قرائات شاذه در کتب سید مرتضی
۱. ثم عرضهم علی الملائکه
فأما قوله تعالى: ثم عرضهم على الملائكة [البقره/٣١] فلا يليق إلا بالمسميات دون الأسماء؛ لأن هذه الكنايات لا تليق بالأسماء و إنما تليق بالعقلاء من أصحاب الأسماء أو العقلاء إذا انضم إليهم غيرهم مما لا يعقل على سبيل التغليب لما يعقل، كما يغلب المذكر على المؤنث إذا اجتمعوا في الكناية، كما يقول القائل: أصحابك و امائك جاؤوني، و لا يقال: جائني.
و مما يشهد للتغليب قوله تعالى: و الله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء
و قيل: إن في قراءة أبي: «ثم عرضها» و في قراءة عبد الله بن مسعود: «ثم عرضهن» و على هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء.[1]
٢. و ما انزل علی الملَکین/ المِلکین ببابل
و قد روى هذا التأويل الأخير في حمل «و ما» على النفي عن ابن عباس و غيره من المفسرين.
و روي عنه أيضا أنه كان يقرأ: و ما أنزل على الملكين بكسر اللام، و يقول: متى كان العلجان ملكين! بل كانا ملكين؛ [و على هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله: و ما يعلمان من أحد إليهما].
و يمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر و إن لم يحمل قوله: و ما أنزل على الملكين على الجحد و النفي: و هو أن يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين و تدعيه على ملك سليمان، و اتبعوا ما أنزل على هذين الملكين من السحر، و لا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى، و إن أطلق؛ لأنه جل و عز لا ينزل السحر؛ بل يكون منزله إليهما بعض الضلال العصاة، و يكون معنى «أنزل»- و إن كان من الأرض- حمل إليهما لا من السماء أنه أتي به من نجود الأرض و أعاليها؛ فإن من هبط من نجد البلاد إلى غورها يقال: نزل و هبط، و ما جرى هذا المجرى. [2]
٣. و عَبَد الطاغوت/ و عُبْدُ الطاغوت…
و قال قوم: يجوز أن يعطف و عبد الطاغوت على الهاء و الميم في «منهم»؛ فكأنه تعالى جعل منهم، و من عبد الطاغوت القردة و الخنازير؛ و قد يحذف «من» في الكلام؛ قال الشاعر:
أمن يهجو رسول الله منكم و يمدحه و ينصره سواء[3]
اراد: و من يمدحه و ينصره.
فإن قيل: فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح، أين أنتم عن قراءة من قرأ «و عبد» بفتح العين و ضم الباء، و كسر التاء من «الطاغوت»، و من قرأ «عبد الطاغوت» بضم العين و الباء، و من قرأ: «و عبد الطاغوت» بضم العين و التشديد، و من قرأ: «و عباد الطاغوت»!.
قلنا: المختار من هذه القراءة عند أهل العربية كلهم القراءة بالفتح، و عليها جميع القراء السبعة؛ إلا حمزة فإنه قرأ؛ «عبد» بفتح العين و ضم الباء، و باقي القراءات شاذة غير مأخوذ بها.
قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه في معاني القرآن: و عبد الطاغوت نسق على «من لعنه الله» قال: و قد قرئت «عبد الطاغوت»؛ «و عبد الطاغوت» و الذي اختاره «و عبد الطاغوت».
و روي عن ابن مسعود رحمه الله: «و عبدوا الطاغوت» فهذا يقوي:«و عبد الطاغوت» قال: و من قرأ «و عبد الطاغوت» بضم الباء و خفض الطاغوت فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين:
أحدهما: أن «عبد» على وزن «فعل»، و ليس هذا من أمثلة الجمع؛ لأنهم فسروه خدم الطاغوت.
و الثاني: أن يكون محمولا على و جعل منهم عبدا للطاغوت ثم خرج لمن قرأ «و عبد» أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان. و هذا كلام الزجاج[4].
