سید حسین بروجردی
ارتکاز مسلمین بر نصب امام جمعه از سوی حاکم
الف) الأوّل: بيان نكتة تاريخية في باب إقامة الجمعة
اعلم أنّ ها هنا نكتة تاريخية تكون بمنزلة القرينة المتصلة للأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام فيجب التوجه إليها في فهم مفاد الأخبار، و هي أنّه لا ريب في أنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كان بنفسه يقيم الجمعة و يعقدها، و بعده أيضا ما أقامها إلا الخلفاء و الأمراء و من ولي الصلاة من قبلهم، حتى وصلت النوبة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام فكان هو أيضا كذلك، و كان من سيرتهم جميعا تعيين أشخاص معينة لإمامة الجمعة في البلدان و إن كان الغالب تعيين الحكام لها، فكان عقدها و إقامتها من مناصبهم الخاصة و لم يعهد في عهدهم إقامة شخص آخر لها، بدون إذنهم حتى في عصر خلافة على عليه السلام و هكذا كان سيرة الخلفاء غير الراشدين من الأموية و العباسية، فكان ينظر و يرى كل واحد من آحاد المسلمين أنه كلما أقبل يوم الجمعة حضر الخليفة بنفسه أو نائبه لإقامتها و اجتمع الناس و سعوا إليها و لم يروا قط أحدا يعقدها باختياره.
فهذه السيرة و الطريقة كانت مشهودة للمسلمين مركوزة في أذهانهم حتى لأصحاب أئمتنا عليهم السلام، فالأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام قد ألقيت إلى أشخاص قد شهدوا هذه الطريقة من الخلفاء و عمّالهم و من الناس في الجمعات و ارتكزت هذه الطريقة في أذهانهم من الصغر، و قد استمر سيرة السلاطين بعد الخلفاء أيضا على إقامة الجمعة بأنفسهم و على نصب أشخاص خاصة لها، حتى إنّ السلطان إسماعيل الصفوي قد مال إلى إقامتها في قبال العثمانية و كانت الصفوية يعينون أشخاصا خاصة لإقامة الجمعة في البلدان، و كان إقامة الجمعة من المناصب المفوضة من قبلهم، و هكذا كان سيرة القاجارية، و لأجل ذلك كان في كل بلد شخص خاص ملقبا بلقب إمام الجمعة[1].
ب) كيف؟ و لو كان الأمر كذلك لكان عقد الجمعة و إقامتها متداولا بين المسلمين في جميع الأمكنة و الأزمنة، و صار وجوبها كذلك من ضروريات الإسلام كسائر الفرائض و الصلوات اليومية، و اعتاد جميع المسلمين في جميع البلدان على أن يجتمعوا في كل جمعة لإقامتها سواء وجد فيهم من نصب من قبل الخليفة أم لم يوجد، بل لم يكن على هذا للنصب معنى و فائدة.
مع وضوح أنّ عادة المسلمين في أعصار النبي صلّى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام لم تكن كذلك، بل كان رسول الله صلّى الله عليه و آله هو بنفسه يعقد الجمعة و يقيمها و كذلك الخلفاء من بعده حتى أمير المؤمنين عليه السلام، و كان الخلفاء ينسبون في البلدان أشخاصا معينة لإقامتها، و لم يعهد في تلك الأعصار أن يتصدى غير المنصوبين لإقامتها و كان الناس يرون من وظائفهم في كل جمعة حضور الجمعات التي كان يقيمها الخلفاء و الأمراء و المنصوبون من قبلهم، فكان إذا أقبل يوم الجمعة حضرا الخليفة أو من نصبه لإقامتها و اجتمع الناس حوله.
فهذه كان سيرة الخلفاء حتى الأموية و العباسية المقلدة لرسوم الراشدين، و ذاك كان دأب الناس و ديدنهم في جميع البلدان، و صار هذا الأمر مركوزا في أذهان جميع المسلمين حتى أصحاب الأئمة عليهم السلام، فكان جميع الأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام ملقاة إلى الذين ارتكز في أذهانهم كون إقامة الجمعة من خصائص الخلفاء و الأمراء و لم يكن يخاطر ببالهم جواز إقامة سائر الناس لها. فلو كان حكم الله و رأي الأئمة عليهم السلام على خلاف ذلك لكان يجب عليهم بيان ذلك و تكراره و الإصرار عليه و إعلام أصحابهم بأنّه يجب على جميع المسلمين السعي في إقامتها و أنها لا تختص ببعض دون بعض، كما استقر على ذلك سيرتهم عليهم السلام في جميع المسائل التي خالف فيها أهل الخلاف لأهل الحق كمسألتي العول و التعصيب و نحوهما[2].
