تفسیر الوجوه و النظائر
التأويل[1]
أصل التأويل من الأول، و هو: الرجوع، يقال: آل الشيء؛ إذا رجع، و أول الكلام تأويلا، إذا رده إلى الوجه الذي يعرف منه معناه، و قوله: يوم يأتي تأويله [سورة الأعراف آية: 53]، أي: يأتي ما يؤول إليه أمرهم في البعث، و قوله تعالى: و ما يعلم تأويله إلا الله [سورة آل عمران آية: 7]، أي: ما يرجع إليه معناه، و قيل:
و الراسخون في العلم يقولون آمنا به [سورة آل عمران آية: 7]، أي: بالبعث، و ليس بالوجه؛ لأنه ليس للبعث هاهنا ذكر.
و التأويل في القرآن على خمسة أوجه:
الأول: و ما يعلم تأويله إلا الله [سورة آل عمران آية: 7]، قال أبو علي رضي الله عنه يعني تفسير المتشابه به كله على حقائقه، و ذلك أن في القرآن أمورا مجملة، مثل أمر الساعة و أمر صغائر الذنوب التي شرط غفرانها باجتناب الكبائر، و استدل على هذا بقوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله [سورة الأعراف آية: 53]، فجعل الموعود الذي وعدهم إياه في القرآن تأويلا للقرآن.
و جاء في التفسير أن التأويل هاهنا منتهي مدة ملك أمة محمد صلى الله عليه و سلم، و ذلك أن اليهود حسبوا ليعلموا ذلك، فأعلمهم الله أنه لا يعرف ذلك بالحساب، و إنما يعرف من قبل الله تعالى.
و التأويل و التفسير واحد، لأن معنى التأويل يعود إلى التفسير، و يفرق بينهما من وجه ذكرناه في" كتاب الفروق" و هو أن التفسير هو الإخبار عن إفراد أحاد الجملة، و التأويل:
الإخبار بمعنى الكلام، و قيل: التفسير إفراد ما انتظمه ظاهر التنزيل، و التأويل: الإخبار عن غرض المتكلم بكلامه.
و الثاني: عاقبة الأمر و ما يؤول إليه، و هو قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله [سورة الأعراف آية: 53]، يذكر قوما أوعدوا بالعذاب، فتطلعوا عاقبة ما أوعدوا به رادين له، فقال: هل ينظرون إلا تأويل ذلك المصير و تلك العاقبة، أي: مرجعه و مآبه.
و قوله: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله [سورة يونس آية: 39]، أي: لم تأتهم عاقبة ما وعدهم في القرآن أنه كائن في الآخرة من الوعيد، و لم يعن أنه لم يأتهم العلم و تفسيره، لأن جميع ما في القرآن مفهوم المعنى، و لو كان فيه شيء لا يفهم معناه لم يكن لإنزاله وجه.
و مثل ذلك قوله تعالى: ذلك خير و أحسن تأويلا* [سورة النساء آية: 59، الإسراء: 35]، أي: عاقبة.
و الثالث: تعبير الرؤيا، قال: يعلمك من تأويل الأحاديث [سورة يوسف آية:
6]، يعني: تعبير الرؤيا. و قال: نبئنا بتأويله [سورة يوسف آية: 36]، و قال: أنا أنبئكم بتأويله [سورة يوسف آية: 45]، و قال: و علمتني من تأويل الأحاديث [سورة يوسف آية: 101]، يعني: بجميع ذلك تعبير الرؤيا، و سميت الرؤيا أحاديث؛ لأن منها ما يصح، و منها ما لا يصح، مثل الأحاديث التي يتحدث بها صدقا و كذبا. فأما رؤيا الأنبياء عليهم السلام خاصة فيقين.
الرابع: التحقيق، قال: يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل [سورة يوسف آية:
100]، جاء في التفسير أنه أراد: تحقيق رؤياي، و هو حسن، و يجوز أن يكون معناه: تفسير رؤيا و: يا أبت بالكسر على حذف ياء الإضافة، و يجوز بالفتح على حذف الألف المنقلبة عن ياء الإضافة، و أجاز الفراء الضم، و لم يجزه الزجاج، إلا أن التاء عوض عن ياء الإضافة، و قال علي بن عيسى: هو جائز، لأن العوض لا يمنع من الحذف.
الخامس: قوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله [سورة يوسف آية:
37]، جاء في التفسير أنه أراد بألوانه قبل أن يأتيكما، و المراد بتسميته بألوانه و صفاته؛ كأنه يفسره لهما، فلهذا سماه تأويلا، و سمي تفسير الشيء تأويلا، لأنه مآل لبيان معناه، و:
نبأتكما [سورة يوسف آية: 37]، أخبرتكما، و النبأ: الخبر العظيم، لا يكون إلا كذلك.
و خرج لنا بعد وجه آخر، و هو قوله: و أحسن تأويلا* [سورة النساء آية: 59، الإسراء: 35]، قال مجاهد: أي: جزاء قلنا: و ذلك أن الجزاء هو الشيء الذي آلوا إليه.[2]
[1] ( 1) قال الجرجاني: التأويل في الأصل: الترجيع. و في الشرع: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب و السنة، مثل قوله تعالى:" يخرج الحي من الميت*" إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، و إن أراد به إخراج المؤمن من الكافر، أو العالم من الجاهل، كان تأويلا.
و قال أيضا في موضع آخر: و الفرق بين التأويل و البيان، أن التأويل ما يذكر في كلام لا يفهم منه معنى محصل في أول وهلة، و البيان ما يذكر فيما يفهم ذلك لنوع خفاء بالنسبة إلى البعض.[ التعريفات: التأويل، و بيان التفسير].
[2] تصحيح الوجوه و النظائر ۱۴۱-۱۴۳
بدون نظر