رفتن به محتوای اصلی

٩.ابوحنیفه

طحاوی

٢١١ - في القراءة بالفارسية

قال أبو حنيفة يجزئه

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يجزئه إذا كان يحسن القراءة بالعربية وكذلك التكبير

وقال مالك أكره أن يحلف الرجل بالعجمية[1]

سرخسی

وأصل هذه المسألة إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة - رحمه الله - ويكره، وعندهما لا يجوز إذا كان يحسن العربية، وإذا كان لا يحسنها يجوز وعند الشافعي - رضي الله عنه - لا تجوز القراءة بالفارسية بحال ولكنه إن كان لا يحسن العربية، وهو أمي يصلي بغير قراءة.

وكذلك الخلاف فيما إذا تشهد بالفارسية أو خطب الإمام يوم الجمعة بالفارسية فالشافعي - رحمه الله - يقول إن الفارسية غير القرآن قال الله - تعالى -: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [الزخرف: ٣] وقال الله - تعالى -: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا} [فصلت: ٤٤] الآية فالواجب قراءة القرآن، فلا يتأدى بغيره بالفارسية، والفارسية من كلام الناس فتفسد الصلاة وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا القرآن معجز والإعجاز في النظم والمعنى فإذا قدر عليهما، فلا يتأدى الواجب إلا بهما، وإذا عجز عن النظم أتى بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء وأبو حنيفة - رحمه الله - استدل بما روي أن الفرس كتبوا إلى سلمان - رضي الله عنه - أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرءون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، ثم الواجب عليه قراءة المعجز والإعجاز في المعنى، فإن القرآن حجة على الناس كافة وعجز الفرس عن الإتيان بمثله إنما يظهر بلسانهم والقرآن كلام الله - تعالى - غير مخلوق ولا محدث واللغات كلها محدثة فعرفنا أنه لا يجوز أن يقال إنه قرآن بلسان مخصوص، كيف وقد قال الله تعالى: {وإنه لفي زبر الأولين} [الشعراء: ١٩٦] وقد كان بلسانهم[2].

المعنى بدون النظم غير معجز فالأدلة على كون المعنى معجزا ظاهرة منها أن المعجز كلام الله (وكلام الله تعالى) غير محدث ولا مخلوق والألسنة كلها محدثة العربية والفارسية وغيرهما فمن يقول الإعجاز لا يتحقق إلا بالنظم فهو لا يجد بدا من أن يقول بأن المعجز محدث وهذا مما لا يجوز القول به والثاني أن النبي عليه السلام بعث إلى الناس كافة (وآية نبوته القرآن الذي هو معجز فلا بد من القول بأنه حجة له على الناس كافة) ومعلوم أن عجز العجمي عن الإتيان بمثل القرآن بلغة العرب لا يكون حجة عليه فإنه يعجز أيضا عن الإتيان بمثل شعر امرىء القيس وغيره بلغة العرب وإنما يتحقق عجزه عن الإتيان بمثل القرآن بلغته فهذا دليل واضح على أن معنى الإعجاز في المعنى تام ولهذا جوز أبو حنيفة رحمه الله القراءة بالفارسية في الصلاة ولكنهما قالا في حق من لا يقدر على القراءة بالعربية الجواب هكذا وهو دليل على أن المعنى عندهما معجز فإن فرض القراءة ساقط عمن لا يقدر على قراءة المعجز أصلا ولم يسقط عنه الفرض أصلا بل يتأدى بالقراءة بالفارسية فأما إذا كان قادرا على القراءة بالعربية لم يتأد الفرض في حقه بالقراءة بالفارسية عندهما لا لأنه غير معجز ولكن لأن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف في أداء هذا الركن فرض في حق من يقدر عليه وهذه المتابعة في القراءة بالعربية إلا أن أبا حنيفة اعتبر هذا في كراهة القراءة بالفارسية فأما في تأدي أصل الركن بقراءة القرآن فإنه اعتبر ما قررناه[3]