۴. انما ولیکم/ مولیکم الله و رسوله
و قال الفراء في كتاب «معاني القرآن»: الولي و المولى في كلام العرب واحد، و في قراءة عبد الله بن مسعود: «إنما موليكم الله و رسوله» مكان «وليكم».[5]
۵.انه عملٌ غیرصالح/ انه عمِلَ غیرَ صالح
فأما قوله تعالى: إنه عمل غير صالح[6] فالقراءة المشهورة بالرفع، و قد روي عن جماعة من المتقدمين[7] أنهم قرؤوا: إنه عمل غير صالح بنصب اللام و كسر الميم و نصب «غير» و لكل وجه.
فأما الوجه في الرفع فيكون على تقدير أن ابنك ذو عمل غير صالح؛ و صاحب عمل غير صالح؛ فحذف المضاف، و أقام المضاف إليه مقامه؛ و قد استشهد على ذلك بقول الخنساء:
ما أم سقب علي بو تطيف به قد ساعدتها على التحنان أظآر
ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت فإنما هي إقبال و إدبار
أرادت إنما هي ذات إقبال و إدبار.
و قال قوم: إن المعنى أصل ابنك هذا الذي ولد على فراشك و ليس بابنك على الحقيقة [عمل غير صالح، يعني الخيانة من امرأته، و هذا جواب من ذهب إلى أنه لم يكن ابنه على الحقيقة] و الذي اخترناه خلاف ذلك.
و قال آخرون إن إلهاء في قوله: إنه عمل غير صالح راجعة إلى السؤال؛ و المعنى: إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح لأنه قد وقع من نوح دليل السؤال و الرغبة في قوله: إن ابني من أهلي و إن وعدك الحق و معنى ذلك نجه كما نجيتهم، و من يجيب بهذا الجواب يقول: إن ذلك صغيرة من النبي؛ لأن الصغائر تجوز عليهم، و من يمنع أن يقع من الأنبياء شيء من القبائح يدفع هذا الجواب؛ و لا يجعل الهاء راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، و يكون تقدير الكلام ما تقدم.[8]
۶. فصبر جمیل/ فصبراً جمیلاً
و أما وصف الصبر بأنه جميل، فلأن الصبر قد يكون جميلا و غير جميل، و إنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله، و فعل للوجه الذي وجب، فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صح وصفه بذلك. و قد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه و لا جزع، و لو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى و الجزع له. و أما ارتفاع قوله: فصبر جميل[9] فقد قيل إن المعنى: و شأني صبر جميل، أو الذي أعتقده صبر جميل. و قال قطرب: معناه فصبري صبر جميل؛ …
و قد روي أن في قراءة أبي «فصبر جميلا» بالنصب، و ذلك يكون على الإغراء، و المعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا[10]
٧. امرنا/ امّرنا/ آمرنا مترفیها
فأما قراءة من قرأ الآية[11] بالتشديد فقال: «أمرنا»[12]، و قراءة من قرأها بالمد و التخفيف فقال: «آمرنا»[13] فلن يخرج معنى قراءتيهما عن الوجوه التي ذكرناها[14]؛ إلا الوجه الأول؛ فإن معناه لا يليق إلا بأن يكون ما تضمنته الآية هو الأمر الذي يستدعي به إلى الفعل[15].[16]
٨. اکاد اُخفیها/ اَخفیها
و روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: أكاد أخفيها[17]، [بفتح الألف] فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل
أراد أنه يظهر التراب و يستخرجه بأظلافه، و قال امرؤ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه و إن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي لا نظهره؛ و قال النابغة:
تخفي بأظلافها حتى إذا بلغت يبس الكثيب تداعى الترب فانهدما
و قد روى أهل العربية: أخفيت الشيء يعني سترته، و أخفيته بمعنى أظهرته، و كأن القراءة بالضم تحتمل الأمرين: الإظهار و الستر، و القراءة بالفتح لا تحتمل غير الإظهار؛ و إذا كانت بمعنى الإظهار كان الكلام في «كاد» و احتمالها للوجوه الثلاثة التي ذكرناها كالكلام فيها إذا كانت بمعنى الستر و التغطية.[18]
٩. اذا المووده/ المودّه سُئلت/ سَئلت * بای ذنب قُتِلَت/ قتِلْت
و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ و ابن عباس، و يحيى بن يعمر، و مجاهد، و مسلم بن صبيح، و أبي الضحى؛ و مروان، و أبي صالح، و جابر بن زيد أنهم قرؤوا «سَاَلتْ» بفتح السين و الهمزة و إسكان التاء بأي ذنب قُتِلْتُ باسكان اللام و ضم التاء الثانية؛ على أن المؤودة موصوفة بالسؤال، و بالقول بأي ذنب قتلت.
