إذ الممكنات كلها مشتركة في جنس من الأجناس أو عرض من الأعراض، فيمكن إذا تعذر الفرس إعطاء حجر لأنه جسم، و إذا تعذر الصلاة يقوم أكل الخبز مقامها لأنه فعل، و نحو ذلك مما يقطع بخلافه. و بالجملة: كل مقام صار التركيب عقليا أو كالعقلي يعد فوات القيد فوات الكل لفوات الاسم التابع للحكم و ليس مثل هذه الأجزاء في نظر أهل العرف أجزاء حتى يجيء فيه عموم الروايات و تجري فيه القاعدة، مضافا إلى أن المفهوم من هذه الروايات الإتيان بالمقدور و المستطاع نفسه من دون انضمام شيء خارج إليه، و لا ريب أن المركب العقلي و نظائره إذا فات عنه القيد لا يمكن الإتيان بالبقية إلا في ضمن قيد آخر، و هو شيء لم يدل عليه الدليل. فإن قلت: إذا وجب الإتيان بالمقدور يجب الإتيان بالقيد الأخر مقدمة، و أي مانع من ذلك؟ قلت: ظاهر الروايات لزوم الإتيان بالمستطاع من هذا المأمور به، و الجنس الموجود تحت نوع آخر ليس مستطاعا من النوع المتعذر، بل إنما هو طبيعة أخرى غير المأمور به. و بعبارة اخرى: انضمام هذا الجزء إلى القيد الأخر المقوم لنوع أو صنف آخر يخرجه عن كونه مما يستطاع من المأمور به، و يلحقه بماهية اخرى سالبة لإضافة الاولى، و الروايات لا تشمل مثل ذلك، فتبصر، فإن في ذلك حل المشكل بما لا مزيد عليه. هذا هو الكلام في جهة الحكم التكليفي. و أما الحكم الوضعي كالشرطية و السببية و المانعية و نحو ذلك هل يجري فيه هذا الكلام أم لا؟ فنقول: لو كان الشرط شرطا لأمر تعبدي يجب إتيانه فيجب إتيان الشرط مقدمة، فالظاهر مجيء الكلام في الشرط، إذ لا فرق حينئذ بين الجزء و الشرط، فلا يسقط المقدور من الشرائط بتعذر غيره، و كذا لا يسقط أبعاض الشرط إذا كانت مقدورة بتعذر البعض الأخر. و تقرير الاستدلال في هذا المقام يستفاد مما قررناه في رواية الميسور و غيرها فيما سبق. و كذا المانع لو كان مانعا عن أمر لازم واجب الإتيان، فرفع المقدور منه لازم. و من هنا نقول بلزوم إزالة بعض النجاسة و إن كان الباقي أيضا مانعا من الصلاة، و بلزوم تخفيفها بالغسل مرة إن كان مما يطهر بالمرتين و نحو ذلك من الموانع. و كذا في إزالة فضلات غير مأكول اللحم، و الذهب، و الحرير عن اللباس، و كذلك الكلام في السبب. و السر في إجراء هذه القاعدة في هذه الأمور كونها في الحقيقة راجعة إلى الإتيان بالمقدور من المأمور به، فإن إتيان ما هو المقدور من شرطه و سببه و إزالة مانعه إتيان له في الحقيقة. و بهذا الدليل يثبت شرط ما أمكن إتيانه. و سببية المستطاع و مانعية ما قدر على إزالته
و بعبارة اخرى: بعد تعذر الشرط و السبب و رفع المانع بأجمعها و إمكان البعض يقع الشك في كون هذا البعض شرطا أو سببا أو مانعا أم لا، و قاعدة الميسور تقضي بعدم سقوط الممكن من ذلك مع تعلق الخطاب بالمشروط و المسبب و بعد ثبوت عدم السقوط يثبت الشرطية و المانعية و السببية للممكن المقدور و يقوم البعض مقام الكل بهذه القاعدة. و أما لو لم يكن المشروط و المسبب و الممنوع مثلا مأمورا به كأسباب المعاملات و الضمانات و شرائط العقود و موانعها فلا كلام في عدم جريان الرواية الاولى في المقام، و أما الرواية الثانية و الثالثة فتشملها، بمعنى: أنه إذا تعذر بعض أجزاء شرائط الذباحة أو الاصطياد أو العقد أو نحو ذلك أو وجد بعض موانعه بحيث لا يمكن كالبعير الواقع في البئر التي لا يمكن الاستقبال فيها، و نظائر ذلك فمقتضى الخبرين عدم جواز ترك البقية و عدم سقوط الممكن من السبب و الشرط و رفع المانع، لكن هذا لا ينفع في كون ما بقي كافيا في الشرطية و السببية، بل يحتاج إلى دليل. نعم، بعد ما قام الدليل على أن الشيء الفلاني مثلا بعد التعذر في السبب الاختياري سبب، و شك في لزوم إتيان ما أمكن من شرائط السبب الاختياري و عدمه، فقاعدة الميسور قاضية باللزوم، إلا أن يكون في الدليل الثاني ما ينفيه. و من هنا: أن الفقهاء بعد تعذر الأسباب و الشرائط الاختيارية الابتدائية في المعاملات يحتاجون إلى دليل يدل على سببية شيء في الاضطرار، كإشارة الأخرس و العجمي مقام العربي، و العظم مقام الحديد في الذبح و نحو ذلك، و إذا شكوا في لزوم الإتيان بما يعتبر في السبب الاختياري هنا أيضا فيتمسكون بلزوم الإتيان بالمستطاع و المقدور من ذلك، فتبصر و تدبر حتى لا يختلط عليك الأمر.
و من هنا علم: أنه لو علم فيه التعبدية و التوصلية جاء فيه اللحاظان و لزم فيه الإتيان و إن لم يترتب عليه الأثر بعد زوال العذر و عروض الإمكان إلا بدليل متقن. هذا تمام المقال على حسب الاستعجال[7].
٢. تصحیح سابق (در مقام اسناد حکم)
قبح عقاب بلا بیان
شیخ محمدحسین کاشف الغطاء
أما [المادة 8] و هو أصل البراءة
فهو أصل أصيل مستقل و يبتني عليه كثير من الفروع الفقهية و هو و ان كان يتداخل مع الاستصحاب في كثير من موارده و لكن جهة النظر في كل واحد تختلف عن الآخر فان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل يقضي بلزوم الامتثال عند احتمال التكليف فيتجه البحث في ان قاعدة قبح العقاب بلا بيان و أمثالها مما دل على البراءة عقلا و شرعا هل تقتضي الأمن من ضرر العقوبة أم لا في أبحاث ضافية مبسوطة في محلها من فن الأصول. أما ما ذكره في المتن من الإتلاف و الاختلاف في المقدار فاستصحاب براءة الذمة يغني عن أصل البراءة بل هو مقدم عليه كما حقق في محله و عند أهله[8]
تسامح در ادله سنن
صاحب عناوین
العنوان الخامس عشر في بيان قاعدة التسامح
عنوان 15 اشتهر في كلمة الأصحاب سيما المتأخرين منهم التسامح في دليل المستحبات و المكروهات، و يتفرع على هذه القاعدة كثير من الأحكام الشرعية في أبواب الفقه، إذ أغلب المندوبات و المكروهات ليس له دليل قوي، مع أن الفقهاء يفتون به. و ظاهر لفظ (التسامح) هنا يدل على أن الأصحاب في دليل الوجوب و التحريم يأخذون بالمداقة، بمعنى: أنهم لا يعتمدون فيهما إلا على ما هو دليل شرعا أي: ما قام الدليل على حجيته بخلاف غيرهما، فإنهم يعتمدون فيه على ما لم يقم دليل على حجيته، كالخبر الضعيف، و فتوى الفقيه الواحد، و الشهرة المجردة عند من لا يرى حجيتها. و بعبارة اخرى: يدل على اعتمادهم في المندوب و نحوه على ما لا يعتمد عليه في الواجب و الحرام. و أورد على ذلك بظاهره: أن الأحكام الشرعية توقيفية بلا شبهة، و لا فرق في ذلك بين الواجب و المندوب، فلا يجوز إثبات شيء منها إلا بحجة شرعية، فالدليل
المثبت للحكم إن قام دليل على حجيته فهو المتبع في الوجوب و في الندب، و ليس هذا مسامحة، و إن لم يقم دليل على اعتباره فلا يمكن الاعتماد عليه في شيء من الأحكام، لأنه اتباع بما لا يعلم و قول على الله بغير حجة، و لا وجه للاعتماد عليه في الاستحباب دون الوجوب. و هذا الكلام مؤاخذة على العبارة و غفلة عن مراد الأصحاب، و ليس الغرض الاعتماد على ما لا يعتمد عليه، بل الظاهر أن الغرض: أن الدليل لا ينحصر في قسمين: إما أن يكون حجة في المقامين أو لا يكون في المقامين، بل يجوز كون قسم من أقسامه ما يعتمد عليه في الندب و الكراهة دون الوجوب و الحرمة، لدليل دل على ذلك، بمعنى: قيام حجة عامة دالة مثلا على حجية الخبر الضعيف الذي لم يدل على حجيته شيء من أدلة حجية أخبار الآحاد مطلقا في خصوص المندوب و المكروه، و عدم قيام دليل على حجيته فيما عداهما، فالمتبع إذا الدليل. لا يقال: إنه على هذا لا يسمى تسامحا في دليل المستحب، بل هو أخذ بالحجة، نظير حجية خبر العدل في فروع الدين دون أصوله. لأنا نقول: تسمية ذلك بالتسامح بملاحظة أمرين: أحدهما: ملاحظة الوجوب و التحريم، فإنه إذا لم يكن شيء حجة فيهما و صار حجة في الندب و نحوه، فيكون هذا بعد اتحاد طبقة الأحكام الفرعية في أغلب المآخذ بمنزلة المسامحة، و يكون كأنهم اعتمدوا على ما لا ينبغي أن يعتمد عليه في الحكم الفرعي. و ثانيهما: أن الدليل الدال على حجية الدليل الضعيف في المندوب ينبئ عن نوع مسامحة في الباب، فكأن الشارع لم يبن الأمر في الاداب و السنن على المداقة كالأحكام اللازمة، فتدبر. و بعبارة اخرى: لما كان الأصحاب يتتبعون في العمل بالخبر عن أحوال
راويه عدالة و ضبطا، و عن سنده اتصالا و انقطاعا، و عن معارضاته بأي الأنحاء كانت و ذلك نوع مداقة في الأخذ بدليل الحكم و تركوا هذا البحث و التفتيش في السنن، و عملوا فيها بالضعاف و المراسيل مع معارضات كثيرة، سمي هذا تسامحا في مقابل تلك المداقة و إن كان دل عندهم دليل على كفاية هذا المقدار من دون فحص، فالمسامحة في الدليل بالنسبة إلى غيره، لا في دليل الدليل. و تنقيح المسألة أن يقال: إن الشبهة في الحكم الشرعي الموجبة للرجوع على قاعدة المسامحة باعتبار الأحكام الشرعية و أدلتها يتصور على صور: أحدها: دوران الاحتمال بين الإباحة و الوجوب. و 2 بينها و بين التحريم. و 3 بينها و بين الندب. و 4 بينها و بين المكروه. و 5 الاحتمال بين الوجوب و التحريم. و 6 بينه و بين الندب. و 7 بينه و بين المكروه. و 8 بين التحريم و الندب. و 9 بين التحريم و الكراهة. و 10 بين الندب و الكراهة. و صور الشك الثلاثي ستة، و الرباعي أربعة، و الخماسية واحدة. و منشأ الشك: إما تعارض الدليلين أو الأدلة المعتبرة الدالة على هذه الأحكام، كدلالة الخبر الصحيح على إباحة شيء، و الآخر على كراهته، و الثالث على استحبابه، و الرابع على وجوبه، و الخامس على تحريمه، و صور الاثنين و الثلاث و الأربع بالقياس.
أو من جهة دلالة الأصل على الإباحة، و قيام دليل غير معتمد على أحد الأربعة، كالخبر الضعيف. أو من فتوى الفقيه بأحد الأربعة، مع قضاء الأصل بالإباحة. و مع قيام دليل صالح على أحد الخمسة من دون معارض محكوم بحجيته، فهو خارج عن مسألة التسامح. ثم إن المراد من التحريم المذكور في الصور المحتملة يراد به احتمال التحريم من حيث خصوصية محل الشك، لا التحريم التشريعي، إذ احتماله آت في صور الشك كافة، إذ هو عبارة عن: إدخال ما دل الدليل على خروجه من الدين في الدين، سواء كان الدليل اجتهاديا كاشفا عن الواقع أو تعليقيا ظاهريا كالأصول، فإن ما شك كونه من الدين فقضية الأصل عدم كونه منه. و بعبارة اخرى: كلما لم يثبت كونه من الدين فإدخاله في الدين تشريع محرم بالنص و الإجماع، و هو في جميع صور الشك متحقق، إذ الشك في أحد الأحكام الأربعة يوجب نفيها بالأصل فيخرج عن الدين، فالأخذ بأحدها تشريع لو لم يكن دليل على جواز الأخذ مع الشك. و بالجملة: احتمال الحرمة التشريعية في موارد قاعدة التسامح كافة متحقق[9].
میرزا محمدحسن آشتیانی
[في الأخبار المستدل بها على التسامح في السّنن]
قوله قدس سره ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبرا ضعيفا لا حاجة إلى أخبار الاحتياط إلى آخره
أقول تحقيق المقام و توضيحه على وجه يرفع به غواشي الأوهام يحتاج إلى بسط في الكلام فلا بد أوّلا من نقل تمام ما وصل إلينا من الأخبار التي استدلوا بها على مسألة التسامح في السنن ثم التكلم ثانيا فيما يستفاد منها و الجهات التي وقع البحث عنها في كلماتهم منها ما رواه في المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه عن النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى اللّٰه عليه و آله لم يقله و عن البحار بعد ذكره أن الخبر من المشهورات رواه العامة و الخاصّة بأسانيده و منها ما في الوسائل نقلا عن المحاسن أيضا بسنده عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه من النبي صلى اللّٰه عليه و آله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله كان له ذلك الثواب و إن كان النبي لم يقله و منها في الوسائل أيضا نقلا عن عدّة الداعي لابن فهد الحلي قال روى الصدوق عن محمّد بن يعقوب بطرقه عن الأئمّة عليهم السلام من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و إن لم يكن الأمر كما نقل إليه و منها ما في الوسائل أيضا عن كتاب الإقبال لعليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك و إن لم يكن الأمر كما بلغه و منها ما في الوسائل أيضا عن كتاب ثواب الأعمال لمحمّد بن علي بن بابويه بسنده عن عنوان البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول الله صلى اللّٰه عليه و آله لم يقله و منها ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له و إن لم يكن على ما بلغه و منها ما عن الصافي أيضا عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه و منها ما عن طرق العامّة عن عبد الرحمن الحلواني رفعا إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال قال رسول اللّه صلى اللّٰه عليه و آله من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها و عمل بها إيمانا باللّه و رجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك و إن لم يكن كذلك هذه ما وصلت إلينا من الأخبار و وفقنا عليه إذا عرفت ذلك فنقول إن المشهور بين الأصحاب بل العامة ثبوت التسامح في أخبار السنن بمعنى إثباتها بما لا يجتمع فيه شرائط حجية الخبر كل على مذهبه فيها بل عن غير واحد نقل الإجماع على ذلك فعن الذكرى أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم و عن عدّة الداعي لأحمد بن فهد بعد نقل الروايات المتقدّمة ما هذا لفظه فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين و عن الشيخ البهائي قدس سره في أربعينه نسبته إلى فقهائنا و عن الوسائل نسبته إلى الأصحاب مصرّحا بشمول المسألة لأدلّة المكروهات أيضا و عن بعض الأصحاب نسبته إلى العلماء المحقّقين إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في دعوى الإجماع و خالف فيه العلامة في الموضعين من محكي المنتهى و بعض الأخباريّين على ما حكى عنه طاعنا على الأصحاب من حيث ذهابهم إلى إثبات الاستحباب و الكراهة بالأخبار الضعيفة عندهم مع أنه لا تفصيل في مدرك الأحكام و صاحب المدارك حيث قال في أوّل كتابه بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبّة و ذكر ضعف مستندها ما لفظه و ما يقال من أن أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لأن الاستصحاب حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعيّ انتهى كلامه رفع مقامه بل ربما يستظهر المنع من الصدوق و شيخه ابن الوليد قال الصدوق في كتاب الصّوم من الفقيه على ما حكي ما هذا لفظه و أمّا خبر صلاة غدير خم و الثواب المذكور لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن بن وليد لا يصحّحه و يقول إنه من طريق محمّد بن موسى الهمداني و كان غير ثقة و كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ و لم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهى كلامه رفع مقامه إذ لو جوّز التسامح لم يكن لهما داع إلى ردّ الخبر المذكور و أمّا المانعون فيكفيهم عدم الدليل على ما أشار إليه في المدارك و لا يحتاج إلى التمسّك باستصحاب العدم أو أصالة العدم أو عدم الدليل دليل العدم لأن الغرض ليس الحكم بعدم الاستحباب بل عدم الحكم به و يكفي فيه الأصل الأوّلي في غير العلم حقيقة و إليه يرجع ما في المدارك لا إلى التمسّك بالأصول المذكورة
[في أدلة المثبتين لاستحباب الفعل و ما فيها]
و أمّا المثبتون فيستدلّ لهم بوجوه أحدها ما عن الوحيد البهبهاني قدس سره و تبعه جماعة من حسن الاحتياط و رجحانه الثابت بالأدلّة الأربعة و قد عرفت الكلام فيه في الكتاب فإنه و إن ذكر فيه عنوان المسألة في العبادات المحتملة بالمعنى الأخص إلا أن الاحتياط بالتقرب بالأمر المحتمل بحيث يترتّب عليه أثر العبادة بقول مطلق لا يفرق فيه بين العبارتين على القول بتوقف العبادة على العلم بالأمر نعم جواز الفعل لا بداعي الأمر المحتمل أو بداعيه مع عدم الالتزام بترتّب آثار العبادة عليه ممّا لا شبهة فيه في غير العبادة بالمعنى الأخصّ و كيف ما كان الكلام في المقام في إثبات استحباب الفعل لا في إثبات حسن الاحتياط عقلا أو رجحانه شرعا و أدلّة الاحتياط لا تثبت هذا المعنى إلا بإثبات مقدّمتين إحداهما كون الأمر به مولويّا الثانية تجريد الاحتياط عن عنوانه على ما عرفته في الكتاب و هما في حيّز المنع على ما عرفت فهذا الوجه لا يثبت المقصود في المسألة و إنما يثبت رجحان الفعل بعنوان الاحتياط و لو لم يكن هناك خبر أصلا و هذا المعنى ممّا لا ينكره أحد ظاهرا ثانيها الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة و المنقولة من الخاصة و العامّة بل لو ادّعى أحد الإجماع المحقق في المسألة بملاحظتها و الفتاوي المحصّلة له بالتتبع يصدّق في دعواه بل لو ادّعى الاتفاق من غير صاحب المدارك كان مصدّقا لأنّ المحكيّ عن العلامة قدس سره الرجوع عما ذكره بل هو المحكي عن السيّد في المدارك في باب الصلاة أيضا و بالجملة دعوى الإجماع في المسألة ليست ببعيدة كلّ البعيد بعد ملاحظة ما عرفت ثالثها الأخبار المستفيضة التي عرفتها و فيها الصحاح و غيرها بل نفى شيخنا قدس سره في الرسالة التي أفردها في المسألة البعد عن دعوى تواترها معنى أو احتفافها بالقرائن الموجبة للقطع بصدورها التي منها الإجماعات المعتضدة بالشهرة العظيمة هذا و قد أورد على التمسّك بها بوجهين أحدهما ما يرجع إلى المنع عن التمسّك بها في المسألة مع تسليم صحتها سندا و دلالتها على المدّعى ثانيهما ما يرجع إلى المنع عن دلالتها و إن سلّم جواز التمسّك بها في المسألة أما الأول فلما قيل إن المسألة أصوليّة و لا يجوز التمسّك بأخبار الآحاد في الأصول و إن كانت صحيحة و إن جاز التمسّك بها في الفروع و أجيب عنه تارة بمنع كون الأخبار المذكورة من الآحاد المجردة و أخرى بمنع عدم جواز التمسّك بالآحاد في الأصول العمليّة فإن الممنوع عدم جواز التمسّك بها في الأصول الاعتقادية لا العمليّة و ثالثة بما ذكره غير واحد من المشايخ المتأخرين من أن مرجع البحث في المسألة ليس إلى إثبات حجيّة خبر الضعيف في السنن حتى يمنع منها من حيث كون المسألة أصوليّة فلا يجوز التمسّك بأخبار الآحاد فيها أو يستبعد ثبوتها بالخبر الضعيف من حيث إن أحكام الشرع لا يختلف من حيث المدرك فإن خبر الضعيف الغير المنجبر بالعمل ليس بحجّة مطلقا من غير فرق بين مفادها حتّى أنه لا يجوز إثبات الإباحة بها فضلا عن الاستحباب بل إلى إثبات استحباب كل فعل بلغ عليه الأجر و الثواب من النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله أو الوصيّ الراجع إلى البلوغ عن اللّه تعالى و خبر الضعيف موجد و محدث لهذا العنوان الوجداني حقيقة فإن صدق البلوغ لا يتوقف على الحجيّة أصلا و من هنا تعدّى غير واحد و سرى المسألة إلى إثبات السنن بفتوى الفقيه أيضا بناء على تعميم البلوغ بالنسبة إلى الخبر الحدسيّ أيضا كما ستقف على شرح القول فيه في تنبيهات المسألة و كذا التزموا بإثبات الاستحباب فيما دلّ الخبر الضعيف على وجوب شيء من حيث إنّ الإخبار عن الوجوب إخبار عن الثواب بالالتزام فالبحث يرجع إلى البحث عن مسألة فرعيّة كليّة و هو استحباب كل فعل بلغ فيه الخير و الدليل على هذا الحكم الفرعيّ الكلي الأخبار المتقدّمة الصحيحة المعمول بها و المثبت للصغرى بحكم الحسّ و الوجدان خبر الضعيف و أين هذا من التمسّك بخبر الضعيف لإثبات الأحكام الشرعيّة و هذا نظير جبر ضعف السند بالشهرة أو غيرها من الأمارات الغير المعتبرة على القول بأن الحجيّة الخبر المظنون الصدور مطلقا أو الدلالة كذلك فحصل بملاحظتها الظن بالصدور أو الدلالة فإنه لا يمكن أن يقال بالمنع عن ذلك من حيث إن الشهرة ليست بحجة مثلا فإن الحجّة في المسألة حقيقة الخبر بمقتضى ما دلّ على حجيّته و الشهرة إنّما يوجب وجود أمر وجداني فلا يتمسّك بها حقيقة و بالجملة فرق بين جعل خبر الضعيف حجّة في مدلوله من غير فرق بين مدلوله و بين تأثيره في أمر وجداني و هو الإخبار من الثواب على الفعل و لو التزاما و إن كان مدلوله الوجوب مطابقة و الأوّل يتوقّف على إثبات حجيّته كالخبر الصحيح من غير فرق بينهما و الثاني لا يتوقف على حجيّته لكونه سببا له بحكم الوجدان فهذا نظير أن يقال إذا اختلف الأقوال في المسألة فافعل كذا فإن سببيّة كل قول لحدوث الاختلاف لا يتوقّف على حجيّته و هكذا و هذا نظير يد المسلم و الجهل بالطهارة في كلماتهم فإن الدليل على الملكيّة حقيقة ما دلّ على ملكيّة ما في يد المسلم و طهارة المجهول لا نفس اليد و الجهل حقيقة و الأولى جعل النظير ما دلّ على وجوب الاحتياط في موارده و الأخبار الدالة على حرمة نقض اليقين بالشكّ في الشبهات الحكميّة فإن الشكّ في المكلّف به و سبق اليقين ليسا دليلا على الحكم الظاهري حقيقة و إنما هما من قبيل الموضوع له فكذا المقام فتدبّر هذا ملخّص ما يقال في تقريب الجواب الثالث و أورد عليه شيخنا قدس سره بوجوه أحدها كونه خلاف ظاهر كلمة القائلين بالتسامح فإن ظاهرها كما لا يخفى لمن راجع إليها جعل خبر الضعيف حجّة في السنن و الاستدلال لها به و جعل الأخبار المذكورة دليلا على حجيّة خبر الضعيف و من هنا ذكروا أنه يتسامح في أدلّة السنن و الفضائل ثانيها أن ما ذكروه يرجع عند التأمّل إلى التمسّك بالخبر الضعيف في باب السنن و جعله حجّة فيه إذ لا فرق بين أن يقال كل فعل دلّ خبر ضعيف على استحبابه فهو مستحبّ و بين أن يقال كل خبر ضعيف حجّة في إثبات الاستحباب فإن معنى حجيّة الشيء في الأدلّة الظنّيّة جعله موضوعا للحكم الظاهري و وسطا لحكم متعلّقه ثالثها أنا نسلّم الفرق بين المعنيين و أن مرجع التسامح في السنن ليس إلى كون خبر الضعيف حجّة في مدلوله بحيث يصدّق فيه و يترتّب عليه أحكام بل إلى كون الخبر موجدا لموضوع بلوغ الثواب و الدليل على استحباب هذا الفعل الأخبار المتقدمة نظير احتمال التكليف الإلزامي الذي قضى بوجوب الاحتياط فيه ما دلّ على الاحتياط و نظير احتمال بقاء الثابت سابقا الذي قضى على البناء بالبقاء فيه الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشك كما ذكروه[10]
٣. مسئله اعذار
تقیه
سید حسن بجنوردی
۴۷- قاعدة التقية
قاعدة التقية و من جملة القواعد الفقهيّة عند الإماميّة الاثنى عشريّة «قاعدة التقيّة» و هي قاعدة مشهورة معروفة...
إذا تبيّن المراد من التقيّة، فنقول:
تارة: نتكلّم في التقيّة من حيث الحكم التكليفي و أنّه يجوز أم لا يجوز.
و أخرى: من حيث ترتّب آثار ما هو الواقع و الحقّ على هذا الفعل أو الترك بواسطة إذن الشارع في الإتيان أو الترك المخالفين للواقع.
و ثالثة: في أنّه هل تترتّب على ذلك الفعل أو الترك المخالفين للحقّ الآثار الشرعيّة التي رتّبها الشارع عليهما لو صدرا عنه بالاختيار و بميله من دون تقيّة، أو صدورها تقيّة يوجب رفع تلك الآثار.
فالتكلّم في التقيّة في مقامات ثلاث:
المقام الأوّل في بيان حكمها التكليفي و أنّه يجوز أو لا يجوز
أقول: لا شكّ في جوازه، بل وجوبه في بعض الأحيان. و جوازه من القطعيّات و اليقينيّات إجماعا و كتابا و سنّة...
المقام الثاني
و هو المهمّ في المقام، و هو أنّه هل تترتّب آثار الواقع و الحقّ على هذا الفعل أو الترك المخالف للحقّ بواسطة إذن الشارع في ذلك الفعل الذي يفعله لأجل التقيّة أو إذنه في ترك أمر لأجلها، أو لا تترتّب؟
ثمَّ التكلّم في ترتّب آثار الواقع و ما هو الحقّ تارة بالنسبة إلى خصوص أثر القضاء و الإعادة، و أنّ ذلك الفعل المخالف للواقع و الحقّ هل هو مجز و لا إعادة عليه لو ارتفعت التقيّة في الوقت، و لا قضاء إذا ارتفعت في خارج الوقت، أم ليس بمجز بل تجب الإعادة بعد ارتفاع التقيّة في الوقت، بحيث يمكن إتيان ما هو الواقع في الوقت، و يجب القضاء لو ارتفعت التقيّة في خارج الوقت.
و أخرى: بالنسبة إلى سائر آثار الصحّة، مثل أنّه لو توضّأ بالوضوء تقيّة من الأسفل إلى الأعلى في غسل اليدين أو غسل الرجلين بدل مسحهما، فهل يترتّب عليه أثر الوضوء الصحيح و الواقعي من رفع الحدث بحيث لو ارتفعت التقيّة لا يحتاج إلى الوضوء ثانيا على نهج الحقّ للصلوات الأخر، أم لا؟
أمّا القسم الأوّل: أي ترتّب الأثر عليه من حيث الإجزاء و سقوط الإعادة و القضاء.
فالتحقيق فيه: أنّ كلّ فعل واجب من الواجبات إذا أتي به موافقا لمن يتّقيه و كان مخالفا للحقّ في بعض أجزائه و شرائطه، بل و في إيجاد بعض موانعه، فإن كان مأذونا من قبل الشارع في إيجاد ذلك الواجب بعنوان أنّه واجب للتقيّة فهو مجز عن الواقع، و لا يجب عليه الإعادة إذا ارتفع الاضطرار في الوقت، و لا القضاء إذا ارتفع في خارج الوقت؛ و ذلك لما حقّقنا في كتابنا «منتهى الأصول»في مبحث الإجزاء أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الثانوي مجز عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، سواء كان رفع الاضطرار في الوقت، أو في خارج الوقت.
و لا فرق في كونه مأذونا بين أن يكون الرخصة و الإذن بعنوان ذلك الواجب بخصوصه، كما أنّه ورد الإذن في خصوص المسح على الخفّين في صحيح أبي الورد:
قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا عليه السّلام أنّه أراق الماء ثمَّ مسح على الخفيّن، فقال عليه السّلام: «كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول عليّ عليه السّلام فيكم: سبق الكتاب المسح على الخفين؟» فقلت: هل فيهما رخصة؟ فقال عليه السّلام: «لا إلّا من عدوّ تتّقيه، أو ثلج تخاف على رجليك»
أو كان بعنوان عامّ يشمل جميع الواجبات، كقوله عليه السّلام: «التقيّة من ديني و دين آبائي» و كذلك قوله عليه السّلام: «التقيّة في كلّ شيء إلّا في ثلاث: شرب النبيذ، و المسح على الخفّين، و متعة الحجّ»
و دلالة هذه الروايات الكثيرة التي هي فوق حدّ الاستفاضة على الإذن و الرخصة في امتثال الواجبات موافقة للمخالفين تقيّة منوطة بأن يكون المراد من التقيّة الواردة فيها هو العمل الذي يأتي به تقيّة، أي ما يتّقى به.
و ظهور لفظ «التقيّة» في هذا المعنى لا يخلو من نظر؛ لأنّ التقيّة كما تقدّم مصدر أو اسم مصدر و بمعنى الاتّقاء، فكون الاتّقاء من الدين أي: يجب الاتّقاء.
و هكذا قوله عليه السّلام: «لا دين لمن لا تقيّة له» أي: لا دين لمن ترك التقيّة و يلقى نفسه في الهلكة، و هذا غير أن يكون ما يتّقى به من العمل الموافق لهم المخالف للحقّ من الدين.
و يمكن أن يكون نظر المحقّق الثاني قدّس سرّه في التفصيل الذي ذكره- بين الإذن في إتيان واجب بخصوصه تقيّة، أي موافقا مع من يخاف منه و إن كان مخالفا للحقّ في نظره، فيكون مجزيا فلا إعادة عليه و لا القضاء بعد رفع الخوف؛ و بين ما إذا كان الواجب الذي يأتي به تقيّة لم يرد في إتيانه بذلك الوجه المخالف للحقّ إذن و رخصة بالخصوص، بل ليس في البين إلّا تلك الأخبار العامّة الآمرة بلزوم التقيّة بقوله عليه السّلام:«التقيّة من ديني و دين آبائي» ، و رواية المعلّى بحذف «من»، و هي رواية أخرى، و الرادعة عن تركها بقوله عليه السّلام: «لا دين لمن لا تقيّة له» - إلى هذا الذي ذكرنا من كون نظر الأخبار العامّة إلى لزوم الاتّقاء و وجوبه و حرمة تركه و إلقاء نفسه في الهلكة، و إلّا فأيّ فرق بين أن يكون الإذن و الرخصة بصورة القضيّة الشخصيّة الخارجيّة، بصورة القضيّة الكلّية الحقيقيّة.
و الإنصاف: أنّه لا يمكن إسناد مثل هذا إلى مثل ذلك المحقّق الذي هو من أعاظم أساطين الفقه.
و على كلّ حال إذا صدر إذن من قبل الشارع بإتيان واجب بخصوصه أو الواجبات عموما بصورة عامّة موافقا معهم، و إن كان مخالفا للحقّ من جهة الخوف على نفسه، أو عرضه، أو ماله، أو الخوف على غيره كذلك، يكون إتيانه مجزيا عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ثانيا لما ذكرنا.
...
فالعمدة في دلالة روايات التقيّة على الإجزاء هو الذي قلنا من كون التقيّة دينا أنّه يرجع إلى أنّه حكم واقعي ثانوي، و قد أثبتنا كونه مجزيا في مبحث الإجزاء في الأصول و قلنا إنّه متوقّف على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الذي يتقى به، لا الاتّقاء بالعمل، و لا يبعد ذلك، فيكون كالوصيّة بمعنى ما أوصى به، فكما أنّ الوصيّة اسم مصدر للإيصاء و قد يجيء بمعنى الموصى به، فلتكن التقيّة أيضا كذلك.
و خلاصة الكلام: أنّ الأخبار العامّة و الخاصّة تدلّ على أنّ إتيان الواجبات موافقة للمخالفين و إن كانت مخالفة للحقّ قد أذن و رخّص فيه الشارع، فلا ينبغي الشكّ في أنّها مجزية عن الواقع الأوّلي، و لا يجب إعادتها و لا قضاؤها بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن.
و لكن هذا الذي قلنا- بأنّ الإتيان بالواجبات موافقة لمذهبهم مع كونها مخالفة للحقّ للتقيّة مجز عن الإتيان بما هو الحقّ بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن- يكون فيما إذا كانت المخالفة في المذهب، بمعنى أنّ الاختلاف يكون بين المذهبين في أجزاء الواجبات، أو شرائطها، أو موانعها، أو كيفيّة أدائها، و إن شئت قلت: فيما إذا كان الاختلاف في نفس الحكم الشرعي، لا فيما إذا كان الاختلاف فيما هو مصداق لموضوع الحكم الشرعي.
مثلا لا خلاف بينهما في وجوب الإفطار في يوم أوّل شوّال، أي يوم عيد الفطر.
فإذا وقع الاختلاف في مصداق هذا اليوم فحكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا عيد استنادا إلى ثبوت رؤية الهلال ليلتها، فإذا علمنا بعدم مطابقة هذا الحكم للواقع و خطأ الحاكم أو الشهود، فلا تشمل أدلّة إجزاء التقيّة مثل هذا المورد.
فإذا قامت حجّة شرعيّة من علم أو علمي- و إن كان هو الاستصحاب- على أنّ هذا اليوم من شهر رمضان، فالإفطار في ذلك اليوم و إن كان جائزا إذا كان لخوف الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه، أو كان في الصوم فيه حرج، و لكن لا يكون مجزيا، فيجب قضاء ذلك اليوم، كما هو الظاهر من مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي
عبد اللّه عليه السّلام قال: «دخلت على أبي العبّاس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام. ان صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام علىّ بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان؛ فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر علىّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه» و بهذا المضمون أيضا أخبار أخر،
فعلى هذا يجب عليه القضاء و إن قلنا بالإجزاء في المأتيّ به تقيّة، و ذلك لما ذكرنا أنّ ظاهر أدلّة التقيّة هو أنّ إتيان الواجب على وفق مذهب من يتقى عنه يكون مجزيا، و في المورد ليس الإفطار موافقا لمذهبهم؛ لأنّ مذهبهم أيضا أنّه لا يجوز الإفطار في نهار رمضان، و إنّما هو خطأ في التطبيق، و لا ربط له بأدلّة التقيّة.
هذا، مضافا إلى أنّه في المورد لم يأت بالواجب تقيّة، و إنّما تركه تقيّة، و أدلّة التقيّة بناء على دلالتها على الإجزاء أتى يكون فيما إذا بالواجب موافقا لمذهبهم، لا أنّه يترك إتيان الواجب رأسا لأجل التقيّة.
و كذلك لو حكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا هو اليوم التاسع من ذي الحجّة الذي يقال له يوم عرفة و هو يوم الوقوف في عرفات، و علم المكلّف بأنّه ليس اليوم التاسع، أو قامت حجّة شرعيّة على أنّه اليوم الثامن مثلا، و هو مضطرّ في الوقوف في اليوم الذي يعلم بأنّه ليس يوم عرفة، لعلمه بتقدّمه على ذلك اليوم أو تأخّره عنه، و لا يمكنه الوقوف في اليوم الذي قامت عنده الحجّة الشرعيّة على أنّه يوم عرفة، ففات عنه الوقوف في يوم عرفة، فلا يمكن القول بإجزاء ذلك الحجّ؛ لفوت الوقوف في عرفات يوم عرفة، و إن قلنا بأنّ إتيان الواجب موافقا لمذهبهم مجز؛ لأنّ الوقوف في يوم غير عرفة ليس موافقا لمذهبهم، و إنّما هو خطأ في التطبيق.
نعم يمكن تصحيح مثل هذا الحجّ بوجه آخر، و هو أنّ حاكمهم لو حكم بثبوت الهلال بشهادة من يكون شهادته معتبرة عندهم، و ليست معتبرة بحسب الواقع لفسقه أو لنصبه أو لجهة أخرى راجعة إلى الشبهة الحكميّة، بحيث يكون الحكم في مذهب الحقّ عدم قبول تلك الشهادة، و كان القبول في مذهب الحاكم، فحينئذ يكون عدم العمل بحكمهم قدحا في مذهبهم، فترك العمل يرجع إلى الاختلاف في المذهب.
فالعمل على وفق مذهبهم بالجري على طبق حكمهم للخوف من الضرر يكون كسائر موارد التقيّة التي أذن الشارع و رخّص فيها بعنوان ترخيص التقيّة، فلا فرق بين أن يأتي بالصلاة الناقصة تقيّة، أو يأتي بالحجّ الناقص تقيّة، فكما أنّه في الأوّل يكون ذلك العمل مجزيا عن الإتيان بالواقع ثانيا بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن، فكذلك الأمر في الثاني.
