الف)امامیه
حضرات علماء اعلام و آیات عظام:
سید مرتضی
و ليس لأحد أن يقول: هذا يقتضى اطّراح الخبرين معا، لأنّ التّوقّف على طلب الدّليل ليس باطّراح، و يجري ذلك مجرى العمومين إذا تعارضا. و يمكن أن يقال: إنّ اللَّه تعالى لا يخلّي المكلّف من دلالة تدلّه على ما يجب أن يعمل به، من بناء، أو غيره، كما يقال ذلك في العمومين المتعارضين.
فأمّا ترجيحهم البناء بأنّ ذلك يقتضى العمل بالخبرين معا على وجه صحيح، و العمل بالعامّ يقتضى اطّراح الخاصّ جملة، فإنّما هو متوجّه إلى من رأي العمل بالعامّ، فأمّا المتوقّف فلا يلزمه هذا الكلام، و له أن يقول: كما أنّ العامل بالعامّ مطرح للخاصّ، فالعامل بالخاصّ بان على ما لا يعلمه من ورودهما معاو الشّرط إذا لم يكن معلوما، فلا يجوز إثبات المشروط[1]
شیخ طوسی
· تهذیب الاحکام
ثم أذكر بعد ذلك ما ورد من أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك و أنظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها و يضادها و أبين الوجه فيها إما بتأويل أجمع بينها و بينها أو أذكر وجه الفساد فيها إما من ضعف إسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها فإذا اتفق الخبران على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر بينت أن العمل يجب أن يكون بما يوافق دلالة الأصل و ترك العمل بما يخالفه و كذلك إن كان الحكم مما لا نص فيه على التعيين حملته على ما يقتضيه الأصل و مهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في إسنادها فإني لا أتعداه و أجتهد أن أروي في معنى ما أتأول الحديث عليه حديثا آخر يتضمن ذلك المعنى إما من صريحه أو فحواه حتى أكون عاملا على الفتيا و التأويل بالأثر و إن كان هذا مما لا يجب علينا لكنه مما يؤنس بالتمسك بالأحاديث و أجري على عادتي هذه إلى آخر الكتاب و أوضح إيضاحا لا يلتبس الوجه على أحد ممن نظر فيه[2]
· الاستبصار
و ان ابتدىء في كل باب بايراد ما اعتمده من الفتوى و الاحاديث فيه ثم اعقب بما يخالفها من الاخبار و أبين وجه الجمع بينها على وجه لا اسقط شيئا منها ما امكن ذلك فيه و اجري في ذلك على عادتي في كتابي الكبير المذكور و ان اشير في اول الكتاب الى جملة مما يرجح به الاحاديث بعضها على بعض و لأجله جاز العمل بشيء منها دون جميعها و انا مبين ذلك على غاية من الاختصار إذ شرح ذلك ليس هذا موضعه و هو مذكور في الكتب المصنفة في اصول الفقه المعمولة في هذا الباب[3]
· العدّه
فأما الأخبار إذا تعارضت و تقابلت فإنه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح، و الترجيح يكون بأشياء:
منها: أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة المقطوع بها و الآخر مخالفا لهما، فإنه يجب العمل بما وافقهما و ترك العمل بما خالفهما.
و كذلك إن وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقة و الآخر يخالفه، وجب العمل بما يوافق إجماعهم و يترك العمل بما يخالفه.
فإن لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك، و كانت فتيا الطائفة مختلفة، نظر في حال رواتهما فما كان راويه عدلا وجب العمل به و ترك العمل بما لم يروه العدل، و سنبين القول في العدالة المراعاة في هذا الباب.
فإن كان رواتهما جميعا عدلين، نظر في أكثرهما رواة عمل به و ترك العمل بقليل الرّواة.
فإن كان رواتهما متساويين في العدد و العدالة، عمل بأبعدهما من قول العامة و يترك العمل بما يوافقهم.
و إن كان الخبران يوافقان العامة أو يخالفانها جميعا نظر في حالهما:
فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالخبر الآخر على وجه من الوجوه و ضرب من التأويل، و إذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر، وجب العمل بالخبر الّذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر، لأن الخبرين جميعا منقولان مجمع على نقلهما، و ليس هناك قرينة تدل على صحة أحدهما، و لا ما يرجح أحدهما به على الآخر فينبغي أن يعمل بها إذا أمكن و لا يعمل بالخبر الّذي إذا عمل به وجب إطراح العمل بالخبر الآخر.