و روى القطعي عن سليمان الأعمش عن حفص عن عاصم: قتلتُ بضم التاء الثانية، و في «سُئلَتْ» مثل قراءة الجمهور بضم السين.
و روي عن أبي جعفر المدني: بأي ذنب قتلت بالتشديد و إسكان التاء الثانية.
و روي عن بعضهم: سئلت بفتح الميم و الواو.
فأما من قرأ «سألت» بفتح السين؛ فيمكن فيه الوجهان اللذان ذكرناهما؛ من أن الله تعالى أكملها في تلك الحال، و أقدرها على النطق.
و الوجه الآخر: أن يكون معنى «سألت» أي سئل لها و طولب بحقها و انتصف لها من ظالمها؛ فكأنها هي السائلة تجوزا و اتساعا. و من قرأ بفتح
السين من «سألت» و يضم التاء الثانية من قتلت فعلى أنها هي المخاطبة بذلك.
و يجوز في هذا الوجه أيضا «قتلت» بإسكان التاء الأخيرة كقراءة الجماعة؛ لأنه إخبار عنها، كما يقال: سأل زيد: بأي ذنب ضرب؛ و بأي ذنب ضربت.
و يقوي هذه القراءة في «سألت» ما روي عن النبي صلى الله عليه و اله و سلم من قوله: «يجيء المقتول ظلما يوم القيامة و أوداجه تشخب دما، اللون لون الدم، و الريح ريح المسك، متعلقا بقاتله يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني».
فأما القراءة المأثورة عن حفص عن عاصم في ضم التاء الأخيرة من «قتلت» مع ضم السين سئلت فمعناها و إذا الموؤدة سئلت: ما تبغي؟ فقالت: بأي ذنب قتلت فأضمر قولها. و العرب قد تضمر مثل هذا لدلالة الخطاب عليه، و ارتفاع الإشكال عنه؛ مثل قوله تعالى: و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ربنا تقبل منا[19]؛ أي و يقولان ذلك؛ و نظائره في القرآن كثيرة جدا.
فأما قراءة من قرأ: قتلت بالتشديد فالمراد به تكرار الفعل بالموؤدة هاهنا، و إن كان لفظها لفظ واحدة فالمراد به الجنس، و إرادة التكرار جائزة.
فأما من قرأ الموؤدة بفتح الميم و الواو، فعلى أن المراد الرحم و القرابة، و أنه يسأل عن سبب قطعها و تضييعها، قال الله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم[20].[21]
١٠. فکُّ رقبهٍ او اطعام /فکَّ رقبهً او اطعم
و قد اختلف الناس في قراءة: فك رقبة، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام، و مجاهد، و أهل مكة، و الحسن، و أبو رجاء العطاردي، و أبو عمرو، و الكسائي:فك رقبة بفتح الكاف و نصب الرقبة، و قرؤوا «أو أطعم» على الفعل دون الاسم. و قرأ أهل المدينة، و أهل الشام، و عاصم، و حمزة، و يحيى بن وثاب، و يعقوب الحضرمي: فك بضم الكاف و بخفض رقبة أو إطعام على المصدر و تنوين الميم و ضمها.
فمن قرأ على الاسم ذهب إلى أن جواب الاسم بالاسم أكثر في كلام العرب، و أحسن من جوابه بالفعل، ألا ترى أن المعنى: ما أدراك ما اقتحام العقبة! هو فك رقبة، أو إطعام؛ و ذلك أحسن من أن يقال: هو فك رقبة، أو أطعم.
