رفتن به محتوای اصلی

قرائات سبع

١.فتلقی آدم من ربه کلماتٍ/ کلماتٌ

و قد قرأ ابن كثير و أهل مكة و ابن عباس و مجاهد: فتلقى آدم من ربه[1] كلمات‏ بالنصب و برفع «كلمات» و على هذه القراءة لا يكون معنى التلقي القبول، بل يكون المعنى أن الكلمات تداركته بالنجاة و الرحمة.[2]

٢.فیَقتلون و یُقتلون/ فیُقتلون و یَقتلون

فأما إخراج الخطاب مخرج ما يتوجه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء و الأجداد، و خطاب العشيرة بما يكون من أحدها؛ فيقول أحدهم: فعلت بنو تميم كذا، و قتل بنو فلان فلانا؛ و إن كان القاتل و الفاعل واحدا من بين الجماعة؛ و منه قراءة من قرأ: يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون[3]؛ بتقديم المفعولين على الفاعلين؛ و هو اختيار الكسائي و أبى العباس ثعلب؛ فيقتل بعضهم و يقتلون؛ و هو أبلغ في وصفهم، و أمدح لهم، لأنهم إذا قاتلوا و قتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم و قلة جزعهم و حسن صبرهم.[4]

٣. لیس البرَّ/ البرُّ ان تولوا وجوهکم

و قد اختلفت قراءة القراء السبعة في رفع الراء و نصبها من قوله تعالى: ليس البر، فقرأ حمزة و عاصم في رواية حفص «ليس البر» بنصب الراء، و روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب و الرفع، و قرأ الباقون البر بالرفع، و الوجهان جميعا حسنان، لأن كل واحد من الاسمين: إسم ليس و خبرها معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافأ في جواز كون أحدهما إسما و الآخر خبرا؛ كما تتكافأ النكرات.

و حجة من رفع «البر» أنه: لإن يكون «البر» الفاعل أولى؛ لأنه ليس يشبه‏ الفعل، و كون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد، فإن الاسم يلي الفعل. و تقول: ضرب غلامه زيد، فيكون التقدير في الغلام التأخير، فلولا أن الفاعل أخص بهذا الموضع لم يجز هذا؛ كما لم يجز في الفاعل: ضرب غلامه زيدا، حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير؛ كما جاز في المفعول به، لوقوع الفاعل موقعه المختص به.

و حجة من نصب «البر» أن يقول: كون الاسم أن وصلتها أولى تشبيها بالمضمر في أنها لا توصف، كما لا يوصف المضمر؛ فكأنه اجتمع مضمر و مظهر؛ و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر[5].[6]

۴. لا تقربوهن حتی یَطْهُرن/یطّهّرن

و أيضا قوله عز و جل: و لا تقربوهن حتى يطهرن‏ و لا شبهة في أن المراد بذلك إنقطاع الدم دون الاغتسال و جعله إنقطاع الدم غاية يقتضي أن ما بعده بخلافه.

و قد استقصينا الكلام في هذه المسألة في مسائل الخلاف، و بلغنا غايته و ذكرنا معارضتهم بالقراءة الأخرى في قوله جل ثناؤه: حتى يطهرن‏ فإنها قرأت بالتشديد، فلا بد من أن يكون المراد بها الطهارة بالماء و أجبنا عنها[7].[8]

۵. و امسحوا برووسکم و ارجلَکم/ ارجلِکم

و من أقوى ما أبطل هذه الشبهة أن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤس كانت الرؤس بلا خلاف فرضها المسح الذي ليس بغسل على وجه من الوجوه فيجب أن يكون حكم الأرجل كذلك؛ لأن العطف مقتض للمسح و كيفيته، و قد بينا أيضا في مسائل الخلاف أن القرائة في الأرجل بالنصب لا تقدح في مذهبنا، و أنها توجب بظاهرها المسح في الرجلين، كايجاب القراءة بالجر بظاهرها؛ لأن موضع برؤسكم موضع نصب بايقاع الفعل و هو قوله تعالى: و امسحوا برؤسكم‏ و إنما جرت الرؤس بالباء الزائدة، فإذا نصبنا الأرجل فعلى الموضع لا على اللفظ، و أمثلة ذلك في الكلام العربي أكثر من أن تحصى‏[9]

قال صاحب الكلام: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين‏ المعول في ذلك أن من نصب قوله: و أرجلكم‏ حمله على الغسل‏ و عطفه على الأيدي، لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح، فحمل على النصب الذي يقتضيه قوله: فاغسلوا وجوهكم‏ ليكون على لفظ ما في حكمه في الوجوب من الأيدي التي حملت على الغسل. و لم يجر كما جر من قرأ و أرجلكم‏ لمخالفته في المعنى، فلذلك خالف بينهما في اللفظ.