نعم يبقى الكلام في أنّه هل نفوذ حكم الحاكم عندهم و لزوم الجري على طبقه و عدم جواز مخالفته مخصوص بصورة الشكّ و الجهل بمطابقته للواقع، أو مطلق و يجب العمل على طبقه و لو كان مع العلم بمخالفته للواقع.
فبناء على الأوّل يكون إجزاؤه مختصّا بصورة الشكّ في ثبوت الهلال، و لا تشمل صورة العلم بالخلاف، و على الثاني يكون ذلك الحجّ الناقص مجزيا حتّى مع العلم بالخلاف.
و قد نسب إليهم نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف و القول بالموضوعيّة التابعة للحكم، و لكنّه ينبغي أن يعدّ في جملة المضحكات، كما أنّه حكى أنّ أحد القضاة حكم بموت شخص كان غائبا مسافرا بشهادة الشهود، فلمّا رجع عن سفره رفع أمره إلى ذلك القاضي فحكم أن يدفن؛ لأنّه ثبت موته و ميّت المسلم يجب دفنه. و أنت خبير بأنّ أمثال هذه الحكايات بالمزاح أشبه، و كيف يمكن أن يتفوّه المسلم بهذا الكلام، مع أنّه صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيّد ولد آدم و خير الخلائق أجمعين أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «إنّما أنا بشر و أنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضهم أن يكون أبلغ- و في بعض طرق الحديث «ألحن» بدل «أبلغ» و المعنى واحد- من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها»
و خلاصة الكلام: أنّ القول بالموضوعيّة التامّة و وجوب نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف لا ينبغي أن يسند إلى فقيه، و لا بدّ و أن يؤوّل إذا كان هذا ظاهر كلامه.
و أمّا في صورة الشكّ، فإن حكم الحاكم حجة عندنا و عندهم فإذا حكم حاكمهم بأنّ هذا اليوم مثلا يوم عرفة، فالموافقة معهم بالوقوف في عرفات في ذلك اليوم من جهة الخوف عنهم يصدق عليه أنّه الجري على طبق الحجّة عندهم، و لزوم الجري على طبق حكم حاكمهم هو من أحكام مذهبهم، كما كذلك عندنا أيضا، غاية الأمر أنّ هذا الحكم ليس واجدا لشرائط النفوذ عندنا، و لكن واجد لها عندهم، فيكون كسائر موارد التقيّة في الحكم الشرعي.
و أمّا الإيراد عليه: بأنّ الروايات الواردة في لزوم القضاء في مسألة الإفطار تقيّة مع أنّه في مورد حكم الحكم بأنّه يوم العيد ينفى الإجزاء، و ذلك كمرسلة رفاعة عن الصادق عليه السّلام قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه» و روى بطرق أخر أيضا.
ففيه: أنّ قوله عليه السّلام: «و أنا أعلم بالإجزاء و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان» صريح أنّه في مورد العلم بالخلاف و عدم مطابقة الحكم للواقع، و هذا الصورة بيّنّا أنّ الحكم ليست بحجّة عندهم أيضا، فلا يشمل مورد كلامنا الذي هو الشكّ.
فالإنصاف: أنّ القول بالإجزاء في مورد الشكّ في مطابقة حكمهم للواقع لا يخلو عن قوّة، و إن كان الاحتياط ما لم يبلغ إلى درجة الحرج الشديد و العسر الأكيد حسن على كلّ حال.
و ممّا استدلّ به على الإجزاء في مورد الشكّ هي السيرة المستمرّة من زمان الأئمّة عليهم السّلام إلى زماننا هذا في موافقة أصحابنا معهم في الوقوف في المشاعر العظام، مع وجود الشكّ في أغلب السنين، و لم يراجعوا إليهم عليهم السّلام في هذه المسألة، و لم يسألوا عن حكم الجري على طبق حكمهم، و لم ينقل عنهم إعادة حجهم، و هذا يدلّ على أنّ الإجزاء كان عندهم مفروغا عنه.
و أمّا ادّعاء أنّهم سألوا و لكن لم يصل إلينا فقول بلا دليل، بل لو كان لبان كسائر القضايا و الأحكام.
و القدر المتيقّن من هذه السيرة هو مورد الشكّ في مطابقة حكم الحاكم للواقع، فلا يشمل مورد العلم بالخلاف.
و لكن في ثبوت هذه السيرة تأمّل.
و ربما يستدلّ للإجزاء برواية أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحى فقال: «الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحى الناس، و الصوم يوم يصوم الناس»
و تقريب الاستدلال بهذه الرواية أنّ قوله عليه السّلام: «الأضحى يوم يضحى الناس» لا يمكن أن يكون إخبارا؛ لأنّ اليوم الذي يضحّى الناس قد يكون أضحى و قد لا يكون، مضافا إلى أنّه جواب سؤال الراوي عن حكم يوم الشكّ، فهو عليه السّلام بصدد الجواب عن هذا السؤال، فلا بدّ و أن يكون تنزيلا- من قبيل «الطواف بالبيت صلاة» - فيكون مفاده أنّ يوم يضحى الناس يكون بمنزلة الأضحى الواقعي، يترتّب عليه آثار الأضحى الواقعي، فيكون إمضاء لحكمهم، فيجب ترتيب آثار الواقع على ما حكموا به.
و لكن أنت خبير بأنّ هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في هذا المعنى، إلّا أنّ سنده ضعيف، فإنّ أبا الجارود زياد بن منذر زيدي ينسب إليه الجارودية، و سمّى سرحوبا و سماّه بذلك أبو جعفر عليه السّلام، و سرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر، و كان أبو الجارود مكفوفا أعمى القلب، هكذا ذكر العلامة قدّس سرّه في الخلاصة. و قد قيل في حقّه:إنّه كان كذّابا كافرا، فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية للخروج عن مقتضى القواعد الأوّلية.
و أمّا القسم الثاني: أي ترتيب آثار الصحّة غير الإجزاء و عدم لزوم الإعادة و القضاء، سواء كان في العبادات كالوضوء تقيّة- فهل يترتّب عليه رفع الحدث و حصول الطهارة الواقعيّة كي لا يحتاج إلى وضوء جديد بعد رفع الخوف و حصول الأمن- أو كان في المعاملات، فإذا أوقع معاملة موافقة لهم و مخالفة للواقع تقيّة فهل يترتّب عليها آثار الصحّة بعد ارتفاع التقيّة، أم لا؟
أقول: مقتضى القواعد الأوّليّة هو عدم ترتّب آثار الصحّة على تلك المعاملة أو ذلك الوضوء؛ و ذلك لأنّ موضوع الأثر شرعا هي العبادة أو المعاملة الصحيحتان، و المفروض أنّهما ليستا صحيحتين؛ إذ لا شكّ في أنّ الموضوع للطهارة الواقعيّة هو الوضوء الصحيح بحسب الواقع، و الوضوء تقيّة ليس وضوءا صحيحا بحسب الواقع، و إنّما أذن الشارع في إتيانه لأجل دفع الضرر عن نفسه أو ماله أو عرضه أو عن غيره ممّن يخصّه ذلك، فإذا ارتفع الخوف و لم يكن احتمال ضرر في البين، فلا وجه لاحتمال وجود الأثر الذي هو للوضوء الواقعي على هذا الفعل المسمّى بالوضوء عندهم، و هو ليس بالوضوء واقعا.
و كذلك لو أوقع نكاحا أو طلاقا على وفق مذهبهم تقيّة مع بطلانهما عندنا، فمع ارتفاع التقيّة و حصول الأمن لا وجه لاحتمال وجود آثار النكاح أو الطلاق الصحيحين، و هل الحكم بوجود أثرهما مع عدم صحّتهما إلّا من قبيل وجود الأثر بدون المؤثّر. و إن شئت قلت: هل هذا إلّا من قبيل وجود الحكم بدون الموضوع.
و أمّا جواز التقيّة بل لزومها في بعض الموارد على فرض أن يكون الفعل أتى به تقيّة مجزيا عن إتيان الواقع ثانيا بعد رفع التقيّة، لا يثبت وجود موضوع ذلك الأثر.
نعم لو كان موضوع الأثر هو الأعمّ من الوضوء الواقعي الأوّلي و الوضوء تقيّة مثلا، فلا شبهة في ترتّب ذلك الأثر لوجود موضوعه. لكن هذا خلاف الفرض، و كذلك لو كان الموضوع للأثر امتثال ذلك الأمر الثانوي.
ثمَّ إنّ ما ذكرنا في القسم الأوّل من إجزاء ما أتى به تقية عن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي ثانيا، هل يشترط فيه عدم وجود المندوحة، أم لا؟
الظاهر هو الثاني.
بيان ذلك: أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة: قول بعدم الاعتبار مطلقا، و ذهب إليه الشهيدان في البيان و الروض و قول بالاعتبار مطلقا، و ذهب إليه صاحب المدارك. و قول بالتفصيل بين ما إذا كان الفعل الذي يتقى به مأذونا بالخصوص، كالصلاة معهم، أو الوضوء مع المسح على الخفّين و أمثال ذلك فقال بعدم الاعتبار، و بين ما لم يأذن الشارع فيه بالخصوص فقال بالاعتبار.
و المراد من المندوحة هو تمكّن المكلّف من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع، و ذلك بأن يأتي إمّا في زمان آخر من مجموع الوقت، و ذلك لا يكون إلّا في الواجب الموسّع، أو يأتي به في مكان آخر لا يخاف من عدوّ كي يتّقيه، أو يوهم الإتيان بشكلهم مع أنّه واقعا يأتي بما هو الحقّ عنده.
فالأوّل يسمّى بالمندوحة الطوليّة، و الثاني و الثالث بالمندوحة العرضيّة. و الطوليّة و العرضيّة في المقام بحسب الزمان، و قد عرفت أنّ هذا التقسيم لا يأتي إلّا في الواجب الموسّع.
إذا عرفت هذا فنقول: أمّا التفصيل الذي ذهب إليه المحقّق الثاني قدّس سرّه فقد تقدّم أنّه لا وجه له أصلا؛ لأنّه أيّ فرق بين أن يكون إتيان الواجب موافقا لهم مأذونا بالخصوص، أو كان مأذونا بعنوان عامّ؛ لأنّ المناط في كلتا الصورتين صيرورته واقعيّا ثانويّا، و لذلك قلنا بالإجزاء و عدم الاحتياج إلى إعادته بعد ارتفاع التقيّة و حصول الأمن، فإن كان الإذن الخاصّ غير مشروط بعدم المندوحة، فليكن الإذن بعنوان العامّ أيضا كذلك....
و على كلّ حال هذه المطلقات تدلّ على مشروعيّة التقيّة و إن كان يمكن له أن يأتي بالفرد التامّ بانتقاله إلى مكان آخر، أو بتأجيل الإتيان به إلى زمان آخر، فليس جواز التقيّة و لا إجزاؤها عن الإعادة و القضاء مشروطا بعدم المندوحة العرضيّة، أي التمكّن من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي في عرض التقيّة، بأن ينتقل إلى مكان آخر لا خوف عليه، كما إذا انتقل من السوق إلى داره التي ليس فيها أحد يخاف منه، و لا مشروطا بعدم المندوحة الطوليّة، أي التمكّن من الإتيان بالمأمور به الواقعي الأوّلي في الزمان المتأخّر يرتفع التقيّة فيه.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ القول الأوّل و هو عدم اعتبار عدم المندوحة مطلقا الذي ذهب إليه الشهيدان في البيان و الروض هو الصحيح و هو المشهور.
و يدلّ على عدم اعتبار عدم المندوحة في جواز التقيّة و إجزائها عن إتيان الواقع الأوّلي بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن، بعض الروايات:
منها: ما رواه العيّاشي بسنده عن صفوان، عن أبي الحسن عليه السّلام في غسل اليدين، قلت له يردّ الشعر؟ قال عليه السّلام: «إن كان عنده آخر فعل». و المراد بالآخر من يتّقيه.
تقريب الاستدلال بهذه الرواية على عدم اعتبار عدم المندوحة هو تجويزه للتقيّة بصرف وجود شخص من هؤلاء الذين يخاف منهم، و إن كان يمكن أن يتستّر عنه، أو ينتقل إلى مكان آخر ليس هناك من يخاف منه، أو يوهمه الإتيان بمثل مذهبهم مع الإتيان بما هو الحقّ، أو يؤجّل العمل إلى زمان آخر لا موضوع للتقيّة فيه، و لا شكّ في إطلاق الرواية من هذه الجهات و لا مقيّد له في البين، فيجب الأخذ بإطلاقه.
و لا يخفى أنّ ردّ الشعر كناية عن الوضوء المنكوس؛ لأنّ ردّ الشعر من لوازمه، فالسؤال عن أنّ له ردّ الشعر، معناه أنّ له الوضوء المنكوس؟ فيجيب عليه السّلام بالجواز بدون أيّ تقييد. و أمّا قوله عليه السّلام: «إن كان عنده آخر» هو محقّق موضوع التقيّة، لا أنّه تقييد فيها.
و منها: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، و فيه: «و تفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على غير حكم الحق و فعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز» فقوله عليه السّلام «فإنّه جائز» حكم بجواز كلّ شيء يعمل لأجل التقيّة، و هو مطلق غير مقيّد بعدم المندوحة، بل ظاهره جواز كلّ شيء يعمل لمكان التقيّة و إن كان الفرار و التخلّص منها ممكنا بأحد الوجوه المتقدّمة.
و منها: ما ورد في الحثّ و الترغيب في حضور جماعتهم في الروايات الكثيرة، كرواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الصفّ الأوّل» و غيرها ممّا هو بهذا المضمون.
و لا شكّ في أنّ الروايات المطلقة الدالّة على جواز التقيّة و إجزاء ما يأتي به تقيّة عن الواجب الواقعي الأوّلي من دون تقييدها بعدم وجود المندوحة كثيرة، فلا يحتاج إلى تطويل المقام بذكر تلك الأخبار و التكلّم فيها، بل لا يمكن التقييد فيها بصورة عدم التمكّن من إيجاد صلاته في جميع وقتها إلّا في مكان يجب فيه التقيّة.
فالإنصاف: أنّه ليست التقيّة من قبيل سائر الموارد التي ينقلب التكليف فيها بواسطة الاضطرار، بل الأمر فيها أوسع؛ للمصالح التي فيها من حفظ النفوس و الأموال و الأعراض لشخصه و لجميع الشيعة، بل و للإمام عليه السّلام، و لعلّه لذلك أفردوها بالذكر عن سائر أقسام الاضطرار.
و لكن للأخبار المذكورة معارضات ظاهرها أنّ جواز التقيّة و إجزاءها عن الواقع الأوّلي منوط بعدم وجود المندوحة.
منها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر المعروف بالبزنطي، عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام أسأله عن الصلاة خلف من تولّى أمير المؤمنين و هو يمسح على الخفّين؟ فكتب عليه السّلام: «لا تصلّ خلف من يمسح على الخفيّن، فإن جامعك و إيّاهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح»
و منها: رواية معمّر بن يحيى: «كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة»
و منها: المرسل المحكى عن الفقه الرّضوي عن العالم: «لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين أحدهما من تثق به و بدينه و ورعه، و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شنعته، فصّل خلفه على سبيل التقيّة و المداراة»
و منها: ما عن دعائم الإسلام بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تصلوا خلف ناصب و لا كرامة إلّا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم، ثمَّ صلوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا»
و دلالة هذه الروايات على أنّ جواز التقيّة و إجزاءها عن الإعادة و القضاء بعد رفع التقيّة و حصول الأمن مشروط بعدم المندوحة في كمال الوضوح.
و لكن مقتضى الجمع عرفا بين هذه الأخبار و الأخبار المتقدّمة هو حمل هذه الأخبار على إمكان التخلّص في نفس وقت التقيّة، بدون التأجيل و تأخير امتثال الواجب إلى زمان ارتفاع التقيّة، أو بدون انتقاله إلى مكان آخر للفرار عن التقيّة، بل يمكن في نفس المكان و الزمان أن يأتي بالواقع الأوّلى، ففي مثل هذا المورد لا يجوز أن يتّقى بإتيان الواجب موافقا لهم.
فاشتراط عدم المندوحة بهذا المعنى ممّا لا بدّ منه، بل هو المشهور، خصوصا إذا كان من الممكن إيهامهم أنّه يوافقهم و يأتي بالواجب على طبق مذهبهم، مع أنّه لا يأتي إلّا على طبق ما هو الحقّ عنده.
و يشير إلى هذا المعنى بعض الروايات، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: إنّي أدخل المسجد و قد صلّيت فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة؟ قال: «لا بأس، و أمّا أنا فأصلّي معهم و أريهم أنّي أسجد و ما أسجد»
و خلاصة الكلام: هو أنّ الشارع اهتمّ بأمر التقيّة كثيرا للمصالح المهمّة في نظره، و لذلك أمر المؤمنين بمعاشرتهم، و الحضور في مجامعهم، و عيادة مرضاهم كي لا يعرفوهم بالرفض فيؤذوهم، و بيّن لهم ما يترتّب على فعلهم الذي هو موافق معهم من الأجر العظيم و الثواب الجزيل كي يرغبوا في العمل موافقا لهم في الكمّ و الكيف لأجل حفظ دمائهم و أعراضهم و أموالهم.
فوسّع عليهم في أمر التقيّة بما لم يوسّع في غيرها من أنواع الاضطرار، بل أمرهم أن يحضروا مساجدهم و يصلّون معهم في الصفّ الأوّل، و قال عليه السّلام: «من حضر صلاتهم و صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى مع رسول اللّه في الصفّ الأوّل».
فلا يمكن حمل الأخبار الظاهرة في اعتبار عدم المندوحة على ظاهرها، بل لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها و التصرّف فيها بأحد التصرّفات، مثل حمل «أذّن لنفسك و أقم» في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، و «صلّوا في بيوتكم» فيما رواه دعائم الإسلام و أمثال ذلك على الاستحباب، و إلّا فالقول باعتبار عدم المندوحة مطلقا في جواز التقيّة ينافي ذلك الاهتمام الذي ظهر من طرف الشارع في أمر التقيّة.
ففي رواية زيد الشحّام: «صلّوا في مساجدهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم و إن استطعتم أن تكونوا الأئمّة و المؤذّنين فافعلوا» الحديث
و في رواية هشام الكنديّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال فيها: «صلّوا في عشائرهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم» الحديث
نعم الذي يصحّ أن يقال هو أنّه لو كان متمكّنا حال الاشتغال بإيجاد الواجب موافقا لهم من تلبيس الأمر عليهم، و إيهامهم أنّه يفعل بمثل فعلهم و إن كان لم يفعل كفعلهم بنحو لا يكون منافيا للتقيّة و لا يترتّب عليه ضرر، لا عاجلا و لا آجلا، لا على نفسه و لا على غيره من طائفته، يجب عليه ذلك، و لا يجوز له أن يأتي بما هو خلاف الواقع الأوّلي.
فعدم المندوحة بهذا المعنى معتبر في التقيّة. لكن تقدّم أنّ هذا محقّق موضوع التقيّة، لا أنّه تقيّة أو تخصيص فيها، فالحقّ أنّ عدم المندوحة ليس معتبرا و قيدا في موضوع التقيّة....
ثمَّ إنّ هاهنا أمورا يجب التنبّه عليها:...
الثاني:
أنّ ما ذكرنا من أنّ إتيان الواجب تقيّة موافقا لهم مجز عن الإتيان به ثانيا موافقا لما هو الحقّ- كما إذا صلّى متكتّفا، أو مع المسح على الخفّين، أو مع غسل الرجل بدل مسحها، بدون بسم اللّه في القراءة و أمثال ذلك- إنّما يكون فيما إذا أتى بالعمل الناقص موافقا لهم.
كما إذا صلّى بأحد الوجوه المذكورة، أو صام و أفطر قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة أو قبل انتشارها فوق الرأس، أو حجّ و وقف في الموقفين موافقا لهم من دون استناده إلى أمارة شرعيّة أو عقليّة هلال ذي الحجّة في يوم كذا إذا كان شاكّا، لا أن يكون قاطعا بعدم كون الوقوف في يوم عرفة كما ذكرنا مفصّلا.
و ذلك لما ذكرنا أنّه أتى بما هو المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي، و هو مجز، كما حقّقنا المسألة في الأصول في مبحث الإجزاء.
و أمّا لو ترك الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، و لم يكن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي في البين، بل صرف ترك للأوّل لأجل التقيّة، فلا وجه للإجزاء؛ لأنّه لم يأت بشيء كي يكون مجزيا. و إفطار الإمام الصادق عليه السّلام في الحيرة لأجل الخوف عن أبي العبّاس العباسي- الذي تقدّم ذكره-الظاهر أنّه من هذا القبيل، فلا معنى لأن يكون مجزيا، و لعلّه لأجل ذلك قال عليه السّلام: «لأن أفطر يوما من رمضان فأقضيه» فالقضاء في هذا المورد لا بدّ منه، و لا يدلّ هذا على عدم كون التقيّة مجزيا....
الرابع:
إذا خالف التقيّة و أتى بالفعل المخالف معهم، كما أنّه لو صلّى مرسلا من دون التكفير، أو صلّى على التربة الحسينية، أو غير ذلك ممّا ينكرونها فهل يكون ذلك العمل باطلا؛ لأنّه خلاف التقيّة و منهيّ عنه، و النهي في العبادة يوجب الفساد، أم لا لأنّه أتى بما هو المأمور به واقعا بقصد القربة، فحصل الامتثال و الإجزاء عقلي. و إن أثم بتركه للتقيّة، و لكنّه خارج عن الصلاة، فيكون من قبيل النظر إلى الأجنبيّة حال الصلاة، حيث أنّه لا هو جزء للصلاة المأمور بها، و لا مركّب معها تركيبا اتّحاديّا، و لا انضماميّا، فليس لا من باب النهي في العبادة و لا من باب الاجتماع.
و الذي ينبغي أن يقال في المقام: هو أنّ ما يتحقّق به المخالفة للتقيّة و يكون مصداقا حقيقيّا للمخالفة معهم، ليس على نسق واحد، بل قد يكون جزءا للعبادة، فيأتي بذلك الجزء المخالف معهم باعتبار أنّه جزء للمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، فيكون النهي متعلّقا بذلك الجزء، فتكون العبادة المشتملة على ذلك الجزء المنهي عنه فاسدة. و المسألة محرّرة في الأصول، و قد أوضحنا وجهه في الجزء الأوّل من كتابنا «منتهى الأصول» في مسألة النهي المتعلّق بالعبادة.
و قد لا يكون كذلك، بل يكون من قبيل إدخال ما ليس من العبادة فيها، و يكون من قبيل التشريع المحرّم بالأدلّة الأربعة، فيكون النهي متعلّقا بأمر خارج عن العبادة، فلا وجه لأن يكون ترك ذلك الشيء موجبا للبطلان؛ لما قلنا من أنّه أتى بالمأمور به على وجهه، و الإجزاء عقليّ، نعم أثم بذلك الترك و تلك المخالفة؛ لأنّه منهيّ.
فبناء على ما ذكرنا ترك التكتّف و قول «آمين» في مورد وجوبهما تقية لا يوجب بطلان الصلاة، و إن كان آثما بذلك الترك.
تنبيه
هذا الذي ذكرنا و تقدّم كان في الإتيان بالواجبات بل المستحبّات تقيّة، بأن يدخل فيها ما ليس بجزء أو شرط، أو يترك ما هو جزء أو شرط، أو يأتي بما هو مانع، أو يأتي بكيفيّة خلافها واجب أو مستحب.
و أمّا التقيّة في مقام الإفتاء كأن يفتي المجتهد بحرمة ما ليس بحرام، أو بوجوب ما ليس بواجب، أو بالعكس فيهما، أو بالنسبة إلى سائر الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة، فالأمر فيها أعظم، و لعلّ أغلب عمومات التقيّة و إطلاقاتها لا تشملها، و منصرفة عنها، فلا يجوز له الإفتاء بمجرّد خوف الضرر، كما كان له ذلك في مقام العمل، خصوصا إذا كان المفتي ممّن يتّبعة العموم، و خصوصا إذا كان طول حياته لا يمكن له الرجوع عن فتواه، فيبقى هذا الحكم و الفتوى الباطلة محلّ الاعتبار، و مورد عمل العموم على مرّ الدّهور.
ففي مثل هذا يجب الفرار و التخلّص عن الإفتاء بأيّ وجه ممكن. و كذا إذا كان الفتوى موجبا لتلف النفوس، أو هتك الأعراض، ففي الأوّل لا يجوز له أن يفتي و إن كان ترك الفتوى موجبا لهلاكه و قتله.
و أمّا الأئمّة المعصومون و إن صدر منهم الفتوى بعض الأحيان على خلاف الحكم الواقعي الأوّلي، و لكن كانوا ينبّهون الطرف بعد ذلك بأنّها كانت على خلاف الواقع إمّا لأجل حفظ نفسه عليه السّلام أو لأجل حفظ نفس المستفتي. و قضيّة فتوى الإمام الكاظم عليه السّلام لعليّ بن يقطين في مسألة تثليث غسلات الوضوء صريحة فيما ذكرناه
و الحاصل: أنّ الفتوى على خلاف ما أنزل اللّه للتقيّة أمره مشكل، و يختلف كثيرا من حيث المفتي و مقبوليّة رأيه عند العموم و عدمها، و من حيث إمكان إخبار الناس التابعين له أنّ هذه الفتوى لم تكن حكما واقعيّا و إنّما صدرت تقيّة، و عدم إمكانه، و من حيث أهميّة المفتي به، و من حيث كونه موجبا لهلاك الأنفس و عدمه.
ففي بعض صور المسألة لا يجوز له الإفتاء، و إن كان يعلم أنّه يقتل لو ترك و لم يفت؛ و لذلك ترى في الأخبار الصادرة عن أهل بيت العصمة إصرارهم عليهم السّلام بأنّ «ما خالف كتاب اللّه» أو قولهم: «ما خالف قول ربّنا لم نقله، أو زخرف، أو باطل، أو أطرحه على الجدار» و أمثال ذلك، أو قولهم في الخبرين المتعارضين: «خذ بما خالف العامّة» كلّ ذلك لأجل أن لا يتوهّم أحد أنّ كلّ ما تضمنّه الأخبار الصادرة عنهم عليهم السّلام بصدد بيان الأحكام الواقعيّة، بل جملة كثيرة منها أعطيت من جراب النورة حسب اصطلاحهم، و كان الرواة الفقهاء من أصحابهم عليهم السّلام يعرفون أنّ هذا الذي قال عليه السّلام لهذا الراوي هل هو حكم واقعيّ أوّلى، أو صدر تقيّة؛ و لذلك كانوا يقولون للراوي بعد ما يسمعون روايته: أعطيت من جراب النورة. هذا حال التقيّة في الفتوى.
و أمّا التقيّة في الحكم مثل أن يحكم على خلاف ما أنزل اللّه خوفا، فهل يجوز أم لا؟
أمّا لو كان الحكم موجبا لقتل المسلم فلا يجوز قطعا، ففي الكافي و التهذيب: «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»
و أمّا فيما عداه، فإن كان الضرر الذي يخاف منه هو أنّه يقتل لو لم يحكم، فيكون حاله حال الفتوى بغير ما أنزل اللّه فيه.
و فيه صور كثيرة من حيث أهميّة ما يحكم به، أو ترتّب الفساد عليه، ففي بعضها أيضا لا يجوز قطعا، و على كلّ حال المسألة مشكل جدّا، أعاذنا اللّه منه، و قد قال اللّه عز و جل في كتابه العزيز وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ
و أمّا إن لم يكن الضرر الذي يخاف منه هو القتل، فلا يجوز الحكم لعدم جواز دفع الضرر عن نفسه بإضرار الغير. و اللّه ولىّ التوفيق[11].
الضرورات تبیح المحظورات
شهید اول
قاعدة- 115 مما يستثنى من الأمور الكلية من الفروع الجزئية للضرورة أو لمسّ الحاجة: صحة صلاة المستحاضة،
و دائم الحدث، للضرورة، و عدم الحكم بكون الماء مستعملا ما دام على عضو الجنب، و إلا لم يرتفع حدث أصلا. و كالحكم بأن ملاقاة النجاسة للماء لا تنجسه إذا كان كرا فصاعدا، و إلا لعسرت الطهارة. و طهارة الميتة من غير ذي النّفس السائلة، و المني منه، و العفو عن ماء الاستنجاء، و عما لا يدركه الظرف من الدم عند كثير من الأصحاب و العفو
عن سؤر الهرة و شبهها، و قد نجس فوها، بزوال العين، غابت أولا. و العفو عن محل الاستجمار، و عن زيادة ركن مع القدوة، للحاجة إلى الاقتداء و عسر المتابعة في بعض الأحوال لتباعد المأموم.
و تغيير الكيفية في صلاة الخائف لمصلحة الجماعة، و الحاجة إليها، و إلى حراسة المجاهدين، و لبس الحرير لدفع القمل، و للمحارب، و كاختصاص النسكين بعدم الخروج منهما بالمفسد، و شرط العتق (في البيع) لما فيه من تحصيل الحرية و تشوق الشرع إليها، بدليل السراية إلى نصيب الشريك. و هل يصح اشتراط الوقف في البيع؟ نظر، لقربه من العتق، و من قصوره عنه، لعدم التغليب فيه و السراية[12].
قواعد فقهى (3) قاعده اضطرار
از جمله قواعدى كه در استنباط واجتهاد احكام فقهى نقش به سزايى دارد، قاعده «كل حرام مضطر اليه، فهو حلال» مىباشد.
اين قاعده كه با نام قاعده اضطرار شهرت يافته، از قواعد كاربردى و اساسى فقه، به شمار مىآيد و تاثير و كارايى آن در جاى جاى فقه، به چشم مىخورد. به ويژه در حل مشكلات و معضلات مباحث و مسائل نو پيدا نقش اساسى دارد.
اگر چه فقها از اين قاعده با عنوان ياد شده كمتر بحث كردهاند، ولى استحكام و ادله فراوان آن از يك سو و نقش كاربردى آن در سرتاسر فقه از سوى ديگر، ما را واداشت تا اندكى در خصوص آن بحث كنيم. اين نوشته در دو بخش سامان يافته: در بخش اول اهميت و ادله اعتبار قاعده است، (بحث كبروى)، و در بخش دوم بانشان دادن پارهاى از فتواهايى كه به استناد اين قاعده صادر شدهاند، (بحث صغروى) موارد كاربرد نقش و كارآيى آن روشن خواهد شد.
محورهاى مورد بحث
به منظور بيان انگيزه و هدف از بحث و تحقيق در باره اين قاعده، به برخى از پرسشهايى كه حول آن مطرح است، اشاره مىشود:
1-/ در تقسيم بندى قواعد فقهى، جايگاه اين قاعده كجاست؟
آيا از قواعد عامه است يا خاصه، از قواعد منصوصه است و يا از قواعد بر گرفته از كلمات فقها، تنها در شبهات موضوعى جريان دارد، و يا در شبهات حكمى نيز جريان دارد؟
2-/ با اين قاعده، حرمت مورد اضطرار واقعا برداشته مىشود، و يا ظاهرا، ثمره فقهى اين دو مبنا چيست؟
3-/ قاعده اختصاص دارد به رفع حرمت اضطرارى، و يا وجوب عملى را كه اضطرار به ترك آن است نيز بر مىدارد؟
4-/ مدلول قاعده عزيمت است يا رخصت، ثمره فقهى اين دو نظر در كجا است؟
5-/ آيا قاعده اختصاص به احكام اضطرارى دارد، يا موضوعات اضطرارى را نيز فرا مىگيرد؟
6-/ ملاك و معيار اضطرار در مورد قاعده چيست، اضطرار شخصى و يا نوعى؟
قواعد همسو
از آن جا كه قواعد فقهى گوناگون است، گاهى چند قاعده فقهى از جهت محتوا و آثار، اشتراك دارند، اگر چه در خصوصيات با هم يكى نيستند. قواعد فقهى كه در راستاى اين قاعده هستند و از نظر محتوا با آن همخوانى دارند عبارتند از:
1. قاعده نفى عسر و حرج،
2. الضرورات تبيح المحظورات،
3. كل ما غلب اللّٰه عليه فهو اولى العذر،
4. لاضرر ولا ضرار فى الاسلام،
5. سهله ومسمحه بودن دين،
6. الضرورة فى كل شىء الا فى الدماء....
شرايط جريان قاعده
اجراى هر قاعده واصل فقهى ممكن است با شرايطى همراه باشد. از جمله اجراى همين قاعده «كل حرام مضطر اليه فهو حلال» مشروط به وجود شرط هايى است كه در اينجا به آنها اشاره مىشود:
1-/ امتنانى بودن: يعنى قاعده در مواردى جارى مىگردد كه برداشتن حرمت و يا وجوب، براى امتنان باشد، زيرا از ادلهاى كه بر اعتبار قاعده اقامه شده مانند آيه «وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وديگر آيات و روايات به ويژه جمله رفع «مااضطروا اليه» بر مىآيد كه در مقام امتنان و آسان گيرى وارد شده است. شاهد بر اين مدعا چند چيز است: الف-/ كلمه رفع در حديث به وضوح دلالت دارد بر اين كه مرفوع يعنى آنچه كه تكليف از آن برداشته شده، امر دشوارى بوده. و شارع از باب امتنان برداشته است.
ب-/ تعبير «على امتى»، نيز در حديث رفع دلالت دارد كه مرفوع اختصاص به امت مسلمان دارد واين نشان دهنده امتنان بر آنان است.
ج-/ لسان «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، گوياى اين است كه رفع حرمت به هنگام اضطرار امتنانى است.
بنابر اين، اگر از جريان قاعده، خلاف امتنان لازم بيايد، جارى نخواهد شد، مانند اين كه اضطرار به حفظ جان مستلزم كشتن ديگرى باشد. ثمره فقهى، اگر شخصى مضطر گردد كه براى حفظ جان خود، طعام ديگرى را بىاجازه او بخورد با قاعده، حرمت آن برداشته مىشود، ولى ضمان آن از عهده خورنده برداشته نمى شود، زيرا ضامن نبودن او خلاف امتنان است بر صاحب مال.
و با توجه به همين مطلب، فقها به صحت معامله شخص مضطر فتوا مىدهند، زيرا بطلان معامله او خلاف امتنان بر مضطر است.
2-/ شرط دوم: متعلق حكم اضطرارى بايد فعل اختيارى مكلف باشد.
توضيح: گاهى احكام روى وجود خارجى-/ موضوع چه از انسان سر چشمه گرفته باشد و يا از غير انسان-/ رفته است.
و اگر از انسان سرچشمه گرفته فرقى نمىكند از روى عمد و اختيار باشد و يا از روى فراموشى و نادانى. مثل نجس شدن چيزى كه به نجس بر خورد كرده است، كه موضوعش صرف ملاقات است. اگر چه بواسطه باد، و يا به كمك حركت حيوان، و يا از روى اضطرار، باشد قاعده اضطرار اين جا نجاست را بر نمىدارد يا در مثل ضمان كه موضوع آن اتلاف مال غير است، فرقى نمىكند. اين اتلاف از روى عمد و آگاهى از انسانى سر بزند يا از روى غفلت و اضطرار انجام شود، مثل اين كه در خواب پاى او به شيشه ديگرى بر خورد كند و آن را بشكند. اين جا هم ضمان هست و با قاعده اضطرار، حكم آن برداشته نمىشود.
به عبارت علمى وفنى، قاعده احكامى را كه به صرف الوجود و عنوان شيىء تعلق گرفته باشد بر نمىدارد. از اين روى، وجوب قضا كه رفته روى عنوان فوت اگر چه فوت از روى اضطرار باشد برداشته نمىشود. ولى وجوب كفاره روزه كه به افطار عمدى تعلق گرفته است، در صورت اضطرارى بودن افطار، برداشته مىشود.
قلمرو قاعده
گفت و گو در زمينه ويژگىها و حدود قاعده اهميت بيشترى دارد كه آنرا در ضمن چند نكته پى مىگيريم:
1-/ بى گمان احتياط تا زمانى كه موجب اختلال در نظام و عسر و حرج شخصى نگردد نيكو و پسنديده است و برخى جاها هم واجب. و اگر دليل لزوم احتياط و قاعده با همديگر تعارض كنند چه بايد كرد؟ بى شك قاعده از باب حكومت مقدم مىگردد، زيرا همان ادلهاى كه بر قاعده دلالت دارند بر تمامى ادله اوليه از جمله ادله احتياط هم نظارت دارند، به ويژه جمله «ما اضطروا اليه» در حديث رفع. بنابر اين، هر جا كه قاعده صادق باشد احتياط واجب نيست.
برخى از فقها بر اين باورند كه مفاد حديث رفع، نفى وجوب احتياط است. و از آن جمله شيخ انصارى. وى در اين زمينه مىنويسد:
«باجمله «مالا يعلمون» و همانند آن چيزى برداشته مىشود كه ادله احكام آن را در بر نمىگيرد، و آن وجوب
احتياط است. به شرط اين كه در حرام واقعى قرار نگيرد.» بنابر اين، اگر چه هنگام اضطرار به انجام حرام و يا ترك واجب احتياط ممكن باشد، واجب نيست بلكه گاه جايز هم نيست.
از اين رو، برخى از فقها در مورد شخصى كه روزه گرفتن براى او زيان داشته بر بطلان روزه او فتوا دادهاند و نيز در وضو و غسلى كه زيان بار است فتوا به بطلان آن دو دادهاند. حضرت امام مىفرمايد:
«كسى كه يقين ياگمان دارد كه روزه برايش ضرر دارد، اگر چه دكتر بگويد ضرر ندارد، بايد روزه نگيرد واگر روزه بگيرد صحيح نيست.»