زمخشری

مسألة: ٦٢ - قراءة القرآن بالعجمية في الصلاة

إذا عبر فاتحة الكتاب أو القرآن بالفارسية أو بالعجمية، فقرأها في الصلاة، فإنه تصح صلاته عندنا[4] وعند الشافعي: لا تصح  دليلنا في ذلك، قوله تعالى: {إن هذا لفي الصحف الأولى (١٨) صحف إبراهيم وموسى}وصحف إبراهيم وموسى ليست على لسان العرب.وروى عن عبد الله بن مسعود أنه كان يلقن الرجل هذه الأية، قوله تعالى: {إن شجرت الزقوم (٤٣) طعام الأثيم} وكان لسان الرجل لا يقدر أن يقول هذه الكلمة، فعجز عن الإتيان في لفظه، فقال له: قل طعام الفاجر، فدل على أنه يجوز بلغة أخرى والدليل عليه: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى العرب والعجم، وأمره بالإنذار فكان ينذر العرب بلغته وبلسانه وينذر العجم بلسانه دل على أنه يجوز.احتج الشافعي، وقال؛ لأن الله تعالى قال في كتابه {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} فدل أن القرآن عربي، فإذا عبر بعبارة أخرى، لم تجز صلاته؛ لأنه لم يقرأ القرآن، وقراءة القرآن شرط لجواز الصلاة[5]

{طعام الأثيم} هو الفاجر الكثير الآثام وعن أبي الدرداء أنه كان يقرىء رجلا فكان يقول طعام اليتيم فقال قل طعام الفاجر يا هذا وبهذا تستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز إذ كانت مؤذيه معناها ومنه اجاز ابو حنيفة رضى الله عنه القراءة بالفارسية بشرط أن يؤدي القارىء المعاني كلها على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا قالوا وهذه الشريطة تشهد أنها اجاز كلا إجازة لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه واساليبه من لطائف المعانى والدقائق مالا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها ويروى رجوعه إلى قولهما وعليه الاعتماد[6]

 

قرئ: إن شجرت الزقوم، بكسر الشين، وفيها ثلاث لغات: شجرة، بفتح الشين وكسرها وشيرة، بالياء. وروى أنه لما نزل أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم قال ابن الزبعرى: إن أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر: التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإن هذا هو الذي يخوفكم به محمد، فنزل إن شجرة الزقوم طعام الأثيم وهو الفاجر الكثير الآثام. وعن أبى الدرداء أنه كان يقرئ رجلا فكان يقول طعام اليثيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا.

وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدى القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا: وهذه الشربطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة، لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بإذائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر وروى على بن الجعد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية[7]

کاسانی

ثم الجواز كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بالفارسية عند أبي حنيفة سواء كان يحسن العربية أو لا يحسن، وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن لا يجوز، وإن كان لا يحسن يجوز، وقال الشافعي: لا يجوز أحسن أو لم يحسن، وإذا لم يحسن العربية يسبح ويهلل عنده ولا يقرأ بالفارسية، وأصله قوله قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: ٢٠] ، أمر بقراءة القرآن في الصلاة، فهم قالوا: إن القرآن هو المنزل بلغة العرب، قال الله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} [يوسف: ٢] ، فلا يكون الفارسي قرآنا فلا يخرج به عن عهدة الأمر، ولأن القرآن معجز، والإعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال النظم العربي فلا يكون الفارسي قرآنا لانعدام الإعجاز، ولهذا لم تحرم قراءته على الجنب والحائض، إلا أنه إذا لم يحسن العربية فقد عجز عن مراعاة لفظه فيجب عليه مراعاة معناه ليكون التكليف بحسب الإمكان، وعند الشافعي هذا ليس بقرآن فلا يؤمر بقراءته، وأبو حنيفة يقول: إن الواجب في الصلاة قراءة القرآن من حيث هو لفظ دال على كلام الله - تعالى - الذي هو صفة قائمة به لما يتضمن من العبر والمواعظ والترغيب والترهيب والثناء والتعظيم، لا من حيث هو لفظ عربي، ومعنى الدلالة عليه لا يختلف بين لفظ ولفظ، قال الله تعالى: {وإنه لفي زبر الأولين} [الشعراء: ١٩٦] .

وقال: {إن هذا لفي الصحف الأولى} [الأعلى: ١٨] {صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى: ١٩] ، ومعلوم أنه ما كان في كتبهم بهذا اللفظ بل بهذا المعنى[8].

فخررازی

المسألة الرابعة: مذهب أبي حنيفة أن قراءة القرآن بالمعنى جائز، واحتج عليه بأنه نقل أن ابن مسعود كان يقرئ رجلا هذه الآية فكان يقول: طعام اللئيم، فقال قل طعام الفاجر، وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه[9].

سیوطی

ولا يجوز قراءة القرآن بالعجمية مطلقا سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أم خارجها. وعن أبي حنيفة أنه يجوز مطلقا وعن أبي يوسف ومحمد لمن لا يحسن العربية لكن في شارح البزدوي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك ووجه المنع أنه يذهب إعجازه المقصود منه[10].

