رفتن به محتوای اصلی

قراءات عشر

 ١. رب السِّجن/رب السَّجن

- قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه‏ [يوسف: 33].

[فان قيل: كيف يجوز أن يقول يوسف هذا] و نحن نعلم أن سجنهم له معصية و محنة، كما أن ما دعوه إليه معصية، و محبة المعصية عندكم لا تكون إلا قبيحة. [و هو في القبح يجرى مجرى ما دعى إليه من الزنا]

الجواب: قلنا: في تأويل هذه الآية جوابان:

أحدهما: ...

و الوجه الآخر: أنه أراد أن توطيني نفسي و تصبيري لها على السجن أحب إلي من مواقعة المعصية.

فإن قيل: هذا خلاف الظاهر لأنه مطلق و قد أضمرتم فيه.

قلنا: لا بد من مخالفة الظاهر؛ لأن السجن نفسه لا يجوز أن يكون مرادا ليوسف عليه السلام و كيف يريده و إنما السجن البنيان المخصوص، [و إنما يريد الفعل فيها، و المتعلق بها؛ و السجن نفسه ليس بطاعة و لا معصية و إنما الأفعال فيه قد تكون طاعات و معاصي بحسب الوجوه التي يقع عليها، و إدخال القوم يوسف الحبس، أو اكراههم له على دخوله معصية منهم، و كونه فيه و صبره على ملازمته، و المشاق التي تناله باستيطانه كان طاعة منه و قربة و قد علمنا ان ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع، و ترك التصرف في غيره لكان فعل المكره حسنا و ان كان فعل المكره قبيحا][1].

و إنما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه، إذا قرئ: رب السجن «بفتح السين» و إن كانت هذه القراءة أيضا محتملة للمعنى الذي ذكرناه، فكأنه أراد أن سجني نفسي عن المعصية أحب إلي من مواقعتها، فرجع معنى السجن إلى فعله دون افعالهم، و إذا كان الأمر على ما ذكرناه، فليس للمخالف أن يضمر في الكلام ان كوني في السجن و جلوسي فيه أحب إلي، بأولى ممن أضمر ما ذكرنا؛ لأن كلا الأمرين يعود إلى السجن و يتعلق به.[2]

٢. فکُّ رقبهٍ او اطعام /فکَّ رقبهً او اطعم

و قد اختلف الناس في قراءة: فك رقبة، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام، و مجاهد، و أهل مكة، و الحسن، و أبو رجاء العطاردي، و أبو عمرو، و الكسائي:فك رقبة بفتح الكاف و نصب الرقبة، و قرؤوا «أو أطعم» على الفعل دون الاسم. و قرأ أهل المدينة، و أهل الشام، و عاصم، و حمزة، و يحيى بن وثاب، و يعقوب الحضرمي: فك‏ بضم الكاف و بخفض‏ رقبة  أو إطعام‏ على المصدر و تنوين الميم و ضمها.

فمن قرأ على الاسم ذهب إلى أن جواب الاسم بالاسم أكثر في كلام العرب، و أحسن من جوابه بالفعل، ألا ترى أن المعنى: ما أدراك ما اقتحام العقبة! هو فك رقبة، أو إطعام؛ و ذلك أحسن من أن يقال: هو فك رقبة، أو أطعم.

و مال الفراء إلى القراءة بلفظ الفعل، و رجحها بقوله تعالى: ثم كان من الذين آمنوا، لأنه فعل؛ و الأولى أن يتبع فعلا. و ليس يمتنع أن يفسر اقتحام‏ العقبة- و إن كان اسما- بفعل يدل على الاسم؛ و هذا مثل قول القائل: ما أدراك ما زيد؟ يقول- مفسرا-: يصنع الخير، و يفعل المعروف، و ما أشبه ذلك، فيأتي بالأفعال.

و السغب: الجوع؛ و إنما أراد أنه يطعم في يوم ذي مجاعة؛ لأن الإطعام فيه أفضل و أكرم. [3]


[1] ( ۲) ما بين المعقوفتين من الأمالي، ۱: ۴۶۴.

[2] نفائس التأويل، ج‏۲، ص ٢٧٨-۴۷۹

[3] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴۶١-۴۶٢