رفتن به محتوای اصلی

احتجاج به قرائات

وقف المرتضى عند قوله تعالى: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [سورة البقرة، آیه ٧٢]، و نراه يتساءل: كيف يجوز أن يخاطب الجماعة بالقتل و القاتل واحد؟ و في الجواب يذكر المرتضى أن اسلوب إخراج الخطاب مخرج ما يتوجّه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء و الأجداد، «فيقول أحدهم: فعلت بنو تميم كذا، و قتل بنو فلان فلانا، و إن كان القاتل و الفاعل واحدا من بين الجماعة، و منه من قرأ: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ [التوبه/١١١]بتقديم المفعولين على الفاعلين، و هو اختيار الكسائي، و أبي العبّاس ثعلب، فيقتل بعضهم و يقتلون، و هو أبلغ في وصفهم و أمدح لهم، لأنهم إذا قاتلوا و قتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم»

و قد قرأ كلّ من حمزة و الكسائي و خلف: فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ، بضمّ الياء و فتح التاء في الحرف الأوّل، و فتح الياء و ضمّ التاء في الحرف الثاني، أي ببناء الأوّل للمفعول و الثاني للفاعل. و الباقون: فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ، بفتح الياء و ضمّ التاء في الحرف الأوّل، و ضمّ الياء و فتح التاء في الحرف الثاني، أي ببناء الأوّل للفاعل و الثاني للمفعول، لأن القتال قبل القتل  و قد علل الدمياطي (ت 1117 ه) قراءة حمزة و الكسائي بقوله: «أما لأن الواو لا تفيد الترتيب أو يحمل ذلك على التوزيع، أي منهم من قتل و منهم من قاتل»  و القول الثاني غير بعيد عن قول الشريف المرتضى.

و من مواطن احتجاجه بالقراءات هو ما أشار إليه في بيانه لدلالة قوله تعالى:

قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ، [هود/ ۴۵-۴۶]فقد ذكر قول بعض المفسّرين:إنّ الهاء في قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ راجعة إلى السؤال، و المعنى أن سؤالك إيّاي ما ليس لك به علم عمل غير صالح؛ لأنه قد وقع من نوح عليه السّلام السؤال و الرغبة في قوله: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ «6»، و لكن الشريف المرتضى الّذي يقول بعصمة الأنبياء عليهم السّلام يرفض هذا القول، و يرى أن الهاء في الآية لا يجب أن تكون راجعة إلى السؤال، بل إلى الابن، «و يكون تقدير الكلام: إنّ ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه»

و يحتجّ المرتضى لهذا التوجيه بقراءة: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ بكسر الميم و فتح اللام و نصب غير، فيقول: و قد قرأت هذه الآية بنصب اللام و كسر الميم و نصب غير، و مع هذا القراءة لا شبهة في رجوع معنى الكلام إلى الابن دون سؤال نوح عليه السّلام «2». و يذكر المرتضى أن هناك من ضعف هذه القراءة و قال: «كان يجب أن يقول أنه عمل عملا غير صالح، لأن العرب لا تكاد تقول: هو يعمل غير حسن، حتّى يقولوا: عملا غير حسن» ، و يرفض المرتضى هذا الرأي و يرده بقوله: «و ليس هذا الوجه بضعيف، لأن من مذهبهم الظاهر إقامة الصفة مقام الموصوف عند انكشاف المعنى و زوال اللبس، فيقول القائل: قد فعلت صوابا و قلت حسنا، بمعنى فعلت فعلا صوابا ... و قال عمر بن أبي ربيعة».

                 أيّها القائل غير الصواب             أخر النصح و أقلل عتابي

و قد قرأ الكسائي و يعقوب بكسر الميم و فتح اللام، و نصب غير مفعولا به أو نعتا لمصدر محذوف، أي عملا غير [صالح‏]، و الباقون بفتح الميم و رفع اللام منونة «إنّه عمل غير صالح»، على أنه خبران، و غير بالرفع صفة على معنى ذو عمل

أما من جعل الضمير عائدا إلى السؤال المفهوم من النداء، فإنّه يحمل الكلام على أن نوحا عليه السّلام صدر منه ما أوجب نسبة الجهل إليه، و هذا لا يجوز في حقّ الأنبياء عليهم السّلام، «و فيه خطر عظيم ينبغي تنزيه الرسل عنه . و لذا رفضه الشريف المرتضى و ضعفه الزمخشري، إذ قال: «قيل الضمير لنداء نوح: أي نداؤك هذا عمل غير صالح، و ليس بذاك»