و إن لم يمكن العمل بهما جميعا لتضادهما و تنافيهما و أمكن حمل كل واحد منهما على ما يوافق الخبر (الآخر) على وجه، كان الإنسان مخيرا في العمل بأيهما شاء.[4]
علامه حلی
· نهایه الوصول:
الف) البحث الخامس: في الجمع بين الأدلّة المتعارضة
إذا تعارض دليلان لم يمكن العمل بكلّ منهما من كلّ وجه و إلّا فلا تعارض بل لا بدّ من إبطال أحدهما من كلّ وجه أو من بعض الوجوه، أو إبطالهما معا من كلّ وجه أو من بعض الوجوه. فإن أمكن العمل بكلّ منهما من وجه دون وجه كان أولى من العمل بأحدهما و إبطال الآخر بالكلية، لأنّ دلالة اللفظ على جزء المفهوم تابعة لدلالته على كلّ مفهومه الّتي هي دلالة أصلية. فإذا عمل بكلّ منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التبعية، و إذا عملنا بأحدهما دون الثاني فقد تركنا العمل بالدلالة الأصلية، و الأوّل أولى.
فالعمل بكلّ منهما من وجه دون وجه أولى من العمل بأحدهما من كلّ وجه دون الثاني.
و فيه نظر، لأنّ العمل بكلّ منهما من وجه دون وجه عمل بالدلالة التبعية و إبطال للأصلية من الدليلين، و العمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدلالة الأصلية و التبعية في أحد الدّليلين و إبطال لهما في الآخر، و لا شكّ في أولوية العمل بأصل و تابع على العمل بالتابعين و إبطال الأصلين[5].
ب) ثمّ إنّه مشترك الإلزام، فإنّه لو لا الاستثناء لم يصحّ الدّخول، و إنّما قلنا بنفي الفارق بين الجمع المنكّر و المعرّف، لأنّ الجمع المنكّر هو الّذي يدلّ على جمع يصلح أن يتناول كلّ واحد من الأشخاص، فلو كان الجمع المعرّف كذلك، انتفى الفرق.
و حمل الاستثناء على الصحّة و إن كان أولى، من حيث العموم، لكنّه معارض بأنّ الصّحّة جزء من الوجوب، فلو حملناه على الوجوب، لكنّا قد أفدنا به الصّحّة و الوجوب معا.
و لو حملناه على الصّحّة، لم نفد به الوجوب، و الجمع بين الدّليلين أولى.[6]
ج) المبحث الثاني: في تخصيص العامّ بالمفهوم
المفهوم قسمان: مفهوم الموافقة، و مفهوم المخالفة.
و الأوّل حجّة قطعا، فيجوز التّخصيص به،...
و أما الثاني، فإن قلنا: إنّه حجّة، فلا شكّ أنّ دلالته أضعف من دلالة المنطوق، فهل يجوز التخصيص به أم لا؟ اختلف فيه:
فقال الأكثر: إنّه يجوز التخصيص به، كما لو ورد لفظ عامّ يدلّ على وجوب الزكاة في الأنعام كلّها ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: في سائمة الغنم زكاة، فإنّه يكون مخصّصا للعموم بإخراج معلوفة الغنم عن وجوب الزكاة بمفهومه، لأنّ كلّا منهما دليل شرعيّ، و قد تقابلا، و أحدهما أعمّ من الآخر، فيخصّ العامّ بالخاصّ، لما فيه من العمل بالدّليلين، و هو أولى من إبطال أحدهما بالكليّة.
و قيل: لا يخصّص، لأنّ الخاصّ إنّما قدّم على العامّ، لأنّ دلالته على ما تحته أقوى من دلالة العامّ على ذلك الخاصّ، و الأقوى راجح، و هنا ليس كذلك، فإنّ المفهوم و إن كان من حيث إنّه خاصّ أقوى، إلّا أنّ دلالة المفهوم على مدلوله أضعف من دلالة العامّ على ذلك الخاصّ، لأنّ العامّ منطوق به في محلّ المفهوم، و المفهوم ليس منطوقا به، و المنطوق أقوى في دلالته من المفهوم، لافتقار المفهوم في دلالته إلى المنطوق، و عدم افتقار المنطوق في دلالته إلى المفهوم.