2-/ بحث ديگرى كه لازم است بدان پرداخته شود اين است كه رفع حرمت به سبب اين قاعده، ظاهرى است يا واقعى؟ اين مطلب مورد اختلاف صاحب نظران واقع شده است، و آثار فقهى نيز به دنبال مىآورد. بهنظر مىرسد، قاعده، حكم واقعى را بر دارد، زيرا جعل حكم ظاهرى، از جمله عليت ظاهرى، به كمك قاعده، در جايى است كه در حكم واقعى شك داشته باشيم و در موارد اضطرار حكم واقعى معلوم است ومكلف به آن ترديد ندارد.
بنابر اين، وجهى ندارد رفع تعلق بگيرد به حكم ظاهرى نه حكم واقعى. آية اللّٰه خوئى در ذيل حديث رفع مىنويسد:
و اما الرفع في بقية الفقرات فهو واقعي»
مرفوع در حديث رفع جز در جمله «مالايعلمون» حكم واقعى است. اما ثمره فقهى اين بحث در جايى ظاهر مىگردد كه پس از ارتكاب حرام و يا ترك واجب،؟؟ اضطرار مرتفع گردد همان عمل قبلى مجزى است، بر خلاف اين كه رفع ظاهرى باشد، كه بايد اعاده گردد، بنابر اين در فرض باقى بودن وقت، اضطرار به تيمم بر طرف گردد مقتضاى قاعده صرف نظر از ادله خاصه كفايت نماز با تيمم است بر خلاف اين كه رفع حكم ظاهرى باشد.
3-/ از ديگر مباحث مفيد اين است كه، آيا قاعده تنها حرمت مورد اضطرار را بر مىدارد يا حكم وجوب را در صورتى كه مكلف ناچار به ترك واجب باشد نيز بر مىدارد؟ ممكن است گفته شود: قاعده با توجه به ادله آن، مانند آيه وحديث رفع، دلالت دارد كه فعل حرام به منزله عدم و نيستى است. و اگر شخصى مضطر باشد كه واجبى را ترك كند، به اين معنى خواهد بود كه ترك به منزله وجود است، در اين صورت بايد احكام وجود نيز بر آن بار گردد، در نتيجه، قاعده حكم آفرين باشد، و كسى هم به اين ملتزم نيست.
جواب آن اين مىشود كه، اوّلًا: قبول نداريم قاعده به لحاظ ادله در مقام تنزيل موجود به منزله معدوم باشد تا در ناحيه ترك بخواهد معدوم را به منزله موجود تنزيل كند. بلكه قاعده در مقام رفع تكليف فعل اضطرارى و يا ترك اضطرارى است.
ثانياً: بر فرض بپذيريم كه قاعده در مقام تنزيل است چه اشكالى دارد، بگوييم انجام ندادن واجب اضطرارى هم به لحاظ حكم ترك به منزله فعلى است. و اما آثار ديگرى كه بر فعل بار مىشود از حديث به دست نمىآيد. بنابر اين، قاعده هم شامل فعل اضطرارى و هم شامل ترك اضطرارى مىشود. 4-/ مطلب ديگر اين است كه مدلول قاعده، عزيمت است و يا رخصت؟ به عبارت ديگر، عمل بر اساس قاعده در موارد اضطرار، لازم و واجب است و ترك آن حرام و يا اين كه شارع توسعهاى براى شخص مضطر در نظر گرفته و وى مىتواند طبق قاعده عمل نكند.
اين مطلب اثر فقهى نيز دارد، چون هر گاه مدلول قاعده عزيمت باشد، عباداتى كه در حال اضطرار بايد ترك كند، انجام دهد باطل است. از برخى ادله قاعده مانند روايت سوم بر مىآيد كه مدلول قاعده عزيمتى است، نه رخصتى، زيرا امام (ع) طبق اين حديث فرموده: اگر طبق قاعده عمل نكند و به زحمت بيفتد كافر است. افزون بر ادله،
اين مطلب از فتاواى فقها نيز استفاده مىشود، مثلا محقق يزدى در احكام تيمم مىفرمايد:
«اگر شخصى با تحمل ضرر، وضو و غسل كند چنانچه ضرر در مقدمات تهيه آب باشد، وضو صحيح است، ولى اگر ضرر به علت استفاده از آب باشد، وضو باطل استبيشتر صاحبان حاشيه در اين مساله با سيد موافقت كردهاند، از جمله امام راحل.
همين مطلب در مبحث شرايط وضو نيز آمده است.
نقد و بررسى
به نظر مىرسد اين نظر موافق با واقع نباشد، زيرا اوّلًا: همان گونه كه پيش از اين گذشت اين قاعده به لحاظ ادله آن امتنانى است و هر جا از پياده كردن آن خلاف امتنان پيش بيايد جارى نمىگردد. و اگر مدلول قاعده، عزيمت باشد مستلزم محدوديت و مشقت مكلف خواهد بود و اين خلاف امتنان است زيرا عبادتى كه ترك آن با اضطرار انجام گرفته بطلانش خلاف امتنان است.
ثانيا: لازمه عزيمت بودن قاعده مشرع بودن آن است يعنى قاعده كه براى رفع حكم است جاعل و واضع حكم خواهد بود.
حق اين است كه بگوييم قاعده در غير عبادات بى شك رخصتى است از اين رو تمامى فقها داد و ستد از روى اضطرار را صحيح مىدانند، اما در عبادات چنانچه حكم اضطرار موجب زيان رساندن به نفس باشد و زيان رساندن به نفس نيز حرام باشد، و نهى در عبادت را هم موجب فساد بدانيم، مدلول قاعده، عزيمتى است. و اگر در يكى از اين سه مبنا تشكيك و يا ترديد شود مفاد قاعده ترخيص خواهد بود. و حتى اگر در اين سه مبنا ترديد نداشته باشيم بعيد نيست، مفاد قاعده ترخيص باشد، زيرا عزيمت و بطلان عباداتى كه از روى اضطرار بايد ترك شوند ولى مكلف آنها را ترك نمىكند و به جا مىآورد به استناد نهى از عبادت است كه موجب فساد عبادت مىشود، نه به استناد قاعده و مدلول عزيمتى آن.
5-/ قاعده به دليل فراگير بودن ادله آن، همان گونه كه شامل احكام اضطرارى مىشود موضوعات اضطرارى را نيز در بر مىگيرد، زيرا اوّلًا برخى ادله مانند آيه اول، دوم و سوم در مورد موضوعات اضطرارى وارد شدهاند و در حديث اول كلمه «ما» اطلاق دارد كه هم احكام و هم موضوعات اضطرارى را در بر مىگيرد. و نيز ملاك در حكم عقل و سيره عقلا شامل موضوعات اضطرارى نيز مىشود مگر اشكال گردد كه اضطرار به موضوعات بىمعنا است.
6-/ قاعده اضطرار همان گونه كه نسبت به احكام و موضوعات اضطرارى فراگير است، نسبت به احكام وضعى و تكليفى نيز فراگير است زيرا برخى از ادله قاعده از اين جهت نيز اطلاق دارند، و شامل احكام وضعى و تكليفى هر دو مىشوند. از آن جا كه اين مطلب روشن است از تفصيل آن خود دارى مىشود.
7-/ اينك بايد ديد اگر دو اضطرار با همديگر تعارض كنند، تكليف چيست و جايگاه آن كجا است؟ اگر اين دو حالت اضطرار براى يك انسان پيش آمده باشد، مثل اين كه شخصى ناچار گردد به خاطر درمان، يكى از دو عضو دست و يا پا را قطع كند، بى گمان اين صورت در باب تزاحم مىگنجد. پس مكلف بايد آنچه را كه از اهميت بيشترى بر خوردار است مقدم بدارد و ضرر كمتر را ببيند. و اگر مساوى باشند، وى مخير است كه هر كدام را برگزيند. و اگر مورد اضطرار ميان دو نفر پيش آيد، مانند اين كه، اضطرار سبب شود خانه زيد خراب گردد يا خانه عمرو، كه اين جا ديدگاه و مبناى فقها مختلف است:
نظر شيخ انصارى اين گونه است كه: اين جا هم مانند صورت اول از باب تزاحم است و همان حكم را دارد، زيرا ايشان تمام انسانها را در حكم شخص و امتى واحد مىدانند. از اين رو، بايد كمترين ضرر را تحمل كنند.
نظر ديگر اين است كه، حق انتخاب با حاكم شرع است و پس از انتخاب او، به
حكم قاعده عدل و انصاف، خسارت ميان دو مالك تقسيم مىگردد. نظراتى ديگر نيز در اين زمينه مطرح شده كه بررسى آنها به طول مىانجامد. به نظر مىرسد نظر دوم به واقع نزديكتر باشد، زيرا جمع ميان دو حق شده است.
حد اضطرار
برخى از موضوعات احكام شرعى به اصطلاح اهل منطق، تشكيكى اند؛ مانند عنوان «عسر وحرج» و «ضرر واضطرار» كه موضوع قاعده مورد بحث ما مىباشد. از اين رو، ديده مىشود كه فقها در مصاديق قاعده اختلاف دارند، زيرا برخى از فقها در مواردى قاعده را جارى مىدانند كه ديگران قبول ندارند. اگر چه مرجع شناخت مفاهيم موضوعات احكام شرعى، عرف است، مگر اين كه خود شارع براى آن تعريف مشخصى به دست داده باشد، مانند مفهوم سفر. در شناخت مصاديق اضطرار اين اختلاف وجود دارد. از اين رو، گفتگو در حد و مرز و مصاديق اين مفهوم ضرورى است. بى شك اضطراى كه موضوع قاعده واقع شده، در تمامى مصاديق آن يكسان نيست. شايد بتوان گفت، از نظر كبروى، ملاك در اضطرار شخصى است نه نوعى، زيرا پيش از اين گذشت كه ادله قاعده بر ادله ديگر حاكم اند. و معناى حكومت اين است كه در هر موردى و در هر شخصى كه اضطرار صادق باشد، حكمش برداشته شده است. پس، ممكن است نسبت به شخصى اضطرار صادق باشد و نسبت به شخصى ديگر صادق نباشد.
كاربرد قاعده
از جمله اهداف اين نوشتار نماياندن موارد كاربرد قاعده اضطرار است.
و چون رسيدگى تمام موارد، افزون بر دشوارى، كارى است با حجم زياد كه اين نوشته آن را بر نمىتابد، از اين رو، بر آن شديم فقط به بخشى از احكام فقهى مربوط به پزشكى، آن هم در محدوده برخى از فتاواى حضرت امام راحل، بسنده كنيم.
لازم به ياد آورى است، فتاوايى كه در اين بخش آورده مىشود ممكن است افزون بر قاعده اضطرار،
مستند ديگرى نيز داشته باشد، ولى اگر دليل ديگرى نباشد، قاعده به تنها كافى است در جواز افتاء.
1-/ نگاه ولمس
1-/ حضرت امام راحل مىفرمايد:
«حكم حرمت نگاه و لمس بدن زن نامحرم در مورد معالجه و ...، ضرورت استثنا شده است.»
ايشان در توضيح المسائل مىفرمايد:
«... اگر چارهاى جز نگاه كردن به عورت (مريض براى معالجه) نباشد، اشكال ندارد.»
2-/ خوردن و آشاميدن محرمات
هم چنين در خصوص ضرورت خوردن و آشاميدن محرمات مىفرمايد:
«چنانچه به خوردن و آشاميدن حرام مضطر گردد بايد به مقدارى كه اضطرار بر طرف گردد اكتفا كند.» در باب معالجه با آنچه كه حرام است مىفرمايد:
«اگر معالجه در انحصار خوردن داروى حرام باشد جايز است.
و در زمينه اضطرار به خوردن مال ديگران مىفرمايد:
«در حال اضطرار جايز است خوردن مال ديگران، اگر چه با قهر و جنگيدن باشد.»
و يا معالجه به وسيله چيزهايى كه ضرر قطعى دارد و حرام است، مىنويسند:
«جايز است معالجه به آنچه كه ضرر حتمى دارد مانند قطع بعضى از اعضاى بدن جهت جلوگيرى از هلاكت بيمار.» و نيز در مورد آشاميدن شراب به منظور معالجه، مىفرمايند:
تباح جميع المحرمات المزبورة (الخمر ...) حال الضرورة، خوردن محرمات از جمله شراب در حال ضرورت جايز است.» در باب اعتياد مىفرمايند:
«اعتياد به ترياك حرام است و بايد آن را ترك كند، مگر در صورت ضررى بودن اعتياد به ترياك جايز نيست و معتاد در صورت عدم لزوم ضرر بايد آن را ترك كندو در مورد افطار روزه كه احتمال ضرر داده مىشود، مىفرمايند:
«اگر انسان احتمال بدهد كه روزه برايش ضرر دارد و از آن احتمال ترس براى او پيدا شود چنانچه احتمال او در نظر مردم به جا باشد نبايد روزه بگيرد.»
3-/ قطع اعضا و پيوند آنها
حضرت امام در مورد اين كه حفظ جان مسلمانى بستگى داشته باشد مىفرمايد:
«اگر حفظ مسلمانى موقوف باشد بر پيوند عضوى از اعضاى ميت مسلمانى، جايز است قطع آن عضو.» و نيز در مورد بخشيدن يك كليه و يا چشم و يا ديگر اعضايى كه به صورت جفت در بدن انسان وجود دارند مىفرمايد:
«اگر حيات ديگرى منوط به آن باشد و خطر جانى متوجه اعطا كننده نشود اشكال ندارد.» و براى قطع عضو مريض به منظور معالجه خود او مىفرمايد:
«معالجه به چيزى كه ضرر قطعى دارد براى جلوگيرى از ضرر بزرگتر جايز است.»
4-/ تنظيم خانواده و زايمان
و در جواز دخالت مردان در زايمان زنان نا محرم، مىفرمايد: «جايز نيست مگر در صورتى كه زنى نبوده و چارهاى جز دخالت مردان نباشد.»
هم چنين، در جايى كه نوزاد در شكم مادر مرده، براى اين كه مادر زنده بماند، مىفرمايد: «بايد به آسان ترين راه او را بيرون آورند و چنانچه ناچار شوند كه او را قطعه قطعه كنند، اشكال ندارد.» در باب تخصص مردان در رشته زنان و زايمان مىفرمايد:
«در صورت ضرورت و نبود پزشك زن يا پزشك محرم يادگيرى مسائل و معالجه زنان توسط مردان اشكال ندارد.» و در باب بستن لولههاى رحم و عقيم كردن مىفرمايند:
«اگر حمل براى زن موجب خطر جانى يا حرج شديد باشد بستن لولههاى رحم به شرط آن كه راه ديگرى نباشد مانعى ندارد.»
5-/ تشريح بدن مسلمان
در جواز تشريح بدن مسلمان مىفرمايند:
«اگر توقف داشته باشد حفظ جان مسلمانى يا عدهاى از مسلمانان بر تشريح و امكان نداشته باشد تشريح غير مسلمان، جايز است تشريح مسلمان.»
6-/ سقط جنين
در جواز سقط جنين پيش از دميده شدن روح، در صورت ضرورت مىفرمايند:
«سقط جنين جايز نيست مگر اين كه براى مادر ضرر و خطر جانى داشته باشد و دفع ضرر از او متوقف بر اين عمل و پيش از دميده شدن (وارج) روح در جنين باشد.»
7-/ آزمايش
و در جواز آزمايش به دست جنس مخالف مىفرمايد:
«در فرض ضرورت (آزمايش توسط افراد ناهمگون) حكم ساير
ضرورتهاى ديگر را دارد كه به مقدار دفع ضرورت اكتفا مىشود.» آن چه گفته شد برخى از مواردى است كه امام راحل (ره) بر اساس قاعده در مباحث پزشكى فتوا دادهاند. اگر جستجوى بيشترى شود، به يقين موارد فراوانى را مىتوان يافت كه قاعده اضطرار به عنوان مستند فتوا يادست كم به عنوان يكى از مدارك فتوا به كار رفته باشد[13].
جواز البدار لاولی الاعذار
صاحب عناوین
العنوان السابع عشر قاعدة جواز البدار لاولي الأعذار و خروج باب التيمم عنها
عنوان 17 لا ريب أن العبادات الموسعة في وقتها يتخير المكلف في إيقاع المأمور به في كل حصة قابلة للوقوع فيها إذا كان المكلف جامعا للشرائط، فاقدا للموانع، غير معذور بأحد الأعذار التي يوجب سقوط شرط أو جزء، أو نحو ذلك. و أما أصحاب الأعذار: فهل التخيير في حقهم كذلك فلهم الإتيان بالمأمور به في آن العذر بطريق المعذور و إن احتمل أو ظن أو علم زوال العذر في الان الثاني من الوقت أو الأجزاء اللاحقة منه، أو التخيير غير ثابت في حقهم و اللازم مراعاة التمكن و الصبر إلى آخر أوقات الإمكان، أو يفصل بين راجي الزوال فلا تخير له و بين المأيوس عن زوال العذر فيتخير؟ أقوال للأصحاب: فأكثر القدماء على التخيير مطلقا و المرتضى و ابن الجنيد و سلار على المنع مطلقا، و جماعة من فضلاء من تأخر عن الشهيد رحمه الله على التفصيل و الكلام في هذا الباب مضطرب أشد الاضطراب.
و لنشر إلى جملة من مواقع المسألة توضيحا للمدعى. و من جملتها: العذر عن إكمال الوضوء كالجبيرة و نحوها و كذلك في الغسل بناء على الاكتفاء بما يمكن غسله، و كذلك العذر في تطهير الثياب، و كون الساتر على الشرائط و الخلو عن الموانع ، أو العذر عن أصل الساتر، أو عذر المكان لعدم خلوه عن نجاسة، أو اشتباه القبلة بناء على التخيير، أو فقد الماء حتى يتوضأ أو يغتسل، أو وجود العذر من استعماله أو الخوف عن تحصيله، أو وجود السلس و البطن اللذين لا تخلو الصلاة مثلا من طريان الحدث معهما، أو العجز عن القيام في الصلاة أو الاستقرار أو إتقان الأفعال أو الأذكار و كذلك العذر في أفعال الحج و العمرة و شرائطهما. و لا يختص الكلام بالموسعات المؤقتة بالخصوصية، بل يعمها و الموسعة ما دام العمر، كقضاء الصلاة على ما نختاره من المواسعة، و النيابات بإجارة أو تحمل عن ميت، و نظائر ذلك، فإن كل ذلك داخل في محل النزاع. فنقول: كل مكلف بخطاب موسع إذا حصل له عذر ينتقل به الفرض إلى غير ما هو لازم عند الاختيار، هل يلزمه الانتظار لزوال العذر حتى يأتي بالمأمور به الواقعي الاختياري، أو لا يلزمه ذلك بل هو مخير في أوقات زمان التوسعة فله الإتيان في كل زمان بمقتضى تكليفه في تلك الحالة، أو يفصل بين الرجاء و العدم؟
فالأكثر على التخيير إلا فيما خرج بدليل خاص، لأصالة عدم لزوم التأخير، و عدم تعين الإيقاع في آخر أوقات الإمكان، و لاستصحاب بقاء التخيير مع عدم دليل صالح على رفعه، و لإطلاقات الكتاب و السنة في أصل الواجبات الموسعة، كقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا و أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت و نظائر ذلك من الخطابات الدالة على أن بمجرد دخول وقت المأمور به يكون المكلف مأمورا بالإتيان بالمأمور به أمرا تخييريا بالنسبة إلى أجزاء الوقت، أو بالنسبة إلى مدة العمر فيما وسع فيه كذلك، فمتى ما أتى بالمأمور به على حسب ما هو عليه في أي حالة كان من أجزاء زمن التوسيع فقد أتى بالمأمور به، و الأمر الشرعي يقتضي الأجزاء، فلا إعادة عليه و لا قضاء، كما أنه لم يترك بذلك واجبا، و لأن التخيير في شيء و التوسيع فيه تخيير و توسيع في لوازمه.
و بيان ذلك: أن الشارع جعل لواجد الماء الوضوء مثلا، و لفاقده التيمم، و للعاجز القعود، و للقادر القيام، و نظائر ذلك من الأعذار التي جعلت عناوين للأحكام الشرعية، في قبال المختار الخالي عن العذر مثل ذلك . و لا ريب أن المكلف قابل لطريان هذه العناوين المختلفة عليه، فتارة هو مريض، و تارة صحيح، و مرة مسافر، و مرة حاضر، و مرة عاجز، و أخرى قادر، و نحو ذلك، فيمكن انقلاب العناوين المجعولة موضوعا للأحكام في المكلف في جمع الأحوال و الأزمان.
فإيجاب الشارع على النائم مثلا قضاء صلاة الصبح مثلا و توسيعه ما دام العمر مع العلم منه بانقلاب أحوال المكلفين في مدة عمرهم عجزا و قدرة و صحة و مرضا و غير ذلك يقتضي أن الشارع يرضى بالقضاء في أي وقت أراد المكلف قضاءها على مقتضى عنوان تلك الحالة، فلو أراد القضاء في حالة عجز صلى قاعدا، و في حالة جبيرة توضأ وضوء الجبيرة، و في حالة العجز عن تحصيل ساتر طاهر أو نحو ذلك صلى مع النجس، و مع عدم ذلك كله يصلي صلاة المختار. و بالجملة: التخيير في الأزمان مع العلم باختلاف المكلف في العنوان بحسب الأوان يقتضي التخيير في كيفيات المأمور به اللاحقة له بحسب اختلاف الأحوال. و قس على ذلك الصلاة اليومية و النيابات، و سائر الموسعات من: صلاة الآيات، و أعمال الحج و العمرة، و نحو ذلك. و من هنا نقول: إن العبرة في صلاة المسافر إذا حضر أو بالعكس بحالة الأداء، لا حالة الوجوب
و لأن تكليف ذوي الأعذار بالانتظار مما يوجب العسر الشديد و الحرج الوكيد المنفيين آية و رواية، بل كاد أن يلحق في بعض أفراده بتكليف ما لا يطاق، خصوصا في الأوقات التي لا يعلم آخرها غالبا إلا بترصيد و كمال دقة، مع اختلاف أحوال الناس في السفر و الحضر، و كثرة وقوع الأمراض و الأعذار، كما هو المشاهد في الأعصار و الأمصار، فلو لزم في جميع ذلك الانتظار لزم العسر الواضح، و قد تقدم في عناوين المشتركات ما يدل على انتفائه شرعا و لأن الالتزام في جميع ذلك كله بالتأخير مما يكاد يحصل الإجماع على خلافه، بل الظاهر بل المقطوع من ملاحظة فتاوي أصحابنا في الأبواب إجماعهم على عدم اللزوم في المعذور مطلقا، فإذا جاز و ثبت التخيير في بعض الأعذار فلا نعقل فرقا بينه و بين غيره، لاتحاد الدليل و الوجه في التوسعة في الجميع.
و لأنا نرى سيرة العلماء و العوام في الأعصار و الأمصار على أن أصحاب الأعذار لا ينظرون زوال عذرهم، بل يبادرون إلى الصلوات على ما هم عليه من جبيرة و مرض و قعود و عدم استقرار و نحو ذلك، و هذا كاشف عن كون السلف كذلك، فيكشف عن طريقة أهل زمن الشارع، فيكشف عن تقريره و رضائه بذلك، لأنه بعد عموم بلواه ليس مما يخفى على صاحب الشريعة و خلفائه في المدة الطويلة. و لأن التأخير لو كان لازما لاشتهر و تواتر في الأخبار و الفتاوى، لعموم البلوى بالأعذار، و توفر الدواعي إلى السؤال عنه و نقله، مع أنا لم نجد في النصوص على كثرتها في باب الأعذار ما يدل على ذلك، سوى أربع روايات أو خمس في باب التيمم مع وجود معارض لها أيضا. و أفتى بالتأخير هناك مطلقا أو على التفصيل مشهور الأصحاب. و قد قوينا في طهارة (الحياض) شرحنا على النافع لزوم التأخير في المتيمم مطلقا، للنصوص المنجبرة المعتضدة بمؤيدات آخر، كما سنذكره عن قريب. و هذا الباب العظيم لا يكتفى فيه بمجرد هذه الروايات، و لم نجد من الفقهاء من يفتي بلزوم التأخير إلا المرتضى رحمه الله و سلار و ابن الجنيد على ما نقل نهم، مع أن العيان غير النقل، و لم يحضرني عبائرهم و كتبهم حتى يعلم أنهم قائلون به مطلقا، أو مع التفصيل في جميع الموسعات، أو في خصوص الصلاة اليومية في جميع الأعذار، أو في أعذار خاصة. و الحاصل: خلو النص و الفتوى مع عموم البلوى يقضي بالتخيير و عدم لزوم ما زعمه هؤلاء الأساطين من الانتظار، و الله العالم.
و لأن إطلاق الأدلة الواردة في خصوص أصحاب الأعذار (كما لا يخفى على من لاحظها، و لو لا خوف الإطالة و الخروج عن وضع الكتاب لنقلتها مثل ما في الجبائر و المسلوس و المبطون و العاجز عن القيام و القعود في الصلاة و المشي في الطواف و نظائر ذلك قاض بالتخيير و التوسيع للمعذور كالمختار من دون تفاوت، و ليس في شيء منها الأمر بالتأخير و انتظار زوال العذر، بل ما اطلعنا عليه منها مطلقة، مثل قوله: (يغسل ما حوله و يمسح على الجبيرة أو (العاجز يصلي قاعدا و نحو ذلك، فعليك بالتتبع التام حتى يتضح لك المقام.
و لأن ما دل على أفضلية أول الوقت و الاهتمام في عدم تأخير الفرائض على حد يكاد يبلغ تاركه حد العاصي. و عموم الأدلة الدالة على المسارعة إلى المغفرة و الاستباق إلى الخير و الذم و اللوم الواردان في حق من يضيع الصلاة و يؤخرها إلى آخر الوقت كلها مطلقة شاملة لذوي الأعذار و غيرها، و لا دليل يصلح لتقييد هذه الأدلة أو تخصيصها، و مجرد احتمال زوال العذر و الإتيان بالصلاة أو غيرها من العبادة على الوجه الأكمل و الواقعي الاختياري غير صالح للتقييد، لأن ذلك ترك للقطعي بالمحتمل، فإن حصول أجر أول الوقت متيقن و زوال العذر محتمل، و القطعي لا يترك بما لا يوثق بحصوله. و لأن في لزوم التأخير تغريرا بالواجب و تعريضا له معرض الفوات، لاحتمال طريان الموت أو السهو أو الغفلة، أو مانع آخر يمنع المكلف عن الإتيان به، و لاحتمال طريان عذر أزيد من هذا العذر، إذ يحتمل اشتداد المرض بحيث لا يتمكن من القعود، و عروض حادث لا يتمكن من الساتر النجس أيضا، و قس على ذلك نظائره. فالبناء على لزوم الانتظار المحتمل لفوات الواجب عن أصله أو طريان نقصان أزيد مما هو موجود في أول الوقت بمجرد احتمال زوال العذر غير مأنوس بطريقة الشرع، و مستبعد عن الاهتمام بحفظ الحدود المعلوم من أحوال صاحب الشريعة. و من هنا يعلم: أن القول بلزوم التأخير في صورة لا يرجى زوال العذر بمكان من السقوط و الضعف، و عليك بالتزام مشرب الفقاهة و المشي على ما هو المستفاد في نوع المذهب، فإن الخصوصيات لا تكاد تنضبط.
و لأن المستفاد من طريقة الشارع كما سنقرر لك إن شاء الله تعالى في العنوان الاتي أن وقت العبادة في نظر الشارع أهم من سائر الشرائط و الأجزاء، و كلها تسقط مع التعارض بينها و بين الوقت، فإذا صار الاهتمام على الوقت بهذه المثابة فمن المستبعد جدا إلزام الشارع بالتأخير إلى آخر الوقت بمجرد احتمال زوال العذر و حصول الشرط و الجزء الناقص، سيما في الأعذار التي جعلت لها أبدال في الشرع [و ليس مجرد نقص.] و الظاهر من الاهتمام بالوقت في نوعه: أن الاكتفاء ببدل الأجزاء و الشرائط المتعذرة و إدراك أول الوقت أولى، و لا أقل من تساوي الأمرين الموجب للتخيير، فالقول بوجوب التأخير مع ندرة قائله مستبعد جدا[14].
کفارات احرام؛ مشروط به عمد
علامه حلی
مسألة: كلّ شيء فعله المحرم ممّا يحرم عليه ناسيا أو جاهلا لم يكن عليه شيء سوى الصيد، فإنّه يجب فداؤه على الساهي و الجاهل.
و قال ابن أبي عقيل: و قد قيل: في الصيد انّ من قتله ناسيا فلا شيء عليه،
لنا: عموم الآية و الأخبار.
احتج المخالف بقوله- عليه السلام-: «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان»
و الجواب: انّه مخصوص بما ذكرناه للإجماع. و لأنّ الحديث يقتضي رفع المؤاخذة، و نحن نقول بموجبة، و ليس فيه نفي وجوب الكفارة[15].
سیدمحمد کاظم مصطفوی
قاعدة كلّ ما يوجب الكفارة في الإحرام مشترط بالعمد
المعنى: معنى القاعدة هو أنّ المنهيّات التي توجب الكفارة حال الإحرام (كلبس المخيط و تغطية الرأس و الاستظلال و غيرها) إذا تحققت جهلا أو نسيانا لا تكون موجبة للكفارة.
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
1- الروايات الواردة في باب الإحرام.
منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و إن كان أصابه محلّ، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد دلّت على أن كلّ ما يؤتى من المحرّمات حال الإحرام إذا لم يكن عن عمد لا يوجب الفدية (الكفارة) إلّا الصيد، فإنّه بواسطة الاستثناء الوارد في الصحيحة، غير مشترط بالعمد، و خارج عن مدلول القاعدة. و لا بأس به، لأنّه: ما من عام إلّا و قد خصّ.و بالتالي: فالمدرك الوحيد الكامل للقاعدة هو قوله عليه السّلام في الصحيحة: و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة، و به غنى و كفاية.
و منها صحيحة معاوية بن عمّار- الثانية في الباب- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: اعلم أنّه ليس عليك فداء شيء أتيته و أنت محرم جاهلا به، إذا كنت محرما في حجّك أو عمرتك إلّا الصيد، فإنّ عليك الفداء بجهالة كان أو عمد
دلّت على مدلول القاعدة بتمامها و كمالها، فالدّلالة تامّة و يتمّ بها الاعتبار للقاعدة.
و هناك روايات كثيرة لا حاجة بذكر جميعها. كما قال المحقق صاحب الجواهر رحمه اللّٰه في محاولة ذلك الحكم: النصوص التي (تتواجد هناك) يمكن دعوى القطع بمضمونها، إن لم تكن متواترة اصطلاحا
2- التسالم: قد تحقق التسالم على مدلول القاعدة فلا خلاف و لا إشكال فيه بينهم و الأمر متسالم عليه عندهم. كما قال شيخ الطائفة رحمه اللّٰه: فكلّ ما يفعل من ذلك (محظورات الإحرام) على وجه السهو لا يتعلّق به كفّارة، و لا فساد الحجّ إلّا الصيد خاصّة، فإنّه يلزمه فداؤه عامدا كان أو ساهيا، و ما عداه إذا فعله عامدا لزمته الكفارة، و إذا فعله ساهيا لم يلزمه شيء و الأمر كما أفاده.
و الحكم مفتى به عند الفقهاء، كما قال الامام الخميني رحمه اللّٰه في الفتوى: كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لا يبطل به حجّه و عمرته و لا شيء عليه
فرعان
الأوّل: قال المحقق الحلّي رحمه اللّٰه: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر،
حتى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتّعا و دخل مكة، و أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا، لم يكن عليه شيء، و قيل: عليه دم، و حمله على الاستحباب أظهر الثاني: قال المحقق الحلّي رحمه اللّٰه: و تغطية الرأس: و في معناه الارتماس، و لو غطّى رأسه ناسيا، ألقى الغطاء واجبا، و جدّد التلبية استحبابا[16]
کلّما امکن الصبیّ من افعال الحج یفعله
سید محمدکاظم مصطفوی
قاعدة كلّما أمكن الصبي من أفعال الحجّ يفعله
المعنى: معنى القاعدة هو أنّ الطّفل (غير المكلف)- إذا تشرّف في الحجّ بمساعدة وليّه- يأتي كلّما يتمكّن من مناسك الحجّ، و بالنسبة الى ما لا يتمكّن منه يأتيه وليّه من قبله، كما قال شيخ الطائفة رحمه اللّٰه: كلّما أمكن الصبيّ أن يفعله من أفعال الحجّ فعليه، و ما لم يمكنه فعلى وليّه أن ينوب عنه
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
1- الروايات الواردة في باب الحج.
منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان، فقدّموه إلى الجحفة، أو الى بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه دلّت على المطلوب دلالة تامّة.
و منها صحيحة زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام قال: إذا حجّ الرجل بابنه- و هو صغير- فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف
به و يصلّى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون، قال: يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتّقى عليهم ما يتّقي على المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيدا فعلى أبيه دلت على مدلول القاعدة بتمامه و كماله. كما قال سيدنا الأستاذ رحمه اللّٰه:
المستفاد من النصوص إحداث هذه الأعمال (المناسك) و إيجادها في الصبي إذا كان ممن يتمكن أدائها، فإنّه يأمره أن يلبي و يلقّنه التلبية، فان لم يحسن أن يلبي لبىّ عنه، و كذلك الطواف يطاف به، و إن لم يكن متمكنا من الطواف، لعدم تمييزه يطاف عنه، كما في صحيحة زرارة (المتقدمة) فكلّ فعل من أفعال الحجّ إذا تمكّن من إتيانه يأمره بذلك، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكن و ها هو مدلول القاعدة.
و قال السيد الحكيم رحمه اللّٰه: هذا الترتيب (كلّما يتمكن الصبي من المناسك يفعله، و كلّما لم يتمكن يفعله وليّه) استفادته من النصوص ظاهرة و الأمر كما أفاده.
2- التسالم: قد تحقق التسالم على مدلول القاعدة فلا خلاف و لا اشكال فيه بينهم و الأمر متسالم عليه عندهم.
كما قال العلّامة رحمه اللّٰه: كل ما يتمكّن الصبي من فعله فعله، و غيره على وليّه أن ينوبه فيه و الحكم مفتى به عند الفقهاء.
كما قال السيّد اليزدي رحمه اللّٰه في الفتوى: يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف- إلى أن قال:- و يأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكّن
فرعان
الأوّل: قال السيد اليزدي رحمه اللّٰه: لو حجّ الصبيّ عشر مرّات لم يجزه عنه حجة الإسلام، بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر، فإنّه حينئذ يجزي عن حجّة الإسلام، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه
الثاني: هل الحكم المستفاد من القاعدة يختص للصبي، أو يشمل الصبيّة أيضا؟ قال سيّدنا الأستاذ رحمه اللّٰه: أنّ المشهور لم يفرّقوا بين الصبي، و الصبيّة، و لكن صاحب المستند استشكل في الصبيّة، بدعوى اختصاص النصوص بالصبي، و إلحاق الصبيّة به يحتاج الى دليل و هو مفقود و التحقيق: هو ما ذهب اليه المشهور؛ و ذلك أولا: يمكننا استفادة حكم الصبيّة من معتبرة يونس بن يعقوب- الواردة في الباب- التي صرّحت بلفظ الصبيّة و ثانيا: الصبي بحسب متفاهم العرف يساوق الطفل أعم من الذكر و الأنثى، أضف الى ذلك، استناد الحكم إلى قاعدة الاشتراك[17].
۴. ابزارها و راهکارهای تصحیح حدّاکثری
الف) ابزارهای عمومی
الاسلام یجبّ ما قبله
صاحب عناوین
العنوان السابع و الستون قاعدة: الإسلام يجب ما قبله
عنوان 67 من جملة المسقطات للضمان: قاعدة جب الإسلام ما قبله. و الأصل في ذلك الخبر المعروف المشهور المتلقى بالقبول، المروي عند العامة و الخاصة عن النبي صلى الله عليه و آله و هو قوله: (الإسلام يجب ما قبله . و روى في البحار في ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب! فجاء علي عليه السلام فقال: قص عليه قصتك، فقص عليه القصة، فقال علي عليه السلام: (هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة .
إذا عرفت هذا فالكلام في هذا المقام يقع في مقامين: أحدهما: بالنسبة إلى كون الإسلام يجب و يهدم ما قبله بالنسبة إلى الضمانات التي هي محل البحث. و ثانيهما: بالنسبة إلى هدمه سائر الأسباب الشرعية كما استفيد من خبر البحار.
المقام الأول: بالنسبة إلى الضمان
فنقول: قد عرفت مما ذكرناه في أسباب الضمان: أنه قد يكون باليد، و قد يكون بالإتلاف، و قد يكون بالتعدي و التفريط و قد يكون بالتعهد بمال أو نفس، و قد يكون بخطاب شرعي، و قد يكون بغرور، و قد يكون بعقد، و قد يكون بقبض في العقد الفاسد، و قد يكون بتلف قبل القبض،
و هذه الضمانات كلها تندرج تحت أقسام ثلاثة:
أحدها: ما كان حقا لله من دون مدخلية حق مخلوق فيه، كالعبادات الصرفة و بعض أفراد الماليات، كالعتق في كفارة و نحوه، و نذر الوقف مسجدا و نحوه، و نظائر ذلك، و إن كان في هذه الأمثلة نوع مناقشة.
و ثانيها: ما كان حقا للمخلوقين، كضمان الإتلاف و الجنايات و الديون و نحو ذلك.
و ثالثها: ما كان مركبا من الأمرين، كالزكوات و الأخماس و النذور و أغلب الكفارات.
