رفتن به محتوای اصلی

[التعلیقه الثالثه]

(***) قول الماتن قده:

«و إن كان الفرض بعيدًا يعني عدم الرؤية مع الفرض المذكور في طول هذه المسافة الطوليّة في طول البلاد بلا آلة أو معها للمستهلّ»

[دفع الاستیحاش]

 فنسأل: هل الهلال هلالٌ واحدٌ يتحقّق لكلّ الكرة الأرضيّة أم هلالات لكلّ بلد؟

لا يشكّ أحد في أنّ الهلال هلالٌ واحدٌ لجميع البلاد، و القمر في لحظةٍ معينةٍ واحدةٍ يحصل له المقارنة للشمس (أي الاقتران المرکزيّ دون السطحيّ)، و يسير في مسيره شيئًا فشيئًا حتّی يصير قابلًا لرؤيته هلالًا بالتلسكوب، و ذلك يختلف بالنسبة إلی البلاد اختلافًا کثيرًا، لكن الراصدين اليوم يحصلون بالبرامج الحاسوبية خرائط عالمية بمعايير مختلفة تصوّر للناظر موقعية کلّ بلد بالنسبة إلی إمكانية رؤية الهلال في صورة شكل شلجمي و قطع مكافئ،

 و ما نستفيده من هذه الخرائط أنّ البلاد الواقعة في رأس الشلجمي، و هي تختلف في کلّ شهر، لا تمكن فيها الرؤية إلّا بالتلسكوب، و بعد مُضيّ بضع ساعات، تنقسم البلاد بالنسبة إلی إمكانيّة الرؤية إلی ما تمكن فيها الرؤية بالعين المجرّدة و ما لا تمكن إلّا بالعين المسلّحة، و هذه نكتة مهمّة جدًّا، فرُبَّ بلدٍ لا تمكن فيه الرؤية إلّا بالتلسكوب و في نفس اللحظة في بلدٍ آخر مشارك معه في الغروب تمكن فيه الرؤية بالعين المجرّدة، و هذا ممكن حتّی علی الفتوی المشهورة بين الفقهاء من لزوم اشتراك الأفق في کفاية الرؤية في بلدٍ لآخر، فإنّ الشلجمي يعطي بوضوح أنّه يمكن في بلدين قريبين مختلفين في العرض أن لا تمكن الرؤية في أحدهما إلّا بالعين المسلّحة، و في الآخر تمكن الرؤية بالعين المجرّدة.

[الکثره النفسیه؛‌الکثره الاضافیه]

و ممّا ينبغي الالتفات إليه في العمل بالأصول العملية، تفاوت الكثرة النفسية و الإضافية، مثلًا إذا وقع المكلّف في عمره لأجل عمله بأصالة الطهارة في مئة اشتباه، فهذا کثير في نفسه، لكن بالإضافة إلی آلاف الموارد التي قد أصابت أصالة الطهارة فليس بكثير،

 و کذلك العمل بالاستصحاب في آخر الشهر و إن أخطأ في موارد تكون کثيرة بنفسها و لكن بالنسبة إلی جميع الموارد فليس بكثير، و من دون ذلك إذا فرضنا أنّ الموارد من الصيام و الإفطار التي تمكن رؤية الهلال فيها بالعين المسلّحة و لا تمكن بالعين المجرّدة في بلاد المسلمين، أي عند وقوعها في رأس الشلجمي فی طول تاريخهم إلی اليوم، ليست إلّا دون مئة، و بالنتيجة فإنّ کلّ مكلّف لا يبتلی طيلة عمره إلّا بموارد قليلة من الخطأ إذا قلنا بكفاية الرؤية بالتلسكوب.

و بما ذکرناه تبين أنّ الهلال هو الموضوع، و أنّ الشهر يستهلّ للكرة الأرضيّة بشكل شلجمي، و حوالي رأسه فقط لا تمكن رؤية الهلال إلّا بالتلسكوب في بضع ساعات، و لا تقع بلاد معينة غير متغيرة في کلّ شهر عند رأس الشلجمي، بل تختلف البلاد في کلّ شهر، فإن لاحظنا ألف سنة مثلًا في تاريخ المسلمين و فحصنا عن شهر رمضان أو شوّال وقعت البلاد الإسلامية کالحرمَين الشريفَين في رأس الشلجمي، فعند ذلك يظهر أنّ الرؤية بالعين المجرّدة کانت خاطئة علی فرض القول بأنّ الرؤية بالتلسكوب مجزية، و ليس ذلك إلّا القليل من الصيام و الإفطار بالإضافة إلی غيره، و في غير ذلك نری کثيرًا أنّ الرؤية في بلد لا تمكن إلّا بالتلسكوب و في نفس الوقت تمكن الرؤية بالعين المجرّدة في بلد آخر مشارك معه في الأفق أو غير مشارك، نعم علی القول بعدم لزوم اشتراك الأفق، تصير البلاد التي تمكن فيها الرؤية المتعارفة بالنسبة إلی التي تحتاج إلی التلسكوب أکثر بمراتب.

و تظهر هنا نكتة في المقدّمة التاسعة السابقة التي ذکرنا فيها أنّ القائل بعدم لزوم اشتراك الأفق، له أن يقول بعدم کفاية التلسكوب، و هي أنّ القول بعدم لزوم اشتراك الأفق يكون أوفق بالقول بإجزاء التلسكوب، لأنّه يعاضده في دخول البلاد الكثيرة جدًّا تحت إمكانية الرؤية المتعارفة بالعين المجرّدة و رفع الاستيحاش المذکور سابقًا من الخطأ الدائم أو الغالب في العمل بالأصل العمليّ في الصيام و الإفطار من زمن النبيّ(ص) إلی اليوم.

[عدم اشتراک الآفاق]

و لعلّ الاستدلال السابق و الاستيحاش الحاصل منه، بدلًا من أن يبعد القول بإجزاء التلسكوب، يمهّد للأذهان الأرضية للإذعان و القبول للقول القائل بعدم لزوم اشتراك الأفق، فإنّ الهلال موضوع و ميقات لعامّة الناس، فهو هلال الأرض لا هلال البلد، و لا بدّ من نظام يناسب الشكل الشلجمي، ينتظم به أمر جميع البلاد في يوم أرضيّ و ليلة أرضية، و ذلك هو الميقات للناس الذي ورد قوله(عليه السلام) فيه: «صُمْ حين يصوم الناس و أفطر حين يفطر الناس فإنّ الله عزّ و جلّ جعل الأهلّة مواقيت[1]»، و الله العالم.


[1] تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان) ؛ ج‏4 ؛ ص164