فلو خصّص العامّ بالمفهوم كان ترجيحا للأضعف على الأقوى، و هو غير جائز.
و الجواب: أنّ العمل بالمفهوم لا يلزم منه إبطال العمل بالعموم مطلقا، و الجمع بين الدليلين و لو من وجه، أولى من العمل بظاهر أحدهما و إبطال الآخر بالكليّة.[7]
د) و فائدة قوله: مِنْ دُونِ اللَّهِ التأكيد، و حمل الكلام على التأسيس و إن كان أولى، لأنّه الأصل، غير أنّه يلزم من حمله على فائدة التأسيس مخالفة ظاهر قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و الجمع أولى.[8]
· مختلف الشیعه
الف) احتج القائلون بوجوب الحكم الأوّل بالروايتين السابقتين.
و الجواب: انّهما محمولتان على الاستحباب جمعا بين الأدلّة، إذ في العمل بذلك عمل بهما و بالروايات المتأخّرة، و في العمل بهما على سبيل الوجوب ابطال للروايات المتأخّرة، و الجمع بين الأخبار أولى من اطراح بعضها، و احتجاج السيد بالإجماع ممنوع ان قصد به الوجوب، و إلا فهو المطلوب، و الاحتياط لا يعطي الوجوب، و براءة الذمة كما تدلّ على مطلوبه فهي على مطلوبنا نحن أدلّ[9].
ب) و هذا الذي اختاره الشيخ هو مذهب الصدوق في (المقنع) إلّا أنّه في (المقنع) قال: يستسعى في قيمته. و الشيخ قال: يستسعى في الدية، و ليس بعيدا من الصواب، لما فيه من الجمع بين الأخبار بما يناسب المعقول[10].
شهید اول
و التحقيق هنا: انّ الأخبار في حيز التعارض، و الجامع بينها الحمل على الاستحباب، فان القول بالمضايقة المحضة يلزم منه اطراح الأخبار الصحيحة على التوسعة، و القول باستحباب تقديم الحاضرة يلزم منه إطراح أخبار الترتيب، و التفصيل معرض لاطراح الجميع، و العمل الخبرين مهما أمكن أولى من اطراحهما، أو إطراح أحدهما. و بتقدير الاطّراح، تبقى قضية الأصل و عمومات القرآن سالمة عن المعارض[11].
صیمری
الثاني: في حمل الجواز على طلاق السنة، و المنع على طلاق العدة
، و قد حمله بعض الأصحاب على ذلك، و وجه هذا الحمل: أن لفظ الطلاق مشترك بين السني و العدي و غير ذلك من أنواع الطلاق، فلا يلزم من ورود النفي و الإثبات عليه تناقض، لجواز اختلاف المعنيين، و إذا أمكن الجمع بين الأخبار من غير مناقضة كان أولى من إبطال بعضها، فتحمل رواية الجواز على الطلاق السني، لعدم اشتراط الوطي فيه، و رواية المنع على (الطلاق العدي لاشتراط الوطي فيه) لئلا تتناقض الأخبار، و قال المصنف: و هو تحكم، أي قول بغير دليل، لأن الأخبار وردت مطلقة، فتخصيص خبر الجواز بطلاق السنة، و تخصيص خبر المنع بطلاق العدة، لا مخصص له فكان تحكما[12].
محقق کرکی
قوله: (و في النّافلة يجب السّجود و إن تعمّد).
(2) لأنّ الزيادة في النّافلة مغتفرة، و تعمد العزمية فيها جائز، حملا للأخبار المطلقة بجواز قراءة العزيمة في الصّلاة على النّافلة، مثل رواية الحلبي ، و رواية عبد اللّه بن سنان، عن الصّادق عليه السّلام و رواية محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام جمعا بينها و بين ما دلّ على المنع، لأنّ الجمع بين الأدلّة أولى من اطراح بعضها[13].
