محقق بهبهانی
الرسائل الاصولیه
و بالجملة؛ كون الحكم الشرعيّ إذا ثبت فالظاهر بقاؤه إلى أن يظهر خلافه، لعلّه ليس محلّا لتأمّل المتشرّعة[1] إلّا أن يكون الحكم مؤقّتا بوقت، أو مختصّا بحال، أو فوريّا،- على الخلاف في الفوري- إنّما تأمّلهم في ظهور خلاف الحكم الأوّل بمجرد التغيّرات المذكورة، و أمّا مثل الحكم المؤقّت فهو خارج عن محلّ نزاعهم.
...و بالجملة؛ إذا ثبت حكم فيكون ارتفاعه و ثبوت خلافه شرعا محتاجا إلى دليل شرعيّ، بحيث لو لم يكن الدليل لكان باقيا على حاله، راسخا في قلوب المتشرّعة، بحيث يصعب عليهم تجويز خلاف ذلك، بل و يتعجّبون من التجويز.
و أمّا فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم فلا يزالون يتمسّكون بالاستصحاب في كتبهم الفقهيّة من دون تأمّل، محتجّين في كتبهم الاستدلالية لإثبات الأحكام من دون توقّف و تزلزل.
نعم، نرى[2] بعض المتأخرين في بعض المقامات يتأمّلون، و إلّا ففي الغالب يتمسّكون، و ربّما يقولون: ليس هذا باستصحاب بل إطلاق الدليل الدال على الحكم[3] مع أنّا ربّما لا نجد من دلالة الإطلاق أثرا سوى أنّه رسخ في ذهنه الاستصحاب، فيفهم على وفقه و يظنّ أنّه إطلاق؛ مثلا يقول: ما دلّ على نجاسة الكرّ المتغيّر شامل لما إذا زال تغيّره، و كذا القليل .. و أمثال ذلك. و لو لا ذلك الرسوخ لأشكل فهم هذا الإطلاق و العموم و جعلهما مستندا للحكم الشرعيّ، أ لا ترى! أنّه لو بدّل الحكم الشرعيّ و أتى مكانه بالحكم العرفيّ أو حكم الطبيب .. أو
غيرهما لم يفهم، مثل[4] أن يقول: لا تأكل إذا كان حامضا أو مالحا، و لا تشرب إذا تعفّن أو برد؛ فلا يفهم شموله لما إذا زال الحموضة بالمرّة، و كذا العفونة و الملوحة و البرودة، فإما يفهمون عدم المنع أو يتأمّلون في الشمول، فتتبّع موارد استعمالاتهم، و تأمّل جدا.
على أنّهم كثيرا ما يتمسّكون بأصالة العدم، و أصالة البقاء من دون إطلاق خبركما أشرنا.
ثمّ اعلم! أنّ هذا الرسوخ و الفهم و الانس من تتبّع تضاعيف أحكام الشرع و استقرائها، كما فهموا حجيّة شهادة العدلين على الإطلاق منه إلّا فيما ثبت خلافه.[5]
[1] ( 1) في ب، ج: ( محل تأمّل للمتشرّعة)، في د: ( محل التأمّل للمتشرّعة).
[2] ( 6) في الف، د: ( ترى).
[3] ( 7) الحدائق الناضرة: ۱/ ۳۴۵.
[4] ( 1) في د: ( مثلا).
[5] الرسائل الأصولية ؛ متن ؛ ص ۴۲۷-۴۲۹
بدون نظر