رفتن به محتوای اصلی

الف) ثبوت قرآن به تواتر

 [ثبوت الشريعة و القرآن بالتواتر]

قال صاحب الكتاب: «و اعلم ان امثال هذه الشبهة  لا يجوز أن يكون مبتداها إلّا من ملحد طاعن في الدين لأنّها إذا صحّت وجب بطلان النبوّة و الامامة لانا إنّما نعلم بالتواتر كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كون القرآن و وقوع التحدّي به، و انّه لم يقع من جهتهم معارضة، و به نعلم ثبوت الشرائع  و نسخ المنسوخ منها، و به نعلم أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاتم النبيّين، و ان شريعته ثابتة، و أنّه لا نبيّ معه و لا بعده [إلى غير ذلك‏]  فالطاعن في التواتر يريد التشكيك في جميع ما قدمناه ممّا بابطاله أو بابطال بعضه يبطل الدين، فكيف يعلم مع فساد التواتر القرآن و تميزه من غيره حتى يكون حجّة؟ و هذا القول أدّاهم إلى جواز الزيادة في القرآن و انها قد كتمت[1]، ...» 

يقال له: أما التواتر فقد بيّنا أنّا لا نطعن عليه و لا نقدح فيه، بل هو عندنا من حجج اللّه تعالى على عباده، و أحد الطرق إلى العلم، فمن ظنّ علينا خلاف هذا، أو رمانا بابطاله فهو مبطل سرف  و الذي نذهب إليه من جواز الكتمان و العدول عن النقل على الناقلين لا يقتضي ابطال التواتر، و ترك العمل عليه إذا ورد على شرائطه، لأنّه إنما يكون حجّة إذا قام الرواة بأدائه و نقله، فأمّا إذا لم يفعلوا ذلك فقد سقطت الحجّة به، و جميع ما ذكره و جعل التواتر طريقا إليه من العلم بكون النبيّ و القرآن و وقوع التحدّي صحيح، و ليس بحجّة علينا، بل على من طعن على التواتر، و ذهب إلى أنّه ليس بطريق إلى العلم.

فأمّا عدم المعارضة و ادّعاؤه أنّ الطريق إلى فقدها  هو التواتر و ادخاله ذلك في جملة ما تقدم فطريف، لأنّ مثل هذا لا يعلم بالتواتر و لا يصح النقل فيه، و انّما يعلم فقد المعارضة من حيث علمنا توفر دواعي المخالفين إلى نقلها، و حرصهم على ذكرها و الاشارة بها، لو كانت موجودة، فاذا فقدنا الرواية لها مع قوّة الدواعي و شدّة البواعث قطعنا على نفيها.

و أمّا ثبوت الشرائع، و الناسخ و المنسوخ، و ما جرى مجراهما فنعلم من جهة التواتر ما وردت به الرواية المتواترة، و نعلم أنّ جميع الشرع و اصل إلينا من جهته و انه لم ينكتم عنّا منه شي‏ء بالطريق الذي قدّمناه، و هو أن الامام المعصوم إذا كان موجودا في كلّ زمان و جرى في الشريعة ما قدرناه وجب عليه الظهور و البيان، و إيصال المكلّفين إلى العلم بما طواه‏ الناقلون، فنعلم بفقد تنبيهه على الخلل الواقع في الشريعة عدم ذلك.

فأمّا القول بأنّ في القرآن زيادة كتمت و لم تنقل فلم يتعدّ الذاهبون إليه ما تناصرت به الروايات و اجمع عليه الرواة من نقل آي و ألفاظ كثيرة شهد جماعة من الصحابة أنّها كانت تقرأ في جملة القرآن و هي غير موجودة فيما تضمّنه مصحفنا[2] و الحال فيما روي من ذلك ظاهرة ، و ليس المعقول فيما جرى مجرى النقل على من ليس من أهله ممّن يدفع باقتراح كلّ ما ثلم اعتقادا له أو خالف مذهبا يذهب إليه، و ليس يلزم لأجل هذا التجويز ما لا يزال يقوله لنا مخالفونا من الزامهم التجويز، لأن يكون في جملة ما لم‏ يتصل بنا من القرآن فرائض و سنن و احكام لأنا نأمن ذلك بالوجه الذي ذكرناه و عولنا عليه بالثقة بوصول جميع الشرع إلينا، و ليس الملحد المشكّك في الدّين من لم يجعل الامّة المختلفة المتضاربة  التي يجوز عليها الخطأ و الضّلال حجّة في حفظ الشرع و قصر حفظه على معصوم كامل لا يجوز عليه شي‏ء ممّا عددناه، بل الملحد المشكّك في الدين الناطق بلسان أعدائه و خصومه هو من ذهب إلى أنّ الشرع محفوظ بمن وصفنا حاله، لأنّ الناظر المتأمل إذا فكر فيمن جعله هؤلاء القوم حجّة في الشرع حافظا له، و رأى ما هم عليه من جواز الخطأ، و الاعراض عن النقل، و الميل إلى الهوى و أسبابه كان هذا له طريقا مهيعا الى الشّك في الدين، و ارتفاع الثقة بالشريعة، إن لم يوفقه اللّه تعالى لاصابة الحقّ، و يلهمه ما ذهبنا إليه من أن الحافظ للشرع و الحجّة فيه هو المعصوم الخارج عن صفات الأمّة[3].