و مال الفراء إلى القراءة بلفظ الفعل، و رجحها بقوله تعالى: ثم كان من الذين آمنوا، لأنه فعل؛ و الأولى أن يتبع فعلا. و ليس يمتنع أن يفسر اقتحام العقبة- و إن كان اسما- بفعل يدل على الاسم؛ و هذا مثل قول القائل: ما أدراك ما زيد؟ يقول- مفسرا-: يصنع الخير، و يفعل المعروف، و ما أشبه ذلك، فيأتي بالأفعال.
و السغب: الجوع؛ و إنما أراد أنه يطعم في يوم ذي مجاعة؛ لأن الإطعام فيه أفضل و أكرم. [22]
١١. الم یجدک یتیماً/ یتیمٌ فآوی
و خامسها: أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع: أ لم يجدك يتيما فآوى (6) و وجدك ضالا فهدى (7) على أن اليتيم وجده و كذلك الضال، و هذا الوجه ضعيف؛ لأن القراءة غير معروفة؛ و لأن هذا الكلام يسمج و يفسد أكثر معانيه[23].[24]
خامسها أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع أ لم يجدك يتيم فآوى و وجدك ضال فهدى على أن اليتيم وجده و كذلك الضال و هذا الوجه ضعيف لأن القراءة غير معروفة و لأن هذا الكلام يسمج و يفسد أكثر معانيه[25]
[1] نفائس التأويل، ج1، ص: ۴۰۵
[2] نفائس التأويل ج1 ۴۴۹-۴۵٠
[3] ( 1) البيت لحسان، ديوانه: ۹۰، و روايته:« فمن يهجو.».
[4] نفائس التأویل، ج ٢، ص ١٨٢-١٨٣
[5] نفائس التأويل ج2 ۱۹۷
[6] سوره هود، آیه ۴۶
[7] إین قرائت گرچه قرائت یعقوب و کسائی از قراء عشره نیز هست ولی جناب سید آن را به متقدمین نسبت می دهد:
اِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ [٤٦] قرأ النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ابن عباس، و عروة بن الزبير، و عكرمة، و الكسائي: (إنه عمل غير صالح) بكسر الميم و فتح اللام، و كان ابن مسعود و الشعبي و الحسن و أبو جعفر و شيبة و نافع و ابن كثير و عاصم و الأعمش و أبو عمرو و حمزة يقرءون: (إنه عمل غير صالح) بفتح الميم و ضم اللام فمن قرأ: (إنه عمل غير صالح) لم يقف على: (ما ليس من أهلك)؛ لأن الهاء الثانية تعود على الهاء الأولى(ایضاح الوقف و الابتداء، ص ٣۵٢)
[8] نفائس التأويل ج۲ 440-۴۴۱
[9] سوره یوسف، آیه ١٨
[10] نفائس التأويل، ج۲، ص: ۴۶۷
[11] سوره الاسراء، آیه ١۶
[12] ( 5) هي قراءة شاذة، عن أبي عثمان النهدي، و لليث عن أبي عمرو، و أبان عن عاصم.( و انظر القراءات الشاذة لابن خالويه ۷۵).
[13] ( 6) هي قراءة شاذة أيضا، عن خارجة عن نافع( انظر المصدر السابق).
[14] ( 1) حاشية الأصل:« قوله أمرنا، بالتشديد: كثرنا، و آمرنا، بالتخفيف: جعلناهم أمراء؛ و إن شئت فالعكس من ذلك، و الصحيح العكس».
[15] ( 2) الأمالي، 1: ۲۹.
[16] نفائس التأويل ج۳ ۳۰-٣١
[17] سوره طه، آیه ١۵
[18] نفائس التأويل ج۳ ۲۱۴-٢١۵
[19] ( 1) سورة البقرة، الآية: ۱۲۷.
[20] ( 2) سورة محمد، الآية: ۲۲.
[21] نفائس التأويل، ج۳ ، ص ۴۴۴-۴۴۵
[22] نفائس التأويل، ج۳، ص ۴۶١-۴۶٢
[23] ( 1) تنزيه الأنبياء و الأئمة: ۱۵۰.
[24] نفائس التأويل، ج۳، ص۴۶۶
[25] تنزيه الأنبياء ۱۰۶.
بدون نظر