الجواب: يقال له: يجب أن نبني المذاهب على الأدلة على الاحكام، فيجب أن نعتبر وجه دلالته، فنبني مذاهبنا عليها و يكون اعتقادنا موافقا.

فقولك «ان من نصب الأرجل حمله على الغسل و عطفه على الأيدي لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح» طريق، و لو لم يكن عند من ذكرت الغسل دون المسح بغير دلالته، و القرآن يوجب المسح دون الغسل.

و أول ما يجب إذا فرضنا ناظرا منا فلا يحكم بهذه الآية و ما يقتضيه من مسح أو غسل، يجب أن لا يكون عنده غسل و لا مسح، و لا يتضيق إليه أحدهما، بل ينظر فيما يقتضيه ظاهر الآية و إعرابها، فيبني على مقتضاها الغسل إن وافقه، أو المسح إن طابقه. و كلامك هذا يقتضي سبلا من الغسل و أنه حكم الآية حتى يثبت عليه إعراب الأرجل بالنصب، و هذا هو ضد الواجب.

و قد بينا في مسائل الخلاف أن القراءة بالجر أولى من القراءة بالنصب؛ لأنا إذا نصبنا الأرجل فلا بد من عامل في هذا النصب، فاما أن تكون معطوفة على الأيدي، أو يقدر لها عامل محذوفا، أو تكون معطوفة على موضع الجار و المجرور في قوله: «برءوسكم» و لا يجوز أن تكون معطوفة على الأيدي، لبعدها من عامل النصب في الأيدي؛ و لأن إعمال العامل الأقرب أولى من أعمال الأبعد.

و ذكرنا قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه قطرا  و قوله: هاؤم اقرؤا كتابيه‏ و قوله تعالى: و أنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداو ذكرنا ما هو أوضح من هذا كله، و هو أن القائل إذا قال: ضربت عبد الله، و أكرمت خالدا و بشرا، إن رد «بشرا» إلى حكم الجملة الماضية التي قد انقطع حكمها و وقع الخروج عنها لحن و خروج عن مقتضى اللغة، و قوله تعالى:فاغسلوا وجوهكم و أيديكم جملة مستقلة بنفسها، و قد انقطع حكمها بالتجاوز لها إلى جملة أخرى، و هو قوله: و امسحوا برؤسكم.

و لا يجوز أن تنصب الأرجل بمحذوف مقدر؛ لأنه لا فرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل، و بين أن تقدر محذوفا هو المسح، و لأن الحذف لا يصار إليه إلا عند الضرورة. و إذا استقل الكلام بنفسه من غير تقدير محذوف، لم يجز حمله على محذوف.

فأما حمل النصب على موضع الجار و المجرور، فهو جائز و شائع، إلا أنه موجب للمسح دون الغسل؛ لأن الرؤوس ممسوحة، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها، إلا أنه لما كان اعمال أقرب العاملين أولى و أكثر في القرآن و لغة العرب، وجب أن يكون جر الاية[10] حتى تكون معطوفة على لفظة الرؤوس أولى من نصبها و عطفها على موضع الجار و المجرور؛ لأنه أبعد قليلا، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بنصبها.

و مما يبين أن حمل حكم الأرجل على حكم الرؤوس في المسح أولى، أن القراءة بالجر يقتضي المسح و لا يحتمل سواه، فالواجب حمل القراءة بالنصب على ما يطابق معنى القراءة بالجر؛ لأن القراءتين المختلفتين تجريان مجرى آيتين في وجوب المطابقة بينهما، و هذا الوجه يرجح القراءة بالجر للأرجل على القراءة بالنصب لها.

ثم قال صاحب الكلام: فإن قال قائل: إنه إذا نصب فقال: «أرجلكم» جاز أيضا أن يكون محمولا على المسح، كما قال: «مررت بزيد و عمرا» فحملوا عمرا على موضع الجار و المجرور، حيث كانا في موضع نصب، فلم لا يقولون: إن الجر أحسن و إن المسح أولى من الغسل، لتجويز القراءتين جميعا بالمسح، و لأن من نصب فقال: و أرجلكم‏ يجوز في قوله أن يريد المسح فيها نصب للحمل على الموضع. و الذي يجر أرجلكم‏ لا يكون إلا على المسح دون الغسل، و كيف لم يقولوا: إن المسح أو[11] الغسل، لجوازه في القراءتين جميعا، و انفراد الجر في قوله: و أرجلكم‏ بالمسح من غير أن يحتمل غيره.

