استاد سید رضی در علم قراءات
اساتذته
إن السيرة تنص على مكانة للشريف في العلم و الفضل فتهمل تفصيل تلك المكانة و درجتها، كما تهمل ذكر المشايخ الذين أخذ العلم عنهم إلا الشاذ النادر، و نحن إذا تحققنا حال أولئك الأساتذة في تكثرهم و تفوقهم، برهن ذلك لنا على مبادئ تحصيله، و على الجد و الذكاء نعتمد فيما انتهى إليه تحصيله. و إذا كانت السيرة أغفلت ذكر أساتذته فان كتبه الفذة تنبؤنا عن كثير منهم: ينبؤنا كتابه «المجازات النبوية» أنه قرأ على قاضي القضاة ابى الحسن (عبد الجبار بن احمد) الشافعي المعتزلي كتابه المعروف ب «شرح الأصول الخمسة»، و لعله «المغني»، و كتابه الموسوم ب «العمدة» في أصول الفقه؛ و على (أبى بكر محمد ابن موسى الخوارزمي) أبوابا في الفقه؛ و على (أبي عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني) في الحديث؛ و على (ابى الحسن علي بن عيسى الربعي) و على (ابي حفص عمر بن إبراهيم الكناني) صاحب ابن مجاهد القراءات السبع بروايات كثيرة[1]
فأمّا قول اللّه سبحانه و تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ فقد فسّر أيضا على وجهين أوردناهما في مواضع من كلامنا في تأويل القرآن
فأحد الوجهين: أن يكون سبحانه ذكر الأعناق، ثمّ ردّ الذكر على أصحاب الأعناق؛ لأنّ خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها لمّا لم يكن خضوعهم إلّا بها.
و الوجه الآخر: أن يكون أراد الجماعات؛ لأنّه قد تسمّى الجماعة «عنقا» على الوجه الذي قدّمنا ذكره، يقول القائل: «جاءني عنق من الناس» أي جماعة، فيكون خاضِعِينَ صفة للجماعات، و المعنى في ذلك ظاهر غير محتاج إلى التأويل.
و قد يجوز أن يكون «الأعناق» هاهنا كناية عن السادات و المتقدّمين من القوم، يقال: «هؤلاء أعناق القوم» أي ساداتهم، كما يقال: «هؤلاء رؤوسهم و عرانينهم» ذكر ذلك صاحب «العين» في كتابه
و قال لي أبو حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني- صاحب ابن مجاهد، و قد قرأت عليه القرآن بروايات كثيرة-: «سمعت أبا بكر بن سفيان النحوي صاحب المبرّد يقول: أولى الوجوه بتأويل هذه الآية أن يكون خاضِعِينَ مردودا على الضمير في أَعْناقُهُمْ فكأنّه تعالى قال: فظلّوا هم لها خاضعين»
و يبعد أن يحمل قوله عليه الصلاة و السلام في هذا الخبر: «عنق يقطعها اللّه» على أنّه أراد به الجماعة؛ لأنّ قوله «يقطعها اللّه» بالعنق المعروفة- التي هي العضو المخصوص- أشبه، و في موضع الكلام أحسن. و إنّما جاء ب «العنق» هاهنا على طريق الاستعارة؛ تشبيها للقوم الذين ذكر اتباعهم له بالعنق في الاحتشاد لطلبه، و الامتداد لللّحاق به[2].
[1] تلخیص البیان فی مجازات القرآن،المقدمه ،ص ٧٣
[2] المجازات النبوية، ص: ۴۲-۴٣
بدون نظر