محقق اردبیلی
و اما مع خوف فوت البعض، فالظن يغلب على العدم، لان الجمع مهما أمكن أولى: و انه أمر خلاف الأصل، و قطع للفريضة مع التحريم (و خ) للوجوب على ما هو عليها ، و لعدم الخلاف، فلو أمكن الإتمام فريضة ثم إدراك الفضيلة اعادة.، خصوصا قبل ركوع الركعة الاولى، فلا يبعد الإتمام فريضة و الاستيناف اعادة[14].
شهید ثانی
· تمهید القواعد
قاعدة «97» إذا تعارض دليلان فالعمل بهما و لو من وجه أولى من إسقاط أحدهما بالكلية،
لأن الأصل في كل واحد منهما هو الإعمال، فيجمع بينهما بما أمكن،لاستحالة الترجيح من غير مرجح.
و من فروع القاعدة:
ما إذا أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، فقيل: يشرك بينهما، لاحتمال إرادته، عملا بالقاعدة و الأصح كونه رجوعا.
و هذا بخلاف ما لو قال: (الّذي أوصيت به لزيد قد أوصيت به لعمرو)أو قال لعمرو: قد أوصيت لك بالعبد الّذي أوصيت به لزيد، فإنه رجوع هنا قطعا.
و الفرق: أنه هناك يجوز أن يكون قد نسي الوصية الأولى، فاستصحبناها بقدر الإمكان على القول بالتشريك، و هنا بخلافه.
و منها: إذا قامت البينة بأن جميع الدار لزيد، و قامت أخرى بأن جميعها لعمرو، و كانت في يدهما، أو لم تكن في يد واحد منهما، فإنها تقسم بينهما.
و لو كان بين الدليلين عموم و خصوص من وجه، و هما اللذان يجتمعان في صورة، و ينفرد كل منهما عن الآخر في أخرى، كالحيوان و الأبيض، طلب الترجيح بينهما، لأنه ليس تقديم خصوص أحدهما على عموم الآخر بأولى من العكس، فإن الخصوص يقتضي الرجحان، و قد ثبت هاهنا لكل واحد منهما، خصوصا بالنسبة إلى الآخر، فيكون لكل منهما رجحان على الآخر. كذا جزم به في «المحصول» و غيره
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة:
تفضيل فعل النافلة في البيت على المسجد الحرام، فإن قوله صلى اللَّه عليه و آله: «صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما عداه، إلا المسجد الحرام»يقتضي تفضيل فعلها فيه على البيت، لعموم قوله صلى اللَّه عليه و آله: «فيما عداه»، و قوله صلى اللَّه عليه و آله: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»يقتضي تفضيل فعلها فيه على المسجد الحرام و مسجد المدينة.
و يرجح الثاني أن حكمة اختيار البيت عن المسجد: هو البعد عن الرياء المؤدي إلى إحباط الأجر بالكلية، و هو حاصل مع المسجدين.
و أما حكمه المسجدين: فهي الشرف المقتضي لزيادة الفضيلة على ما عداهما، مع اشتراك الكل في الصحة، و حصول الثواب، و محصل الصحة أولى من محصل الزيادة.
و يمكن ردّ هذا إلى الأولى، فيعمل بكل منهما من وجه، بأن يحمل عموم فضيلة المسجد على الفريضة، و عموم فضيلة البيت على النافلة، لأن النافلة أقرب إلى مظنة الرياء من الفريضة، و هذا هو الأصح، و فيه مع ذلك إعمال الدليلين، و هو أولى من اطراح أحدهما.
و منها: قوله صلى اللَّه عليه و آله: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» فإن بينه و بين نهيه صلى اللَّه عليه و آله عن الصلاة في الأوقات المكروهة عموما و خصوصا من وجه، لأن الخبر الأول عام في الأوقات، خاص ببعض الصلوات، و هي المقضية؛ و الثاني عام في الصلاة، خاص ببعض الأوقات، و هو وقت الكراهة، فيصار إلى الترجيح.
و المرجح للأول أنه صلى اللَّه عليه و آله قضى سنّة الظهر بعد فعل العصر، و قال:
«شغلني عنها وفد عبد القيس»و لما في المبادرة إلى القضاء من الاحتياط و المسارعة إلى الخير و براءة الذّمّة.