 و ممّا اعتمد في العلم بالتّحدّي:أنّ القرآن قد صحّ نقله بالتّواتر الّذي صحّ به أمثاله[4].

الابداع غیر جائز

و في قوله: ربنا اغفر لي و لوالدي[5] وجهان:

أحدهما: أن عند الشيعة الإمامية أن الاب الكافر الذي وعده إبراهيم عليه السلام بالاستغفار لما وعده ذلك بالإيمان، إنما كان جده لأمه، و لم يكن والده على الحقيقة، و أن والده كان مؤمنا. و يجوز أن يكون الأم أيضا مؤمنة كوالده، و يجعل دعاء إبراهيم عليه السلام لها بالمغفرة دليلا على إيمانها.

و الوجه الاحسن: أنا لا نجعل ذلك دعاء لنفسه، بل تعليما لنا كيف ندعوا لنفوسنا و للوالدين المؤمنين منا، كما تعبد الله نبينا صلى الله عليه و اله و سلم بأن يقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا[6] و هو عليه السلام لا يخطى‏ء للعصمة و انما قال ذلك تعليما لنا.

فأما القراءة بتسكين الياء، فان كانت مروية و قد روي بها جازت[7]، و إلا فالإبداع غير جائز[8].[9]


[1] المغني ۲۰ ق 1/ ۸۲.

[2] (1) كرواية مسلم في صحيحه ۳/ ۱۳۱۷  في كتاب الحدود باب رجم الثيّب في الزنى عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب و هو جالس على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: إن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و سلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها و و عيناها و عقلناها، فرجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و رجمنا بعده، فاخشى إن طال بنا الزمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب اللّه فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّه، و أنّ الرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا احصن من الرجال و النساء إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل، أو الاعتراف» فيكون هذا من باب ما نسخ رسمه و بقي حكمه، أو كما روي عن ابن مسعود انه كان إذا قرأ وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ يتبعها «بعلي» فيكون هذا من باب التوضيح و تبيين سبب النزول لا أنّها من نفس القرآن الكريم، و كلّ ما ورد من الروايات سواء كان من طريق أهل السنة أو الشيعة مرفوضة مردودة على رواتها لأن القرآن كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه، و قد تعهد سبحانه بحفظه لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و كلّ من ادّعى غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، هذا غير القراءات التى لا تغيّر مباني الكلمات التي أذن اللّه بها على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله كما هو معروف بين المسلمين كافة، و للمزيد من الاطلاع يراجع «البيان» للامام الخوئي و عقائد الشيعة الإمامية للمظفر، و أصل الشيعة و أصولها لكاشف الغطاء و مراد المرتضى ان ذلك وارد لا أنه يعتقد صحته، و على كلّ حال فاجماع الأمة انّ من زعم أن شيئا ما بين الدفتين ليس من القرآن فهو خارج عن الملّة. و انظر الاتقان للسيوطي ۱/ ۱۰۱و ۱۲۰و ۲/ ۴۰و ۴۱.

[3] الشافى فى الإمامة، ج‏1، ص:٢٨۴-٢٨٧

[4] الموضح عن جهة إعجاز القرآن، النص، ص: ۲۸۰

[5] سوره ابراهیم، آیه ۴١

[6] (۱) سورة البقرة، الآية: ۲۸۶.

[7] (۲) في هامش النسخة: و قد قرى‏ء بها جازت القراءة بالتخفيف.

[8] ( ۳) الرسائل،۳: ۸۵.

[9] نفائس التأويل، ج‏3، ص:١٠-١١