الموسوعة الکویتیة

٢٠ - اختلف الفقهاء في جواز قراءة القرآن في الصلاة بغير العربية، فذهب الجمهور إلى أنه لا تجوز القراءة بغير العربية سواء أحسن القراءة بالعربية أم لم يحسن

ويرى أبو حنيفة جواز القراءة بالفارسية وغيرها من اللغات سواء كان يحسن العربية أو لا، وقال أبو يوسف ومحمد لا تجوز إذا كان يحسن العربية؛ لأن القرآن اسم لمنظوم عربي لقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} والمراد نظمه[11].

معاصرین

ويدل النص من ناحية أخرى على ما نسب لأئمة الحنفية من خلاف حول المعنى السابق.. وما نسب للأحناف يصوره ما أورده النيسابوري قال:

قال الشافعي: "ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة لا في حق من يحسن القراءة ولا في حق من لا يحسنها"، وقال أبو حنيفة: "إنها كافية في حق القادر والعاجز". وقال أبو يوسف ومحمد: "كافية في حق العاجز لا القادر"

وبناء على ما نقله النيسابوري يتضح أن أبا حنيفة: يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة.. وأن ذلك الجواز إنما هو للقادر على قراءته باللغة العربية وللعاجز معا وإن الصاحبين خالفاه في هذا الإطلاق فرخصا للعاجز دون القادر.. وإن قراءة الترجمة في الصلاة تفيد أن المقروء قرآن لقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} .

والأجدر بنا أن نرجع إلى كتب الحنفية أنفسهم حتى نتعرف عن قرب على رأي الإمام وأصحابه في هذا الصدد ولكن قبل أن نشرع في ذلك ينبغي أن ننبه إلى أن أبا حنيفة ليس بعربي.. بل تربى وتأثر بالثقافة والحضارة الفارسية قبل الإسلام.. وعاش في منطقة العراق الحالية حيث كان يسكنها الفرس مع غيرهم من العرب والأجناس الأخرى.. لا غرو أن يجابه الإمام الأعظم وأي إمام في مكانته بمثل هذه المسألة الفقهية التي تعكس الواقع الذي كان يعيشه.. ذلك أن الناس يدخلون كل يوم في دين الإسلام وأنهم يعانون ويجابهون صعوبة في تعلم العربية لوقتها.. فهل من حاجة في أن يعرب لهم المعنى القرآني بلغتهم ليؤدوا الصلاة حتى حفظوا من السور القرآنية ما يغني عن ذلك أم أنه ليس هناك حاجة ابتداء لهذا التجوز؟؟ ولقد واجه هذا الواقع من قبل - ولكن بصورة أخف - سيدنا عبد الله بن مسعود قالوا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يعلم رجلا أن شجرة الزقوم طعام الأثيم والرجل لا يحسنه، فقال: "قل طعام الفاجر، ثم قال عبد الله ليس الخطأ في القرآن أن نقرأ مكان العليم الحكيم إنما الخطأ بأن تضع مكان آية الرحمة آية العذاب". قلنا الظن بابن مسعود غير ذلك.

تلكم كانت صورة من البيئة والظروف التي وجد فيها أبو حنيفة نفسه مضطرا لمجابهة مثل هذا الواقع الذي قلما يجابه إماما كمالك بالمدينة أو الأوزاعي بالشام أو الشافعي بمصر[12] 


[1] كتاب اختلاف العلماء للطحاوي اختصار الجصاص، ج ١، ص ٢۶٠ 

[2] كتاب المبسوط للسرخسي، ج ١، ص ٣٧ 

[3] كتاب أصول السرخسي، ج ١، ص ٢٨٢

[4] زمخشری در این کتاب به بیان اختلافات مذهب خودش که همان مذهب حنفی است با مذهب شافعی پرداخته است، لذاست که تعبیر عندنا بازگشت به ابوحنیفه دارد.

[5] كتاب رؤوس المسائل للزمخشري، ص ١۵٧-١۵٨ 

[6] كتاب تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل،ج ٣، ص ٢٩۴ 

[7] كتاب تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج ۴، ص ٢٨١

[8] كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج ١، ص ١١٢

[9] كتاب تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، ج ٢٧، ص ۶۶۴ 

[10] كتاب الإتقان في علوم القرآن، ج ١، ص ٣٧٧

[11] كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، ج ٣٣، ص ٣٨

[12] كتاب ترجمة القرآن الكريم، ص ٨۵