و على التقادير الثلاثة: فإما أن يكون السبب الموجب لاشتغال الذمة في دين الإسلام موجبا لاشتغال الذمة في الكفر أيضا، بمعنى: أنه شيء يعلم الكفار من دينهم أنه مضمون عليهم سواء كانوا ذميين أو حربيين. أو ليس كذلك، بمعنى: أن معتقدهم في دينهم عدم الضمان، و إن كان في شرع الإسلام موجبا للضمان، فالأقسام ستة. إذا عرفت هذا فنقول: ظاهر الأصحاب: أن الحقوق المختصة بالمخلوقين سواء كانت بضمان يد أو إتلاف أو جناية و نحو ذلك من الطرق لا تسقط عن الكافر بإسلامه، و أما الحقوق الإلهية و إن كان لها تعلق بالمخلوقين أيضا فتسقط عنه بالإسلام. و لم نجد في كلامهم التفصيل بين ما كان في دينهم موجبا للضمان أم لا في المقامين. و بالجملة: فهذه القاعدة في كلامهم في غاية الأجمال، و لم يتعرضوا لها إلا في فروع خاصة في أبواب الفقه، و أغلبها في العبادات،
فلا بد من تنقيح القول في ذلك على حسب الدليل، فهنا أبحاث ستة:
أحدها: في حقوق الله المختصة به مع عدم اعتقادهم به في دينهم، و الظاهر أن الإسلام يجبها مطلقا، للخبر و لظاهر الإجماع، فلا يجب عليه قضاء العبادات البدنية و أداء المالية التي تعلق بذمته من عتق و نحوه بحيث لا مدخل للمخلوقين فيه، و هذا القسم واضح الدخول تحت الخبر.
و ثانيها: حقوق الله أيضا مع اعتقادهم باشتغال الذمة بها في كفرهم، كما لو كان في دينهم أن قتل الخطأ يجب فيه عتق رقبة مثلا و نحو ذلك ثم أسلم، فهل الإسلام يجب ذلك أيضا أم لا؟ وجهان: من إطلاق الخبر، و من جهة أن الظاهر من الخبر: أن الإسلام يجب ما قبله مما لو كان مسلما لاشتغل ذمته، و بعبارة اخرى: الظاهر: أن الإسلام يجب ما يلزم الإنسان من حيثية الإسلام، فإذا أسلم الكافر فالشيء الذي اشتغلت ذمته به على طريقة الإسلام من حيثية دين الإسلام يسقط عنه، لا ما اشتغل ذمته بسبب آخر. و يمكن الجواب: بأن المقام أيضا كذلك، فإن اشتغاله بعتق رقبة مثلا في المثال المذكور إن لوحظ على مقتضى دين الكفر فلا اشتغال في الواقع، لأن الدين منسوخ، أو باطل من أصله غير مجعول من الشارع، و مجرد الاعتقاد لا يوجب الضمان، فلا ضمان من جهة غير الإسلام. و إن لو حظ ضمانه من جهة الإسلام لأنه مكلف بالفروع فهو يسقط بالإسلام، للخبر.
و ثالثها: الحقوق المشتركة بين الله و بين المخلوقين كالزكاة و الخمس و نحو ذلك مع عدم اعتقادهم به في دينهم، و الحكم في هذا الفرض كالأول، و ظاهر الخبر يشمله، لأن ثبوت ذلك كله من جهة دين الإسلام و كلام الأصحاب: إن الحقوق المخلوقية لا تسقط لا يريدون به العبادات المالية، فإنهم صرحوا بسقوطها عن الكافر بالإسلام.
و رابعها: الحقوق المشتركة مع اعتقادهم به كما لو كان معتقدا أن من نذر شيئا لفقير يجب دفعه إليه و لم يدفع، ففي سقوطه الوجهان السابقان في القسم الثاني، و يجيء فيه الإشكال الذي سبق ذكره، و يندفع بما قررناه هناك، فتدبر.
و خامسها: حقوق المخلوقين الصرفة مع اعتقادهم به في دينهم كالديون و ضمان المغصوب، و نحو ذلك و الظاهر من الأصحاب عدم السقوط، بل دخول هذا الفرض تحت قولهم بعدم سقوط حقوق المخلوقين متيقن. و لعل الوجه في ذلك: أن الرواية لا ينصرف إطلاقها إلى هذا الفرض، فإن المتبادر منه العبادات. و هو غير بعيد. مع احتمال ما ذكرناه من الوجه: من أن اشتغال الذمة بهذه الأسباب ليس من حيثية الإسلام، فإن مقتضى الأديان كلها ذلك، و الظاهر من الخبر: أن الشيء الذي ثبت في دين الإسلام و لم يأت به الكافر لأن الكفر مانع منه، أو موجب لعدم الاعتقاد به فالإسلام يجب ذلك، لا أن كل ضمان في حالة الكفر يسقط بالإسلام و إن كان معتقدا ذلك و لم يكن الكفر مانعا من أدائه.و لا يمكن أن يقال: إن هنا أيضا يمكن أن يقال: إن دينهم إما منسوخ أو باطل من أصله، فهذه الضمانات ليست من جهة دينهم، بل من جهة دين الإسلام في الواقع، فينبغي أن تسقط. لأنا نقول: هذه الغرامات من جهة قضاء ضرورة العقل بها، و إلا لما استقام النظام، و لا دخل لحيثية الدين في ذلك، و الشرع في هذه الأمور مقرر لما حكم به العقلاء و جرت به طريقتهم، و الخبر يدل على سقوط ما كان للدين مدخلية في ذلك. و لا يرد هذا الاعتراض على ما ذكرناه في القسم الثاني و الرابع من كون الدين الذي لهم منسوخا فلا ثبوت و لا ضمان إلا في دين الإسلام، نظرا إلى أن الفرضين السابقين إنما هما من العبادات التي لا تتعقل إلا بملاحظة الدين و خطاب الشارع بخلاف المقام، فإنه معاملة صرفة تقتضيه ضرورة العقل إبقاء للنظام، فعدم دخول ذلك تحت الخبر لا يقضي بعدم دخول ذينك القسمين، فتدبر.
و سادسها: حقوق المخلوقين مع عدم اعتقادهم به في دينهم، كما لو لم يعتقدوا أن قتل العمد فيه القصاص، أو كون الدية على العاقلة مثلا فأسلم أحد العقلاء بعد استقرار الدية في ذمته، فهل يسقط عنه ذلك في الإسلام أم لا؟ مقتضى عموم الخبر السقوط، و ظاهر إطلاق الأصحاب (أن حق المخلوق لا يسقط) عدم السقوط. و لا يجيء هنا الوجه المتقدم في القسم الخامس: من عدم كون ذلك من جهة الإسلام و الدين فلا يسقط، لأن ما لا دخل للدين فيه يعرفه أهل الأديان جميعا، و كون الدية على العاقلة شيء قضى به الشرع، و إلا فلم يكن مقتضى العقل ذلك، فليس إلا من جهة الدين، و الفرض إن الكافر كان لا يعتقد ذلك، فلا وجه لعدم السقوط. و القوي عندي في هذا الفرض أيضا السقوط، لإطلاق الخبر، و كلام الأصحاب لا يعلم منه الشمول لهذا الفرض أيضا، بل الظاهر منه الفرض الخامس، فتدبر.
المقام الثاني: في جب الإسلام ما قبله من سائر الأسباب
كأسباب الوضوء و الغسل، و أسباب الغسل بالفتح و أسباب تحريم النكاح: من رضاع، أو مصاهرة، أو وطئ في عدة أو لذات بعل، أو لواط بالنسبة إلى أم الموطوء و بنته و أخته، و ظهار و إيلاء، و تطليقات موجبة للتحريم المؤبد، أو التحريم حتى تنكح زوجا غيره. و أسباب الحدود الشرعية، كالزنا و اللواط و شرب الخمر و القذف و نحو ذلك. و أسباب التعزير من المعاصي التي لا مقدر لها. و هكذا البحث في شرائط التكاليف الحاصلة في زمن الكفر، كانقضاء حول الزكاة و نحو ذلك في حال الكفر مع إسلامه قبل تعلق الوجوب، و لو أسلم بعد تعلق الوجوب فلا بحث في السقوط. و بالجملة: سائر الأسباب التي لا تعلق لها بالأموال و لا بالعبادات الصرفة، و كذلك شرائط التكاليف بقول مطلق و أسبابها كذلك إذا حصل في حالة الكفر و أسلم قبل تعلق الوجوب في الأخيرين و مطلقا في الأول، فهل الإسلام يسقط الشرط عن التأثير، و السبب كذلك؟ فيرجع إلى الأصل المتبع في ذلك المقام، كأصل الطهارة بالنسبة إلى أسباب الحدث و الخبث، و أصالة بقاء الحل بالنسبة إلى أسباب تحريم النكاح، و أصالة البراءة عن الحدود، و أصالة عدم التكليف في زكاة أو خمس أو حج، أو نحو ذلك مما قد اجتمع شرائط وجوبها حال الكفر و لكن لم يتعلق الخطاب بعد، فلا بد في الوجوب من استئناف الشرائط من حول و نصاب و نحو ذلك. و بالجملة: يعتبر في هذه الأسباب و الشرائط كلها حصولها في حالة الإسلام أم ليس كذلك، بل جب الإسلام ما قبله إنما هو بالنسبة إلى التكاليف الثابتة في حال الكفر من أصل الشرع مالية أو غيرهما، و أما الأحكام الوضعية فلا يجب الإسلام ذلك و لا يسقطها.
و المحتملات هنا أمور:
أحدها: القول بأنه يجب ذلك كله
أيضا، لإطلاق أو عموم (يجب ما قبله). و لا يحتاج إلى جبر السند هنا بالشهرة حتى يقال: لم يعلم من فتوى الأصحاب ذلك، لأن الظاهر كون الخبر من المسلمات في الصدور، و متى كان الصدور مسلما فلا نحتاج في خصوصيات المدلول إلى الانجبار. مضافا إلى أن السبب في ذلك هو اللطف من الشارع و الترغيب إلى الإسلام و هو موجود في المقام أيضا، مع أن الشارع متى ما بنى على إسقاط حقوق الفقراء و السادة و سائر المخلوقين بعد ثبوتها و تحققها في الذمة فليسقط سائر الشرائط و الأسباب بالأولوية، لأنها إما ليست حقوقا مخلوقية كما في الأسباب، و إما مخلوقية قبل تعلقها كما في شرائط الوجوب، و كلاهما أولى بالسقوط من حق المخلوق الثابت في الذمة. مضافا إلى أن رواية البحار دلت على أن التطليقات الثلاث التي هي سبب في التحريم إذا وقعت بعضها في حال الكفر و بعضها في حال الإسلام، فيسقط ما كان في حال الكفر و يصير المدار ما وقع في حال الإسلام، و لذا قال عليه السلام: (هي عندك على واحدة) لأنه كان طلق في الإسلام تطليقتين فبقيت الواحدة، و لا عبرة بالطلقة الواقعة في أثناء الكفر، فتدبر. و إذا ثبت الجب هنا بالنص ثبت في سائر الأسباب و الشرائط بعدم القول بالفرق، مع أن قوله عليه السلام: (فإن الإسلام هدم ما قبله) في قوة قضية كلية شاملة للجميع، و لا حاجة إلى التمسك بعدم القول بالفصل، فإن المورد لا يخصص العام.
و ثانيها: القول بعدم الجب مطلقا
، فإن الخبر المشهور و هو جب الإسلام ما قبله لم يعلم العمل به في هذه المقامات، و ليس فيه عموم بحيث يشمل هذه كلها، و المتيقن منه ما ذكرناه في المقام الأول، و ليس هذه المقامات إلا كحقوق الناس الصرفة في عدم السقوط، و رواية البحار ضعيفة غير مجبورة، و لم يعهد من الأصحاب الفتوى بها، و لو عمل بها لاقتصر على موردها من الواقعة الخاصة و لا يتعدى إلى غيرها، و يرجع إلى مقتضى الأدلة من استصحاب الحكم الثابت في حالة الكفر، لأنهم مكلفون بالفروع على ما يراه الإمامية، و يأتي البحث فيه إن شاء الله.
و ثالثها: التفصيل
، و له صور: الأول: الفرق بين ما ورد فيه خبر البحار و غيره، فيجب في الأول دون الثاني. و الثاني: الفرق بين الحدود و التعزيرات و نحو ذلك و بين أسباب الحل و الحرمة و الوضوء و الغسل، فيجب في الأول دون الثاني. و الثالث: الفرق بين الشرائط و الأسباب، فيجب في الثاني، لأنه شيء ثبت قبل الإسلام فيدخل تحت الخبر، بخلاف شرائط الوجوب على ما مثلناه فإن الخطاب فيه بعد الإسلام، فلم يكن قبل الإسلام شيء حتى يجبه، و لذلك أفتى الأصحاب بأن الكافر إذا أسلم قبل حلول الحول بدقيقة مثلا وجبت عليه الزكاة، لتعلق الخطاب عليه و هو مسلم فلا يجب في الشرائط. و الرابع: الفرق بين أسباب التكاليف و أسباب الوضع فيجب في الأول كسبب الغسل و نحوه، و لا يجب في الثاني كسبب حرمة النكاح. و الخامس: الفرق بين السبب التام في حالة الكفر، كالجنابة و الحيض و الحدث الأصغر و الرضاع الكامل و الزنا و اللواط و نحو ذلك من حيث كونهما سببين لتحريم النكاح أو غير ذلك من الأحكام سوى الحد، و بين السبب الناقص الذي حصل بعضه في حال الكفر و بعضه في حال الإسلام، كانقسام الطلقات في خبر البحار و الرضعات لو فرض إكمال النصاب في حالة الكفر و الإسلام معا، فنقول: إن الإسلام يهدم الثاني عملا برواية البحار و إلحاقا لما عداه به مما هو نظير له، دون الأول، لإجمال الخبر العام أو عدم انصرافه إليه، و ورود خبر البحار في السبب الناقص، و إشعار لفظ (الهدم) بذلك. و المسألة في غاية الإشكال تحتاج إلى تتبع كلمات الأصحاب و سعة المجال، و إن كان القول بالجب في ذلك كله غير بعيد، سيما في الحدود و نحوها.
و بقي الكلام في أمور هي كالتتمة للمسألة:
أحدها: أن المخالف هل هو كالكافر في هذا الحكم؟
بمعنى: أن الاستبصار فيه أيضا يجب ما قبله، أم ليس كذلك بل لا بد من إتيان ما يجب إتيانه في حالة إيمانه؟ و لم يتعرض الأصحاب للمسألة، و إنما ذكروها في بعض المقامات،
و ظاهر كلامهم في المخالف يدور بين أمور: أحدها: السقوط لو كان المخالف أتى بالتكاليف على ما هي عليه في مذهبه بحيث لم يقصر فيه باعتقاده، كما ذكروه في الصلاة
و ثانيها: السقوط لو أتى به موافقا لمذهبنا في الأركان و إن خالف مذهبه، لا ما أتى مخالفا لمذهبنا و إن وافق مذهبه، و قد ذكر بعضهم ذلك في الحج
و ثالثها: ملاحظة الأمرين، بمعنى: أنه يسقط إن وافق مذهبنا و مذهبهم، كالزكاة مع شرائطها إذا أعطاها للمؤمن الفقير. و بعبارة اخرى: وضعها في موضعها، و إلا فلا يسقط.
و يحتمل السقوط مطلقا إلحاقا بالكافر أو إدخالا تحت أفراد الكفر، على ما يراه بعض من تقدم و بعض من تأخر
و يحتمل عدم السقوط مطلقا، لشرطية الأيمان المانع عن حصول الامتثال في حال المخالفة و استصحاب التكليف المانع عن السقوط بالأيمان.
و يحتمل سقوط ما لم يكن معتقدا به في حال خلافه إلحاقا بالكافر، و فهما للعلة، و عدم سقوط ما كان يعتقده لما دل من الإلزام بمعتقده.
و يحتمل سقوط ما أتى به على معتقده مطلقا.
و يحتمل سقوط ما لم يعتقده أصلا، و ما اعتقده و أتى به على نحو ما اعتقد. و الروايات الخاصة واردة في باب الزكاة و غيرها فإن كان في المقام دليل خاص فهو المتبع، و إلا فمقتضى القاعدة عدم السقوط، و إن كان إلحاقه بالكافر أيضا له وجه. و الظاهر أن الأصحاب يقولون به في غير الزكاة، أو في غير الخمس أيضا. و لعل الكافر أشرف من المخالف في وجه، فلا ينبغي إلحاقه به في هذا الحكم الدال على اللطف بالنسبة إلى الكافر، لعدم الملازمة.
و ثانيها: أن الكافر المنتحل للإسلام [إذا رجع إلى الإسلام]
كالخوارج و الغلاة و النواصب و المجسمة و نحو ذلك إذا رجع إلى الإسلام، فظاهر إطلاق الأصحاب أنه أيضا كالكتابي و الوثني في هذا الحكم. و هو مشكل، لأن المتبادر من الخبر إنما هو الإسلام المسبوق بكفر صرف لا تدين بالإسلام فيه. و يمكن إلحاق هذا القسم بالمخالف، سيما بالنواصب، فإنهم من جملتهم، غايته: أن تفريطهم أدخلهم في الكفار. و بالجملة: فحكم هذا القسم من الكافر محل تردد و تأمل.
و ثالثها: أن الكافر إذا أسلم و المخالف إذا استبصر و هو في أثناء عبادة
، كما لو فرض أن المخالف توضأ و شرع في الصلاة و آمن في أثنائه، و نحوه غيره من العبادات و يفرض في الكافر أيضا في الصوم فإنه لو أسلم في نهار رمضان و هو لم يأت بشيء من المفطرات أصلا فعلى القول بالجب في المخالف أيضا فهل يجب هنا أيضا بمعنى: أن هذه العبادة ساقطة عنه بالمرة أو يجب ما مضى منه دون ما بقي فيأتي على طريق الأيمان و الإسلام فيما بقي، أو لا يجب مطلقا فلا بد من الإتيان بهذا العمل من رأس أداء أو قضاء، لأنه لم يكن قبل الإسلام و الايمان بتمامه؟ وجوه و احتمالات، و الأوفق بالدليل هو الأوسط.
و رابعها: أن الواجبات الموسعة إذا أسلم الكافر و قد مضى من وقتها بمقدار أدائها جامعة للشرائط خالية عن الموانع و هو لم يكن أتى بها، فهل يسقط منه هذا التكليف، أم لا يسقط؟ وجهان: من تعلق الخطاب به قبل الإسلام فيكون داخلا في عموم الخبر، و من استمرار الخطاب في آنات الوقت الموسع و استصحاب اشتغال الذمة و الشك في شمول الدليل لهذا الفرض. و يشكل الثاني بأن هذا تكليف واحد فمتى سقط بالنسبة إلى الجزء الأول فقد سقط بالنسبة إلى الباقي، إذ لا تعدد فيه. و احتمال كون الإسلام كاشفا عن عدم سقوط هذا التكليف عنه أول الدعوى. و الأقوى: السقوط، سيما بعد ملاحظة أن الواجبات الموسعة ما دام العمر كصلاة الزلزلة و قضاء الصلوات اليومية و نظائر ذلك من العبادات و النذور فإنه لا ريب في سقوطها بالإسلام حتى لو لم يبق من وقتها مقدار الأداء، فإن الكافر إذا أسلم في شهر شوال فلا ريب في عدم وجوب قضاء رمضان عليه، و أي فرق بين الواجب الموسع ما دام العمر و بين غيره؟ سيما بعد ملاحظة أن قضاء رمضان موسع بحسب الرخصة إلى رمضان الاتي و إن كان موسعا بحسب الأجزاء ما دام العمر، فتدبر[18].
قاعده الزام
شیخ حسن کاشف الغطاء
السادس و الثلاثون: الأصل في شرائط العقود أن تكون واقعة فلا يؤثر العذر فيها أثراً شرعياً فلو باع تقية كبيع كبيع العامة على الموافق أو على من كان منهم أو نكح نكاحاً مشروعاً عند المخالف و ليس مشروعاً عندنا أو غير ذلك فالأصل بطلانه و احنمال أن التقية دين يجري في العبادات و المعاملات يرده الأصول و القواعد و خصوص ما جاء من الأدلة في الشرائط و الموانع التي تدور مدار الواقع نعم لو وقع العقد بينهم و[19] أجريناه مجرى الصحيح لانا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم و وجوب العمل بالتقية لا يقضي بصحته في العبادات فضلًا عن المعاملات لأصالة عدم الصحة و عدم الإجزاء إلا ما دل الدليل على قيامه مقام الصحيح كوضوء التقية و صلاتها و التقية و إن كانت دينار لكن أثر أسبابها ليس دينار و لا يلزم من أحدهما الآخر[20].
سادسها: الكفار يقرون على ما هو صحيح عندهم و يعاملون مع المسلمين بتلك المعاملة
فما صح من البيع عندهم نلزمهم به و نستحل ثمنه و إن كان فاسداً عندنا لفساد أحد أركانه و كذا ما صح عندهم من المواريث و النكاح و الوقوف و الصدقات و غيرها لقوله (عليه السلام): (الزموهم به بما ألزموا به أنفسهم) و للسيرة و للزوم العسر و الحرج لو لا ذلك و لا يقرون على ما هو فاسد عندهم إلا إذا كان صحيحاً عندنا هذا كله إذا لم يسلموا أو يترافعوا إلينا فإن ترافعوا إلينا فلنا الخيار بين ردهم إلى مذهبهم و إقرارهم عليه و بين الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى فإن أسلموا نظرنا إلى ما أسلموا عليه فإن كان مما مضى أثره بعقد أو شبهة و لم يؤثر تحريماً مؤبداً أمضيناه على ما هو عليه و إلا أبطلناه و حينئذٍ فيجب رد المغصوب مع بقاء عينه و لا نحكم بملكية الغاصب له بعد إسلامه و إن غصبه حالة الكفر و يجب العزل عمن تزوجها في العدة و وطأها حالة الكفر و كذا من تزوجها و قد وقب أخاها أو وطأ أمها أو بنتها أو ارتضع معها أو كانت مطلقة ثلاثاً من دون محلل أو تسعاً مطلقاً و كانت زوجة ابنه أو أبيه أو كانت بينه و بينها نسب أو سبب محرم غير ذلك و كذا لو كانت مغصوبة و إن كان نكاح المغصوبة حلال في دينهم على الأظهر و بالجملة كلما حرم استدامة حرم عليه بعد إسلامه و كلما حرم ابتداء لفقد شرط أو مانع غير قاض بتحريم الاستدامة كلا خلال بالصيغة أو نحو ذلك بقي على حليته بعد الإسلام و لا بد من النظر التام في المقام لأنه من مزال الإقدام و لا يلزم على المسلم إجبار زوجته الذمية على غسل أو وضوء أو صلاة أو صوم أو نحو ذلك لجواز إقرارها على دينها نعم له إلزامها على ما يزيل القذارة عنها و كرفع الأوساخ وقص الأظفار و نتف الشعر و غسل الحيض إن توقف الجماع على الإتيان بصورته و ظاهر الأصحاب ذلك و قد يناقش فيه بأن الصورة لا ثمرة لها فلا يلزم جبرها و له منعها مما يسكره كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أكل الثوم و استعمال الدهن المنتن و سائر المحرمات[21].
شیخ محمد جواد بلاغی
(5) عقد في إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته
تحقيق محمّد الحسّون
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
و له الحمد، و هو المستعان، و أفضل الصلاة و السلام على خيرته من خلقه، رسوله المصطفى و آله الطيّبين الطاهرين.
و بعد؛ فيقول العبد الأقلّ محمّد جواد البلاغي: هذه مسألة لم أجد من أعطاها حقّها من التحرير، فتطفّلت بما يسّره اللّه لي من تحريرها، إنّه وليّ التوفيق، و نظمتها في سمط ما كتبته من «العقود المفصّلة».
عقد في إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته و فيه فصول[22]:
سید حسن بجنوردی
32- قاعدة الإلزام
قاعدة الإلزام و من القواعد المشهورة في فقه الإماميّة قاعدة «إلزام المخالفين بما ألزموا به أنفسهم».
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
و هو أمران
الأوّل: إجماع الإماميّة- رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين- على صحّة هذه القاعدة، و قد تقدّم منّا مرارا في هذا الكتاب أنّ هذه الإجماعات- مع وجود المدرك للمسألة من الروايات أو سائر الأدلّة- ليس من الإجماع المصطلح في الأصول الذي بنينا على حجّيته و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام.
الثاني: الروايات:
فمنها: قوله عليه السّلام في التهذيب بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السّلام:
«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، و تزوّجوهنّ و لا بأس بذلك»
و منها: ما عن عبد اللّه بن محرز قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل ترك ابنته و أخته لأبيه و أمّه فقال عليه السّلام: «المال كلّه لابنته و ليس للأخت من الأب و الأمّ شيء».
فقلت: إنّا قد احتجنا إلى هذا و الميّت رجل من هؤلاء الناس و أخته مؤمنة عارفة، قال عليه السّلام: «فخذ لها النصف، خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم و أحكامهم». قال ابن أذينة: فذكرت ذلك لزرارة، فقال: إنّ على ما جاء به ابن محرز لنورا
و منها: ما عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الأحكام؟ قال عليه السّلام: «يجوز على أهل كلّ ذي دين ما يستحلّون»
و هناك روايات أخر خصوصا في مسألة جواز تزويج المطلّقة على غير السنّة، يقول عليه السّلام في بعضها «اختلعها» و في البعض الآخر «ابنها» و في بعضها «من دان بدين لزمته أحكامهم» و في بعضها «إنّ المرأة لا تترك بغير زوج» تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها، لأنّ فيما ذكرنا غنى و كفاية، و العمدة هو فهم المراد من قوله عليه السّلام:«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» لأنّ المراد من هذه القاعدة هو مفاد هذه الجملة و ما هو الظاهر منها.
فنقول: أمّا سند الرواية المشتملة على هذه الجملة فلا ينبغي البحث عنه؛ لكمال الوثوق بصدورها عنهم عليهم السّلام، و تكرّرها في جملة من الموارد كمورد أخذ المال منهم بالتعصيب و أيضا في مورد تزويج الزوجة المطلّقة على غير السنّة، و غير ذلك ممّا تقدّم.
فالإنصاف أنّه إذا ادّعى أحد القطع بصدور هذا الكلام عنهم عليهم السّلام ليس مجازفا فيما يدّعيه.
و أمّا ظاهر هذه الجملة و معناها، فهو عبارة عن أنّ المخالفين كلّ ما يرون أنفسهم ملزمين به من ناحية أحكامهم الدينيّة و يعتقدون أنّه عليهم، سواء كان ذلك الشيء من الماليّات أو الحقوق، أو كان من الاعتباريّات الآخر كحصول الطلاق مثلا أو غيره و إن لم يكن ذلك ثابتا في أحكامكم الدينيّة، فالزموهم بذلك مثلا إذا يرون أنفسهم ضامنين للمبيع إذا تلف عند المشتري و كان الخيار لذلك المشتري فالزموهم بذلك، أي يكون الثمن لكم و يكون التلف عليه، و إن كنتم لا تقولون بذلك و تقولون بأنّ الخيار لما كان للمشتري كما أنّه كذلك في خيار الحيوان بناء على اختصاصه بالمشتري، أو من جهة كون المبيع حيوانا دون الثمن، فالخيار للمشتري فقط دون البائع، فالتلف يقع في ملك من لا خيار له، فلا بدّ للبائع أن يردّ الثمن إلى المشتري.
فإذا بعتم حيوانا من أحد هؤلاء و تلف عنده بعد قبضه، فالزموه بضمان المسمّى و إن كان في زمان خياره و أنتم لا تقولون به، لقاعدة «التلف في زمن [الخيار] من مال من لا خيار له» و في المفروض من لا خيار له هو البائع، فبمقتضى تلك القاعدة يكون ضمان المبيع التالف على البائع، فيجب على البائع ردّ الثمن إلى ذلك المشتري.
و لكن حيث أنّهم يلزمون أنفسهم بأنّ التلف وقع في ملك المشتري فألزموهم بذلك و لا تردّوا إليهم الثمن.
و في بعض أخبار هذا الباب تعليل هذا الحكم بأنّه خذوا منهم كما أنّهم يأخذون منكم، بمعنى أنّ البائع لو كان واحد منهم لكان لا يردّ إليكم الثمن، فأنتم أيضا لا تردّوا إليه الثمن و عاملوا معهم معاملة المثل.
و أمّا قول أبي جعفر عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام قال: «يجوز على أهل كلّ ذي دين ما يستحلّون» فظاهره أنّ أصحاب كلّ دين أي المتديّنين به الملتزمين بأحكامه ينفذ عليهم ما يستحلّون، مثلا إذا كانوا يستحلّون أكل أقرباء الميّت- أي العصبة- نصف المال من تركة الميّت، فينفذ هذا الحكم عليهم، أي إذا كانت العصبة منّا أي من أهل الولاية، فيجوز له أن يأخذ منهم نصف تركة الميّت، كما كان هذا صريح رواية عبد اللّه بن محرز حين ما قال ابن محرز له عليه السّلام: إنّ الميّت رجل من هؤلاء الناس و أخته مؤمنة عارفة، قال عليه السّلام: «خذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم[23]».
محمد تقی جعفری
قاعدۀ الزام
قاعدۀ الزام مىگويد: هر قانون و عقيدهاى را كه ملت مذهبى غير مسلمان براى خود تثبيت شده مىداند بايستى نتايج مطلوبه از آن قانون را در بارۀ آن ملت براى همان ملت پذيرفته و نتيجه مفروض را به رسميت بشناسيم. مثلا ملل غير اسلامى با شرايط و كيفيت معينى ازدواج و توليد فرزند مىكنند و ازدواج را با قوانين معينى عمل مىكنند قاعده الزام مىگويد اين ازدواج و فرزندان محصول آن را به رسميت بشناسيم.
آن چه كه زمينه اصلى اقتضاء مىكرد اين بود كه به جهت همگانى و همه زمانى بودن قانون اسلامى هيچ يك از مقرّرات مذهبى ملل ديگر به رسميت شناخته نشود ولى با توجه به اين كه ايده اسلامى، قوانين فقهى خود را بر هيچ يك از ملل نمىخواهد تحميل نمايد، و نيز با توجه به ضرورت همزيستى مسلمين با ملل ديگر، قاعده مزبور وضع شده است[24].
حجیت خبر واحد در موضوعات
خبر الثقة:
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الاجتهاد كما يثبت بالبيّنة كذلك يثبت بخبر الثقة فخبر الثقة كما هو حجّة معتبرة في الأحكام الشرعية كذلك يعتمد عليه في الموضوعات الخارجية؛ و ذلك للسيرة الجارية على الاعتماد عليه عند العقلاء مطلقاً و لم يردع عنها في الشريعة المقدّسة، بل قيل بعدم توقّف حجّيته على عدالة المخبر لكفاية الوثاقة في حجّية الخبر
و قد استشكل بعض فقهائنا في حجّية خبر الثقة الواحد في الموضوعات في جملة من الموارد و لكن ذهب بعض هؤلاء مع ذلك إلى حجّيته في خصوص المقام و إن قال بعدم حجّيته في سائر الموارد، قال السيد الحكيم: «و ربما يقال بثبوته بخبر الثقة؛ لعموم ما دلّ على حجّيته في الأحكام الكلّية، إذ المراد منه ما يؤدّي إلى الحكم الكلّي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، و المقام من الثاني، فإنّ مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، و هو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلّي الذي يؤدّي إليه نظر المجتهد[25]»
حیل شرعیه
شیخ حسن کاشف الغطاء
الواحد و الأربعون: يجوز استعمال الحيل الشرعية في العقود
و لا منافاة فيها للقصد المشترط فيجوز التخلص من الزكاة و الخمس و الحج و الربا و حرمة الاحتكار بأن يبيع أو يهب أو يرهن ماله في أثناء السنة أو يبيع أو يهب ما يراد من النفع في القرض أو يضم إلى المتماثلين ضميمة تخرجهما عن الربا أو يرهن لأمواله في أثناء السنة على دين يستدينه حيلة أو يبيع بخيار أو يبيع على فقير بأضعاف الثمن شيئاً أو على سيد من دون مواطأة ابتداءً ثمّ يحتسبه من الزكاة او الخمس و مع المواطأة إشكال لتأديته إلى إذهاب الحقوق و بالجملة فيجوز التوصل بالعقود إلى تحليل ما لولاه لحرم حيلة ما لم يود في المواطأة إلى ذهاب الحقوق العامة فإن الأظهر و الأحوط عدم صحتها و كذا يجوز التوصل إلى تحريم ما يحل لولاها و هو باب واسع للفقيه لا بد من النظر فيه[26].
قاعده فراغ و تجاوز
شیخ حسن کاشف الغطاء
السابع و الأربعون: الأصل في كل عقد وقع الفراغ من أنه لا يلتفت إلى الشك بعده لعموم قوله عليه السلام: (إذا شككت في شيء و قد فرغت منه أو دخلت في غيره). فلو وقع التقابض في الصرف و شك في وقوع العقد قبله بنى على وقوعه و لو حصل شك في الإيجاب بعد قبول القابل احتمل لزوم الإعادة مطلقاً و احتمل لزومها على الموجب فقط و أما القابل فكأنه فرغ من الإيجاب و دخل في غيره و إن كان الإيجاب فعل غيره و أحتمل البناء على قبوله مطلقاً و لو قبضه للهبة أو للرهن أو الوقف و شك في صدور العقد يبني على صدوره[27].
صاحب عناوین
العنوان الخامس في قاعدة الشك بعد الفراغ و التجاوز
عنوان 5 الشك في وجود الشيء المسبوق بالعدم يوجب البناء على عدمه على ما تقرر في علم الأصول و يلزمه لزوم الإتيان لو كان مأمورا به، و يلزمه عدم تحقق الآثار لو كان شرطا أو سببا أو جزء سبب لحكم آخر. و كذا الشكفي زوال المانع المعلوم الوجود في زمان يوجب الحكم ببقائه، عملا بالاستصحاب الثابت بالعقل و النقل. لكن لنا بعد ذلك قاعدة شرعية مستفادة من النصوص، واردة على ذلك المذكور في المقامين، و نعبر عنها ب (قاعدة الشك بعد الفراغ، و الشك بعد التجاوز).
و تنقيح البحث يقتضي رسم مقدمات:
الاولى: أن الشيء المشكوك فيه ، إما عمل مستقل يشك في أن المكلف أوقعه على ما هو عليه في وقته و محله الذي ينبغي أن يؤتى به أو لم يأت به، سواء كان من قبيل الموقتات حقيقة، كما إذا شك بعد خروج وقت الصلاة نفلا أو فرضا يومية أو غيرها من الكسوف و العيدين و سائر أصناف الصلاة أو في الصوم الموقت بالأصل أو بالعارض، أو في عبادة تعلق بها النذر و نحوه في وقت خاص في إتيانها و عدم إتيانها. أو غير الموقتات، كما إذا شك في فعل الحج، أو أداء الزكاة و نحوه من الحقوق المالية، أو في إيقاع شيء من العقود و الإيقاعات الموجبة للآثار. أو في صدور شيء من الأفعال التي جعلت في الشرع سببا، كالتقاط و إحياء و اصطياد و ذباحة و إقرار و غصب و إتلاف و جناية، و شيء من موجبات قصاص أو حد أو تعزير. أو في إيقاع الحدود و التعزيرات. أو جزء لعمل مأمور به، كأجزاء الصلاة و الحج و العمرة و الوضوء و الغسل و التيمم، و أيام الصوم المجموع المركب، كرمضان و العشرة المنذورة و صيام الكفارة، و أجزاء العقود من الإيجاب و القبول و الإيقاعات كما في لعان و نحوه، و أجزاء مقادير الحدود و التعزيرات. أو شرط للعمل اللاحق له الأحكام، كشرائط الوضوء و الغسل و التيمم، و شرائط اللباس و المكان و تطهير الأواني و الثياب و الأبدان في استنجاء و نحوه، و نفس هذه الأشياء، فإنها أيضا شرائط لغيرها كالوقت و القبلة، و شرائط العقود و الإيقاعات، و شرائط الحقوق المالية، و شرائط الأسباب من جماع أو دم أو مطلق حدث أو أحياء أو ذباحة أو غصب أو إقرار، أو شيء من موجبات الحد و التعزير و الدية و القصاص. و هكذا في أجزاء الأجزاء، و الشرائط و الأسباب. و في شرائط الشرائط و الأجزاء و الأسباب، و في أسباب الأسباب و الشرائط و الأجزاء مما يتعلق به شك في الحصول و العدم و الوجود و العدم، سواء كان وجوده و حصوله من الاختياريات، أو من الاضطراريات التي لا دخل للمكلف فيها، فتدبر في الموارد حتى تكون على بصيرة.
الثانية: أن الشك في ذلك الشيء قد يكون مع بقاء وقته في الموقت و محله
فيما هو بحكمه، بمعنى: أنه لم يخرج عن ذلك الشيء و لم يشتغل بشغل آخر، بل هو بعد في مقامه، كالشك في الصلاة في وقته، و في الوضوء و عدمه كذلك، و في أداء سائر العبادات، و الإتيان بالأسباب كافة كما عددنا كذلك، و في جزء من أجزاء العبادات، أو شرط من شرائطها قبل الفراغ منه و قبل الانتقال إلى جزء آخر أو شرط آخر. و قد يكون بعد الفراغ من ذلك الجزء و الشرط و قبل الشروع في آخر، و قد يكون بعد الشروع في شيء آخر. ثم ذلك الشيء الأخر أقسام: منها: ما يكون مترتبا على الشيء الأول ترتبا شرعيا، كأجزاء الوضوء و الغسل الترتيبي و التيمم، و مسحات الاستبراء، و أجزاء غسلات الولوغ المحتاج إلى تراب و نحوه، و أجزاء الصلاة و الأذان و الإقامة، و أجزاء القراءة و الأذكار، و أفعال العمرة و الحج و أجزاء أفعالهما المترتبة بعضها على بعض، و العبادات المرتبة بنذر و عهد و يمين، و ترتب النوافل على الفرائض و بالعكس، و ترتب أجزاء العقود و شرائطها كقبض و نحوه، و ترتب سائر ما ورد من أوراد و أذكار و أدعية و تعقيبات متفرقة بعضها إلى بعض فإن كل ذلك ترتيب شرعي لا بد من إتمام أحدهما و الخروج إلى الأخر. و منها: ما كان مرتبا ترتيبا عقليا، كعدد الغسلات في طهارة حدثية أو خبثية، و عدد الركعات و الأشواط في الطواف و السعي، و نحو ذلك مما لا يمكن اجتماع اثنين منه في آن واحد في المكلف، و لا يمكن التقديم و التأخير، إذ كل ما قدمت فهو الأول، و ما أخرت فهو الثاني.
