ب) کلام مجمع البیان
فإذ قد تبينت ذلك فاعلم أن الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما تتداوله القراء بينهم من القراءات، إلا أنهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء، وكرهوا تجريد قراءة مفردة، والشائع في أخبارهم أن القرآن نزل بحرف واحد،
وما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف، اختلف في تأويله، فأجرى قوم لفظ الأحرف على ظاهره، ثم حملوه على وجهين.
أحدهما: إن المراد سبع لغات مما لا يغير حكما في تحليل، ولا تحريم، مثل هلم، واقبل، وتعال.وكانوا مخيرين في مبتدأ الإسلام في أن يقرأوا بما شاءوا منها، ثم أجمعوا على أحدها، وإجماعهم حجة، فصار ما أجمعوا عليه مانعا مما أعرضوا عنه،
والآخر: إن المراد سبعة أوجه من القراءات، وذكر أن الاختلاف في القراءة على سبعة أوجه أحدها:إختلاف إعراب الكلمة مما لا يزيلها عن صورتها في الكتابة، ولا يغير معناها نحو قوله (فيضاعفه) بالرفع والنصب. والثاني: الاختلاف في الإعراب مما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها نحو قوله: (إذ تلقونه وإذا تلقونه). والثالث: الإختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها، مما يغير معناها، ولا يزيل صورتها، نحو قوله: (كيف ننشزها وننشرها) بالزاء والراء. والرابع: الاختلاف في الكلمة مما يغير صورتها، ولا يغير معناها نحو قوله: (إن كانت إلا صيحة، وإلا زقية)، والخامس: الإختلاف في الكلمة مما يزيل صورتها ومعناها نحو: (طلح منضود وطلع)، والسادس: الإختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله: (وجاءت سكرة الموت بالحق وجاءت سكرة الحق بالموت)، والسابع: الإختلاف بالزيادة والنقصان نحو قوله: (وما عملت أيديهم وما عملته أيديهم).
وقال الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي، قدس الله روحه: هذا الوجه أملح لما روي عنهم عليه السلام، من جواز القراءة بما اختلف القراء فيه،وحمل جماعة من العلماء الأحرف على المعاني والأحكام التي ينتظمها القرآن دون الألفاظ. واختلفت أقوالهم فيها، فمنهم من قال: إنها وعد ووعيد، وأمر ونهي، وجدل وقصص، ومثل، وروي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف: زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. وروى أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل. وقال بعضهم: ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، ومجمل ومفصل، وتأويل لا يعلمه إلا الله عز وجل[1].
[1] تفسير مجمع البيان – الطبرسی، ج ١، ص ٣۶
بدون نظر