رفتن به محتوای اصلی

التحریر و التنویر

و قد جرت عادة المفسرين بالخوض في بيان معنى التأويل، و هل هو مساو للتفسير أو أخص منه أو مباين؟ و جماع القول في ذلك أن من العلماء من جعلهما متساويين، و إلى ذلك ذهب ثعلب و ابن الأعرابي و أبو عبيدة، و هو ظاهر كلام الراغب، و منهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر و التأويل للمتشابه، و منهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي، فإذا فسر قوله تعالى:

يخرج الحي من الميت* [الروم: 19] بإخراج الطير من البيضة، فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل، و هنا لك أقوال أخر لا عبرة بها، و هذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة و الآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، و الغاية المقصودة من اللفظ هو معناه و ما أراده منه المتكلم به من المعاني فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول قال الأعشى:

على أنها كانت تأول حبها

تأول ربعي السقاب فأصحبا

أي تبيين تفسير حبها أنه كان صغيرا في قلبه، فلم يزل يشب حتى صار كبيرا كهذا السقب أي ولد الناقة، الذي هو من السقاب الربيعية لم يزل يشب حتى كبر و صار له ولد يصحبه قاله أبو عبيدة، و قد قال الله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله‏ [الأعراف: 53] أي ينتظرون إلا بيانه الذي هو المراد منه، و

قال صلى الله عليه و سلم في دعائه لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل»

، أي فهم معاني القرآن، و

في حديث عائشة رضي الله عنها: «كان صلى الله عليه و سلم يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا و بحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن»

أي يعمل بقوله تعالى: فسبح بحمد ربك و استغفره‏ [النصر: 3] فلذلك جمع في دعائه التسبيح و الحمد و ذكر لفظ الرب و طلب المغفرة فقولها «يتأول» صريح في أنه فسر الآية بالظاهر منها و لم يحملها على ما تشير إليه من انتهاء مدة الرسالة و قرب انتقاله صلى الله عليه و سلم، الذي فهمه منها عمر و ابن عباس رضي الله عنهما.[1]


[1] التحرير و التنوير    ج‏1    ۱۴-۱۵