و منها: ما يكون ترتيبا عاديا، كما إذا جرت عادة المكلف مثلا أولا بالصلاة، ثم بعده إلى التعقيب بكذا، ثم بكذا و إن لم يرد كذلك من الشرع ثم إلى تلاوة قرآن، ثم إلى زيارة، ثم إلى مباحثة، ثم إلى الأكل، ثم إلى النوم، ثم إلى كتابة، ثم إلى مصير إلى السوق، ثم إلى تخلي ثم إلى استبراء، ثم إلى استنجاء. و هكذا من العادات للمكلفين من دون ترتب شرعي و لا عقلي. و هذا يختلف بحسب اختلاف زمان و مكان و شخص. و منها: ما يكون ترتيبا اتفاقيا من دون عادة، كما إذا اتفق أنه مثلا بعد الإتيان بالوضوء قام يمشي، أو بعد الغسل استلقى، أو بعد ما فرغ من ذبح الشاة مثلا قام يأكل، و نحو ذلك من الأفعال التي تعرض بحسب الحاجة أو التشهي. ثم قد يكون ما دخل فيه فعلا تاما له اسم خاص، و قد يكون جزءا أو مقدمة....
الرابعة: أن الأصل في هذه القاعدة أمور:
أحدها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: يمضي [قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر، قال: يمضي] قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ، قال: يمضي، قلت: شك في القراءة و قد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال: يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء
و ثانيها: ما رواه الشيخ، عن إسماعيل بن جابر في الحسن بمحمد بن عيسى الأشعري قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شيء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه
و ثالثها: ما رواه الشيخ رحمه الله في الصحيح عن ابن بكير الثقة الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو
و رابعها: ما رواه الكليني بسند صحيح على الأصح حسن بإبراهيم بن هاشم في المشهور و رواه الشيخ عنه بإسنادين، عن زرارة و أبي بصير في الصحيح قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد، قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاده شك؟ قال: يمضي في شكه، ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم
و خامسها: التعليل في بعض الروايات الناهية عن الاعتناء بالشك بأنه [حين الفعل] في تلك الحالة أذكر
و سادسها: دلالة ظاهر حال المسلم، فإن العبد إذا أراد أن يعمل عملا لا يترك شيئا في محله. و دعوى: أنه لعله يسهو عن ذلك و إنما لا يتركه عمدا، مدفوعة بأن الظاهر و الأصل يقضيان بعدم السهو، و مع عدمه فالظاهر عدم الترك. و الظاهر و إن كان لا يعارض الأصل كما قرر في محله لكنه بعد الاعتضاد بالنصوص و بتعليل الروايات كما عرفت يقوم حجة، لأنه كشف عن اتباع هذا الظاهر الخاص، فيكون مما دل الدليل على اعتباره حجة شرعية، فيقدم على الأصل، لا من الظواهر الخالية عن الدليل المبحوث عنه في مسألة تقدم الظاهر على الأصل.
و سابعها: الاستقراء في أحوال العامل، فإنا نرى غالبا أنه إذا أراد إيجاد شيء مترتب بعضه على بعض يوجده على حسب ما هو عليه غالبا، و الخلل و الترك في جنب ذلك نادر جدا، فإذا شك في الترك و العدم فيرجع إلى الشك في كون هذا العمل من الأفراد الغالبة أو النادرة، و لا ريب أن الإلحاق بالغالب أولى.
و ثامنها: أصالة الصحة في فعل المسلم المدلول عليه بالإجماع و النصوص كما يقرر في محله و هو عام لفعل نفس الإنسان و غيره. و دعوى اختصاصه بالغير ممنوعة. قيل: هذا لا يستلزم عدم الالتفات، إذ غايته البناء على الصحة، و قد يكون مع الترك أيضا صحيحا غير موجب لشيء، أو موجبا لقضاء أو سجدة سهو أو كفارة و نحو ذلك. قلنا: نتمسك بالأصل في صورة ما إذا كان الشك في شيء لو لم يبن فيه على الصحة لبطل، كالشك في ترك ركن أو في أحداث مانع أو بقائه و نحو ذلك، و نتممه في بقية الصور بالإجماع المركب أو بعدم القول بالفصل، فتأمل فيما أسلفناه سابقا من عدم حجيته بضميمة الأصل. و الجواب: أن ذلك الأصل: الاعتباري العملي العقلي، و أما الأصل الشرعي بمعنى القاعدة المنصوصة فلا بأس بحجيته، و ليس مقام بيانه.
إذا عرفت هذه المقدمات، فنقول: لا ريب في شمول هذه الأدلة للشك الابتدائي من دون سبب سابق في أجزاء العمل بعد الفراغ من جزء و دخول في جزء آخر مرتب شرعا مستقل في الاسم، بمعنى الشك في إتيانه و عدمه، لأنه المتبادر من (التجاوز) و (المضي) و (الدخول في الغير) سيما بقرينة مورد الروايات في أجزاء الصلاة، كما عرفت.
و نظيره الشك في أعضاء الغسل و أفعال الحج المعدود كل منها فعلا في باب الحج كالذبح و الرمي و الطواف و السعي و غير ذلك من المعاملات بدلالة الوجوه الثلاثة الأخيرة، و بعموم (الشيء) في الروايات، و بعموم التعليل بعدم تعويد الخبيث، و بعموم كونه في تلك الحالة أذكر. و دعوى: انصراف عموم (الشيء) في الرواية إلى خصوص أجزاء الصلاة دون غيرها من العبادات و غيرها بقرينة سابقة، مدفوعة بما قرر في الأصول من أن المورد لا يخصص. و دعوى: أن هذا ليس من باب التخصيص بالمورد، بل المتبادر من هذه العبارة بعد ذلك الرجوع إلى نحو مضى فيكون من باب العموم العرفي، مدفوعة أيضا بأن ذلك غير جار في موثقة ابن بكير المسوقة للقاعدة، و في سابقيها أيضا بقرينة الموثقة، و بإشارة نفس الروايات إلى علة الحكم و هي: التجاوز و الدخول في الغير، لا أنه لخصوص الصلاة. كما أن احتمال اقتصار التعليل بتعويد الخبيث أو بزيادة الذكر إلى موردهما من كثير الشك و نحو ذلك، مدفوع بأن الرواية ظاهرة في العبرة بالظاهر، مشيرة إلى القاعدة التي يحكم بها الاعتبار و الطريقة، و الاقتصار على المحل خلاف ظاهرها، فيحتاج إلى دليل. و أما الفرض السابق مع كون ذلك الغير المدخول فيه غير مستقل بالاسم، كالشك في القراءة حين الهوي، و في الركوع حين الهوي إلى السجود، و في التشهد أو السجدة حين النهوض إلى القيام و قس على ذلك جميع ما مثلنا لك من عبادة أو معاملة، فإن التكرار غير محتاج إليه بعد ما مر فظاهر الوجوه الثلاثة الأخيرة كونه كذلك، و كذلك ظاهر التعليلين، و الذي يقوى شمول ظاهر الموثقة أيضا له، لأنه يصدق (المضي) بالنظر إلى المشكوك و إن لم يكن ذلك الفعل المدخول فيه مسمى باسم مستقل في تلك العبادة أو المعاملة.[28]
سید حسن بجنوردی
و أمّا [المقام الثاني] في مقام الإثبات بعد الفراغ عن إمكان جعل كبرى واحدة تشمل كلتا القاعدتين في عالم الثبوت.
فنقول أوّلا: لا بدّ من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتّى نرى ما ذا يستفاد:
منها: رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشكّ و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال عليه السّلام: «قد ركعت».
و منها: ما ذكرنا و تقدّم من رواية زرارة و نقلناها، و محلّ الشاهد ما في آخرها من قوله عليه السّلام: «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء».
و منها: رواية إسماعيل بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شيء شكّ فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمضى عليه».
و منها: موثقّة ابن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال عليه السّلام: «كلّ ما
شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو».
و منها: موثّقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه»
و منها: موثّقة بكير بن أعين قال: قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ قال عليه السّلام:
«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»
و هناك روايات أخر نقلوها ليست بصراحة ما ذكرناها من حيث اشتمالها على الكبرى الكليّة، و فيما ذكرناها غنى و كفاية.
فنقول: أمّا قوله عليه السّلام في الرواية الأولى، أي رواية زرارة «يا زرارة إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» فهي كبرى كلّية ينطبق على الخروج عن الجزء و دخوله في جزء آخر، أو مطلق ما كان غيره كي يشمل الجزء الأخير، و على الخروج عن المركّب المأمور به و الدخول في غيره، مثل الصلاة و الحجّ و غيرهما.
و أمّا مسألة لزوم الدخول في الغير- أو يكفي صدق التجاوز عن الشيء و المضي عنه، و إنّما ذكره الدخول في الغير لأجل تحقّق التجاوز عن الشيء- فهذا شيء سنتكلّم عنه إن شاء اللّه تعالى في المباحث الآتية.
و الحاصل: أنّه بناء على ما ذكرنا و عرفت «الشيء» له معنى عامّ ينطبق على الجزء و على المركّب الذي نسمّيه بالكلّ، و الخروج عنه له مصداقان كما تقدّم:
أحدهما: التجاوز عن محلّه الذي عيّن الشارع له، و بهذا الاعتبار يشمل قاعدة التجاوز.
و الثاني: التجاوز عن نفسه و الفراغ عنه، و بهذا الاعتبار يشمل قاعدة الفراغ.
و الجامع بينهما هو عنوان الخروج عن الشيء، و لا يلزم محذور أصلا.
و أمّا قوله عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر: «كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» لا شكّ في أنّه أيضا كبرى كليّة أمر عليه السّلام بالمضي و عدم الاعتناء بالشكّ في كلّ ما شكّ فيه، سواء أ كان ذلك المشكوك فيه نفس المركّب أو جزء من أجزائه بعد ما مضى عنه، غاية الأمر المضي عن المركّب بإتمامه و الفراغ عنه و عن الجزء بالمضي عن محلّه، كما بيّنّا لك في رواية زرارة فلا نعيد.
و على هذا القياس قوله عليه السّلام في موثقّة ابن بكير «كل ما شككت ممّا قد مضى فامضه كما هو».
و أمّا قوله عليه السّلام في موثّقة ابن أبي يعفور: «إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» فبمفهوم الحصر يدلّ على أنّه إذا جزت عن شيء فليس شكّ هناك، بمعنى أنّ الشارع ألقى الشكّ في كلّ شيء جزت عنه، و جعل وجوده بمنزلة العدم، فيكون حال هذه الرواية أيضا حال سائر الروايات من كونه عليه السّلام بصدد بيان كبرى كليّة، أي عدم الاعتناء بالشكّ في كلّ شيء جزت عنه، سواء أ كان ذلك الشيء نفس المركب أو أحد أجزائه.
و لا فرق في حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشكّ بعد أن خرج عن المشكوك و دخل في غيره بأن يكون الخروج عن جزء و الدخول في جزء آخر، و بين أن يكون الخروج عن مجموع المركّب و الدخول في شيء آخر غيره.
نعم الخروج عن الجزء باعتبار الخروج عن محلّه؛ لأنّ المفروض أن أصل وجود الجزء مشكوك، فلا معنى للخروج عن نفس الجزء. و أمّا عدم الفرق في حكمه بعدم
الاعتناء بالشكّ بعد التجاوز عن المشكوك أو بعد المضي عنه بين الكلّ و الجزء، فالأمر أوضح كما هو واضح[29].
قرعه
صاحب عناوین
العنوان الحادي عشر في قاعدة القرعة دليلا و موردا
عنوان 11 من جملة الأصول المتلقاة من الشريعة: إعمال القرعة في الأمور المشكلة. و تحقيق الكلام في معنى (المشكل) المراد هنا و ضبط موارده و تنقيح كلمة الأصحاب بحيث ينطبق على ضابطة و يقف على رابطة من المشكلات. فالذي ينبغي هنا البحث عن جميع ذلك، مضافا إلى أحكام لاحقة لنفس القرعة موضوعا و حكما. فنقول: لا كلام في مشروعية القرعة في الجملة، و
يدل على ذلك ضروب من الأدلة
نشير إليها على سبيل الإجمال
أحدها: قوله تعالى في أحوال يونس النبي على نبينا و عليه السلام- فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
و قد ورد في الأخبار الاحتجاج من الأئمة على شرعية القرعة بهذه الآية و من هنا يضعف المناقشة في الدلالة بحذافيرها. و المراد بالمساهمة: المقارعة، و المراد بكونه من المدحضين: صيرورته معلوما بالقرعة ممتازا عن غيره. و أصل الدحض: الزلق، و الإدحاض: الإزالة و الإبطال. و أصل المعنى: صار من المقروعين المغلوبين المقهورين، كما في المجمع و صورة الواقعة كما في الخبر: أنه عليه السلام لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله عز و جل به، فركب في السفينة، فوقفت السفينة، فقالوا: هنا عبد آبق من مولاه، فأقرعوا، فخرجت القرعة على يونس! فرمى بنفسه في الماء فالتقمه الحوت
و ثانيها: الأخبار القريبة من التواتر، بل هي على حد التواتر
. منها: رواية محمد بن حكيم المروي في الفقيه و التهذيب عن الكاظم عليه السلام: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطئ و تصيب، فقال: كل ما حكم الله به فليس بمخطئ و منها: المرسل في الفقيه-: ما تقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج لهم المحق. و قال: أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله! و ذكر الآية
و منها: مرسلة داود بن أبي يزيد في الكافي و التهذيب في تعارض البينتين في امرأة و اعتدالهما: يقرع بين الشهود، فمن خرج سهمه فهو المحق و هو أولى بها،
و منها: رواية زرارة المذكورة فيهما في تعارض البينتين في مقدار الوديعة الخاصة، عن الباقر عليه السلام أنه قال: أقرع بينهم
و منها: موثقة سماعة المروية في الفقيه و التهذيبين في تعارض البينتين في الدابة و فيها: أن عليا أقرع بينهما بسهمين
و منها: رواية ابن سنان في التهذيبين مثله .
و منها: صحيحة الحلبي في التهذيبين في البينتين أيضا: يقرع بينهم، فأيهم قرع فعليه اليمين، و هو أولى بالقضاء و صحيحة داود بن سرحان مثله و صحيحة البصري في الكتب الأربعة كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء و عددهم سواء أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين. قال: و كان يقول: (اللهم رب السموات السبع، أيهم كان الحق له فأده إليه) ثم يجعل الحق للذي يصير عليه [اليمين] إذا حلف و منها: صحيحة ابن مسلم في التهذيب و الفقيه عن الباقر عليه السلام في الرجل يوصي بعتق ثلث مماليكه: كان علي عليه السلام يسهم بينهم و رواية أبي حمزة في رجل أوصى إلى ولده بعتق غلام له و توريث الأخر مثل نصيب الولد مع عدم امتيازهما: أن الصادق عليه السلام أقرع بينهما و حكم بما أخرجته
و منها: رواية الحسين بن المختار المروي في الكافي و الفقيه و التهذيب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة، ما تقول في بيت سقط على قوم و بقي منهم صبيان: أحدهما حر و الآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا و نصف ذاك و يقسم المال بينهما، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس كذلك، و لكنه يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة فهو و الحر، و يعتق هذا و يجعل مولى له
و منها: صحيحة حريز المروية في التهذيب عن أحدهما عليهما السلام. و صحيحة حماد بن عيسى المروية في الكافي كذلك. و مرسلة حريز المروية في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام في قضاء علي باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم فبقي منهم صبيان: أحدهما مملوك و الآخر حر، فأسهم بينهما، فخرج السهم على أحدهما، فجعل المال له و أعتق الأخر
و منها: موثقة محمد بن مسلم المروية في التهذيب عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: أمة و حرة سقط عليهما البيت و قد ولدتا، فماتت الأمان و بقي الابنان كيف يورثان؟ قال: فقال: يسهم عليهما ثلاث ولاء يعني ثلاث مرات فأيهما أصابه السهم ورث [من] الأخر و منها: روايته المروية في التهذيب كذلك و منها: رواية العباس بن هلال المروية في التهذيب عن الرضا عليه السلام في سؤال محمد بن علي عليهما السلام عن ابن أبي ليلى و ابن شبرمة عما يقضيان به إذا فقد الكتاب و السنة، و قولهما: نجتهد رأينا، فقال عليه السلام: رأيكما أنتما! فما تقو لأن في امرأة و جارية كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما، فماتتا و سلم الصبيان؟ فقالا: القافة [قال: القافة] تلحقهما بهما قالا: فأخبرنا قال: لا. قال ابن داود مولى له: جعلت فداك! بلغني أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ما من قوم فوضوا أمرهم إلى الله عز و جل و ألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب) فسكت قيل: القافة: جمع القائف، و هو الذي يحكم في النسب بالقيافة و اللغة تشهد بذلك و صحيحة الفضيل بن يسار المروية في الكافي و التهذيب و روايته المروية في التهذيب و الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام في مولود ليس له ما للرجال و ما للنساء، قال: يقرع الإمام أو المقرع، يكتب على سهم (عبد الله) و على سهم (أمة الله) ثم يقول الإمام أو المقرع: (اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، عالم الغيب و الشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، فبين لنا أمر هذا المولود، كيف يورث ما فرضت له في الكتاب) ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم تجال السهام على ما خرج ورث عليه و منها: مرسلة ثعلبة المروية في الكافي و التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن مولود ليس بذكر و لا أنثى ليس له الا دبر كيف يورث؟ قال يجلس الأمام و يجلس عنده ناس من المسلمين، فيدعون الله، و تجال السهام عليه أي ميراث يورثه، أ ميراث الذكر أو ميراث الأنثى؟ فأي ذلك خرج عليه ورثه. ثم قال: و أي قضية أعدل من قضية تجال عليه؟ و ذكر الآية قال: و ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله، و لكن لا تبلغه عقول الرجال و منها: موثقة ابن مسكان المروية في التهذيب مثل المرسلة، إلى آخر الآية و رواية إسحاق في التهذيب مثل ذلك و رواية السكوني في الكافي كذلك و منها: صحيحة الحلبي في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع العبد و الحر و المشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم، و كان الولد للذي يخرج سهمه و صحيحة محمد بن مسلم و الحلبي في الكافي مثل ذلك و منها: ما في صحيحة أبي بصير المروية في كتب الأخبار أنه لما أخبر علي عليه السلام بعد قدومه من اليمن بأنه أسهم بين قوم اليمن بأنه أسهم بين قوم ادعوا ولدا وطئوا أمة في طهر واحد، قال النبي صلى الله عليه و آله: ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عز و جل إلا خرج سهم المحق و مثله مرسلة عاصم، المروية في التهذيبين . و منها: صحيحة معاوية بن عمار المروية في الفقيه و التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فأدعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده و منها: صحيحة سليمان بن خالد المروية في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قبل أن يظهر الإسلام فأقرع بينهم و جعل الولد لمن قرع، و جعل عليه ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه. قال: و ما أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي عليه السلام و منها: صحيحة الحلبي، عن الصادق عليه السلام قال: إذا وقع المسلم و اليهودي و النصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم، و كان الولد للذي قضته القرعة و منها: رواية سيابة و إبراهيم بن عمر في التهذيب في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة، قال: يقرع بينهم، فمن أصابته القرعة أعتق. قال: و القرعة سنة و صحيحة الحلبي فيمن قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم، و يعتق الذي خرج سهمه و رواية [محمد بن] مروان في التهذيب و الكافي عن أبي عبد الله قال: إن أبا جعفر عليه السلام مات و ترك ستين غلاما و أعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم، فأعتقت عشرين
و منها: روايته أيضا، عنه عليه السلام مثله و نحوهما رواية أخرى في التهذيب و منها: صحيحة محمد بن عيسى في التهذيب عن الرجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال: إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها و منها: رواية يونس المروية في الكافي في رجل قال لمماليكه: أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر، و علمه واحد منهم، ثم مات المولى و لم يدر أيهم الذي علمه الآية، هل يستخرج بالقرعة؟ قال: نعم، و لا يجوز أن يستخرجه أحد إلا الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة و دعاء لا يعلمه سواه و لا يقتدر عليه غيره و منها: مرسلة حماد المروية في التهذيب عن أحدهما عليهما السلام قال: القرعة لا تكون إلا للإمام
و منها: ما روي أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد في مرض موته و لا مال له غيره، فلما رفعت القضية إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قسمهم بالتعديل و أقرع بينهم، و أعتق اثنين بالقرعة و روى: أن النبي صلى الله عليه و آله أقرع بالكتابة على الرقاع
و روى أيضا: أنه أقرع في بعض الغنائم بالبعرة و أنه أقرع مرة أخرى بالنوى و منها: صحيحة جميل في التهذيب قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أ ليس حقا؟ فقال زرارة: بل هي حق، فقال الطيار: أ ليس قد ورد أنه يخرج سهم المحق؟ قال: بلى، قال: فقال: تعال حتى أدعي أنا و أنت شيئا، ثم نساهم عليه و ننظر هكذا هو! فقال زرارة: إنما جاء الحديث بأنه (ليس قوم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى ثم أقرعوا إلا خرج سهم المحق) فأما على التجارب فلم يوضع على التجارب، فقال الطيار: أ رأيت إن كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جعلسهم مبيح، فإن كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح و منها: رواية أبي بصير المروية في الكافي و التهذيب في قضية شاب خرج أبوه مع جماعة، ثم جاؤا و شهدوا بموته في جملة قضايا أمير المؤمنين عليه السلام و اختلف الفتى و القوم في مقدار المال، فأخذ علي عليه السلام خاتمه و خواتيم من عنده، ثم قال: أجيلو بهذه السهام، فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه، لأنه سهم الله، و سهم الله لا يخيب و منها: رواية أصبغ بن نباتة المروية في الكافي في قضية الشاب و هي مثل السابقة
و ثالثها الإجماعات المنقولة على مشروعيتها في الجملة.
فعن شيخنا أبي جعفر الطوسي: القرعة في تداعي الرجلين في ولد من مقتضيات مذهبنا. و عن الخلاف: الإجماع ظاهرا على أن كل أمر مجهول فيه القرعة. و قال في مسألة تقديم الأسبق ورودا من المدعيين كما حكي عنه-: إن القرعة مذهبنا في كل أمر مجهول و في قواعد شيخنا الشهيد قدس سره: ثبت عندنا قولهم: كل أمر مجهول فيه القرعة . و هو ظاهر في الإجماع. و عن بعض المتأخرين إسناد (أن القرعة في كل أمر مجهول) إلى رواية أصحابنا
و رابعها: الإجماع المحصل
من تتبع الفتاوى، بحيث لا يبقى فيه شك للفقيه في كون العمل بالقرعة من الأصول الشرعية في المجهولات في الجملة، بل مطلقا. و لنذكر الموارد التي عملوا فيها بالقرعة باتفاق منهم أو خلاف، حتى ينكشف الأمر غاية الانكشاف. فنقول: عمل بها الأصحاب في أئمة الجماعة مع عدم المرجح، و في اشتباه القبلة عند ابن طاوس و في قصور المال عن الحجتين الإسلامية و النذرية و في إخراج الواحد من المحرمين للحج نيابة، و في اختلاف الموتى في الجهاد، و في تزاحم الطلبة عند المدرس و المستفتي أو المترافعين إلى المجتهد مع عدم السابق، و في القسمة، و في التزاحم على مباح أو مشترك كمعدن و رباط مع عدم قبوله القسمة، و في المأذونين في شراء كل منهما صاحبه، و في صورة تساوي بينتي الخارجين، و في تلف واحد من دراهم أحدهما لواحد و الباقي للاخر وديعة، و في تنازع صاحب العلو و السفل في السقف المتوسط و في الخزانة تحت الدرج، و في بينتي المتزارعين إذا تعارضتا في المدة و الحصة، و في الوصية بالمشترك اللفظي، و بالثلث من العبيد أو العدد المبهم، و في الوصية بما لا يسعه الثلث مع العلم بالترتيب و الشك في السابق أو مع الشك في السبق و الاقتران، و في ابتداء قسمة الزوجات، و في حق الحضانة، و في عوز النفقة على المنفق عليهم، و في إخراج المطلقة، و في إخراج المشتبه مطلقا أو إذا مات و لم يعين، و في إخراج المنذور عتقه بقوله: (أول ما تلده) فولدت جماعة، و في إخراج مقدار الثلث مع تعدد المدبر، و في المتداعيين في الالتقاط أو في بنوة اللقيط، أو في الإقرار، و في تساوي البينتين في اللقطة، و في اشتباه موطوء الإنسان، و في تعدد السيف و المصحف في الحبوة، و في ميراث الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة، و في ميراث الخنثى في قول و من ليس له فرج على الأشهر، و غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.
و لا يبقى مع ذلك شك في كونها متفقا عليه في الجملة، و إنما البحث في عموم حجيتها و ضبط موردها.
فنقول: الذي يدل على حجيتها بعنوان العموم في كل مجهول الإجماع المنقول عن الشيخ في الخلاف و عن الشهيد في القواعد و رواية ابن حكيم السابقة الدالة على أن القرعة لكل مجهول و مرسلة الفقيه: (ما تقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق و مثله رواية ابن هلال السابقة و صحيحة
أبي بصير و مرسلة عاصم و جواب زرارة للطيار في صحيحة جميل فإن ظاهر ذلك كله: أن كل مقام فرض فيه اختلاف في شيء إذا أقرع فيه فعلى الله أن يبين فيه الواقع و يحكم بالعدل، إذ لا يكون اختلاف بين اثنين إلا و يكون هناك مبطل و محق لا محالة و إن كان خارجا عن هذين الاثنين، و الغرض وجود المحق و المبطل في الجملة لا في خصوص المتنازعين. فإذا تحقق وجودهما، فمقتضى الرواية: كون القرعة مبينة لذلك و مميزة بين الحق و الباطل بجعل الحكيم على الإطلاق، و كل ما هو كذلك فهو حجة. و يدلُّ على ذلك ما ينقلونه بطرق العامة: (أن القرعة لكل أمر مشتبه كما في رواية، أو (لكل أمر مشكل) كما في أخرى و يكفي في إثبات حجية هذه العمومات تلقي الأصحاب لها بالقبول، و تمسكهم بها في هذه الموارد التي عددناها لك و إن كان كثيرا منها غير خال عن النص الخاص. لكن الظاهر من تعليلاتهم كون هذه العمومات مظنونة الصدور بل مقطوعا بها في الجملة من الشارع، و هذا يكفي في حجيتها و إن ضعف السند بحسب رجاله أو إرساله. و يدلُّ على عموم حجيتها لكل مشتبه: أنه لو لم يكن القرعة فيه حجة لم يكن غيرها أيضا حجة قطعا، إذ الفرض أن الواقعة مشكلة، و معنى الأشكال: عدم وجود مخرج شرعي و سبيل لذلك كما نوضح ذلك إن شاء الله تعالى و اللازم من ذلك تعطيل الحكم في موارد الاشتباه التي نعمل فيها بالقرعة، و هو مستلزم للهرج و المرج الواضحين المنافيين لحكمة الشارع، فلا بد في ذلك من سبيل واضح،
و ليس إلا القرعة. مضافا إلى أن استقراء موارد النصوص المذكورة سابقا و غيرها مما يقف عليها المتتبع يرشد إلى أن الوجه في ذلك كله لزوم الأشكال و عدم وجود مخلص في ذلك، و أنه العلة في إعمال القرعة، و أنه لولاها لزم تعطيل الأحكام فيما لا يمكن فيه التعطيل. و لذلك قدم في الروايات كل ما يمكن أن يكون طريقا لبيان الحكم كما في الخنثى و نظائره فالقرعة إنما هي بعد انسداد طريق الأمر المجهول و عروض الأشكال و الاشتباه، و بعد ذلك لا يتفاوت الأمر بين المنصوص و غيره، إلحاقا للمشكوك بالغالب، أو ادعاء لتنقيح المناط بينه و بين ما ورد فيه النص. و الحاصل: أن المسألة لا إشكال فيها في نظر الفقيه، و إنما الغرض تخريج الوجوه حتى لا يتخيل كونها من دون ضابطة. و إذا عرفت عموم حجيتها في كل أمر مشتبه فلا بد من بيان المراد من ذلك حتى يجعل معيارا في المقام، ثم بعد ذلك نعود إلى ما ذكروه من خروج بعض الموارد عنها و عدم كونها على عمومها. و نبين: أنه هل هو تخصيص للقاعدة أو اختصاص من أول الأمر[30]؟
ولایت
صاحب عناوین
عناوين الولايات و السياسات و ما يلحقها من بعض المباحث
العنوان الثالث و السبعون في ذكر الأولياء و المولى عليهم إجمالا و بيان مراتبهم في الولاية
عنوان 73 لا ريب أن الولاية على الناس إنما هي لله تبارك و تعالى في مالهم و أنفسهم، و للنبي صلى الله عليه و آله لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ للأئمة عليهم السلام قدس سره رحمهم الله لأن من كان النبي صلى الله عليه و آله مولاه فعلي عليه السلام مولاه بالنص المتواتر، و لا فرق بينه و بين سائر الأئمة بضرورة المذهب. و يدلُّ على هذا المجموع قوله تعالى إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا. الآية. و أما بعدهم فلا ريب أن الأصل الأولي عدم ثبوت ولاية أحد من الناس على غيره لتساويهم في المخلوقية و المرتبة ما لم يدل دليل على ثبوت الولاية، و لأن الولاية تقتضي أحكاما توقيفية لا ريب في أن الأصل عدمها إلا بالدليل. و قد ورد الدليل كتابا و سنة و إجماعا على ولاية جملة من الناس على بعض منهم، و قد ذكره الفقهاء في البيع، و في كتاب الحجر، و في كتاب النكاح، و في الطلاق، و غير ذلك من المباحث على حسب ما يقتضيه المقام، و في بيان أحكام الأولياء و أقسامها و مواردها، و المباحث المتعلقة بها: من التعارض و الترجيح و اشتراط المصلحة في تصرفهم، أو عدم المفسدة، أو غير ذلك من المباحث المذكورة في كتب الفروع. و حيث إنها مبنية على أدلة خاصة في كل مقام و غرضنا في الباب ذكر ما يجعل قاعدة كلية في الفقه طوينا الكلام في ذلك، لكن
نذكر هنا أمورا
حتى توجب التنبه للباقي.
أحدها: أن الولي على مال الغير أو على نفسه [إنما هو الأب و الجد للأب]
على ما ظهر من استقراء الفقه و تتبع مقاماته إنما هو الأب و الجد للأب، و في تعميمه لما كان من طرف أم الأب أيضا أو اختصاصه بما كان من طرف أب الأب نظر، منشأه: إطلاق النص و الفتوى الظاهر في التعميم، و انصرافه إلى ما كان من طرف أب الأب عند إطلاقه دون أم الأب. و لا ولاية للأم و إن علت مطلقا، لا في مال و لا في نفس في مقام من المقامات، و لا للأخ من حيث هو كذلك و إن وردت فيه رواية بالنكاح لكنها محمولة على صورة كونه وصيا، لمعارضتها بما هو أقوى. و لا لغيره من الأقارب من حيث القرابة، للأصل و عدم الدليل. و الوصي للأب أو للجد السابق و الزوج بالنسبة إلى زوجته، و الموالي بالنسبة إلى مماليكهم، و الحاكم الشرعي، و عدول المؤمنين، و وكيل الأب أو الجد أو الوصي أو المولى أو الحاكم أو الزوج، و وكيل الوكيل و هكذا. مع كون الوكيل مأذونا في التوكيل، و وصي الوصي على تقدير كونه مأذونا في التوصية، و المقاص للمال بشرائط التقاص. فأقسام الأولياء بحسب النوع تسعة، و لو أخرجنا الزوج نظرا إلى كون البحث في ولاية المال و ولاية النفس في النكاح و نحوه، و لا ولاية للزوج على زوجته كذلك من حيث هو زوج تكون ثمانية، و لذلك لم يذكره الفقهاء في ذكر
الأولياء في مقام من المقامات، فتدبر. و مرادهم من (الولي) في الفقه: ولاية المال و النفس، و هو خارج عن ذلك، و لو أريد ما يعم ولاية الإطاعة و نحوها لاتسعت الدائرة و دخلت أشخاص آخر، كالأم و الضيف و صاحب المنزل و نحو ذلك، للزوم إطاعتهم في بعض الأمور، فتدبر.
و ثانيها: أن المولى عليهم على ما يظهر من التتبع-: الصغير
، ذكرا أو أنثى، عاقلا أو مجنونا، رشيدا أو سفيها. و المجنون، مطبقا كان أو أدواريا، بالغا أو صغيرا. و السفيه، بالغا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى. و الغائب في بعض الأمور. و الممتنع عن أداء الحق الذي عليه. و البكر و إن كانت بالغة رشيدة على قول. فالولاية للأب على الصغير في المال و النكاح، و على المجنون المتصل جنونه بالصغر و مطلقا على قول، و السفيه المتصل سفهه بصغره أو مطلقا في قول....
العنوان الرابع و السبعون ولاية الحاكم الشرعي
عنوان 74 الأصل في كل شيء لا ولي له معين من الشرع أن يكون الحاكم وليا له، و هو المعبر عنه بعموم ولاية الحاكم الذي يشير إليه الفقهاء في كثير من المباحث، كما في وجوب دفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إليه، و في وجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه، و تخيره في أخذ خمس أرض الذمي أو منفعتها، و ولايته في مال الأمام و ميراث من لا وارث له، و في توقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه، و ولايته في إجراء الحدود و في القضاء بين الناس، و في أداء دين الممتنع من ماله، و توقف حلف الغريم على إذنه، و في القبض في الوقف على الجهات العامة و في نظارته لذلك، و توقف التقاص من مال الغائب على إذنه و من الحاضر في وجه، و في بيع الوقف حيث يجوز و لا ولي له، و في قبض الثمن إذا امتنع البائع و قبضه عن كل ممتنع عن قبض حقه، و في الدين المأيوس عن صاحبه، و بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه، و توليه إجارة الرهن لو امتنعا، و تعيين عدل يقبض الرهن لو لم يرضيا، و تعيينه ما يباع به الرهن مع تعدد النقد، و في باب الحجر على المفلس أو على السفيه في قول، و في قبض وديعة الغائب لو احتيج إلى الأخذ، و في إجبار الوصيين على الاجتماع الاستبدال بهما، و في ضم المعين إلى الوصي العاجز، و في عزل الخائن على القول بعدم انعزاله بنفسه، و في إقامة الوصي فيمن لا وصي له أو مات وصيه أو كان و انعزل، و في تزويج المجنون و السفيه البالغين، و في فرض المهر لمفوضة البضع، و ضرب أجل العنين، و بعث الحكمين من أهل الزوجين، و إجبار الممتنع على أداء النفقة، و في طلاق زوجة المفقود، و في إجبار المظاهر على أحد الأمرين، و في إجبار المولي كذلك، و احتياج إنفاق الملتقط على اللقيط على إذنه، و نحو ذلك من المقامات الأخر التي لا تخفى على من تتبع الفقه، فإنهم يقولون بهذه الأمور، و يتمسكون بعموم ما دل على ولاية الحاكم الشرعي. و لا ريب أن النائب الخاص الذي يصير في زمن الحضور كما يكون نائبا لجهة، خاصة كالقضاء و نحوه يكون لجهة عامة أيضا، و ذلك تابع لكيفية النصب و النيابة. و على هذا القياس في نائب زمن الغيبة، فإنه أيضا يمكن كون ولايته بطريق العموم أو الخصوص، فلا بد من ملاحظة ما دل من الأدلة على ولاية الحاكم حتى يعلم أنه هل يقتضي العموم أو لا؟ فنقول
الأدلة الدالة على ولاية الحاكم الشرعي أقسام:
أحدها: الإجماع المحصل
، و ربما يتخيل أنه أمر لبي لا عموم فيه حتى يتمسك به في محل الخلاف. و هو كذلك لو أردنا بالإجماع الإجماع القائم على الحكم الواقعي الغير القابل للخلاف و التخصيص. و لو أريد الإجماع على القاعدة بمعنى كون الإجماع على أن كل مقام لا دليل فيه على ولاية غير الحاكم فالحاكم ولي له فلا مانع من التمسك به في مقام الشك، فيكون كالإجماع على أصالة الطهارة و نحو ذلك، و الفرق بين الإجماع على القاعدة و الإجماع على الحكم واضح، فتدبر. و هذا الإجماع واضح لمن تتبع كلمة الأصحاب.
و ثانيها: منقول الإجماع في كلامهم على كون الحاكم وليا
فيما لا دليل فيه على ولاية غيره، و نقل الإجماع في كلامهم على هذا المعنى لعله مستفيض في كلامهم.
و ثالثها: النصوص الواردة في هذا الباب:...
و منها: ما دل على أن العلماء أولياء من لا ولي له
، و أن مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء الامناء على الحلال و الحرام كما ورد في الخبر الطويل
و هذا الخبر مع جبره بالفتوى و بالإجماع المنقول يكفي دليلا على كون الحاكم وليا في مقام ليس هناك من الشرع ولي بالخصوص، و يدلُّ على كون جريان كل أمر من أمور المسلمين من نكاحهم و عقودهم و إيقاعاتهم و مرافعاتهم و سائر أمورهم من الأخذ و الدفع و غير ذلك، و كل حكم من أحكامهم على أيدي العلماء خرج ما خرج بالدليل، و بقي الباقي تحت القاعدة المدلول عليها بالنص الموافق لعمل الأصحاب، فتدبر. هذا ما يمكن أن يجعل دليلا في هذا الباب من النص و الفتوى.
