رفتن به محتوای اصلی

رسائل فقهیه

أمّا صحّة الاستيجار: فالحقّ صحّته وفاقا للمعظم، لوجوه:

الأوّل: الإجماعات المستفيضة عن جماعة كالشهيد قدّس سرّه حيث قال في الذكرى: إنّ هذا النوع ممّا انعقد عليه إجماع الإماميّة الخلف و السلف، و قد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية (انتهى).

و حكي الإجماع أيضا عن الإيضاح  و جامع المقاصد و إرشاد الجعفرية  بل عن ظاهر مجمع الفائدة أيضا ، و عن بعض الأجلّة- كأنّه صاحب الحدائق- عدم الخلاف في المسألة

و يؤيّد ذلك- مضافا إلى الشهرة العظيمة، إذ لم يخدش في ذلك إلّا صاحبا الكفاية و المفاتيح - استقرار سيرة الشيعة في هذه الأعصار و ما قاربها من المجتهدين و العوام و المحتاطين على الاستيجار و الإيصاء به.

و يدلّ على المسألة- مضافا إلى ما عرفت- أنّ المقتضي لصحّة الاستيجار موجود و المانع مفقود، لاتّفاق المسلمين على أنّ كلّ عمل مباح  مقصود للعقلاء لا يرجع نفعه الى خصوص العامل و لم يجب عليه يجوز استئجاره عليه، و منع تحقّق الإجماع في خصوص كلّ مقام ضروري الفساد عند أدنى محصّل، إذ لم تسمع المناقشة في هذه القاعدة و مطالبة الدليل على الصحّة في كلّ مورد من الأعمال المستأجر عليها كما في الأعيان المستأجرة.

هذا كلّه مضافا إلى العمومات الدالّة على صحّة إجارة الإنسان نفسه، كما في رواية تحف العقول  و غيرها  و عمومات الوفاء بالعقود  و حلّ أكل المال بالتجارة عن تراض  و عمومات الصلح إذا وقعت المعاوضة على جهة المصالحة

و بالجملة: فالأمر أظهر من أن يحتاج إلى الإثبات.

ثمّ إنّ ما ذكره المخالف في المقام لا يوجب التزلزل فيما ذكرناه من الدليل، إذ المحكيّ عن المحدّث الكاشاني في المفاتيح ما هذا لفظه: «أمّا العبادات الواجبة‌ عليه الّتي فاتته، فما شاب منها المال كالحجّ يجوز الاستئجار له كما يجوز التبرّع به عنه بالنصّ و الإجماع، و أمّا البدنيّ المحض- كالصلاة و الصيام- ففي النصوص أنّه «يقضيها عنه أولى الناس به» و ظاهرها التعيّن عليه، و الأظهر جواز التبرّع بهما عنه من غيره أيضا.

و هل يجوز الاستيجار لهما عنه؟ المشهور نعم، و فيه تردّد، لفقد نص فيه، و عدم حجّيّة القياس حتّى يقاس على الحجّ أو على التبرّع، و عدم ثبوت الإجماع بسيطا و لا مركّبا، إذ لم يثبت أنّ كلّ من قال بجواز التبرّع قال بجواز الاستيجار لهما.

و كيف كان: فلا يجب القيام بالعبادات البدنيّة المحضة بتبرع و لا استئجار، إلّا مع الوصيّة»  (انتهى).

و الظاهر أنّ استثناء الوصيّة من نفي الوجوب رأسا، فيجب مع الوصيّة في الجملة، لا مطلقا حتّى يشمل الوصيّة بالاستئجار، كما زعمه بعض فأورد عليه بأنّه لا تأثير للوصيّة في صحّة الاستيجار.

و كيف كان: فحاصل ما ذكره- كما حصّله بعض- يرجع إلى التمسّك بالأصل.

فإن أراد أصالة الفساد بمعنى عدم سقوطه عن الوليّ و عدم براءة ذمّة الميّت، ففيه أنّه لا يعقل الفرق بين فعل الأجير إذا وقع جامعا لشرائط الصحّة و فعل المتبرّع في براءة ذمّة الميّت و الوليّ في الثاني دون الأوّل و إن قلنا بفساد أصل الإجارة.

و دعوى عدم وقوع فعل الأجير صحيحا، لعدم الإخلاص- مع أنّه كلام آخر يأتي الإشارة إليه- مدفوعة بأنّه قد لا يفعله الأجير إلّا بنيّة القربة، إذ الاستيجار لا يوجب امتناع قصد القربة.

و إن أراد به أصالة فساد الإجارة، بمعنى عدم تملّك الأجير للأجرة المسمّاة و عدم تملّك المستأجر العمل على الأجير ليترتّب عليه آثاره، ففيه ما عرفت سابقا من أنّه لا معنى لمطالبة النصّ الخاصّ على صحّة الاستيجار لهذا العمل الخاصّ من بين جميع الأعمال الّتي يعترف بصحّة الاستيجار عليها من غير توقف على نص خاصّ، فهل تجد من نفسك التوقّف في الاستيجار لزيارة الأئمة عليهم السلام من جهة عدم النصّ الخاصّ، و كون إلحاقه قياسا محرّما[1]؟.


[1] رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري)؛ ص: ۲۴۱-۲۴۴