رفتن به محتوای اصلی

قرائات شاذه

۱.میثاق النبیین/ میثاق الذین اوتوا الکتاب

قال: (ومثل قوله تعالى: (ميثاق النبيين) - يريد: الذي اخذه النبيون على قومهم - قوله سبحانه: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق...) اي: الميثاق المأخوذ عليهم بالكتاب). … وقال بعضهم :قد يجوز أن يكون في قوله تعالى: (ميثاق النبيين) مضاف محذوف، كأنه تعالى قال: ميثاق اتباع النبيين أو امم النبيين فحذف اتباع وأقام النبيين مقامهم، كما قال تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل) أي: حب العجل. قال: ومما يشهد بذلك أنها في قراءة ابن مسعود: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)[1]

٢. فیه آیات بینات/ آیه بینه

فان قال قائل: كيف قال سبحانه: «فيه آيات بينات»، ثم قال: «مقام إبراهيم»، و مقام ابراهيم بدل من آيات بينات، و هذا واحد و تلك جمع، و ينبغي أن يكون البدل على حد المبدل منه!.

قيل له: إن في ذلك اقوالا:

احدها، ما روي عن ابن عباس: أنه قرأ (فيه آية بينة مقام إبراهيم) فجعل البدل على حد المبدل، فسقط سؤال السائل على قراءة من قرأ ذلك.- 2- و إما رفع مقام ابراهيم بأن يكون على اضمار:[2]

٣. و نادوا یا مالک/ یا مال

و على ذكرنا قول الله سبحانه: «و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل»، فقد كان شيخنا ابو الفتح النحوي عمل في آخر عمره كتابا يشتمل على الاحتجاج بقراءة الشواذ، ناحيا به نحو ابي علي الفارسي في عمله كتاب الحجة، و هو الاحتجاج للقراء السبعة؛ فقال فيه محتجا لقراءة من قرأ في الزخرف: «و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك»- 77 بالترخيم، بعد ذكره وجوها في ذلك:

«يجوز أن يكون إنما ذكر ذلك على وجه الحكاية لكلام الكفار و هم في اطوار العذاب، لانهم لشدة آلامهم و إطباق العذاب عليهم قد ضعفت قواهم و خفيت أصواتهم و ضعفوا عن تتميم اسم مالك عند ندائهم له ضعف انفاس و خفوت أصوات، فحكى سبحانه قولهم ذلك على وجهه»

و كان يغلو به التغلغل في استنباط المعاني و التولج الى غامضاتها و الغوص على قراراتها، الى ان يورد مثل هذا الذي ربما خدش به فضله، الذي لا مغمز فيه و لا مطعن عليه؛ و مع ذلك فهو في هذا العلم السابق المسوم‏و الاول المقدم و البحر الجموم‏و الدليل المأموم.

و قد كان بعض علماء الوقت خاوضني في ذلك، فقال في كلامه:«ترى شيخنا ابا الفتح لم يسمع قول الله سبحانه في صفة الكفار المعذبين في نار جهنم نعوذ بالله منها: «و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل»، و الاصطراخ ضد ما توهمه من خفوت اصواتهم و انقطاع انفاسهم، و من يمكنه رفع الصوت بالضجيج و الصراخ الشديد لا يمكنه‏أن يتمم اسما في الندا، حتى ينقص منه ضعفا و قصورا و ذبولا و خفوتا». فحكيت هذا القول لأبي الفتح فقال: «و ما ينكر من هذا؟ ألا تعلم أن اهل النار ينتهي بهم العذاب الى حد لا يبقى معه فضل في جسومهم و لا في نفوسهم حتى تبدل جلودهم و تعاد قواهم، ليتكرر العذاب عليهم، كما ذكر تعالى في كتابه فقال: «كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب» فما ينكر هذا المعترض من ان يكون ضعفهم عن تتميم الكلام فى حال ذهاب القوى و تلاشي النفوس، و اصطراخهم و ضجيجهم في حال اعادة القوى و تبديل الجلود (و هذه النفوس). و هذا لعمري قول!

اقول: و من شجون هذا الكلام ما روي عن ابى عبيدة انه سئل عن وجه هذه القراءة و هي قوله تعالى: «و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك» فقال: «إن اهل النار لفي شغل عن الترخيم». يؤمي بذلك الى ان الترخيم من اتساعات الكلام و مصارف اللسان، لا يكاد يستعمل إلا عند فراغ البال و طلب الانسان الاغراب في الخطاب. و بعد فليس هو بأس و لا اصل‏، و إنما هو نيف‏ و فضل؛ فالخطاب الاعم الأكثر إنما يجب أن يكون بالأعرف الأظهر لا الاقل الأغمض[3].

۴. لهدمت صوامع و بیع و صلوات/ و صلوتا

2- و قال بعضهم: المراد بذلك لا تقربوا موضع الصلاة و أنتم بهذه الصفة، و موضع الصلاة المسجد، فحذف الموضع و أقام الصلاة مقامه، و مثل ذلك كثير في التنزيل و كلام العرب. و له ايضا وجه آخر، و هو أن الشي‏ء قد يسمى باسم الشي‏ء اذا كثرت مصاحبته له، فيكون تسمية المسجد صلاة، على هذا المعنى، لكثرة وقوع الصلاة فيه، ألا ترى الى قوله تعالى: «و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا» و عامة المفسرين ان الصلاة ههنا يعني بها مصليات اليهود، و سميت بذلك لكثرة صلاتهم فيها على الوجه الذي ذكرناه.

و إنما جعل ذلك خاصا لليهود من وجهين: أحدهما، أن ما يتفرد به المسلمون من مواضع الصلاة قد ذكر و هو المساجد، و ما يتفرد به النصارى قد عين أيضا و هو البيع و الصوامع، و بقى ما يخص اليهود و هم بقية أهل الكتاب؛ فجعل ذلك خاصا لهم. و الوجه الآخر، و هو أن اليهود كانوا يسمون موضع صلاتهم: صلوتا و مرادهم به موضع الصلاة. و قد قرأ بعض القراء من الشواذ ذلك على مثل لغتهم، و هو خطأ غير معتد به. فلما عرب ذلك و افتصل عن اوضاع لغتهم، قيل:صلوات، و المراد به مواضع الصلوات. و هذا القول أيضا مبني على ان هذه الآية نزلت و الخمر غير محرمة ثم حرمت من بعد.[4]


[1]  حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج۵، ص: ۴۰

[2] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج۵، ص ۱۷۹

[3] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج‏۵، ص:٣٣١-۳۳۲

[4] حقائق التأويل في متشابه التنزيل، ج‏۵، ص:٣٣٨-۳۳۹