و قال الشهيد رحمه الله في قواعده في الضابط في ولاية الحاكم: إن كل قضية وقع
النزاع فيها في إثبات شيء أو نفيه أو كيفيته، و كل أمر فيه اختلاف بين العلماء كثبوت الشفعة مع الكثرة، أو احتيج فيه إلى التقويم كالأرش و تقدير النفقات، أو إلى ضرب المدة، كالإيلاء و الظهار، أو إلى الإلغاء كاللعان فهو إلى الحاكم، و مما يحتاج إليه أيضا القصاص نفسا و طرفا، و الحدود و التعزيرات، و حفظ مال الغائب كالودائع و اللقطات انتهى كلامه رفع مقامه. و جعل الفاضل المدقق المعاصر في عوائده وظيفة الحاكم كلية في أمرين: أحدهما: أن كل ما كان للنبي أو الإمام فلهم ذلك، إلا ما دل الدليل على إخراجه. و ثانيهما: كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم لا بد من الإتيان به و لا مفر منه إما عقلا أو عادة، من جهة توقف أمر المعاش أو المعاد لواحد أو لجماعة عليه، و إناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به شرعا، من جهة ورود أمر به أو إجماع، أو نفي ضرر أو ضرار، أو عسر أو حرج، أو فساد على مسلم، أو ورود الإذن فيه من الشارع أو دليل عليه، و لم يجعل وظيفة لمعين واحد أو جماعة، و لا لواحد لا بعينه، بل علم لابديته و الإذن فيه و لم يعلم المأمور به و المأذون، فهو وظيفة الفقيه انتهى كلامه رفع مقامه. و حاصل غرضه: ما علم من قواعد الشرع لابدية الإتيان بشيء مع عدم معلومية الاتي به من الشرع، فينبغي أن يأتي به الحاكم. و استدل عل الأمر الأول بالإجماع و قد قدمنا ذكره، و بما مر من الأخبار و قد عرفت قصور دلالتها على هذه الكلية، إلا فيما دل على الخلافة، و مثله الخبر الأخير و قد عرفت الأشكال. و استدل على الثاني بالإجماع أيضا و قد عرفته، و بأن كل أمر كان على ما فرضناه لا بد أن ينصب الشارع له شخصا، و المفروض أنه غير معلوم و الفقيه صالح له، و ما فيه من الجلالة كاف في كونه منصوبا، مع أن كل من فرض وليا فالفقيه داخل فيه، و غيره مشكوك ينفى بالأصل....
العنوان الخامس و السبعون ولاية عدول المؤمنين
عنوان 75 إذا تعذر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم، فهل الولاية للعدول مطلقا، أو ليس لهم مطلقا، أو فيما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية دون غيره؟ و يرجع إلى الثاني في وجه وجوه، بل أقوال[31]
ب) در فضای عبادات :
حجیه الظن فی الصلاه
سید محمد کاظم یزدی
[في بيان تأسيس الأصل]
الكلام في الظّن المتعلّق بأعداد الصّلاة أو أفعالها اعلم أنّ الظّنّ إمّا متعلّق بالرّكعتين الأوليين و المغرب و إمّا متعلّق بالأخيرتين فما زاد و إمّا متعلّق بالأفعال و الشروط فعلا أو تركا،
و على التقادير إمّا مسبوق بالشّك أو حاصل من أوّل الأمر،
و على التقادير إمّا قويّ أو ضعيف،
و أيضا إمّا خاصّ كالحاصل من خبر العدلين أو مطلق
و المشهور بينهم أنّه كالعلم في الجميع فيبني على ما ظنّ مصحّحا كان أو مبطلا و لا يجب عليه احتياط و لا سجود للسّهو
و الأولى أن نتكلّم في مقامات ثلاثة:
الأوّل الظّنّ المتعلّق بالأخيرتين و الثّاني الظّن المتعلّق بالأوليين و الثالث في الظنّ المتعلّق بالأفعال
و لا بأس قبل الشروع فيها بالتكلّم في أنّ مقتضى الأصول و القواعد مع قطع النظر عن الأخبار الخاصّة ما هو فنقول لو خلّينا و أخبار الشكوك في الأفعال من البناء على الإتيان بعد التجاوز و العدم بالعدم و في الرّكعات بالبناء على الأكثر ففي مثل البيّنة و نحوها الظاهر وجوب العمل بها بناء على عموم حجّيتها في جميع المقامات ... فعلى هذا لا إشكال في أنّه بناء على عموم دليل حجّية البيّنة تقدم على أدلّة الشكوك هذا بالنسبة إلى غير الأوليين و أمّا فيهما فيظهر الحال ممّا نذكره بعد من احتمال كون الحفظ و التثبت معتبرا فيهما على وجه الموضوعيّة فلا يقوم مقامهما غيرهما من الأدلّة و الأمارات الظنيّة و أمّا خبر الواحد فإن قلنا بأصالة حجّيته في جميع المقامات كما يستفاد من بعض الأخبار مثل قوله ع إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم فحكمه في ما ذكر حكم البينة و إلّا فهو في الظنون المطلقة و سيأتي الكلام فيه ... و أمّا الظّنّ المطلق فلا إشكال في عدم اعتباره بمقتضى الأصل إلّا أنّ الكلام في أنّه مع فرض حصوله هل حكمه مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة حكم الشكّ في الرّجوع إلى الأخبار الواردة من البناء على الأكثر و نحوه أو لا بل لا بدّ من الرّجوع إلى الأصول و المسألة مبنيّة على أنّ المراد من الشّك في الأخبار هل هو الأعمّ من الظّن أو خصوص متساوي الطرفين الظاهر هو الأوّل من غير فرق من الشّك في الأفعال و الأعداد ...و كيف كان فلا ينبغي للتأمّل في أنّ الشكّ في الأخبار العامة أعمّ من الظنّ فمع قطع النظر عن النصوص الخاصّة مقتضى القاعدة هو إجراء حكم الشكّ عليه و يظهر ثمرة ما ذكرنا في ما لو قصر النّص الخاص عن الشمول له فإنّه لا يرجع إلى الأصل الأوّلي بل إلى الأخبار المتكفلة لحكم الشكّ من البناء على الأكثر و غيره
المقام الأوّل في الظن المتعلّق بالركعتين الأخيرتين فما زاد
و المشهور بينهم اعتباره و أنّه كالعلم مصحّحا أو مبطلا حتى إنّه لو ظنّ الخامسة كان كمن زاد ركعة آخر الصّلاة ... و كيف كان الظاهر لا فرق عند المشهور بين أن يكون الظن بدويا أو مسبوقا بالتردد و الشكّ و إن كان قد يستظهر من بعض العبائر الاختصاص بالثّاني كقولهم لو غلبه على ظنه أحد طرفي إلخ إلّا أنّه من باب ذكر الفرد الغالب و في الجواهر ادّعى الإجماع على عدم الفرق بين الصّورتين و أيضا لا فرق بين الظنّ القوّي و الضّعيف و قد يستظهر من قولهم لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه أنّ المدار على الظن القوّي و لكنه في غير محلّه بل المراد منه مطلق فإنّ الظاهر أنّ المراد من الظنّ في هذه العبارة الاحتمال يعني لو غلب على احتماله أحد الطرفين فإنّ الظنّ كثيرا ما يستعمل في مطلق الاحتمال و لو مع عدم الرجحان فعن الحلّي لو تساوت الظنون أي الاحتمالات و في مجمع البحرين و عن بعضهم أنّه قال يقع الظن لمعان أربعة منها معنيان متضادّان أحدهما الشكّ و الآخر اليقين الّذي لا شكّ فيه فأمّا معنى الشّك فأكثر من أن تحصى شواهده و أمّا معنى اليقين فمنه قوله تعالى أَنّٰا ظَنَنّٰا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللّٰهَ فِي الْأَرْضِ وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً إلى أن قال و المعنيان اللذان ليسا بمتضادين أحدهما الكذب و الآخر التهمة إلخ و قد عرفت أنّ الشكّ ما يقابل اليقين بل لا يمكن أن يراد من العبارة المزبورة الظنّ القوّي لأنّه لا معنى لغلبة أحد الطرفين على الطرف الراجح كما لا يخفى و كيف كان فهذه العبارة يراد منها مطلق الظنّ مع أنّها غير خال عن سوء التعبير بل يمكن أن يقال ما اشتهر بينهم من التعبير عن الظنّ القوّي بالظن الغالب لا وجه له لأنّ الغالب إذا كان صفة للظنّ فيكون المراد منه الظن الذي هو غالب على الطرف الآخر و هذا لا يفيد إلّا مطلق الظنّ لأنّ مطلق الظنّ غالب على الطرف الآخر فلا ينبغي الإشكال و التأمّل في أنّ المراد مطلق الظنّ و أوّل درجته حجّة عندهم لكن يظهر من الوسائل اعتبار الظن القوي حيث قال باب وجوب العمل بغلبة الظنّ عند الشّك إلى آخره
و أمّا الدّليل على اعتباره في المقام أمور
الأوّل الإجماع المنقول
عن الخلاف و الغنية و الذكرى و المصابيح و غيرها المعتضد بالشهرة المحصّلة و عدم الخلاف في المسألة في الجملة كما صرّح به جماعة ففي الرّياض بلا خلاف أجده بل بالإجماع صرح جماعة و في الجواهر لا خلاف معتدّ به أجده و في المستند بلا خلاف يوجد بل يمكن بملاحظة ما ذكر دعوى الإجماع المحصّل في المسألة
الثّاني العسر و الحرج
كما قيل لكن فيه ما لا يخفى فإنّه دون تحققه يحصل الكثرة الموجبة لعدم الاعتبار بالشّك إذ لا يخفى أنّ كثرة الشكّ الّذي لا حكم له مرتبتها قبل مرتبة الحرج و المشقة فالتمسّك بالحرج في المقام ممّا لا وجه له أصلا كما صرّح به بعضهم أيضا
الثّالث النبوي العامي
إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه و ضعفه منجبر بالشهرة و الإجماع و دلالته واضحة فإنّ المراد من الأحرى هو الطرف الراجح فإنّ المراد من الصّواب هو الواقع من الفعل و الترك مثلا و ما هو أحرى إليه هو الطرف المظنون
الرّابع النبوي الآخر
إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فليتحرى الصّواب ...
الخامس الأخبار المستفيضة الدالّة على ذلك
و لا بأس بذكر جميع ما ورد منها في هذا الباب و التكلم فيها فمنها موثقة أبي العبّاس البقباق عن الصّادق ع إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث و إن وقع رأيك على الأربع فسلّم و انصرف و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس و دلالة هذا الخبر واضحة إذا كان المراد من الرأي الظنّ و ما يشمله إذ الحكم بالاحتياط في صورة الاعتدال دون عدّ دليل على اعتبار الظنّ لكنه مخصوص بالشّك بين الثلاث و الأربع و لا ينفي سجدتي السّهو أيضا صريحا و لا يشمل الظنّ الابتدائي أيضا بل الظاهر منه الظنّ المسبوق بالشكّ و يمكن أن يقال إنّ الرأي إذا كان أعمّ من الظن و العلم فيقيّد الخبر بالأخبار الدّالة على وجوب البناء في صورة على الأكثر في صورة الشّك المراد منه عدم الدّراية أعمّ من الشكّ و الظنّ فتدبّر فإنّ الأمر بالعكس ...
المقام الثّاني في الظنّ المتعلّق بالثنائية و الثلاثية و الأوليين من الرّباعيّة
و المشهور بينهم على الظاهر المصرّح به في كلمات جماعة كونه حجة سواء كان بدويا أو بعد التروّي بل عن بعضهم نفي الخلاف كما في الجواهر و في الرّياض عليه أكثر علمائنا على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر بل قيل إنّه إجماع و عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب عدا ابن إدريس و عن الدرة النسبة أنّ شيخنا قال إنّ العمل على الظنّ في الرباعية و غيرها من الأفعال أو الرّكعات مما لا خلاف فيه إلّا من ابن إدريس و عن بعض حواشي الألفية أنّ أصحابنا مجمعون على اعتباره في عدد الصّلاة و أعمالها و عن الغنية الإجماع عليه و حكى جماعة عن الحلّي عدم الاعتبار و الحكم بالبطلان مع عدم العلم و كذا حكي عن ظاهر مقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و الإنتصار و المختصر النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهى لأنهم ذكروا وجوب الإعادة في الشّك في عدد الصّبح و المغرب و عدد الركعات و الأولتين من غير تفصيل بين الشّك و الظّن ثم ذكروا أحكام الشّك في الأخيرتين مفصلين بين الظن و غيره و ربّما يستظهر بين الحلّي تفصيل و هو الفرق بين الظنّ البدوي فحجة و المسبوق بالشّك فمبطل لقوله إنّ كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشيء فالعمل بما غلب عليه الظنّ و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السّهو عند اعتدال الظن و تساويه ثم قال و السّهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة فأولها ما يجب فيه إعادة الصّلاة على كل حال و عدّ منه السّهو في الأوليين و المغرب و الغداة إلى أنّ قال و ثالثها ما يجب فيه العمل على غالب الظنّ و عد منه الشكوك المتعلّق بالأخيرتين فإن مقتضى الجمع بين كلاميه ما ذكر من التفصيل ففي الحقيقة ليس مخالفا في المسألة و إنّما خلافه في مسألة أخرى و هي أنّه هل يبطل الصّلاة بمجرّد الشك في الثنائية و الثلاثية و الأوليين أولا بل إنّما تبطل إذا لم يحصل علم أو ظن بعد التروي بل ربّما يقال إن غيره من المذكورين أيضا ليسوا مخالفين بل مرادهم من الشكّ ما تساوى طرفاه لأنّه المعنى المعروف بين العلماء و إن لم يكن كذلك بالنسبة إلى اللّغة بل الأخبار أيضا و يؤيّد ذلك أنّ الشّيخ في المبسوط بعد أنّ ذكر أحكام الشك قال فإن غلب في ظنه أحدهما عمل عليه لأن غلبة الظنّ في جميع أحكام السّهو هو تقوم مقام العلم على سواء و الفاضل في المنتهى أيضا علل اعتباره بالنبوي المذكور سابقا و قد عرفت أنّه عام للمقام أيضا فيكشف ذلك عن قوله بعموم الحجيّة و حينئذ يكون كلامهم ساكتا عن حكم الظن بالنسبة إلى هذا المقام و وجه اختصاصهم ذكره بالأخيرتين ليس عدم حجيته في غيرهما بل من جهة تعرض الأخبار له فيهما دون الأوليين و الثنائية و الثلاثية أو من جهة الرد على بعض العامة القائلين بعدم حجيته في الأخيرتين أو من جهة أنّ مذهبهم بطلان الصلاة بمجرد الشّك هناك كما احتمل في كلام ابن إدريس و غرضهم الظن المسبوق بالشك دون الظن البدوي و الإنصاف أن كلماتهم ظاهرة في المخالفة في المقام و أنّ مرادهم من الشكّ المعنى اللّغوي و هو قابل اليقين و إن كانوا كثيرا ما يطلقونه على المتساوي طرفاه خصوصا العلامة و من قارب عصره إلّا أنهم كثيرا ما يطلقونه على هذا المعنى أعني اللغوي أيضا كمسألة الطهارة و الحدث و نحوها و دعوى أنّ إرادة ما خالف اليقين مع أنّ اصطلاحهم فيه هو المتساوي الطرفين تدليس كما ترى خصوصا مع ظهور كلماتهم بقرينة التفصيل في الأخيرتين في ما ذكرنا و استظهار إرادة المتساوي طرفاه من تعليل المبسوط في محل المنع كيف و التعليل بالأعم من المدعى كثير في كلماتهم و كذا استدلال العلّامة بالنبوي و كيف كان فعن والد الصّدوق التفصيل في المسألة بين الظن الأول و الثّاني و قال في المستند القول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم بل بطلان الصلاة في غيرهما قوي جدا كما عن الحلّي إلى أن قال و اختاره بعض مشايخنا المتأخرين و ظاهر الأردبيلي و خيره و الكفاية التردد و في الرياض الميل إلى عدم الحجية و كيف كان فعن والد الصدوق التفصيل في المسألة بين الظن الأول و الثاني و الثالث فحكم بالإعادة في الأول ثم لو ظن ثانيا يعمل بالظن كما في الرضوي و إن شككت في الركعة الأولى و الثانية فأعد صلاتك و إن شككت مرة أخرى فيهما و كان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها و اجعلها ثانية فإذا سلمت صلّيت ركعتين من قعود بأم الكتاب و إن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الأولى و تشهدت في كل ركعة فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية و زدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء لأن التشهد حائل بين الرابعة و الخامسة و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صليت ركعتين من قيام إلا ركعتين و أنت جالس قيل و هو موافق للحكمين عن أبي حنيفة
المقام الثالث في الظن المتعلّق بالأفعال فعلا أو تركا
و قد نسب اعتبار الظن فيها إلى المشهور جماعة و عن المحقق الثاني نفي الخلاف فيه و عن الدّراية بعض حواشي الألفية الإجماع عليه كما عرفت من عبارتيهما المتقدمتين بل الظاهر من العبارة المحكية عن ابن إدريس سابقا أيضا حجيته فيها فإنه قال كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشيء فالعمل بما غلب عليه الظنّ و إنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السّهو عند اعتدال الظن و تساويه إلخ لكن ظاهر جماعة من القدماء ممن لم يذكر حكم الظن المتعلق بالأفعال كظاهر النّافع عدم اعتباره و اختاره في المستند و هو الأقوى لعدم الدليل،
و احتج الأولون بوجوه
الأول الإجماع المنقول
المعتضد بالشهرة المحصّلة و نفي الخلاف المتقدم
الثاني ما ذكره في حاشية المدارك
من أن الامتثال يتحقق بالظن و فيهما ما لا يخفى
الثّالث فحوى ما دل على اعتباره في الركعات
و ليس المراد مجرد الأولوية الظنية بل إما المراد منها القطعية أو مفهوم الموافقة كما يظهر من حاشية المدارك و قد تمسك بهذا الوجه جماعة منهم صاحب الدارك و سيد الرياض و فيه مع أنه أنما يتم كليا إذا قلنا باعتبار الظنّ حتى في الأوليين و إلا فيختص بأفعال الأخيرتين مع أن المدعى أعمّ و لذا فصل في الرياض و بنى الكلية على القولين أنه إن أريد الأولويّة القطعيّة مع قطع النظر عن كونه مفهوما من اللّفظ فهي ممنوعة كما لا يخفى و الظنية لا تفيد و إن أريد كونه مفهوما من اللفظ فهو أيضا ممنوع كما لا يخفى
الرابع أنه لا يجتمع قبول الظن في نفس الركعة و عدم قبوله في نفس الجزء...
الخامس ما ذكره في المختلف في باب القضاء
من أن الصّلاة عبادة كثيرة الأفعال و التروك فالمناسب لشرعها الاكتفاء بالظن مطلقا و إلا كانت معرضة للفساد بكل وهم و لعل المراد من ذلك التمسّك بالعسر و الحرج لو لا حجية الظن و يمكن أن يريد غيره و فيه أنّه إن أراد وجها غير العسر فلا دليل على أن مجرد العرضة للفساد يقتضي حجية الظنّ مع أنه ممنوع إذ الغالب حصول القطع بالمطلب و على فرض الشكّ و للظن لا يتعين حجية الظنّ بل يكفي الرجوع إلى حكم الشك و إجراء حكمه على الظن أيضا كما هو الظاهر من أدلة الشك بعد التجاوز و قبله و بالجملة فمع جعل الشارح حكما للشك من البناء على الإتيان إذا كان بعد التجاوز فلا محذور و إن لم نقل بأعميته من الظن فضلا عما لو قلنا بذلك و ذلك لأن الغالب حصول الشّك مع أن الظن إذا كان على وفق البطلان فالمحذور في حجيته أشدّ و إن أراد من ذلك التمسك بالعسر و الحرج كما عن الذكرى أيضا التمسّك به حيث قال إن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظنّ تحصيلا لليسر و رفعا للجرح و العسر و تمسك به أيضا في حاشية المدارك ففيه ما أورده عليه في الرياض و المستند من أنه لا عسر إلا مع الكثرة و معها يرتفع حكم الشكّ قلت بل يصدق كثرة الشك قبل أن يصل إلى حد العسر و الحرج لكن اعترض بعض الأفاضل على الرياض بأن الكثرة المرتفع معها حكم الشك هل الكثرة اللاحقة للإنسان من قبل الشيطان كما هو المصرح به في أخبار كثير الشك لا الكثرة العارضة لمتعارف الناس إذ لو بنى على عدم اعتبار الظنّ فلمّا يسلم إنسان من كثرة السّهو التكاثر مظنوناته بالنسبة إلى ما مضى من أفعاله فإذا فرض إلحاق تلك الظنون بالشّك كما هو الأصل فالمكلفون كلّهم داخلون تحت كثير السّهو و المفروض أنه لا سهو مع الكثرة فيلزم طرح أدلة الشكوك انتهى قلت نمنع تحقق الكثرة لمتعارف الناس بل الغالب حصول اليقين بالامتثال كما لا يخفى و مع فرضه أيضا لا يلزم حجية الظنّ غاية الأمر أن لا يدخل تحت أدلة كثير الشكّ لكنه يرجع إلى أدلة الشكوك و معه يرتفع الإشكال و العسر و الحرج كما لا يخفى مع أن الظن قد يكون متعلّقا بترك ركن أو زيادته بعد تجاوز المحلّ فعلى حجيته يلزم العسر و الحرج بل من المعلوم إجراء حكم الشّك عليه و عدم الاعتناء باحتمال عدم الإتيان سواء كان ظانا أو شاكا أو محتملا إذا كان بعد تجاوز المحلّ أسهل من القول بحجيته كما لا يخفى نعم لو كنا نحكم ببطلان الصّلاة بمجرد الاحتمال كان الأمر كما ذكر فلا ينبغي الركون إلى أمثال هذه الأمور في مثل الأحكام الشرعيّة فإنّها من قبيل الاشتباهات في الموضوعات لا الاختلافات في الأنظار بالنسبة إلى الأدلّة فتدبّر
السّادس ما تمسّك به الوحيد في حاشية المدارك
من أخبار الرّجوع إلى الإمام و المأموم و أخبار حفظ الصّلاة بالحصى و الخاتم و بحفظ الغير و نحو ذلك و فيه ما عرفت سابقا
السّابع ما عنه أيضا من التمسّك بالموثق
كالصّحيح عن الصّادق ع قال فيمن أهوى إلى السّجود و شك في الركوع قال قد ركع بتقريب أن ظاهر البناء على الظن و ترجيحه على الأصل و هو قاعدة عدم تجاوز المحل و فيه ما لا يخفى لإمكان دعوى تجاوز المحل بالهوى للسجدة و إمكان حمله على كثير الشكّ مع أنّه لا إشعار في الخبر بحجية الظنّ
الثّامن ما عنه أيضا من التمسّك برواية إسحاق بن عمار
إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير الركوع و فيه ما عرفت من أن المراد منه الشك بعد النزاع فلا دخل له بالمقام مع أن فيه النظر من وجوه أخر
التّاسع ما ذكره بعض الفضلاء من دليل الإسناد
قال بعد الاعتراض على الرياض بما ذكر سابقا من رد العسر و الحرج و حينئذ يمكن تقرير الدليل المذكور يعني العسر و الحرج بأن في الأغلب باب العلم منسد في الصّلاة بالنسبة إلى الأفعال الماضية فإن بنى في المظنونات و المشكوكات و الموهومات على إهمال أدلة الشكوك لزم طرح تلك الأدلة بالكلية و إن بنى فيها على إعمال تلك الأدلة لزم المخالفة القطعية كثيرا فلا بد أن يعمل بالظن و في المشكوكات بأدلّة الشكوك دفعا لهذا المحذور ثمّ قال و الإنصاف أن هذا الدليل مؤيّد قوي لاعتبار الظنّ في الأفعال و إن كان الاستدلال به مستقلّا لا يخلو عن إشكال نظرا إلى إمكان أن يقال بأنه لا يلزم من الرّجوع إلى أدلة الشكوك محذور لأن أغلب تلك الظنون موافقة للقواعد المقررة و أمّا الظنون المخالفة لها فلا يلزم من طرحها و العمل في مواردها بأدلة الشكوك محذور فتأمل انتهى قلت إذا أمكن دفع الحذور بهذا الوجه فلا يكون مؤيدا أيضا كما لا يخفى و الأولى أن يقال إن البعض الظنون لا يرتفع من حجيتها محذور لأنها موافقة لأدلة الشكوك فلا يتفاوت الحال في الحكم بحجيتها و الحكم بالرّجوع إلى أدلة الشكوك كما الظنّ بالإتيان بعد تجاوز المحلّ و الظنّ بالعدم مع بقاء المحلّ و أمثالها و لا يلزم من الرّجوع إلى أدلة الشكوك في البقية محذور مع أنّ هذا العلم الإجمالي الذي يدعيه ممنوع من أول الأمر و على فرضه لا يضر لأن غاية الأمر أنه يعلم أن رجوعه إلى أدلة الشكوك في هذا اليوم على خلاف الواقع أو اليوم الآتي أو بعض الأيام الأخر الآتية و مثل هذا العلم الإجمالي في جميع الموارد بل يمكن أن يقال إن الفقيه يعلم إجمالا أن كثيرا من فتاويه المثبتة في كتابه مثلا مخالفة للواقع إذ لا يمكن أن يكون كل فقيه معتقد الحقية جميع ما أفتى به و كونه هو المصيب دون سائر الفقهاء مع كثرة الاختلافات في الوقائع هذا مع أنّ انسداد باب العلم ممنوع مع إمكان دفع المحذور بوجه آخر غير حجية الظّن مع إمكان دعوى العلم بمخالفة الواقع في بعض ظنونه أيضا فتدبر
العاشر النبوي المتقدم
إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه و دعوى انجبار ضعفه بالشهرة و الإجماع المنقول و إن دلالته واضحة كما ترى و فيه أن الشهرة الجابرة ما كان استناديا لا مجرد المطابقة مع عدم الاستدلال به إلا من بعض متأخري المتأخرين
ثمّ على المختار من عدم الاعتبار بالظن في الأفعال فالمرجع أدلة الشكوك و إجراء حكم الشكّ عليه لما عرفت سابقا من أن المراد من الشّك في الأخبار هو الأعم من الظن و الوهم فإن كان في المحلّ أتى به و إن كان ظانا بالإتيان و إن تجاوز مضى و إن ظن العدم و إن ظن زيادة الركن لم يعتن به و إن ظن ترك سجدة أو تشهد لا يجب عليه القضاء و لا سجدة السّهو إلى غير ذلك[32]
سید حسین بروجردی
من القواعد الّتي نبحث عنه في الخلل هو اعتبار الظن مطلقا أو عدم اعتباره مطلقا أو التفصيل، فنقول بعونه تعالى: أمّا عند العامة فالظاهر منهم عدم اعتباره مطلقا، نعم حكى عن أبي حنفية أنّه قال: لو تكرر الشّك يتحرى.
و أمّا عند الخاصّة فنقول: المعروف بين أصحابنا حجية الظن في الصّلاة سواء كان في أفعالها أو عدد ركعاتها، كان في الأوّلتين أو في الأخيرتين، فحكى في المختلف عن المرتضى رحمه اللّه و رأينا في كتابه المسمّى بجمل العلم و العمل أنّه قال: كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشيء، فالعمل بما غلب على الظن، و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن و تساويه انتهي.
و به قال الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط و الاقتصاد و في التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود، و به قال القاضي رحمه اللّه، و به قال السيّد أبو المكارم رحمه اللّه في الغنية، و به قال ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة، و به قال بن أبي المجد رحمه اللّه في الاشارة، و ابن ادريس رحمه اللّه و كلامه مضطرب.
و في قبال هذا القول هو ما يتراءى من الفقيه و المقنعة للصدوق رحمه اللّه و من الشيخ رحمه اللّه في النهاية و الخلاف و من المراسم من قصر اعتبار الظن بالأخيرتين في الرباعية، فيستفاد بعد المراجعة في كلمات الفقهاء قدّس سرّهم أنّ المسألة ذات قولين بين أصحابنا قدّس سرّهم[33].
حیلوله(شکّ بعد از وقت)
ملاحبیب الله کاشانی
السابعة كل من شك في فعل الصلاة بعد أن خرج الوقت بنى على انه فعلها و من شك فيه و قد بقي الوقت بنى على عدمه
فصل هذا هو المشهور بل لا خلاف فيه صريحا و يدل على الحكم الاول مضافا الى ما يأتي انه لم يثبت بقاء التكليف بالصلاة ح فالاصل عدمه مع ان الظاهر من حال المسلم انه لا يترك الصلاة في وقتها و الاولى ان يستدل عليه بعموم قول الباقر ع في رواية محمد بن مسلم كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو اه و ربما يستدل له أيضا بقول الصادق ع في رواية محمد بن عيسى كل شيء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه اه و قوله أيضا في رواية زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء اه فتدبر و على الثاني عموم الامر بالصلاة في اوقاتها و الاشتغال بها ثابتة و الشك في البراءة فالاصل يقتضي عدم الاتيان بما يوجبها أصل روي في في عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن حماد عن حريز عن زرارة و الفضيل عن الباقر ع في حديث قال متى استيقنت او شككت في وقت فريضة انك لم تصلها او في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها و ان شككت بعد ما خرج وقت القوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى يستيقن فان استيقنت فعليك ان تصليها في اي حالة كنت اه و يروي الحلي فيما استطرفه من كتاب حريز عن زرارة عن الباقر ع قال اذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و تقضى الحائل و الشك جميعا فان شك في الظهر فيما بينه و بين ان يصلى العصر قضاها و ان دخله الشك بعد ان يصلى العصر فقد مضت الا ان يستيقن لان العصر حائل فيما بينه و بين الظهر فلا يدع الحائل لما كان من الشك لا بيقين اه فصل هذا الحديث بظاهره ينافي الحديث الاول و التعارض بينهما بالعموم من وجه و لا ريب ان المرجح مع الاول[34]
شیخ محمدجواد بلاغی
تنبيهات
[التنبيه] الأوّل: المفهوم المحصّل من قاعدة التجاوز و الفراغ و خروج الوقت، كونها توسعة و مندوحة من قاعدة الشغل و ما يجري مجراها من استصحاب الأمر و عدم الامتثال، كما يشهد لذلك لسان أدلّتها و سوقها في أنّ المضيّ إنّما هو لعدم الاعتناء بالشكّ المقتضي للتدارك خروجا عن العهدة.
و حيث يمتنع جريانها لأجل العلم الإجمالي فلا دليل على أنّ العود إلى المشكوك فيه قبل الدخول في الركن الذي بعده مناف لوضع الصلاة و مخلّ بها شرعا، كما في صورة الدخول في الركن، كما يشهد لعدم المنافاة وجوب العود مع العلم، و إن كثر المعرض عنه بالعود إلى التدارك و طال زمانه كما إذا أعرض عن قراءة الحمد و سورة طويلة و قنوت طويل، فالمحلّ للجزء و تداركه حيث لا تجري قاعدة التجاوز هو ما قبل الدخول في الركن الذي بعده، و لو شكّ في الدخول في الركن فمقتضى الأصل بقاء حكم التدارك للمشكوك فيه ما لم يكن الشكّ في الدخول في الركن ناشئا من الشكّ في عدد الركعات؛ لأنّه يعلم من أدلّة الشكوك في عدد الركعات في البطلان و البناء على الأكثر مع الاحتياط لها، و كيفيّته محافظة الشارع على أن لا يزيد عدد الركعات في الواقع، و لأجل ذلك سامح بزيادة التشهّد و السلام و تكبيرة الإحرام في كيفيّة احتياطها المتمّم على تقدير النقصان[35].
سید حسین بروجردی
الشكّ بعد الوقت
هذه القاعدة أيضا من القواعد التي تستفاد من السنّة، و يظهر من الشيخ قدّس سرّه في الرسالة أنّها ليست قاعدة مستقلّة، بل هي مع قاعدتي التجاوز و الفراغ مندرجة تحت قاعدة واحدة، حيث أورد الرواية الدالة على عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت في ضمن الأخبار الدالة على قاعدتي الفراغ و التجاوز، و قد مرّت الإشارة إليه سابقا.
كما أنّه يظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة، أنّ هذه القاعدة من مصاديق قاعدة التجاوز، حيث استند في إثباتها إلى الأخبار الخاصّة، و العمومات الدالة على أنّ الشكّ في وجود الشيء بعد انقضاء محله ليس بشيء
و لكنك عرفت تغاير قاعدتي الفراغ و التجاوز، وفاقا لما اختاره شيخنا العلّامة الخراساني في التعليقة على الرسائل و الظاهر أنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة ثالثة، و العمومات الواردة في قاعدة التجاوز لا تدلّ عليها، لأنّه لا يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى.»، أعم ممّا قد مضى نفسه أو محلّه أو وقته كما هو واضح.
و أمّا الأخبار الخاصّة فلا يخفى أنّه ليس هنا إلّا خبران:
1- ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت». و رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله
2- ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعا، فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين[36]»
بنا بر اکثر
سید حسن بجنوردی
21- قاعدة البناء على الأكثر
قاعدة البناء على الأكثر و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة «البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات إن كان الشكّ في الرباعيّة الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية».
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
و هو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام:
منها: موثّقة عمّار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه السّلام قال عليه السّلام: «كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السّلام: «كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السّلام: فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»
و منها: موثّقته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال: «ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمَّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» قلت: بلى، قال عليه السّلام: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»
و منها: موثّقة ثالثة عن عمّار أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا عمّار أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»
ثمَّ إنّ المراد من السهو- في الموثّقتين الأخيرتين- هو الشكّ لا السهو بمعناه الحقيقي، أي النسيان و ذلك أنّ الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة و لا بعدها فلا يتوجّه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه، و إن التفت إليه فإن كان في حال الصلاة و المفروض أنّ متعلّق النسيان هو ركعات الصلاة فإن كان ما أتى به ناقص فيجب أن يأتي بالباقي متّصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط، و ظاهر هذه الروايات و إن كان ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة و يجب إعادتها.
فالمراد بقرينة هذا الحكم- أي: قوله عليه السّلام «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت انّك نقصت» إلى آخره- هو الشكّ و إطلاق السهو على الشكّ بعلاقة السببيّة جائز لا ضير فيه، إذ المجاز بعلاقة السببيّة متعارف و معهود في اللغة.
و أمّا كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان، و دلالة الموثّقات الثلاث على هذا الحكم- أي البناء على الأكثر- واضح لا يحتاج إلى التكلّم فيه[37].
کثیر الشک
شیخ حسن کاشف الغطاء
الثامنة و الأربعون: و الأصل في كثير الشك عدم الاعتناء بشكه في جميع أنواع العقود فبنى على الصحة و كذا كل من خرج عن الاعتدال في إدراكاته و هما و ظنا و قطعا و كذا كثير السهو وجه قوي[38].
سید حسن بجنوردی
25- قاعدة لا شكّ لكثير الشكّ
قاعدة لا شك لكثير الشك و من جملة القواعد الفقهيّة قاعدة «نفي الشكّ و عدم اعتباره من كثير الشكّ في الصلاة»: أي حكمه، و لذلك قد يعبّر عن هذه القاعدة بأنّه: «لا حكم للسهو مع كثرته».
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
و هو الأخبار و الإجماع.
أمّا الإجماع:
فقد تكرّر منّا في هذا الكتاب أنّه لا اعتبار بها في مثل هذا الموارد التي وردت فيها أخبار معتبرة، للظنّ بل العلم بأنّ مدرك المجمعين هو هذه الأخبار، فلا بدّ من الرجوع إليها و أنّها هل تدلّ على هذه القاعدة أم لا؟
و أمّا الأخبار:
فمنها: صحيحة محمد بن مسلّم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»
و منها: صحيحة زرارة و أبي بصير- أو حسنتهما- قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال عليه السلام: «يعيد». قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّه؟ قال عليه السلام: «يمضي في شكّه»، ثمَّ قال عليه السلام: «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ». قال زرارة: ثمَّ قال عليه السلام: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»
محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله
و منها: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن ابن سنان، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»
و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا. و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟
فقال عليه السلام: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا» الحديث
و منها: مرسلة الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: قال الرضا عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك و لا تعد» و منها: ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» و منها: ما روى ابن إدريس في آخر السرائر منتهيا إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا سهو على من أقرّ على نفسه بسهو» هذه هي الأخبار الواردة في هذا الباب.
فنقول: أمّا دلالة صحيحة محمّد بن مسلم على عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه واضح بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشكّ في قوله عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» و هو كذلك إذ لو كان المراد منه النسيان- بمعنى أنّه يعلم بنسيان الجزء الفلاني كالركوع أو السجود- فلا يمكن ردعه، لأنّ حجّية العلم ذاتيّة ليس قابلا للردع، فلا بدّ و أن يكون المراد منه الشكّ و احتمال عدم الإتيان لا القطع بعدمه، فالمراد من قوله عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» هو أنّه إذا كنت شكّاكا فلا تعتن بشكّك، و احتمال النقيصة فيما إذا كان شكّك بالنسبة إلى عدم الإتيان بجزء أو شرط، و لا تعتن باحتمال الزيادة إذا كان شكّك بالنسبة إلى وجود مانع، و امض في صلاتك و الق احتمال عدم وجود شرط أو جزء، أو احتمال وجود مانع في صلاتك، أي ابن على تماميّة ما أتيت به، و عدم خلل فيه من حيث الزيادة و النقيصة.
و الفرق بينها و بين أصالة الصحّة أنّ الثانية تجري بعد الفراغ عن العمل و هذه القاعدة في الأثناء، و بينها و بين قاعدة التجاوز هو أنّ الثانية تجري بعد التجاوز عن المحلّ و هذه تجري و لو كان في المحلّ.
و أمّا صحيحة زرارة و أبي بصير: فصدر الرواية ربما يوهم خلاف المقصود، لأنّ جوابه عليه السلام بقوله «يعيد»- عن قولهما: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته- يدلّ على
الاعتناء بالشكّ و لو كان كثير الشكّ، بل الحكم بالاعتناء و الإعادة في نفس مورد كثير الشكّ.