هذا بالنظر إلى ما ورد عنه صلى اللَّه عليه و آله، و أما على ما رواه أصحابنا من اختصاص الكراهة بغير ذات السبب فالحكم واضح.
و منها: عدم كراهة الصلاة في الأوقات المكروهة بمكة- شرّفها اللَّه تعالى- فإن قوله صلى اللَّه عليه و آله: «يا بني عبد مناف من ولي منكم أمر هذا البيت فلا يمنعنّ أحدا طاف أو صلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار»مع نهيه صلى اللَّه عليه و آله عن الصلاة في الأوقات المكروهة، فيتعارضان من وجه، فقيل: يقدّم خصوص مكة، لعموم:
«الصلاة خير موضوع» و نحوه، و ظاهر الأصحاب تقديم عموم الكراهة.[15]
· رسائل الشهید
فإنِ اعتُبِرَ في صحّةِ طلاق الغائب مدلول أخباره خاصّةً، لم يكن الحَيْضُ مانعاً من الصحّةِ و لا طُهْرُ المواقعةِ مطلقاً؛ و إن اعتُبِرَ معها مدلول هذه الأخبار، لزم المنع من طلاق الغائب مع الجهلِ بالحال، و مع تبيّنِ الحَيْضِ و الطهْرِ بعد الطلاقِ و إنْ جَهِلَ الحالَ عندَه، و الاتِّفاق على خلافه.
قلنا: وجوبُ الجمع بين الأخبار المُطْلَقَةِ و العامّةِ تقتضي اعتبارَ جميع ما دلّتْ عليه الأخبار المختلفة، إلا ما أخرجهُ الإجماع، و هو الطلاق من الغائب مع اشتباه الحال دائماً، و مع ظهور الحَيْضِ و طُهْرِ المواقعةِ بعد ذلك، و يبقى ما عَدا المُجْمَعُ عليه على الأصلِ من اعتبار استجماع جميعِ ما أمكنَ جمعه من الشرائط التي من جملتها مُضيّ المدّةِ في الغائب، و السلامةُ من الحَيْضِ و طُهْر المواقعةِ.
فإنْ قيل) هذا يقتضي المنعَ من طلاقِ الغائب لو تَبيّن بعد ذلك وقوعه في طُهْرِ المُواقعةِ؛ لأنّه لا إجماعَ عليه، و قد تقدّمَ نقل الخلاف فيه.
قلنا: إن سُلّمَ عدمُ الإجماع عليه المستفاد من إطلاق الأصحاب صِحّةَ الطلاق مع اعتبار المدّةِ المذكورة من غَير تقييدٍ بطُهْرِ المُواقعةِ و عدمه أمكَنَ استنادُ الصحّة فيه إلى مفهوم الموافقةِ، بالنسبة إلى صحّةِ طلاق مَن تبيّنَ كونها حائضاً، المنصوصِ على صحتهِ المُجْمَعِ عليه بناءً على ما تقدّمَ من أنّ الحَيْضَ يوجب اختلالَ الشرطينِ المعتبرين في الطلاق، و طُهْر المُواقعة يوجب اختلالَ شرطٍ واحدٍ، فإذا صحّ الطلاقُ مع اختلال الشرطَينِ صحّ مع اختلال شرطٍ واحدٍ بطريقٍ أولى. و إنْ لم يتِمّ هذا الدليلُ و تبَيّنَ عدمُ الأولوية التزمنا ببطلان الطلاق المذكور؛ اعتباراً لوجوب الجمع بين الأخبار بحسب الإمكان[16].
· مسالک الافهام
نعم، ما ذكره العلامة من التأويل للروايتين جعله الشيخ في التهذيب طريقا للجمع بين الاخبار حذرا من التنافي. و مثل هذا لا بأس به في الحمل، لا أن يجعل مستندا برأسه.
و حجّة ابن بابويه على اعتبار الحيضة و نصف صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام: «عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة- إلى أن قال-: و إذا انقضت أيّامها و هو حيّ اعتدّت بحيضة و نصف مثل ما يجب على الأمة» . و هذا أجود من الجميع سندا، لكن الأول أشهر بين الأصحاب. و يمكن حمل الحيضة و النصف على اعتبار الطهرين، و هما لا يتحقّقان إلّا بالدخول في الحيضة الثانية، فأطلق على الجزء من الحيضة الثانية اسم النصف مجازا. و هو أنسب بطريق الجمع بين الأخبار، و أولى من اطّراح بعضها[17].
