رفتن به محتوای اصلی

خلاصه کلام

و خلاصة القول: انّ السيّد المرتضى قد اهتمّ بالقراءات و بيان حججها، و اختلافها و ذكر من قرأ بها، و علاقتها باللغة و النحو و الدلالة، و كان و هو يحتجّ بها يذكر من كلام العرب و الشواهد الشعرية ما يؤيّدها، فدلّ بذلك على علم بالقراءات و إحاطة بالمشهور منها و الشاذّ و كانت عنايته بالقراءات المشهورة أكثر، و الشهرة عنده سبب من أسباب قوّة القراءة عند الموازنة بينها- و إن لم يلتزم ذلك- كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ ، و قراءة وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ  بفتح العين و الباء.

و مع قوله بشذوذ طائفة من القراءات و عدم جواز القراءة بها، لا يغفل ما لبعض منها- الشاذّة- من اعتبارات و قيم معنوية و لغوية، و لا يهمل توجيهها و الاحتجاج لها، كما رأينا ذلك في توجيهه لقراءة سعيد بن جبير أَكادُ أُخْفِيها بفتح الهمزة، و الاحتجاج لها بالشعر و تخريجها دلاليا.

و على الرغم من عناية المرتضى بالقراءات المشهورة، إلّا أن ذلك لم يمنع من الموازنة بينها و ترجيح بعضها على بعض من دون أن يعني هذا الترجيح إسقاط المرجوح و قبول الراجح وحده، فالمرتضى لم يقف عند توجيه القراءات المشهورة و بيان عللها و حجج القراء فيها فحسب، بل أبدى رأيه في طائفة منها، بترجيح بعضها على بعض، و اختيار ما رآه الأقوى منها، مستعينا على ذلك باللغة  و الشواهد القرآنية و الشعرية، ناقلا أراء غيره و مبديا رأيه، و كأنه ينظر إلى قول ابن مجاهد «ما روي من الآثار في حروف القرآن، منها المعرب السائر الواضح، و منها المعرب الواضح غير السائر، و منها اللغة الشاذّة القليلة، و منها الضعيف المعنى في الإعراب ... و بكلّ قد جاءت الآثار» و قد بنى المرتضى توجيهه و ترجيحه القراءات المشهورة على معايير متنوّعة أظهرها:

- معيار أسلوبي، كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ، بتقديم المفعولين على الفاعلين؛ لأن ذلك- عنده- أبلغ في وصفهم و أمدح لهم، و أدل على شجاعتهم.

- و معيار عقلي، كما رأينا في توجيهه لقراءة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ

فالمرتضى الّذي يقول بعصمة الأنبياء عليهم السّلام يرى أن الهاء في الآية لا يجب أن تكون راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، و يكون تقدير الكلام: إن ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه.

- و معيار نحوي، كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [أقول:] بجر لفظة وَ أَرْجُلَكُمْ.

- و معيار صرفي، كما رأينا ذلك في توجيهه لقراءة فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف، حيث رفض قول الكسائي بأن بين أكذبه فرقا، فمعنى هذه اللفظة- عنده- مشددة يعود إلى معناها مخفّفة، لأنه- كما يقول- «ليس بين فعلت و أفعلت في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى[1]»


[1] تفسير الشريف المرتضي، ج‏1، ص: ۹۴-١٠۵ مقدمه کتاب