و القول‏[12] في ذلك: أن حمل نصب «أرجلكم» على موضع الجار و المجرور في الآية لا يستقيم، لمخالفته ما عليه بغير النبي‏[13] بل في هذا النحو؛ و ذلك أنا وجدنا في التنزيل العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على العامل الثاني الأقرب إلى المعمول فيه دون الأبعد، و ذلك في نحو قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا[14]، حمل على العامل الثاني الأقرب الذي هو أفرغ‏ دون الأول الذي هو آتوني‏ و لو حمل على الأول لكان آتوني أفرغه عليه قطرا، أي آتوني قطرا أفرغ عليه؛ [15]

۶. و عَبَد الطاغوت/ و عَبُد الطاغوت

و قال قوم: يجوز أن يعطف‏ و عبد الطاغوت‏ على الهاء و الميم في «منهم»؛ فكأنه تعالى جعل منهم، و من عبد الطاغوت القردة و الخنازير؛ و قد يحذف «من» في الكلام؛ قال الشاعر:

أمن يهجو رسول الله منكم‏                            و يمدحه و ينصره سواء[16]

اراد: و من يمدحه و ينصره.

فإن قيل: فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح، أين أنتم عن قراءة من قرأ «و عبد» بفتح العين و ضم الباء، و كسر التاء من «الطاغوت»، و من قرأ «عبد الطاغوت[17]» بضم العين و الباء، و من قرأ: «و عبد الطاغوت» بضم العين و التشديد، و من قرأ: «و عباد الطاغوت»!.

قلنا: المختار من هذه القراءة عند أهل العربية كلهم القراءة بالفتح، و عليها جميع القراء السبعة؛ إلا حمزة فإنه قرأ؛ «عبد» بفتح العين و ضم الباء، و باقي القراءات شاذة غير مأخوذ بها.

... و قال أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي محتجا لقراءة حمزة: ليس «و عبد» لفظ جمع؛ ألا ترى أنه ليس في أبنية الجموع شي‏ء على هذا البناء! و لكنه واحد يراد به الكثرة؛ ألا ترى أن في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد و معناه الجمع، كقوله تعالى: و إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها[18]، و كذلك قوله: «و عبد الطاغوت» جاء على «فعل» لأن هذا البناء يراد به الكثرة و المبالغة؛ و ذلك نحو «يقظ و ندس»؛ فهذا كأن تقديره أنه قد ذهب في عبادة الشيطان و التذلل له كل مذهب.

قال: و جاء على هذا لأن «عبد» في الأصل صفة، و إن كان قد استعمل استعمال الأسماء، و استعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة؛ ألا ترى أن «الأبرق و الأبطح»[19] و إن كان قد استعملا استعمال الأسماء حتى كسرا هذا النحو عندهم من التكسير في قولهم: «أبارق و أباطح»؛ فلم يزل عنه حكم الصفة، يدلك على ذلك تركهم صرفه، كتركهم صرف «أحمر» و لم يجعلوا ذلك‏ كأفكل و أيدع‏[20]؛ و كذلك «عبد» و إن كان قد استعمل استعمال الأسماء فلم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة، و إذا لم يخرج عن أن يكون صفة لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على «فعل».

و هذا كلام مفيد في الاحتجاج لحمزة؛ فإذا صحت قراءة حمزة و عادلت قراءة الباقين المختارة، و صح أيضا سائر ما روي من القراءات التي حكاها السائل كان الوجه الأول الذي ذكرناه في الآية يزيل الشبهة فيها.

و يمكن في الآية وجه آخر على جميع القراءات المختلفة «في عبد الطاغوت»: و هو أن يكون المراد بجعل منهم عبد الطاغوت؛ أي نسبه إليهم، و شهد عليه بكونه من جملتهم. و ل «جعل» مواضع قد تكون بمعنى الخلق و الفعل؛ كقوله: و جعل الظلمات و النور[21]؛ و كقوله: و جعل لكم من الجبال أكنانا[22] و هي هاهنا تتعدى إلى مفعول واحد؛ و قد تكون أيضا بمعنى التسمية و الشهادة؛ كقوله تعالى: و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا[23]؛ و كقول القائل: جعلت البصرة بغداد، و جعلتني كافرا، و جعلت حسني قبيحا؛ و ما أشبه ذلك؛ فهي هاهنا تتعدى إلى مفعولين.[24]

٧. فانهم لا یکذّبونک/ یُکْذبونک

- قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون‏ [الأنعام: 33].