لكنّه ليس كذلك، إذ المراد بهذه الجملة يمكن أن يكون أنّ الرجل ليس ممن يحفظ عدد الركعات دائما، بل يشكّ كثيرا باعتبار الوقائع المتعدّدة، مثلا في كلّ أسبوع يشكّ في عدد ركعات صلاته مرّتين و إن كان لا يصل إلى حدّ يتّصف بعنوان أنّه كثير الشك عرفا، و أنّه يشكّ في صلاة واحدة ثلاث مرّات، أو يشكّ في ثلاث صلوات متواليات في كلّ واحد منها مرّة واحدة.
فإذا كانت الكثرة في صدر الرواية بهذا المعنى فلا تنافي بين صدر الصحيحة و ذيلها حيث يحكم عليه السلام في الصدر بوجوب الإعادة في موضوع كثير الشكّ، و يحكم في الذيل بعدم الاعتناء بالشكّ و المضيّ في صلاته أيضا في هذا الموضوع، أي موضوع كثير الشكّ، لأنّه كما عرفت ليس كثرة الشكّ في المقامين بمعنى واحد.
و احتمل بعضهم أن يكون المراد بكثرة الشكّ في الصدر باعتبار تعدّد المتعلّق في تلك الواقعة الواحدة، أي تعدّد احتمالاته، مثلا يحتمل أن يكون ما بيده هي الركعة الأولى و بعد لم يتمها، و يحتمل أن تكون هي الثانية، و يحتمل أن تكون هي الثالثة و هكذا كثرة الاحتمالات بواسطة كثرة المحتمل، مع أنّه شكّ واحد في واقعة واحدة.
و لكن الإنصاف أنّ هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر قوله: «الرجل يشكّ كثيرا».
و استظهر المقدّس الأردبيلي قدّس سرّه من هذه الصحيحة التخيير بمعنى أنّ كثير الشكّ مخيّر بين أن يعتني بشكّه و يبني على عدم إيجاد المشكوك و يعيد الصلاة، و بين أن لا يعتني بشكّه و يبني على وجود المشكوك و يمضي في صلاته. فمفاد الصدر هو الشقّ الأوّل من شقّي التخيير، و مفاد الذيل هو الشقّ الثاني.
و حكى في الجواهر عن المحقّق الثاني أيضا التخيير بين البناء على وجود المشكوك
و وقوعه، و البناء على الأقلّ بمعنى عدم الإتيان بالمشكوك
و حكى عن الشهيد في ذكري أيضا أنّ عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه رخصة فيجوز أن يعمل على مقتضى الشكّ فيتلافى إن كان في المحلّ مثلا
و لكن أنت خبير بأنّ التخيير ينافي ظاهر هذه الروايات، حيث أنّه عليه السلام أمر بالمضي في صلاته، و الأمر ظاهر في الوجوب، خصوصا مع هذا التعليل و أنّ المضي و عدم الاعتناء بالشكّ رغما لأنف الشيطان و عصيان له و إذا عصى لا يعود، و نهيه عليه السلام عن تعويده بالاعتناء بالشكّ و أنّه إذا عصى لا يعود لأنّ الخبيث يريد أن يطاع فلا يعود إذا عصى، و نهيه عليه السلام عن الإتيان بالمشكوك بقوله: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا» في خبر ابن سنان.
و الحاصل: أنّ هذه الروايات لها ظهور تامّ في تعيّن المضي و وجوب عدم الاعتناء بالشكّ، و آبية عن التخيير بأيّ معنى كان ممّا ذكرنا، فما أفاده المقدّس الأردبيلي- و نسب إلى الشهيد في ذكري و إلى المحقّق الثاني في رسالته السهويّة- ممّا لا يمكن الموافقة معهم، و ليس كما ينبغي. و الإنصاف أنّه لا إشكال و لا غبار في دلالة هذه الروايات على هذه القاعدة، أي عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ.
ثمَّ إنّه بناء على وجوب المضي و عدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ لو أراد أن يتلافى المشكوك المحتمل العدم و أتى به، فالظاهر بطلان صلاته، لأنّه زيادة منهيّة عنها في الصلاة، إلّا أن يكون المشكوك المحتمل العدم من الأشياء التي يجوز فعله في الصلاة لكن لا بقصد الجزئيّة، بل يأتي بها بقصد القربة المطلقة، فالمتعيّن هو عدم الاعتناء بالشكّ و المضي في الصلاة بأن يبني على وجود المشكوك إن كان من الأجزاء و الشرائط، و على عدمه إنّ كان من الموانع، لأنّ هذا المعنى هو المتفاهم العرفي و ما هو
الظاهر من كلمة «يمضي» سواء كان بصورة الجملة الخبريّة، أو بصورة الإنشاء كقوله امض[39].
لا سهو فی سهو
سید حسن بجنوردی
الأمر السادس:
في أنّه لا سهو في سهو.
و يدلّ على هذا الحكم روايات:
منها: ما عن الشيخ في الصحيح- أو الحسن- عن حفص البختري، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»
و منها: ما عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنّه سئل أبا عبد الله عليه السّلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: أقعدوا،
و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتّفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو» الحديث
و عن الكليني عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السّلام نحوه
فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند و الصدور، خصوصا مع تلقّيها الأصحاب بالقبول، فالعمدة فهم المراد منها.
فنقول: الظاهر من قوله عليه السّلام: «لا سهو»، أنّ السهو- أي: السهو المنفي- بمعنى الشكّ، بقرينة نظائره في قوله عليه السّلام «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الركعتين الأوليين في كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة[40]».
لا شک فی النافله
سیدحسن بجنوردی
24- قاعدة لا شك في النافلة
قاعدة لا شك في النافلة و من جملة القواعد الفقهية المشهورة هو أنه «لا شك في النافلة».
و فيها جهات من البحث:
الجهة الأولى في مدركها
و هو أمران:
الأول: الروايات:
فمنها: قوله عليه السلام في حسنة البختري: «لا سهو في نافلة» بعد الفراغ عن أن المراد من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك.
و معلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا، و النفي التشريعي للأمور التكوينية لا بد و أن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشيء، و إلا فالشيء التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار، كما أنه لا يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار و التشريع و إلا ينقلب الاعتبار تكوينا، و هو خلف محال.
و الأثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية
و الثلاثية، و البناء على الأكثر في الرباعية، فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات- كما في صلاة الأعرابي و بعض الموارد الأخر المنصوصة- فمعنى نفي الشك فيها هو عدم وجوب البناء على الأكثر، بل إما البناء على الأقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط حكم الشك- أي البناء على الأكثر- بواسطة هذه الروايات و غيرها من الأدلة، و إما التخيير بين الأقل و الأكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات الصلاة إجماعا.
و إذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان، للروايات المستفيضة الواردة في هذا الباب، فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الأقل لو قلنا بحجية الاستصحاب في عدد الركعات، أو التخيير بناء على عدم حجيته.
و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال عليه السلام: «ليس عليك شيء- و في بعض النسخ- سهو» و على كلتا النسختين، النتيجة واحدة و هي صحة الصلاة و عدم وجوب البناء على الأكثر.
و منها: ما رواه في الكافي مرسلة و قال: و روى: «إذا سها في النافلة بنى على الأقل»
و ظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الأقل، و بناء على ما قلنا- من عدم دلالة الصحيحة على وجوب البناء على الأكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الأكثر، كما أنه يجب ذلك أي البناء على الأكثر، في الرباعيات من الفريضة فإنه حكم الشك فيها و مرفوع في النافلة- فلا تعارض بينها و بين المرسلة التي رواها الكليني، فتكون النتيجة هو البناء على الأقل.
و لكن لما تحقق الإجماع على التخير، بل قال في الأمالي: إنه من دين الإمامية، فلا يمكن الالتزام بالبناء على الأقل.
و بعبارة أخرى: مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة و عدم الاعتناء بالشك، فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه، سواء كان هو الأقل أو الأكثر، فربما يكون صرفته في البناء على الأكثر، فله أن يبني عليه، كما أنه إذا كان صرفته في البناء على الأقل له أن يبني عليه.
و هذا المعنى خلاف التخيير، بل معناه لزوم البناء على الأقل في صورة، و لزوم البناء على الأكثر في صورة أخرى، و ظاهر المرسلة هو تعين البناء على الأقل مطلقا.
و لكن بواسطة هذا الإجماع المحقق لا بد و أن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين خصوص الأقل أو الأكثر، أي يجمع بين الصحيحة و المرسلة هكذا.
و ربما يقال: بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير، لأن ظاهر قوله عليه السلام «ليس عليك شيء» هو أنك لست ملزما بشيء، فلو كان الواجب هو البناء على الأقل أو كان هو البناء على الأكثر فيلزم أن يكون عليه شيء، و هو وجوب البناء على خصوص الأقل أو خصوص الأكثر، فمقتضى نفي الشيء عليه هو التخيير.
هذا، و لكن الظاهر من نفي الشيء هو صلاة الاحتياط، أو سجود السهو، إن كان المراد من السهو خصوص النسيان، أو الأعم منه و من الشك.
و التحقيق: هو أنه لو لم يكن هذا الإجماع لكان مقتضى قوله عليه السلام: «لا سهو في النافلة» بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشك- نفي حكم الشك الذي هو البطلان في الثنائية و الثلاثية، و البناء على الأكثر في الرباعية، و بعد نفي هذين الاثنين، فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل، أو البناء على الأقل بناء على حجيته.
و أما خصوص البناء على الأكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا، و أما الصحيحة
فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة. و أما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها تعين البناء على الأقل، و أما تعين البناء على الأكثر فليس له أثر في الأخبار إلا إذا كان فيه الصرفة.
و الإنصاف: أنه لو لم يكن هذا الإجماع على التخيير كان المتعين هو الأخذ بالصرفة الذي هو مفاد الصحيحة، لأن المرسلة و إن كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على الأقل، إلا أن مخالفتها للشهرة بل الإجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف، فلا يمكن الالتزام بمؤداها.
و أما قوله عليه السلام في حسنة البختري «لا سهو في النافلة» فلا تعارض له مع مفاد الصحيحة، أي الأخذ بالصرفة، لأنه في مقام نفي حكم الشك لا البناء على خصوص الأقل أو الأكثر. و لكن هذا الإجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الأخذ بالأقل أو الأكثر و إن كان فيه الصرفة.
و ربما يقال: إن المراد من «لا سهو في النافلة» أو قوله عليه السلام «ليس عليه شيء» أي ليس عليه الإعادة- من جهة الحكم بالبطلان، كما هو كذلك في جملة من موارد الشك في الفريضة التي حكم فيها، ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح و المغرب، أو الذي لا يدري أنه كم صلى- أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الأكثر، أي يبني على الأكثر و ليس عليه صلاة الاحتياط، مثلا لو شك بين الواحد و الاثنين فيبني على الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته، أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا، كما أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة.
و احتمل أن الكليني قدس سره فهم- من صحيحة محمد بن مسلم- عن أحدهما قال:
سألته عن السهو في النافلة؟ قال عليه السلام: «ليس عليه شيء أو في نسخة أخرى: ليس عليه سهو» هذا المعنى، أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط و يجب البناء على الأكثر فقط، بخلاف الفريضة، لأن فيها الجبر و يجب فيها البناء على الأكثر أيضا.
فمفاد الصحيحة بناء على هذا هو، أنّ النافلة و الفريضة مشتركان في البناء على الأكثر، و الفرق بينهما هو أنّه ليس في النافلة جبر ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط، بخلاف الفريضة فإنّ فيها الجبر. و حيث فهم من الصحيحة هذا المعنى، أي البناء على الأكثر مع عدم الجبر ذكر بعد ذلك تلك المرسلة التي تدلّ على البناء على الأقلّ كي يجمع بينهما و بين الصحيحة بإرادة التخيير.
و لكن أنت خبير بما في هذا الاحتمال من الضعف و الخلل، و قد عرفت أن الظاهر من الصحيحة هو البناء على الصرفة، لأن الظاهر من كلمة «لا شيء عليه» أي يمضي في صلاته بدون أن يكون عليه شيء من الإعادة أو الجبر بصلاة الاحتياط، و لازم هذا المعنى هو الأخذ بالصرفة التي قلنا بها في معنى الحديث.
الثاني: الإجماع،
و قد ادعاه جمع من الأعاظم كما في المعتبر ، و الرياض ، و المصابيح، و التهذيب ، و عن مفتاح الكرامة نقلا عن الأمالي أنه من دين الإمامية ، و عن الغنية و الخلاف كما في الجواهر نقلا عنه حيث قال: لا سهو في النافلة، و به قال ابن سيرين. و قال باقي الفقهاء: حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو. دليلنا:
إجماع الفرقة، و أيضا الأصل البراءة، فمن أوجب حكما فعليه الدليل، و أخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى
و قد عرفت مرارا ما في الاستدلال بالإجماع في هذه الموارد فلا نعيد. نعم هذه الإجماعات المدعاة في أمثال المقام توجب الوثوق بصدور الرواية التي مفادها مفاد هذه الإجماعات[41].
لا شک للامام و المأموم
سید حسن بجنوردی
23- قاعدة لا شكّ للإمام و المأموم مع حفظ الآخر
قاعدة لا شكّ للإمام و المأموم مع حفظ الآخر و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة أنّه «لا شكّ للإمام مع حفظ المأموم» و كذلك بالعكس، أي لا شكّ للمأموم مع حفظ الإمام.
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
و هو أمران:
الأوّل: الروايات:
فمنها: مرسلة يونس عن الصادق عليه السّلام المروية في الكافي و التهذيب عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السّلام سألته عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس أو خمسة، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثة، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، و يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليه؟ قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط، الإعادة و الأخذ بالجزم» و خبر حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عنه أيضا، قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»
و هاهنا أخبار كثيرة ذكرها في الوسائل و لكن أغلبها يفيد معنى آخر غير ما نحن بصدده و إن ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب.
و فيما ذكرناه خصوصا مرسلة يونس غنى و كفاية، فإنّها صريحة في أنّ المورد مورد شكّ الإمام إمّا متساوي الطرفين أو الإمام مائل إلى أحد الطرفين فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم» فهذه الجملة تدلّ على عدم الاعتبار و الاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم سهوه عليه، فنزل عليه السّلام حفظ المأموم سهو الإمام عليه منزلة حفظ نفس الإمام سهوه. و الجملة الثانية- أي قوله عليه السّلام: «و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» تدلّ على أنّه لا اعتبار بشكّ المأموم مع حفظ الإمام سهوه عليه.
فالجملتان تدلّان دلالة واضحة على طرفي هذه القاعدة، أي: عدم الاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم، و عدم الاعتناء بشكّ المأموم مع حفظ الإمام. و حيث أنّ العمل بهذه الرواية متّفق عليه بين الأصحاب، و لم يخالف أحد منهم فلا مجال للقول بأنّها مرسلة و ضعيف السند.
الثانية: الإجماع،
فإنّه لم يخالف في هذا الحكم أحد من الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين. و قد تكرّر الإشكال في مثل هذه الإجماعات التي لها مدارك
معيّنة، فلا نعيد.
و قد يقال بوجه آخر لاعتبار هذه القاعدة من الطرفين، و هو أنّه يستفاد من مجموع أخبار هذا الباب أنّ صلاة الإمام مع صلاة المأموم كأنّهما صلاة واحدة و صادرة من شخص واحد، و بعبارة أخرى: كان المصلّي واحد، و لذلك تكون قراءة الإمام بدلا عن قراءة المأموم، فكأنّه هو قرأ، فبناء على هذا يكون حفظ أحدهما حفظ الآخر، فيجب على كلّ واحد منهما آثار حفظ نفسه- و إن كان شاكّا- عند حفظ الآخر، لما ذكرنا من أنّ حفظ كلّ واحد منهما يكون بمنزلة حفظ الآخر، فيجب على كلّ واحد منهما إلغاء شكّ نفسه و عدم الاعتناء بشكّه إذا كان الآخر حافظا، فيرتّب آثار الحفظ مع أنّه شاكّ و يلغى آثار الشكّ.
فلو شكّ أحدهما في الأوليين يلغى أثر الشكّ الذي هو البطلان، و يراجع إلى حفظ الآخر فيبني على صحّة صلاته، مع أنّه شكّ في الأوليين.
و لو شكّ في الأخيرتين يلغى أثر الشكّ، و هو البناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط منفصلة و مستقلّة، بل يرجع إلى حفظ الآخر و يتمّ صلاته و لا شيء عليه، لما ذكرنا من أنّ حفظ الآخر يحسب حفظه، فكأنّه ليس بشاكّ.
و لكن أنت خبير بأنّ هذا الكلام و إن كان استحسانا حسنا و لكن صرف الاستحسان و الظنّ بالملاك لا يمكن أن يكون مدركا للحكم الشرعي، و يحتاج إلي ورود دليل على ذلك و أنّ حفظ كلّ واحد منهما يحسب حفظا للآخر. نعم هذا الحكم في الجملة مورد الاتّفاق و ظاهر الروايات المعتبرة التي ذكرنا بعضها[42].
من ادرک
سید محمدکاظم مصطفوی
قاعدة من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة
المعنى: معنى القاعدة هو أنّ إتيان الركعة الواحدة من الصلاة في الوقت يكون بمنزلة إتيان الصلاة بتمامها في الوقت، فكلّ صلاة تقع ركعتها الاولى في الوقت، يكفي في تحقق الصلاة أداء فتكون الصلاة مجزية على أساس القاعدة.
المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
1- الروايات: و هي الواردة في باب المواقيت.
منها معتبرة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته دلّت على أنّ الركعة الواحدة من صلاة الفجر إذا وقعت في الوقت تكون بمنزلة وقوع الصلاة في الوقت بتمامها و كمالها، فتصبح الصلاة مجزئة، و بما أنّه لا خصوصية لصلاة الفجر يشمل الحكم جميع الصلوات.
و منها النبويّ الذي ذكر الشهيد رحمه اللّه في الذكرى، قال: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» فهذا النبويّ هي
القاعدة بنفسها.
و منها النبويّ الآخر عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الشمس» دلّ على أن إتيان الركعة الواحدة في الوقت تكفي في وقوع صلاة العصر أداء و بما أن النبويين مرسلان يستفاد منهما التأييد فقط.
2- التسالم: قد تحقّق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة فلا خلاف فيه بينهم. كما قال المحقّق صاحب الجواهر رحمه اللّه في هذا المقام: (و لو زال المانع فإن أدرك) من آخر الوقت ما يسع (الطهارة) خاصة أو مع سائر الشرائط على القولين (و) مسمّى ال (ركعة من الفريضة) الذي يحصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصح (لزمه أدائها) و فعلها، لعموم (من أدرك) و غيره (و يكون) بذلك (مؤدّيا) لا قاضيا و لا ملفّقا (على الأظهر) الأشهر بل المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجّة بعد كون الصلاة على ما افتتحت عليه، و بعد وجود خاصيّة الأداء فيه، ضرورة ظهور نص من أدرك الركعة و غيره ممّا دل على الحكم المذكور و قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: كل صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء و يجب الإتيان به فإن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت و قال السيّد الحكيم رحمه اللّه في أنّ الأمر يكون كذلك: كما هو المعروف و عن التذكرة و المدارك أنّه إجماعيّ و عن المنتهى لا خلاف فيه بين أهل العلم
و قال شيخ الطائفة رحمه اللّه: فإن لحق بركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلّها. و يكون مؤدّيا لها لا قاضيا لجميعها و لا لبعضها، على الظاهر من المذهب و الأمر كما أفاده.
فرعان
الأوّل: من المعلوم أنّ الاجتزاء في المقام يكون امتنانا على العباد في موارد خاصّة و عليه كان المتيقن لولا المتبادر من النصوص و الفتاوي هو فرض المانع و الاضطرار، و لا يجوز التأخير عن عمد إلى أن يبقى من الوقت ما يكفي لركعة واحدة فقط، كما قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: و لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك (بقاء الوقت للركعة الواحدة)
الثاني: قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: إذا أدرك ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبّات، محافظة على الوقت بقدر الإمكان. نعم في المقدار الذي لا بدّ من وقوعه خارج الوقت لا بأس بإتيان المستحبّات[43]
عدول
شهید اول
الفائدة السادسة عشرة العدول من الصلاة المعينة إلى صلاة أخرى، أو من الصوم فريضة إلى الصوم نافلة أو بالعكس،ليس من باب نية فعل المنافي، إذ لا تغير فاحشا فيه. و كذا في العدول من نسك إلى آخر، و من نسك التمتع إلى قسيميه، و بالعكس.
و يجب في هذه المواضع إحداث نية العدول إليه، و يحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة، فلو فعله بطلت. بخلاف باقي العبادات أو التلفظ بها في أول الصلاة، فإنه جائز، و لكن الأولى تركه، لأن مسمى النية هو:الإرادة القلبية، و هو حاصل، فلا معنى للتلفظ. و لأن السلف لم يؤثر عنهم ذلك.
و من زعم استحباب التلفظ ، ليجمع بين التعبد بالقلب و اللسان، فقد أبعد، لأنا نمنع كون التلفظ باللسان عبادة، و ليس النزاع إلا فيه[44]
صاحب عناوین
و تاسعها: أن الأصل أن لا يجزئ نية أحد الأمرين عن الأخر ، كما أن الأصل عدم إجزاء أحد الأعمال عن غيره، لأن كلا منهما مأمور به، و الأصل عدم التداخل، و قد تقدم تحقيقه و ما ثبت في بعض المقامات فإنما هو بالدليل.
و الأصل عدم جواز العدول عن نية إلى أخرى، لأن الواقع لا ينقلب، و هو من المستحيلات، إلا إذا قام الدليل الشرعي على ذلك، فيقوم أجزاء ما مضى مقام أجزاء ما سيأتي تعبدا، و قد ثبت ذلك في الفقه في مقامات لا يخفى على من راجعها. و الأصل أن تكون النية من نفس المكلف، و لا أثر لنية غيره، لأنه ظاهر أدلة النية، إلا فيما دل الدليل على خلافه، فلو كان عاجزا في وضوء أو غيره فوليه غيره ينوي العاجز دون المباشر، للقاعدة. و في النية بعد ذلك كله مباحث شريفة و فروع لطيفة و نكات و دقائق، من أرادها فليرجع إلى كتب الفروع بحسب المقامات الخاصة. و قد أورد جملة منها شيخنا الشهيد في قواعده تركناها لئلا يخرج عن وضع الكتاب الموضوع لتنقيح المشتركات خاصة[45].
العنوان الرابع في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل
عنوان 4 في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل: لا كلام في كون الشرائط المقارنة للعمل مؤثرة في تحقق الشيء و انتفائه و لزومه و جوازه و لواحقه و أحكامه، لكن قد يكون وجود المقارنات معلوما، فيتضح الحال من أول الأمر، و قد يكون غير معلوم، فيترقب إلى أن يحصل العلم بوجود الشرط في ذلك الوقت و عدمه، و يتوقف عليه الشيء توقف انكشاف، بمعنى أنه في الواقع إما ذلك الشرط موجود حال العمل أو ليس بموجود، فإما وقع أو لم يقع و لكن المكلف لا يدري به، مثل من طلق زوجته أو باع دابته أو أوصى بشيء من ماله لا يدري بأن شيئا من ذلك موجود في حال العقد أو لا، فيتوقف انكشاف الأمر إلى العلم، و ليس في مثل هذه الفروض توقف واقعي، بل في الواقع وقع على ما هو عليه. و كذا لو أبرأ ذمة شخص و لا يدري بكون الحق في ذمته، أو طلق بحضور شخصين لا يدري عدالتهما قاصدا للطلاق بزعم عدم اشتراط العدالة، فإنهما في الواقع إما عادلان أم لا، و نحو ذلك غيره، و ليس شيء من ذلك محل البحث.
و إنما البحث في أن الفعل متى ما وقع على وجه من الوجوه من نوع أو صنف في ذاته أو في أوصافه فهل هو قابل للانقلاب إلى شيء آخر مما يغايره في ذلك أو لا، بل الذي وقع على وجه لا يتغير عن وصفه بعد مضيه؟ فنقول: لا ريب أن مقتضى القاعدة عدم جواز انقلاب ما مضى، لأن الشيء إنما يتحقق بوجود المقتضي و فقد الموانع، و هو المعبر عنه ب (العلة التامة). فإذا وجدت العلة التامة لمعلول معين يوجد في الخارج على مقتضاها، و لا يمكن أن يكون لذلك الشيء المعلول شرط متوقع، أو حادث متأخر يوجب تغيره عما وقع، لأن ذلك موجب لتأثير المعدوم في الموجود و تغير ما وقع، و هو مستحيل عقلا، و ذلك من الواضحات التي لا تحتاج إلى إقامة دليل. فإذا وقع عبادة في وجه من وجوهها أو معاملة على كيفية من الكيفيات مؤثرة أو غير مؤثرة لازمة أو جائزة فلا يمكن بعد ذلك تبدله من أول الأمر.
لا يقال: إن عموم ما دل على أن العمل بالنية يقضي بأن العمل يتبدل بانقلاب النية كيف كان.
لأنا نقول: غاية ما دلت عليه هذه الأدلة كون العمل تابعا لها، و الظاهر منه العمل التام، لا الأبعاض، فليس كل جزء من العمل إذا تبدل فيه النية ينقلب عما و عليه في ضمن الكل، سلمنا ذلك، لكن لا يلزم من ذلك كون النية اللاحقة مغيرة للعمل السابق، بل إنما تؤثر في ما بعدها من العمل كلا أو بعضا، إذ النية اللاحقة قد تعارضها النية السابقة، فكما أن العمل تابع للاحقة فكذلك تابع للسابقة أيضا، فترجيح الثانية تحكم، غايته تبعية كل جزء منه لما صاحبه من النية، و هكذا الكلام في سائر الموانع اللاحقة، أو الشروط المتأخرة الموجبة لتغير العملالماضي عن مقتضاه، فإن غاية تأثيرها إنما هو من حين وقوعها، لا فيما قبلها من الكيفية.
موارد انقلاب و عدول
لكن قد ورد في الشرع موارد قد انخرمت فيها هذه القاعدة، بمعنى أن ظاهرها انقلاب ما مضى بما سيأتي بجعل الشارع، و تأثير الأمر المتأخر في المتقدم. و في ذلك مباحث: فلنورد أولا تلك الموارد، ثم نتكلم فيها على مقتضى القواعد، حتى يجعل قانونا كليا في هذا الباب يهتدي به أهل البصيرة و أولوا الألباب
منها: أيام الاستظهار في الحيض، فإنهم حكموا بأنه لو تجاوز الدم العشرة كشف عن أنه استحاضة، و إذا لم يتجاوز فهو حيض. و من الواضح أن الدم الموجود إن كان حيضا فلا ينقلب بالتجاوز، و إن لم يكن منه فلا يكون منه بالانقطاع. و ليس هذا مثل الأمثلة التي ذكرناها سابقا، إذ هذا يتوقف على شيء متأخر ممكن الحصول و العدم بخلاف ما سبق، فإن ذلك مقارن له وجودا أو عدما، و لكنه غير معلوم للمكلف.
و منها: صوم المستحاضة بالكبرى بناء على احتياجها بالأغسال الليلية أيضا، فإن الصوم متى تم فلا ربط له بغسل الليل، مع أن مقتضى احتياجها: أنها لو اغتسلت في الليلة الاتية صح الصوم و إن تركت بطل
عدول از نیت قصر به اتمام در محل تخییر و بالعکس
و منها: في نية القصر و الإتمام في محل التخيير، فإنهم يقولون: إذا نوى أحدهما و عدل في الأثناء و بنى على الأخر بني الأمر على الثاني، و يعود القصر تماما، و بالعكس.
تخییر بین زائد و ناقص
و منها: في التخيير بين الزائد و الناقص، فإن من يجوزه يقول: إذا أتى بالأقل فهو امتثال، و إذا ألحقه الزائد عاد المجموع امتثالا.
عدول از واجب به مستحب
عدول از اداء به قضاء
و منها: في العدول من الفرض أو النفل و الأداء أو القضاء إلى الأخر و لو مع الترامي و الدور، فإن ذلك موجب لانتقال العبادة الواقعة من نوع إلى نوع و انقلابه إليه.
عدول از نماز جمعه به ظهر
و منها: في عدول من زوحم في صلاة الجمعة عن إدراك ركعة إلى الظهر، فإنه ينقلب بذلك.
و منها: في خروج ناوي الإقامة عن محلها قبل الصلاة تامة، فإنه يقلب الإقامة كلا إقامة، فلو فاتت عنه صلاة في أثنائها يقضيها قصرا، و إن كان يؤديها قبل الخروج تماما
و منها: أنه يتعلق الزكاة على الغلات بالانعقاد، و لكن يستقر بصدق الاسم، فلو تلف قبله فلا زكاة، و على الأنعام بهلال الثاني عشر، مع أنه لو انخرم الشرط قبل تمامه لم تجب.
زکاه فطره مهمان؛ محتاج اذن میزبان
و منها: لو أدى الضيف زكاة الفطرة، فإن لحقه إذن المضيف مضى، و إلا فلا.
کمال ناقص قبل احد الموقفین
و منها: لو كمل الناقص لصغر أو رق أو جنون قبل أحد الموقفين عاد حجة الإسلام و أجزأت.
و منها: أنه لو قصر المال الموصى به لحج أو عتق و نحوه عنه عاد كالإرث.
عدول از حج افراد به تمتع
و منها: أن المفرد إذا عدل الى حج التمتع انقلب.
نذر ولد؛ محتاج اذن پدر
و منها: أنه إذا لحق إذن الأب في نذر الولد يمضي
و منها: إذا وقع عقد يشترط فيه القبض كالوقف و الصرف و السلم فإذا لم يلحقه بطل، و إلا صح.
اذن ولی امر در فضولیات و قهریات
و منها: إذن ولي الأمر في فضوليات العقود و قهرياته كما في المكره.
و منها: في إخراج ما هو مجهول واقعا مثل الطلاق و العتق بالقرعة، فإنه يعود معتقا و مطلقه من حين الصيغة.
و منها: الصدقة بما جهل مالكه كالصائغ لما تخلف عنده من تراب الصياغة أو المديون مع اليأس من صاحبه بشرط الضمان، فإنه يتصدق عن المالك، و إذا ظهر و أخذ العوض يعود للمتصدق، و إلا فيمضي.
و منها: في اختيار المشتري الأرش في باب الصرف لو كان المبيع معيبا بعد التفرق، فإنه يقضى ببطلان ما قابلة من النقد في المعاملة. و منها: قبول الوصية، فإنه موجب لوقوع ما مضى صحيحا، بخلاف ما لو رد.
طیب لبن ولد الزنا؛ محتاج اذن صاحب جاریه
و منها: في الرواية في باب الرضاع من لبن ولد الزنا أنه إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حلّ يطيب لبنها
و منها: في إجازة الورثة الوصية فيما زاد عن الثلث.
و منها: أنه لو أدى من أعتق نصيبه من العبد قيمة حصة شريكه كان العبد منعتقا من زمن الصيغة.
و منها: أنه يرد دية المرأة إلى النصف بعد بلوغها إلى ثلث الدية و لو تدريجا في وجه.
و منها: أن المرتد إذا لم يتب بانت زوجته من حين ارتداده، و إن تاب فهو باق.
و منها: أنه بعد إسلام الزوجة، لو أسلم الزوج في العدة فالنكاح باق، و إلا فبانت من حين إسلامها و غير ذلك.
إذا عرفت هذا، فنقول: إذا ورد الدليل على مثل هذه الأشياء، فالوجوه المحتملة القابلة للانطباق على القواعد أمور:
أحدها: القول بالنقل بمعنى الانقلاب من حينه، فإذا لحقه الشيء اللاحق جزءا كان أو شرطا أو وصفا أو معينا اختياريا للمكلف أو اضطراريا كما في الأمثلة السابقة يتبدل العمل الواقع تكليفيا أو غيره إلى ما يقتضيه الأمر اللاحق من حين لحوقه، بمعنى: أن ما مضى باق على حاله على ما كان سابقا، و يتغير الأمر فيما سيأتي، فيكون الشيء مركبا من طرفين متغايرين في الحكم.
و ثانيها: القول بالكشف، بمعنى: أنه إذا لحق هذا الشيء اللاحق للعمل كشف عن كونه في الواقع مؤثرا لهذا التأثير الجديد من أول الأمر، و لكن المكلف ما كان يعرف هذا المعنى إلى أن اتضح له الأمر بعد اللحوق و العدم.
و ثالثها: واسطة بين الأمرين قابل لأن تسميه نقلا و قابل لأن تسميه كشفا، و هو انقلاب الموضوع و تجدد التأثير من حين اللحوق، لكنه من أول الأمر.
و توضيحه: أن الأمر اللاحق مؤثر في الآثار و الأحكام، و ليس مجرد أمارة، و هو من هذه الجهة كالنقل، و لكن ليس تأثيره من زمان وقوع نفسه، بل من زمان وقوع أول العمل.
مثلا: في مثل الوصية إذا لحقها القبول من الموصى له بعد الموت، فمعنى كونه ناقلا: انتقال الملك إلى الموصى له من زمان قبوله. و أما ما بين زمن وقوع الصيغة و زمن القبول فهو باق في مال الموصي أو في حكم ماله و النماء تابع. و معنى كونه كاشفا: أن قبول الموصى له ليس له تأثير في الانتقال و العدم من زمانه، و إنما هو أمارة يعلم بها صحة الوصية و فسادها، فإذا لحقها القبول تبين صحتها و انتقال المال إليه من حين موت الموصي، و النماء المتخلل بين زمن الموت و زمن القبول مال الموصى له. و أما المعنى الثالث: فهو كشف في الثمرة و نقل في الاعتبار و الدليل، لأن مقتضاه: أن قبل وقوع القبول ليس المال مال الموصى له، لا واقعا و لا ظاهرا، و إنما هو في حكم مال الميت، و نماؤه كذلك و لكن إذا لحق القبول ينتقل، لكن لا من حينه، بل من حين الموت، بمعنى: أن الشارع يقول: إذا قبلت الوصية في هذا الزمان يصير المال الموصى به ملكا لك من زمان الموت، و لا بعد في ذلك، لا بحسب الدليل و لا بحسب الاعتبار، كما سينكشف لك.
و لما كان هذا التقسيم إنما هو لتحصيل الثمرة و هذا القسم ثمرته ثمرة القسم الثاني سماه بعض مشايخنا (الكشف بالمعنى الثاني) و جعل الكشف له معنيين. و لك أن تسمية (النقل بالمعنى الثاني) و إن وافق الكشف، بل هو في تأدية العبارة بالنقل أولى من الكشف، كما قرر. نعم، في الثمرة كالكشف. و لك أن تسمية وجها ثالثا مغايرا للوجهين واسطة بينهما، بل هو الموافق للتحقيق أيضا، إذ لا يلزم أن يكون ثمرته ثمرة الكشف مطلقا، بل لعل أن يتخرج له ثمرات تغاير الكشف بذلك المعنى، فعده قسما برأسه حينئذ أوجه.
و المتبع الان في تحقيق هذه الوجوه الدليل، و لا ريب أن الدليل الخاص في الموارد الدال على هذا التغيير و الانقلاب إن كان فيه دلالة على أحد هذه الوجوه الثلاثة فلا كلام في أتباعه. و أما في محل الشك كما في الغالب بل في الكل على ما تحقق فيحتمل القول بالنقل، نظرا إلى أن ما وقع من العمل و مضى لا دليل على انقلابه، بمعنى: أن أيام الاستظهار مثلا له حكم في الشريعة، إما طهر أو حيض، فإذا فعل المكلف العمل على مقتضى ذلك مضى، و تجاوز الدم صيره استحاضة من زمانه، لأنه المتيقن من الدليل. نعم، إذا دل الدليل على أن هذا يبدل من الأول فذاك كلام آخر. و مثل ذلك في صوم المستحاضة، فإذا حكم بصحته لا يؤثر ترك غسل الليلة الاتية إلا فيما بعدها، و إلا فيما قبلها فقد مضى. و كذلك في مسائل العدول في قصر و إتمام، أو صلاة، أو حج، أو غير ذلك مما مثلنا، فإن المتيقن من دليل العدول كونه من حين تغير النية، فما مضى مضى على نفليته أو قضائيته أو غير ذلك، و كذا في الأفراد و التمتع، و ما يأتي يتبدل، فيكون العبادة ملفقة من الأمرين، و كذا في انتقال حجه الناقص بأحد الأمور إلى حجة الإسلام، و كذا في خروج ناوي الإقامة، فإن الظاهر انتقاضه من حين الخروج، فما فات من الصلاة فات على تماميتها فيقضي كذلك. و مثل ذلك في لحوق إذن من يعتبر إذنه في الضيف، و زنا الجارية، و صوم الولد، و فضوليات العقد و قهرياته، و الوصية بما زاد عن الثلث، فإن ما وقع على نحو صحة أو فساد فهو باق على وضعه الأول، غايته التأثير بعد ذلك. و مثل ذلك في أداء المعتق قيمة الشقص، و القرعة المخرجة للمجهول، و الإسلام المبقي للزوجية، و التوبة في المرتد كذلك، و عدم رضى المالك بصدقة ما جهل مالكه، فإن المتيقن في ذلك كله كون التأثير من حين الوقوع و الحصول فيما بعد ذلك لا فيما قبله، و نحو ذلك القبض فيما يشترط ذلك في صحة، فينبغي الانتقال من حينه. و لأن هذا الأمر اللاحق من إذن أو قبول أو أداء أو فعل مغير إما شرط لوقوع هذا الأمر كذلك، أو جزء للسبب، فإذا كان كذلك فلا يعقل تقدم تأثيره و أثره على نفسه، لأن تقدم المشروط على الشرط محال، و كذا تقدم المعلول على العلة، إذ ليس معنى المشروط و المعلول إلا ما توقف وجودهما عليهما، فلو تقدم شيء منهما على وجودهما فلم يتحقق هناك توقف، إذ الوجود كشف عن وجود تمام العلة، و هذا ينافي الفرض من الشرطية أو السببية[46].
ج) در فضای معاملات
انحلال عقود
صاحب عناوین
العنوان الحادي و الثلاثون [انحلال العقد إلى عقود]
عنوان 31 من جملة القواعد المتداولة قولهم: العقد ينحل إلى عقود.