ارتکازات شکل گرفته در فضای عامه ؛ قرینه فهم روایات
ج) و لأجل هذا المعنى تشتت آراء أهل الرأي في تلك الأعصار في بيان حدّ الوقوف الذي ينصرف عنه إطلاق آية القصر و رواياته، و حدّه كلّ منهم بحدّ مخصوص بحسب مناسبة خاصة. فعن عائشة أنّها قالت بثبوت القصر للمسافر ما لم يحطّ رحله عن مركبة، و حدّه الشافعي بأربعة أيام سوى يومي الورود و الخروج، و أبو حنيفة بخمسة عشر يوما و بالجملة كلّ منهم بعد استبعاد بقاء حكم السفر عند طول مدة الوقوف اتخذ في بيان حدّه مشربا خاصا، و كان هذا المقدار من الوقوف بنظرهم قاطعاً للسفر و موجبا لزوال اسمه، بحيث يتوقف ثبوت القصر على إنشاء سفر جديد حتى يصير به ثانيا مصداقا للآية الشريفة.
فهذا المعنى كان مركوزا في أذهان الفقهاء المعاصرين لأئمتنا عليهم السلام، و كان أصحابنا الإمامية أيضا ينبسق إلى أذهانهم هذا المعنى و لا سيما بعد اختلاطهم بهؤلاء الفقهاء، و لكنهم لما كانوا متعبدين بفتاوى الأئمة عليهم السلام راجعوهم و سألوهم عن حدّ الإقامة التي شأنها قطع موضوع السفر بعد كون أصل هذا المعنى مركوزا في أذهانهم، ففصّل الأئمة عليهم السلام بين صورة العزم و عدمه، من جهة أنّ العزم يوجب فراغ خاطر المسافر و انصرافه عن الضرب في الأرض بالكلية، بحيث ينشىء بعد مضي مدّة إقامته سفرا جديدا. و هذا بخلاف المتردد، فإنّه لتردده و قوله: «غدا أخرج أو بعد غد» كأنّه لم يخرج بعد من كونه مسافرا إلاّ إذا طال مدّة وقوفه جدا. و بعد ما بيّن الأئمة عليهم السلام هذا المعنى انسبق إلى أذهان السائلين انقطاع السفر السابق بالكلية بعد بلوغ مدة الوقوف إلى هذا المقدار الذي ذكره الإمام عليه السلام، إذ كان أصل هذا المعنى، أعنى كون مقدار من الوقوف بحيث يوجب قطع السفر السابق، مركوزا في أذهانهم، و سؤالهم كان عن حدّه بعد كون أصله مفروغا عنه.
فبهذا البيان ربما يقطع الفقيه المتتبع المطلع على ارتكازات المخاطبين و على الظروف التي صدرت فيها الأخبار أنّ مقصود الأئمة عليهم السلام كان بيان حدّ الإقامة التي توجب قطع السفر السابق و زوال حكمه بالكلية. و على هذا يصير كل من طرفي الإقامة موضوعا مستقلا لأخبار المسافة و لا ينضمّ اللاحق إلى السابق، فافهم و اغتنم[3].
ارتکاز مسلمین بر وجوب ستر وجه و کفین
د) (و الخمار): ما يستر الرأس و الشعر و العنق و الأذنين و ما حاذاهما.
(و الجلباب): ما يلفّ على الرأس.
(و الإزار): ما يستر من الرأس إلى القدم.
و بضميمة الآية المتقدمة، و هي قوله تعالى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ، يثبت ان هذه الأثواب الأربعة تستر جميع بدنها و هو الموافق لكونها عورة كما تقدم.
هذا كلّه مضافا الى ارتكاز ذلك بين المسلمين بحيث يرى مستنكرا عندهم.
و لعله لذا لم يرد في خصوص وجوب ستر الوجه و حرمة كشفه من الأصحاب و الأئمة عليهم السلام سؤالا و جوابا، فان بناء الأصحاب في نوع الاحكام على السؤال عمّا لا يدل عليه ظاهر القرآن الكريم أو اختلف فيه العامة[4].
اشتراط عدالت دروصیت
ه) و أما العدالة، فذهب الى اشتراطها الشيخ (ره) في المبسوط، و ابن حمزة في الوسيلة، و ابن زهرة في الغنية، و قد حكى عن المفيد (ره) و سلاّر و ابن البرّاج.
و الى عدم اشتراطها ابن إدريس في السرائر، و العلاّمة في المختلف، و حكى القولين المحقّق في الشرائع من غير ترجيح و صرّح بالتردّد في النافع، و نقل التردّد أيضا عن الشهيد في غاية المراد.
و الّذي يمكن أن يستدلّ للأول أمور (الأول) ارتكاز المسلمين بما هم مسلمون في عدم استيمانهم من لا خوف له من اللّه تعالى يمنعه من الخيانة في حقوق المسلمين، سيّما إذا كان متجاهرا بفسقه غير مبال في دينه كما يشير اليه خبر إسماعيل بن الصادق عليه السّلام حيث قال له الصادق عليه السّلام زاجرا له عن استيمان الفاسق في إعطاء المال: أما بلغك انّه يشرب الخمر[5]
[1] البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر، صفحه: ۱۶
[2] البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر، صفحه: ۳۷
[3] البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر، صفحه: ۲۴۶
[4] تقریر بحث آیة العظمی البروجردي في القبلة، الستر و الساتر، مکان المصلي، قم - ایران، جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي، جلد: ۱، صفحه: ۶۴
[5] تقریرات ثلاثة (کتاب الوصیة)، قم - ایران، جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي، صفحه: ۹۲
بدون نظر