[إن سأل سائل‏] فقال: كيف يخبر عنهم بأنهم لا يكذبون نبيه صلى الله عليه و آله و سلم، و معلوم منهم إظهار التكذيب، و العدول عن الاستجابة و التصديق، و كيف ينفي عنهم‏ التكذيب ثم يقول: إنهم بآيات الله يجحدون؟ و هل الجحد بآيات الله إلا تكذيب نبيه صلى الله عليه و آله و سلم!.

الجواب: قلنا: قد ذكر في هذه الآية وجوه:...

و الوجه الثاني: أن يكون معنى‏ فإنهم لا يكذبونك‏ أي لا يفعلون ذلك بحجة، و لا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان؛ و إنما يقتصرون على الدعوى الباطلة؛ و هذا في الاستعمال معروف؛ لأن القائل يقول: فلان لا يستطيع أن يكذبني و لا يدفع قولي؛ و إنما يريد أنه لا يتمكن من إقامة دليل على كذبه، و من حجة على دفع قوله؛ و إن كان يتمكن من التكذيب بلسانه و قلبه، فيصير ما يقع من التكذيب من غير حجة و لا برهان غير معتد به.

و روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قرأ هذه الآية بالتخفيف: فإنهم لا يكذبونك‏، و يقول: أن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.و قال محمد بن كعب القرظي: معناها لا يبطلون ما في يديك؛ و كل ذلك يقوي هذا الوجه؛ و سنبين أن معنى هذه اللفظة مشددة ترجع إلى معناها مخففة.

و الوجه الثالث: أن يكون معنى الآية أنهم لا يصادفونك و لا يلفونك متقولا؛...

و ليس لأحد أن يجعل هذا الوجه مختصا بالقراءة بالتخفيف دون التشديد؛ لأن في الوجهين معا يمكن هذا الجواب، لأن «أفعلت» و «فعلت» يجوزان في هذا الموضع، و «أفعلت» هو الأصل ثم شدد تأكيدا و إفادة لمعنى التكرار؛ و هذا مثل أكرمت و كرمت، و أعظمت و عظمت، و أوصيت و وصيت، و أبلغت و بلغت؛ و هو كثير قال الله تعالى: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا[25]؛ إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه؛ لأن استعمال هذه اللفظة مخففة في هذا المعنى أكثر.

و الوجه الرابع: ما حكى الكسائي من قوله: إن المراد أنهم لا ينسبونك إلى الكذب فيما أثبت به؛ لأنه كان أمينا صادقا لم يجربوا عليه كذبا؛ و إنما كانوا يدفعون ما أتى به، و يدعون أنه في نفسه كذب؛ و في الناس من يقوي هذا الوجه، و أن القوم كانوا يكذبون ما أتى به، و إن كانوا يصدقونه في نفسه بقوله تعالى:و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون‏ و بقوله تعالى: و كذب به قومك و هو الحق‏  و لم يقل: و كذبك قومك. و كان الكسائي يقرأ: فإنهم لا يكذبونك‏ بالتخفيف و نافع من بين سائر السبعة، و الباقون على التشديد؛ و يزعم أن بين أكذبه و كذبه فرقا، و أن معنى أكذب الرجل، أنه جاء بكذب، و معنى كذبته أنه كذاب في كل حديثه. و هذا غلط و ليس بين «فعلت» و «أفعلت» في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر مما ذكرناه من أن التشديد يقتضي التكرار و التأكيد، و مع هذا لا يجوز أن يصدقوه في نفسه، و يكذبوا بما أتى به؛ لأن من المعلوم أنه عليه السلام كان يشهد بصحة ما أتى به و صدقه، و أنه الدين القيم، و الحق الذي لا يجوز العدول عنه؛ و كيف يجوز أن يكون صادقا في خبره و كان الذي أتى به فاسدا! بل إن كان صادقا فالذي أتى به حق صحيح، و إن كان الذي أتى به فاسدا؛ فلا بد من أن يكون في شي‏ء من ذلك كاذبا؛ و هو تأويل من لا يتحقق المعاني‏[26].[27]