و البحث هنا في أمور:
أحدها: أن المراد من العقد هنا أعم من الإيقاع ، فكما أن البيع و الصلح و الهبة و الإجارة و الوقف و الوصية و الشركة و المضاربة و المساقاة و المزارعة و الوديعة و الرهن و القرض و النكاح و نحو ذلك ينحل إلى عقود، فكذلك الطلاق و الظهار و اللعان و الإيلاء و الإقرار و العتق، و الشفعة بناء على أنها إيقاع، و الإذن في وجه قوي تنحل إلى إيقاعات، على نحو ما يذكر في العقد كيفية و دليلا، كما سيفصل، و إن كان (العقد) في عبائرهم ظاهرا فيما عدا الإيقاع، إلا أن الوجه في المسألة واحد. و لو استنهضنا على القاعدة بإجماع الأصحاب لأمكن المنع في الإيقاعات بعدم دخولها تحت هذه العبارة، فتدبر.
و ثانيها: أنه ليس المراد من انحلالها إلى العقود عدها عقودا متعددة قطعا ، بحيث يعد من أتى ببيع واحد متعلق بأمور أو بأمر مركب أو طلاق واحد متعلق بثلاث نسوة ممتثلا لنذره أن يبيع ثلاث بيوع أو يطلق ثلاث طلقات، لأن الحكم فيه تابع للاسم.
و الغرض من الانحلال إنما هو انحلال الحكم، فيكون العقد الواحد في حكم العقود المتعددة بالنظر إلى الأحكام اللاحقة.
و المراد من الانحلال إلى العقود: انحلاله إلى عقود من جنسه لا من غيره. فالبيع بمنزلة بيوع، و الطلاق بمنزلة طلقات، و هكذا. و لا يخفى أن الانحلال لما كان إلى جنسه فلا بد أن يعتبر انحلاله في مورده، فلا يمكن حل البيع الناقل للعين إلى بيع و إجارة، و إن كانت المنافع تابعة للأعيان في الانتقال، لكنه ليس موردا لبيع المنفعة، و لا بد حينئذ اعتبار الانحلال إلى حد يمكن وقوع عقد مستقل بالنسبة إليه، فيمكن انحلال البيع إلى بيوع بمقدار أجزاء المبيع القابلة للانفراد بالبيع، و انحلال الإجارة إلى إجارات بمقدار الأجزاء المفروضة في العين المستأجرة القابلة للإجارة المستقلة. و من هنا علم: أنه لا ينحل طلاق امرأة واحدة أو الإيلاء و الظهار منها أو نكاح امرأة واحدة إلى عقود و إيقاعات، لعدم إمكان نكاح نصف مرأة، و كذا طلاقه و ما شابهه، فبطلان النكاح لو ظهر نصف الزوجة ملك الناكح لعدم إمكان الحل إلى عقدين، و كذا لو كان نصفها مملوكة للغير و لم يرض مالكها، فلا تذهل.
و ثالثها: أن المستند في هذه القاعدة أمور:
الأول: ظهور إجماعهم على هذا الانحلال كما نشير إليه في فروع الكثيرة، فإنهم يبنون على التبعيض و نحوه و يتمسكون بهذه القاعدة من غير نكير منهم كما لا يخفى على المتتبع، و هو الحجة.
موارد قاعده
و الثاني: الاستقراء ، فإنا قد تتبعنا موارد العقود و الإيقاعات فوجدنا انحلالها إلى عقود غالبا بإجماع أو نص، فكذا فيما لا دليل عليه. كما أنا وجدنا أنهم يقولون:
١.تلف بعض المبیع
٢.ظهور المبیع مستحقّاً للغیر
لو تلف بعض المبيع أو ظهر مستحقا صح البيع في الباقي،
٣.کون بعض المبیع مما لا یملک
و كذا لو كان بعضه مما لا يملك، كالخمر و الخنزير. و كذلك في الإجارة.
۴.تبین فساد عقد امرأه من الامرأتین
و لو عقد على امرأتين فظهرت إحداهما أخته صح في الأجنبية،
۵. تبین فساد طلاق احد امرأتین...
و لو طلق أو ظاهر أو آلى عن امرأتين فظهرت إحداهما فاقدة للشرط مضى الإيقاع في الأخرى، و كذا لو أقر بأمرين و ظهر فساده في أحدهما. و نظائر ذلك في المزارعة و الشركة و غير ذلك من العقود كثيرة، فإنهم لا يقولون ببطلان العقد من رأسه بسبب فوات بعض أجزاء المتعلق، و في بعض المقامات قد علم إجماعهم على ذلك، و في مقامات آخر دل النص عليه. و مقتضى هذا الاستقراء إلحاق ما عداهما بهما ما لم يعلم فيه الخلاف.
الثالث: أن ظاهر هذه الأسباب الشرعية أنها أسباب للنقل أو الفك أو الحبس أو نحو ذلك في كل شيء جعله الشارع قابلا لتعلق ذلك السبب به و تحقق ذلك الأثر فيه، فكل عقد أو إيقاع تعلق بمورد من الموارد فيؤثر في ذلك المتعلق بجميع أجزائه القابلة لتعلق ذلك السبب كما يؤثر في المجموع المركب، فإذا كان كذلك فتخلف بعض هذه الأجزاء لتلف أو كونه فاقدا لشرط التأثير أو وجود مانع فيه لا يضر بالآخر. و بعبارة اخرى: الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية، فكلما وجد مورد قابلا للتأثير يؤثر، و إذا لم يكن قابلا لفقد شرط أو وجود مانع فلا يؤثر فيه و يصير بمنزلة العقود المتعددة التي لا يلزم من بطلان بعضها بطلان غيره. فإن قلت: ظاهر التعلق بالأمر المجموعي يمنع من الانحلال إلى العقود و الإيقاعات. قلت: ما ندري أن هذا التعلق بهذه الأمور ارتباطي بمعنى أن تعلق البيع و الطلاق مثلا بهذا المتعدد موقوف على صحة جزء جزء أم لا؟ و الأصل عدم الارتباط، و رخصة الشارع في إجراء صيغة واحدة لهذا المجموع و إجراء صيغ متعدده للأجزاء القابلة للانفراد يدل على عدم ارتباط بعضها ببعض. و بعبارة اخرى: لا ريب في جواز انفراد الأجزاء بالبيع و الطلاق كما هو المفروض و جمعها في صيغة واحدة لا يوجب الارتباط، بل إنما يؤثر السبب في كل من الأمور القابلة للانفكاك دفعة واحدة، فلا فرق في الاجتماع و الانفراد سوى كفاية الصيغة الواحدة و عدمها، لا ارتباط الأجزاء بعضها ببعض. و لو فرض عدم كون بعضها قابلا للتأثير فلا يفترق الحال أيضا بين كونه منفردا أو مجتمعا، لأنه غير قابل للمسببية فلا يتأثر.
الرابع: أن معاوضة المجموع بالمجموع يقتضي كون الأجزاء أيضا متقابلة ، بمعنى أن يكون كل جزء من أحدهما في مقابل جزء من الأخر نسبته إلى المجموع كنسبة الأخر إلى مجموعة، و هذا أمر في العرف واضح، فتصير المعاوضة الواحدة المتعلقة بالمجموع في قوة معاوضات، بل معاوضات حقيقية لو لوحظ في العرف، و لازم ذلك ترتب الأحكام الشرعية اللاحقة على العقود المتعددة عليه. و هنا إشكال، و هو: أنه قد تقرر في العنوان السابق أن العقد يتبع القصد، فلو سلم مقابلة الأجزاء بالأجزاء و كون الأسباب مؤثرة حيثما وجد القابل لكن قد تقيد ذلك بالقصد فلا تأثير ما لم يقصد، و لا ريب أن قصد مقابلة المجموع بالمجموع لا يستلزم قصد مقابلة الأجزاء بالأجزاء، و لذا نرى أن كثيرا من الناس لا يرضون بمعاملة الجزء بالجزء، بل يرضون بمعاملة الكل بالكل، فالقصود في العقد و الإيقاع إنما تعلق بهذا المجموع دون كل جزء، فإذا فات بعض الأجزاء بتلف و نحوه فكيف يعقل صحة الباقي مع أنه غير مقصود؟ فكلامنا في هذا المقام ينافي قاعدة التبعية للقصد على إطلاقه، فلا بد إما من التفصيل، أو تخريج الجواب عن الأشكال. فنقول، يمكن أن يقال: أولا: إنا لا نسلم تعلق القصد بالمجموع المركب، بل ظاهر معاوضة الكل بالكل قصد مقابلة الأجزاء بالأجزاء، و مسألة التبعية و الاستقلال لا دخل لها فيما نحن فيه، إذ الكلام في أن معاوضة الأجزاء بالأجزاء مقصود أم لا. فنقول: ظاهر المقابلة خصوصا بعد ملاحظة المالية و كون المقصود القيمة قصد المعاوضة كيف كانت، و ما يرى في بعض الصور أنه يرضى بالمجموع و لا يرضى بالأبعاض فرد نادر محتاج إلى تعلق الغرض بخصوصية الهيئة دون أصل المعاملة. و كذا الكلام في الإيقاع، فإن كلامنا أعم، فإن من طلق امرأتين بطلاق واحد و صادف كون إحداهما فاقدة للشرائط، فنقول: ظاهر طلاقهما كون كل منهما مقصودا في الفراق، لا أن المجموع المركب كذلك، و إن كان قد يصير غرضه طلاقهما معا بحيث لا يرضى بكون إحداهما مطلقة دون الأخرى، لكنه يحتاج إلى قصد زائد على قصد طلاق المرأتين، فتدبر. و بالجملة: قصد الارتباط شيء زائد لا ندري حصوله، و الكلام فيما لم يصرح بذلك. فإن قلت: قصد الاستغراق أيضا كذلك. قلت: نحن لا نحتاج في صحة بيع الأجزاء إلى قصد الاستغراق، بل يتحقق ذلك بقصد الاستغراق أيضا و بقصد الارتباط و بقصد المجموع خاليا عن الأمرين، فإن هذه القصود لا تنافي صحة البيع، و ينتقل الأجزاء. نعم، الكلام في مانعية فوات بعض الأجزاء للبعض الأخر أو شرطية وجوده للاخر، و هو فرع جعل من الشارع و لم يحصل بل ورد خلافه، أو جعل من المتعاقدين و الفرض عدم العلم به، لأنا قد ذكرنا أنه محتاج إلى قصد الارتباط و التعليق، و هو غير محقق. نعم، لو صرح بذلك و قال: (بعتك هذه الدار بشرط ارتباط الأجزاء بحيث لو خرج بعضها مستحقا أو تلف بحيث انفسخ البيع أو ظهر بطلانه بنحو آخر لم أرض ببيع الباقي) لكان الحكم كذلك، لأنه شرط مقيد، و لا مانع من اشتراط مثل ذلك، فتأمل جيدا.
و ثانيا: ما ذكر من تعلق القصد بالمجموع و عدم الرضا بالتبعيض لو سلم وجوده فليس قصدا من العقد، و إنما هو قصد خارجي و إن كان داعيا. و بعبارة اخرى: ليس المراد من قولك (بعتك المال) أني لا أرضى بالتبعيض، إذ هو معنى غير هذا المعنى، و ذلك نظير ما إذا بنى البائعان على أن للبيع كل منهما فرسه بالآخر و تواطئا عليه، فقال أحدهما: بعتك فرسي بخمسة فقبل الأخر، ثم امتنع الأخر عن البيع، و هذا لا يضر بصحة البيع الأول و إن كان قاصدا أنه أيضا يبيع، لكن لم يكن من قوله: (بعت) قاصدا بشرط أن تبيع. و ثالثا: أنه لو سلم كون ذلك هو المقصود قد ذكرنا: أن المراد بالقصود هي القصود المدلول عليها بظاهر عبارة، لا القصد المحض، بمعنى أن اللفظ بلا قصد لا يكفي، لا أن كل قصد بغير دال يمضى، و قد ذكرنا: أن التعلق بالمجموع في اللفظ ليس دالا على قصد عدم الانفكاك، بل هو لو لم يكن ظاهرا في قصد كل جزء كما قررناه فليس ظاهرا في قصد الارتباط قطعا، و لو صرح به في اللفظ دخل تحت الشرط، و نحن نلتزم بذلك حيث صرح كما مر، فلا تذهل و رابعا: نفرض الكلام في صورة ما كان قاصدا للاستقراء و بحيث لا يكون هناك قصد مناف، فإنه لا ريب في انحلاله حينئذ إلى العقود بمقتضى الأدلة السابقة، و لا يعارضه قاعدة القصد و إن كان فيه كلام من جهة أخرى تأتي فإذا تم انحلاله في هذه الصورة لوجود المقتضي و انتفاء المانع لزم الانحلال في غيره بعدم القول بالفرق، إذ كل من قال بالانحلال لم يفرق بين ما كان قاصدا للعموم أو لم يكن، فتبصر....
و رابعها أن الظاهر أن انحلال العقد إلى العقود في جميع الأحكام إلا ما دل دليل على خلافه، و مقتضاه: أن كل عقد أو إيقاع متعلق بأمر مجموعي متى ما فقد شرط أو وجد مانع في البعض بطل ذلك و صح الباقي، فلو كان بعض المبيع غير مقدور على تسليمه أو غير مملوك أو العاقد بالنسبة إلى بعضه غير مالك و لاولي و لا مجاز فسد، دون الباقي، و لو تحقق الإجازة في بعض المبيع فضولا أو غيره من العقود الفضولية فينبغي الصحة في المجاز بالنسبة، و إن تأمل فيه بعض مشايخنا و لعله لعدم عده إجازة. و بالجملة: فكلامنا من حيث القاعدة، و ينبغي [أن يقال، خ ل ] إن ما يشترط بالقبض كالهبة و الوقف و السكنى و توابعه و الرهن و الصرف و السلم إذا حصل القبض في بعضه صح بالنسبة إلى المقبوض و إن بطل الباقي أو بقي مراعى لتوسع وقته، و كذلك ثبوت الخيار لو كان بعض المعقود عليه فيه خيار، كشراء شيئين أحدهما حيوان، أو نكاح امرأتين في عقد أحدهما مجنونة أو بها قرن، و لزوم انعتاق الباقي لو كان ممن ينعتق على المتملك و إن بطل الباقي، و ثبوت الشفعة فيما صح لو كان مشفوعا، فإنه كالمبيع المستقل، و نحو ذلك ضمان الأبعاض، لأن المبيع قبل القبض مضمون، و لحوق مقتضيات العقد من تعجيل و تقابض و لواحقه من التوابع اللاحقة لكل شيء بحسبه، و مسائل التنازع في عوض أو معوض أو إطلاق أو اشتراط أو نحو ذلك، و منها أيضا شرعية الإقالة، فإنها كما يجوز في تمام العقد يجوز في الأبعاض بالنسبة، لأنه بمنزلة عقود مستقلة يشرع فيها الإقالة. و أما عدم جريان الخيار في الأبعاض في غبن و نحوه، لأن دليل الخيار على خلاف القاعدة، و لم يثبت إلا في العقد من حيث هو مجموع واقع كذلك، و لو لم يكن مانع لقلنا بثبوته في الأبعاض، لكن لا دليل عليه. و بالجملة: بعد ما ذكرنا الانحلال فاللازم إجراء حكم العقود المستقلة على الأبعاض ما لم يعارضه معارض.
نعم، قد أفتى الشهيد رحمه الله و غيره بأنه لو أجل بعض الثمن في السلم بطل الكل، و عللوه بأن بطلان المؤجل لاشتراط التقابض و بطلان الحال لعدم معلومية التقسيط، إذ ما بإزاء الحال أزيد مما بإزاء المؤجل. قلت: الذي تقتضيه القاعدة الصحة في ذلك، لما قررناه، و هذه الجهالة غير قادحة، و قد أفتى جماعة بالصحة أيضا على ما في بالي فإن كان لهم دليل على البطلان قبلناه، و إلا فلا. و بملاحظة ما نبهنا عليه من الفروع يتنبه البصير على فروع لا تتناهى، و قد أشرنا إلى الأنواع إجمالا، و تفصيل الكلام يحتاج إلى مجال تام، و نحن من السرعة و العجالة بمقام.
و خامسها أنه قد أشرنا أن انحلال العقد إلى عقود إنما هو بعد ملاحظة متعلقاتها
، فإن البيع ينحل إلى العقود البيعية فيما تعلق به عقده و إن كانت المنافع أيضا تنتقل بالبيع تبعا، فلا يقال: إن البيع ينحل إلى بيع و إجارة. إذا عرفت هذا تعرف أن الانحلال يتوقف على معرفة متعلقات العقود، حتى يعرف أن أي شيء داخل و أي شيء خارج؟ و نحن نذكر إن شاء الله ضبط متعلقات العقود في اللواحق.
و من هنا وقع الخلاف في أن الأرش للعيب هل هو على القاعدة لأنه عوض ما فات من أحد العوضين، أم لا؟ و تنقيحه يحتاج إلى بيان أن الأوصاف داخلة في الأعواض عينا كانت أو منفعة أو ليست بداخلة فيهما مطلقا، أو فرق بين وصف الصحة و سائر الأوصاف و الأول داخل دون الباقي؟ وجوه ثلاثة، و حيث إن المسألة من فروع ما يتعلق به العقود فنؤخر بيانها إلى محله و نوضحه هناك إن شاء الله تعالى. فإن قلنا بدخول وصف الصحة في العوض صار الأرش على القاعدة يجري في كل معاوضة. و إن لم نقل بدخوله كما هو الأقوى فلا يكون على القاعدة، دل عليها الدليل في البيع، فيقتصر عليه أو يتسرى إلى غيره بتنقيح مناط و نحوه لا مطلقا، فانتظر لتنقيح المقام بعون الملك العلام[47].
شیخ حسن کاشف الغطاء
الرابع و الثلاثون: الأصل في نواقل الأعيان و المنافع أنه لو وقع العقد مع القابل و غير القابل صح القابل و بطل في غيره و يقسط في نواقل المعاوضة ما قابل الجميع على القابل فيسقط منه بحساب غير القابل إذا كان متمولًا و لو عند مستحليه كالخمر و الخنزير و ما لا يتمول يحتمل جعل الجميع بإزاء القابل و يحتمل الفرق بين تقديره مالًا متصفاً بصفة فيقوم فيسقط عنه ذلك و يحتمل الفرق بين العلم و الجهل و يحتمل البطلان هنا و في كل ما يبيع و فيه غير القابل لأن العقد لا يتبعض و لعدم حصول الرضا بالنقل المقصود فما وقع لم يقصد و لارتباط الرضا بالنقل بعضه ببعض و الكل ضعيف كما ترى لمنع تبعض العقد بل هو انصباب على القابل دون غير القابل فغير القابل منصرف عنه إلا أنه بطل بقدره و لمنع عدم القصد لان القصد إلى الجميع حاصل فالقابل مقصود بالنقل بما قابله و لمنع الشرطية في الارتباط غايته إن وقع على ذلك الحال لأن ذلك الحال شرط في نقله فهو نقل بصيغة لا شرط لوصف[48].
اذن لاحق
صاحب عناوین
العنوان الرابع في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل
عنوان 4 في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل: لا كلام في كون الشرائط المقارنة للعمل مؤثرة في تحقق الشيء و انتفائه و لزومه و جوازه و لواحقه و أحكامه، ... و إنما البحث في أن الفعل متى ما وقع على وجه من الوجوه من نوع أو صنف في ذاته أو في أوصافه فهل هو قابل للانقلاب إلى شيء آخر مما يغايره في ذلك أو لا، بل الذي وقع على وجه لا يتغير عن وصفه بعد مضيه؟ فنقول: لا ريب أن مقتضى القاعدة عدم جواز انقلاب ما مضى، ...
موارد انقلاب و عدول
لكن قد ورد في الشرع موارد قد انخرمت فيها هذه القاعدة، بمعنى أن ظاهرها انقلاب ما مضى بما سيأتي بجعل الشارع، و تأثير الأمر المتأخر في المتقدم. و في ذلك مباحث: فلنورد أولا تلك الموارد، ثم نتكلم فيها على مقتضى القواعد، حتى يجعل قانونا كليا في هذا الباب يهتدي به أهل البصيرة و أولوا الألباب ...
زکاه فطره مهمان؛ محتاج اذن میزبان
و منها: لو أدى الضيف زكاة الفطرة، فإن لحقه إذن المضيف مضى، و إلا فلا....
نذر ولد؛ محتاج اذن پدر
و منها: أنه إذا لحق إذن الأب في نذر الولد يمضي
اذن ولی امر در فضولیات و قهریات
و منها: إذن ولي الأمر في فضوليات العقود و قهرياته كما في المكره....
طیب لبن ولد الزنا؛ محتاج اذن صاحب جاریه
و منها: في الرواية في باب الرضاع من لبن ولد الزنا أنه إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حلّ يطيب لبنها
و منها: في إجازة الورثة الوصية فيما زاد عن الثلث.
و منها: أنه لو أدى من أعتق نصيبه من العبد قيمة حصة شريكه كان العبد منعتقا من زمن الصيغة[49].
تبعّض صحت
شیخ حسن کاشف الغطاء
السابع و الثلاثون: الأصل في العقد أن لا يصح من جانب و يفسد من جانب آخر
سواء كان بالحكم الواقعي أو الظاهري فلو تبايعا مجتهدان أو مقلدان لمجتهدين مختلفين في بيع المعاطاة صحة و فساداً في صحة بيع الكلب و فساده و في صحة بيع الدهن النجس و فساده و في صحة العقد بغير العربي و فساده إلى غير ذلك من بيع العقود أو مما عليه معقود كان العقد باطلًا كلّه للأصل لأن النتيجة تتبع أحسن المقدمتين و احتمال أنه يصح كله من جانب و يفسد كله من جانب و محال أنه يصح أحد ركنيه من جانب و يفسد الركن الآخر من جانب آخر لارتباط ركني بعضه ببعض نعم يمكن أن يقال أن العقد كله صحيح بالنظر لمن يرى صحته و كله باطل بالنظر لمن يرى بطلانه و لا يضر اختلاف الحكم الشرعي بالنظر إلى اختلاف المجتهدين فلو كان دافع الثمن يرى صحة العقد لوجب عليه دفعه و كان قبض المبيع حلالًا عنده لأنه ما لم ينظره و لو كان دافع المبيع يرى البطلان كان دفعه له حراماً و قبضه للثمن كذلك و لزوم عليه رده فله المطالبة بمبيعه و لما لم يكن لصاحب الثمن أن يأخذه لأنه برأيه مال غيره كان له أن يمتنع من رد المبيع و يبقى ما لا يدّعيه احد فيرجع إلى الحاكم الشرعي و لو تداعيا عند من يرى صحة العقد فحكم عليهما بالصحة لزمهما ذلك ظاهراً أو كان تكليفهما واقعاً ما ذكرنا و يحتمل جريان الحكم عليهما ظاهراً أو واقعاً و كذا لو تداعيا عند من يرى فساده فحكم عليهما بالفساد و لزمهما ذلك و لو تداعيا عند من يرى كلًا منهما يمضي على ما يراه لزمهما ذلك إلا أنه قد يؤدي إلى النزاع و الشقاق فلا بد للحاكم من نهي من يرى الفساد أن لا يتعرض من يرى الصحة و إن لزمه طرح ماله عليه لأن الحاكم منصوب لتلك المصالح و لو عقد مخالف مع موافق عقد مزابنة أو عقد على ما لا يصح تملكه عند الموافق كان ما أخذه الموافق سحتاً على الأظهر و الزمهم بما ألزموا به أنفسهم خاص فيما إذا وقع العقد بينهم و يحتمل حليته لظاهر الخبر و أما ما أخذه المخالف فالأظهر حليته بالنسبة إلى من يتناوله منه إلزامهم لهم بما ألزموا به أنفسهم و إن لكل قوم عقد و أما بالنسبة إليه فصحّت[50].
د) در روابط اجتماعی
الفراش
سیدحسن بجنوردی
37- قاعدة الفراش
قاعدة الفراش و من جملة القواعد الفقهيّة المعروفة قاعدة «الولد للفراش».
و فيها جهات من البحث:
[الجهة] الأولى في مدركها
فنقول: و هو الحديث المشهور المعروف بين جميع الفرق و الطوائف الإسلاميّة، و لم ينكره أحد من المسلمين، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»
و قد روى هذا الحديث في الصحاح المعتبرة عندهم هكذا عن عائشة، قالت: كان عتبة بن أبي وقّاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقّاص أنّ ابن وليدة زمعة مني فأقبضه. قالت: فلمّا كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقّاص، و قال ابن أخي قد عهد إلىّ فيه، فقام عبد بن زمعة، فقال: أخي و ابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال سعد: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ابن أخي كان قد عهد إلىّ فيه، فقال عبد بن زمعة أخي و ابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «هو لك يا عبد بن زمعة» ثمَّ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». ثمَّ قال صلّى اللّه عليه و آله لسودة- بنت زمعة زوج النّبي صلّى اللّه عليه و آله- «احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة: فما رآها حتّى لقي اللّه تعالى»
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في جواب معاوية: «و أمّا ما ذكرت من نفي زياد، فإنّي لم أنفه بل نفاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر»
و كتب الحسن عليه السّلام في جواب زياد- لمّا كتب زياد إليه عليه السّلام: من زياد بن أبي سفيان إلى حسن بن فاطمة عليه السّلام يريد بذلك إهانته عليه السّلام-: من حسن بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى زياد بن سميّة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»
و رواية حسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته و يسأل عن رجل اشترى جارية، ثمَّ وقع عليها قبل أن يستبرأ رحمها، قال عليه السّلام: «بئس ما صنع يستغفر اللّه و لا يعد» قلت: فإن باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها، ثمَّ باعها الثاني من رجل آخر، فوقع عليها و لم يستبرء رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«الولد للفراش و للعاهر الحجر»
و رواية سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد، لمن يكن الولد؟ قال: «للذي عند الجارية، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»
و لا ينبغي البحث عن صدور هذا الحديث الشريف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّ صدوره قطعيّ.
و ذلك من جهة أنّ إلحاق معاوية زياد بن سميّة بأبي سفيان صار سببا لاشتهار هذا الحديث بين المحدّثين و المؤرّخين، إذ هذه القضية العجيبة التي كانت خلاف نصّ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله وقعت في زمان وجود جمع كثير من الصحابة الكرام، و أنكروا كلّهم هذا الأمر على معاوية لمّا سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا النصّ الصريح، و لذلك اشتهر و نقله المحدّثون و أغلب المؤرّخين، و ذكروا له المطاعن الأربعة المعروفة عند جميع المسلمين: بغيه على أمير المؤمنين عليه السّلام، و قتله حجر بن عدي الذي كان من خيار أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إلحاق زياد، و نصبه يزيد ابنه خليفة من بعده و أميرا على المسلمين.
و لما ذكرنا فمدّعى القطع بصدور هذا الحديث ليس بمجازف، و على كلّ حال ثبوته و صدوره من المسلّمات بين المسلمين.
[الجهة] الثانية في بيان مدلول هذا الحديث و المتفاهم العرفي منه...
و أمّا المتفاهم العرفي من هاتين الجملتين:
أمّا الجملة الأولى، فهي عبارة عن أنّ الولد مخصوص بالزوج، و ليس لأحد غيره حقّ و نصيب فيه، و هذا المعنى نتيجة حصر المبتدأ في الخبر الذي يقولون به في علم البلاغة إذا كان المبتدأ معرّفا بالألف و اللام، كقولهم: الكرم و الفصاحة في العرب.
و لا شكّ في أنّه صلّى اللّه عليه و آله في مقام بيان الحكم الشرعي، لا في مقام الإخبار عن أمر خارجي، و ظاهر القضايا الشرعيّة التي بصورة الأخبار كلّها من هذا القبيل، أي و إن كانت بحسب الصورة جمل خبريّة، لكنّها في الحقيقة إنشاءات بصورة الإخبار عن وقوعها في أحد الأزمنة الثلاثة.
مضافا إلى أنّها لو كانت إخبارات عن الأمور الخارجيّة تكون غير مطابق مع الواقع في كثير من الأحيان، فقوله عليه السّلام: «يغتسل» و «يعيد» و أمثال هذين في مقام بيان الأحكام الشرعيّة، فربما لا يغتسل و لا يعيد.
و في نفس محلّ الكلام لو كان قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش» إخبارا عن أمر واقع، ربما لا يكون كذلك، أي يكون الولد واقعا لغير الفراش، خصوصا في الأزمنة التي تشيع فيها الفجور، و لا يمكن أن يصدر الكذب منه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله معصوم، فهذا وجه آخر لأنّها إنشاءات لا إخبارات.
فإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ من القول بأنّه صلّى اللّه عليه و آله في مقام جعل الفراش أمارة معتبرة في مقام الإثبات لإثبات أنّ المولود في فراش شخص يكون له، و ليس لآخر نصيب فيه. و من المعلوم أنّ جميع الأمارات الشرعيّة كالعرفيّة- بل هي أيضا عرفية في الأغلب أمضاها الشارع- قد تخطّى، لكنّها غالب المطابقة، و هذا مناط جعلها أمارة.
و أيضا معلوم أنّ أماريّة الأمارة منوطة بعدم القطع على خلافها و على وفاقها أيضا، إذ مع القطع بأحد الطرفين لا يبقى مجال للتعبّد.
أمّا في صورة كون القطع على وفاقها، فحجّية الأمارة تكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبّد، الذي هو أسوء من تحصيل الحاصل المحال.
و أمّا في صورة كونه على خلافها، فمن جهة عدم إمكان جعل الطريق و المثبت للذي خلافه ثابت لديه، فالأمارة المعتبرة حجّة لمن يكن شاكّا في مؤدّاها، فإذن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش» يكون أمارة في مورد الشكّ في أنّ الولد هل لصاحب الفراش أو لغيره، و إلّا فمع أنّه له أو لغيره لا يبقى مجال للتمسّك به في مقام الإثبات.
نعم حيث أنّه بناء على ما ذكرنا أمارة معتبرة لا يعتنى بالظنون غير المعتبرة على خلافها، كما هو الحال في كلّ أمارة، مثلا لو شهدت البيّنة العادلة على أنّ فلانة زوجة فلان مع عدم نفيه، فالظنّ غير المعتبر على أنّها ليس زوجة له لا أثر له.
و فيما نحن فيه بعد ما جعل الشارع الفراش أمارة على أنّ الولد لصاحب الفراش، فكونه شبيها بالزاني و إن كان يوجب الظنّ بأنّه له، و لكنّ الشارع لم يعتبر هذا الظنّ، فلا أثر له في مقابل الحجّة المعتبرة، و لذلك هو صلّى اللّه عليه و آله لم يعتبر و لم يعتن بالشبه الذي كان بين الولد و عتبة بن أبي وقّاص، و ردّ دعوى سعد بن أبي وقّاص، و حكم بكون الولد لزمعة، معلّلا بأنّه صاحب الفراش. و أمّا أمره صلّى اللّه عليه و آله زوجته سودة أمّ المؤمنين بالاحتجاب عن ذلك الولد للشباهة التي كانت بينه و بين عتبة- مع أنّه صلّى اللّه عليه و آله حكم بأنّه أخوها- فمن باب الاحتياط، و قد تقرّر في الأصول أنّ الاحتياط حسن عقلا و شرعا، حتّى مع وجود الحجّة المعتبرة على أحد الاحتمالين. و هذا الحديث أيضا أحد الأدلّة على حسنه شرعا، بل استحبابه إن كان أمره صلّى اللّه عليه و آله باحتجابها منه مولويّا، لا إرشاديّا إلى حسن الاحتياط.
و من جملة الظنون غير المعتبرة التي لا تقاوم هذه الأمارة قول القافة بواسطةالأمارات التي عندهم، و لا شكّ في أنّ قولهم يوجب الظنّ، و لكنّ الشارع لم يعتبره....
و من جملة الظنون التي لا تقاوم هذا الأمارة المعتبرة، الأمارات الظنيّة غير المعتبرة شرعا و لكنّ العرف يعتمدون عليها، من قبيل تحليل الدم و أمثاله الشائعة في هذه الأعصار عند الأطبّاء، و لكن كلّ ما ذكرنا من عدم مقاومتها لهذه الأمارة المعتبرة يكون فيما إذا يوجب الظنّ.
و أمّا إذا أوجب القطع بأنّ الولد لغير صاحب الفراش، فلا يبقى مجال لإجراء هذه القاعدة، لأنّها أمارة عند الشكّ.
و ممّا ذكرنا ظهر أنّ نفي النسب عن الزاني أو عن غيره ممّن هو ليس بصاحب الفراش في صورة إمكان الانتساب إلى صاحب الفراش.
و أمّا إذا لم يكن- كما إذا كان الزوج في سفر طويل، أو كان غيبته عنها لسبب آخر كالسجن الطويل مثلا و أمثال ذلك- فلا تجرى هذه القاعدة، و بناء على هذا لو ولدت بعد الزواج بمدّة أقلّ من أقلّ الحمل، أو ولدت بعد غياب الزوج بمدّة أكثر من أكثر الحمل فلا يجوز الإلحاق بهذه القاعدة.
هذا هو شرح الجملة الأولى من الحديث الشريف[51].
الوطی بالشبهه
آميزش به شبهه [- وطى به شبهه]:
آميزش با زن بيگانه به گمان حلال بودن.
آميزش به شبهه يا به جهت اشتباه در موضوع است مانند آميزش با زن بيگانه به گمان آن كه همسر او است، يا به جهت اشتباه در حكم مانند آن كه خواهر كسى را كه با او لواط (--> لواط) كرده، به همسرى خويش در آورد و به گمان صحّت عقد، با وى آميزش نمايد. از اين موضوع در باب نكاح سخن رفته است.
آميزش به شبهه موجب ثبوت حدّ زنا نمىشود، ليكن موجب ثبوت نسب (--> نسب) و عدّه (--> عدّه) براى زن مىگردد. اين عمل همچنين موجب ثبوت مهر المثل (--> مهر) براى زن مىشود، در صورتى كه شبهه براى دو طرف يا زن به تنهايى پديد آمده باشد، امّا در صورت آگاهى زن از حرمت، مهر المثل ساقط است. در ثبوت نفقه زن بر مرد در صورت آبستن شدن وى با آميزش به شبهه، اختلاف است. به قول مشهور، آميزش به شبهه از جهت نشر حرمت (--> نشر حرمت)، حكم آميزش به عقد نكاح صحيح را دارد و موجب حرمت مادر، دختر، نوۀ دخترى زن بر مرد از يك سو، و پدر، پسر و نوۀ پسرى مرد بر زن از سوى ديگر مىشود. البته اين حكم در فرضى است كه پيش از ازدواج با يكى از آنان آميزش صورت گيرد و گرنه، موجب نشر حرمت نمىشود[52]
[1] مائة قاعدة فقهية؛ ص: 123-١٢۵
[2] موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام؛ ج2، ص: 99-١٠٠
[3] القواعد و الفوائد؛ ج2، ص: 242-٢۴۵
[4] القواعد الفقهية (جامعة الأصول)؛ ص: 270-٢٧١
[5] العناوين الفقهية؛ ج2، ص: 743-٧۴۶
[6] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج4، ص: 153-١۵٨
[7] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 463-۴٨٠
[8] تحرير المجلة؛ ج1قسم1، ص: 19-٢٠
[9] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 419-۴٢٣
[10] القواعد الفقهية (بحر الفوائد)؛ ج2، ص: 65-۶٧
[11] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج5، ص: 47-٨١
[12] القواعد و الفوائد؛ ج1، ص: 322-٣٢٣
[13] مجله فقه اهل بيت عليهم السلام (فارسى)؛ ج9، ص: 152-١٧٨
[14] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 445-۴۵٢
[15] مختلف الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج4، ص: 176-١٧٧
[16] مائة قاعدة فقهية؛ ص: 219-٢٢١
[17] مائة قاعدة فقهية؛ ص: 209-٢١١
[18] العناوين الفقهية؛ ج2، ص: 493-۵٠٣
[19] الظاهر زیاده الواو تصحیفاً
[20] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 135-١٣۶
[21] أنوار الفقاهة - كتاب النكاح (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 131-١٣
[22] الرسائل الفقهية (للبلاغي)، ص: 235-٢٧
با توجه به طولانی بودن اصل نوشته مرحوم بلاغی، صرفاً سرفصل آن در متن بیان شده است.
[23] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج3، ص: 177-١٨٢
[24] رسائل فقهى (علامه جعفرى)؛ ص: 81-٨٢
[25] موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام؛ ج5، ص: 226-٢٢٧
[26] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 138
[27] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 141
[28] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 151-١۶١
[29] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج1، ص: 326-٣٢٩
[30] العناوين الفقهية، ج1، ص: 340-٣۵٢
[31] العناوين الفقهية؛ ج2، ص: 555-۵٨٠
[32] رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط؛ ص: 2-١١
[33] تبيان الصلاة؛ ج7، ص: 79-٨٠
[34] مستقصى مدارك القواعد؛ ص: 136-١٣٧
[35] الرسائل الفقهية (للبلاغي)؛ ص: 18٧
[36] نهاية التقرير؛ ج2، ص: 471-۴٧٢
[37] القواعد الفقهیه، ج ٢، ص ١٨٣-١٨۴
[38] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 142
[39] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج2، ص: 343-٣۵٠
[40] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج2، ص: 258-٢۵٩
[41] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج2، ص: 315-٣٢١
[42] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج2، ص: 277-٢٨١
[43] مائة قاعدة فقهية، ص: 277-٢٧٩
[44] القواعد و الفوائد؛ ج1، ص: 97
[45] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 407
[46] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 113-١٢١
[47] العناوين الفقهية، ج2، ص: 69-٨١
[48] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 134-١٣۵
[49] العناوين الفقهية؛ ج1، ص: 113-١١٨
[50] أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 136-١٣٧
[51] القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج4، ص: 21-٢٩
[52] فرهنگ فقه مطابق مذهب اهل بيت عليهم السلام؛ ج1، ص: 150-١۵١
بدون نظر