رفتن به محتوای اصلی

قرائات شاذه

و عناية الشريف المرتضى بالقراءات لا تقف عند القراءات المشهورة، بل نراه يذكر القراءات الشاذّة، و يحتجّ لها أو يعلّلها، ففي تفسيره لقوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [طه/ ١۴٢]، قال: «و روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ:

 «أكاد أخفيها» فمعنى «أخفيها» على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا

         يخفي التراب بأظلاف ثمانية             في أربع مسهن الأرض تحليل‏

أراد أنه يظهر التراب و يستخرجه بأظلافه ...»

و أعقب ذلك بقوله: «و قد روى أهل العربية: أخفيت الشي‏ء يعني سترته، و أخفيته بمعنى أظهرته، و كأن القراءة بالضمّ تحتمل الأمرين: الإظهار و الستر، و القراءة بالفتح لا تحتمل غير الإظهار ...» «۶».

و قد قرأ الحسن و سعيد بن جبير بفتح الهمزة «أخفيها»، و سائر القرّاء بالضمّ «أخفيها»  و واضح ان المرتضى يعدّ قراءة «اخفيها» بالضمّ من الاضداد و سبق ان أشرنا إلى قول ابن جني في هذه اللفظة فهو يرى ان «اخفيها» بالضمّ لا تحتمل غير معنى الإظهار، إذ قال في تأويل الآية: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها: تأويله و اللّه أعلم عند أهل النظر: أكاد أظهرها. و تلخيص حال هذه اللفظة: أي أكاد أزيل عنها خفاءها و خفاء كلّ شي‏ء؛ غطاؤه ... فأخفيها في أنه «أزيل خفاءها»: بمنزلة قوله «لو أننا نشكيها»: أي نترك لها ما تشكوه و كأن ابن جني يرى الهمزة في قراءة «أخفيها» بالضمّ هي همزة سلب، ذلك بأن سلبت معنى الفعل الثلاثي و نقلته إلى المعنى المضاد  فالضدية لا تعود إلى اللفظة ذاتها، و إنّما تعود إلى اختلاف الصيغة الصرفية بين «فعل و أفعل».