· روض الجنان
و ذهب جماعة من المتأخّرين منهم الشهيد رحمه اللّه إلى الكراهة؛ جمعاً بين ما تقدّم و بين رواية عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه السلام في القرآن بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال: «لا بأس» و روى زرارة عن الباقر عليه السلام «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس» و هي نصّ في الباب، فالقول بالكراهة أوجه، فإنّه أولى من اطّراح هاتين الروايتين[18].
و هذا مع كونه موافقاً للقواعد الأُصوليّة جمع حسن بين الأخبار، فهو أولى من اطراح بعضها، أو حملها على التقيّة و غيرها[19].
شریف شیرازی
۲. عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيدالله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي، عن شعيب، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: يا طالب العلم، إن العلم ذو فضائل كثيرة؛ فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، واذنه الفهم، ولسانه الصدق، ...وزاده المعروف، ومأواه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه محبة الأخيار».
(وماؤه) وما يسكن به عطشه وحرقة فؤاده (الموادعة) أي المصالحة، والمقصود الجمع بين المتعارضين، ورفع التنازع والتعارض بينهما مهما أمكن، وذلك يوجب تسكينه.وحقيقة الموادعة المتاركة؛ لأن كل واحد من المتصالحين يدعي شيئا من دعواه.[20]
۶. محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه؛ وعلي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام؛ وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، رفعه، عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال: «إن من أبغض الخلق إلى الله عزوجل لرجلين: رجل وكله الله...يذري الروايات ذرو الريح الهشيم
وقوله عليه السلام: (يذري الروايات ذرو الريح الهشيم) يقال: ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا، أي طيرته. والهشيم من النبات: اليابس المتكسر. والمراد تأويل الروايات على الهوى، وتقديم القياس على الخبر الواحد كما هو رأي أبي حنيفة، وعدم رعاية الجمع بين متعارضاتها مهما أمكن. وهذا إلى آخر الحديث ناظر إلى قوليه من «ركاب شبهات» و «خباط جهالات».[21]
[1] الذريعة إلى أصول الشريعة ؛ ج۱ ؛ ص۳۱۸-۳۱۹
[2] تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان) ؛ ج۱ ؛ ص۳-۴
[3] الإستبصار فيما اختلف من الأخبار ؛ ج۱ ؛ ص۳
[4] العدة في أصول الفقه ؛ ج۱ ؛ ص۱۴۷-۱۴۸
[5] نهاية الوصول الى علم الأصول ؛ ج۵ ؛ ص۲۹۵
[6] نهاية الوصول الى علم الأصول، ج۲، ص: ۱۴۷
[7] نهاية الوصول الى علم الأصول ؛ ج۲ ؛ ص۳۳۱-۳۳۲
[8] نهاية الوصول الى علم الأصول ؛ ج۲ ؛ ص۴۶۷
[9] مختلف الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج۳، ص: ۲۲۹
[10] مختلف الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج۹، ص: ۳۲۷
[11] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج۲، ص: ۴۲۱
[12] غاية المرام في شرح شرائع الإسلام؛ ج۳، ص: ۲۲۰
[13] جامع المقاصد في شرح القواعد؛ ج۲، ص: ۲۶۴
[14] مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان؛ ج۳، ص: ۳۳۱
[15] تمهيد القواعد ؛ ص۲۸۳-۲۸۶
[16] رسائل الشهيد الثاني (ط - الحديثة)، ج۱، ص: ۴۲۷
[17] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام؛ ج۷، ص: ۴۷۴
[18] روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان (ط - الحديثة)؛ ج۲، ص: ۷۰۱
[19] روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان (ط - الحديثة)؛ ج۲، ص: ۷۲۰
[20] الكشف الوافي في شرح أصول الكافي (للشريف الشيرازي) ؛ ص۱۸۷-۱۹۱
[21] الكشف الوافي في شرح أصول الكافي (للشريف الشيرازي) ؛ ص۲۳۱-۲۳۷
بدون نظر