٨. و من کان فی هذه اعمَی/ اعمِی

و قد اختلف القراء في فتح الميم و كسرها من قوله تعالى: و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى[28]‏، فقرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و أبو عمرو بفتح الميمين معا، و قرأ عاصم في رواية أبي بكر و حمزة و الكسائي بكسر الميم فيهما معا، و في رواية حفص عن عاصم: لا يكسرهما، و كسر أبو عمرو الأولى و فتح الأخيرة؛ و لكل وجه، أما من ترك إمالة الجميع؛ فإن قوله حسن، لأن كثيرا من‏ العرب لا يميلون هذه الفتحة، و أما من أمال الجميع فوجه قوله أن ينحو بالألف نحو الياء، ليعلم أنها تنقلب إلى الياء، و أما قراءة أبي عمرو بإمالة الأولى و فتح الثانية فوجه قوله أنه جعل الثانية أفعل من كذا مثل أفضل من فلان، و إذا جعلها كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة؛ لأن آخرها إنما هو من كذا و إنما تحسن الإمالة في الأواخر، و قد حذف من «أفعل» الذي هو للتفضيل الجار و المجرور جميعا، و هما مرادان في المعنى مع الحذف، و ذلك نحو قوله تعالى: فإنه يعلم السر و أخفى[29]؛ المعنى و أخفى من السر، فكذلك قوله تعالى: فهو في الآخرة أعمى، أي أعمى منه في الدنيا، أو أعمى من غيره، و يقوي هذه الطريقة ما عطف عليه من قوله تعالى: و أضل سبيلا، فكما أن هذه لا يكون إلا على «أفعل من كذا» كذلك المعطوف عليه‏[30].[31]

٩. یَذهَبُ بالابصار/ یُذهِب بالابصار

فأما قوله: يذهب بالأبصار[32] و قد قرى‏ء «يذهب» بضم الياء؛ فالمراد به أن البرق من شدة ضوئه يكاد يذهب بالعيون؛ لأن النظر إلى ماله شعاع شديد يضر بالعين؛ كعين الشمس و ما أشبهها؛ و القراءة بفتح الهاء أجود مع دخول الباء؛ تقول العرب: ذهبت بالشي‏ء؛ فإذا أدخلوا الألف أسقطوا الباء فقالوا: أذهبت الشي‏ء؛ بغير بإء.[33]

١٠. بای ذنبٍ قتِلتْ/ قتِّلت

و روي عن أبي جعفر المدني: بأي ذنب قتلت‏ بالتشديد و إسكان التاء الثانية[34].


[1] بقره/ ٣٧

[2] نفائس التأويل، ج‏1،ص ۴۱۲

[3] سورة التوبة، الآية: ۱۱۱

[4] نفائس التأويل    ج‏1    ۴۳۷

[5] ( 1) الأمالي، 1: ۲۰۷.

[6] نفائس التأويل    ج‏1، ص ۴٧٨-۴٧٩

[7] ( 2) الانتصار: 34، و راجع أيضا الرسائل: 1/ ۱۳۵.

[8] نفائس التأويل  ج‏۱    ۵۲۵

[9] نفائس التأويل  ج‏۲    ۱۱۸

[10] ( 1) في الهامش: الارجل.

[11] ( 1) لعله: أولى من.

[12] ( ۲) ظ: فالقول.

[13] ( ۳) كذا في المطبوعة و لعله: بغير دليل.

[14] ( ۴) سورة الكهف، الآية: ۹۶.

[15] نفائس التأويل، ج‏۲، ص ۱۲۳-١٢۶

[16] ( 1) البيت لحسان، ديوانه: ۹۰، و روايته:« فمن يهجو.».

[17] سورة المائده، آیه ۶۰

[18] ( 1) سورة إبراهيم، الآية: ۳۴.

[19] ( ۲) الأبرق: أرض فيها حجارة سود و بيض، و الأبطح: الأرض المنبطحة.

[20] ( ۱) الأفكل: الرعدة، و الأيدع: صبغ أحمر؛ و هو المسمى دم الأخوين.

[21] ( 2) سورة الأنعام، الآية: ۱.

[22] ( 3) سورة النحل، الآية: ۸۱.

[23] ( ۴) سورة الزخرف، الآية: ۱۹.

[24] نفائس التأويل، ج‏۲ ، ص ۱۸۲-١٨۴

[25] ( ۲) سورة الطارق، الآية: ۱۷.

[26] ( ۱) الأمالي، ۲: ۲۲۸.

[27] نفائس التأويل، ج‏۲، ص ۲۶۲-٢۶۶

[28] سوره الاسراء، آیه ٧٢

[29] (۱) سورة طه، الآية:۷.

[30] ( ۲) الأمالي،۱: ۱۰۸.

[31] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴٩-۵٠

[32] سوره النور، آیه ۴٣

[33]  نفائس التأويل، ج‏۳، ص: ۱۴۸

[34] نفائس التأويل، ج۳، ص: ۴۴۴